كيف أناديك يا أمي
حتى الآن كنت متماسكا، خفت بالطبع ومت في جلدي ولكني لم أصل أبدا لدرجة البكاء والولولة، وفي سجن بني سويف تماسكت أكثر، وكبر أحكام الزمل وتراوحها بين التأبيدة والعشر سنوات جعلني أأقلم نفسي على سنة، وقلت أستغلها في إعادة الثانوية العامة لتحسين المجموع، وكل صباح كنت أتقافز بمرح ونشاط وأحيانا دندنة إلى دورة المياه وأفطر وأضحك مع المساجين طول النهار، ولكن مع زيارة أمي انهرت، انهمر علىَّ كل ما يمكن تصوره من مشاعر الإذلال والمهانة والحرمان والحبس، الزيارة وجها لوجه كانت ممنوعة، وسمحوا لنا بأن ننظر لأهالينا من فتحات الزنازين، وأمي كانت وسط الناس ولكنها لا تراني، تظلل عينيها بيديها وتلف على الشبابيك، وأنا احترت كيف أناديها وأدلها على موقعي في شباك الزنزانة الثالثة بالدور الثالث، خجلت من مناداتها من هذه المسافة، الناس بعدد النمل بالخارج وحولي مساجين بماذا أناديها، يا أمي يا مامى، اتكسفت من الاثنين، وفكرت أن أناديها باسمها، يا.. ولكنه لم يخرج، ولا أعرف لماذا صعب الأمر لدي لدرجة أنني اختنقت، وأخيرا طلبت من أحد الزملاء أن يندها لي، شايف الست اللي بطرحة سودا اللي هناك.. هناك أهه ..اندهالي قولها يا ابنك جنبي أهوه، وانفجرنا في البكاء.
* من رواية الفاعل
#دار_الشروق_الطبعة_الشعبية_الأولى
حتى الآن كنت متماسكا، خفت بالطبع ومت في جلدي ولكني لم أصل أبدا لدرجة البكاء والولولة، وفي سجن بني سويف تماسكت أكثر، وكبر أحكام الزمل وتراوحها بين التأبيدة والعشر سنوات جعلني أأقلم نفسي على سنة، وقلت أستغلها في إعادة الثانوية العامة لتحسين المجموع، وكل صباح كنت أتقافز بمرح ونشاط وأحيانا دندنة إلى دورة المياه وأفطر وأضحك مع المساجين طول النهار، ولكن مع زيارة أمي انهرت، انهمر علىَّ كل ما يمكن تصوره من مشاعر الإذلال والمهانة والحرمان والحبس، الزيارة وجها لوجه كانت ممنوعة، وسمحوا لنا بأن ننظر لأهالينا من فتحات الزنازين، وأمي كانت وسط الناس ولكنها لا تراني، تظلل عينيها بيديها وتلف على الشبابيك، وأنا احترت كيف أناديها وأدلها على موقعي في شباك الزنزانة الثالثة بالدور الثالث، خجلت من مناداتها من هذه المسافة، الناس بعدد النمل بالخارج وحولي مساجين بماذا أناديها، يا أمي يا مامى، اتكسفت من الاثنين، وفكرت أن أناديها باسمها، يا.. ولكنه لم يخرج، ولا أعرف لماذا صعب الأمر لدي لدرجة أنني اختنقت، وأخيرا طلبت من أحد الزملاء أن يندها لي، شايف الست اللي بطرحة سودا اللي هناك.. هناك أهه ..اندهالي قولها يا ابنك جنبي أهوه، وانفجرنا في البكاء.
* من رواية الفاعل
#دار_الشروق_الطبعة_الشعبية_الأولى