سحر الموسيقى التصويرية فى الأفلام
محمود درويش
تلعب الموسيقى التصويرية دورا حيويا ومهما فى التعبير عن المشاهد والمواقف المختلفة فى الفيلم السينمائى، اذ يمكن الاستغناء بلحن موسيقى عن حوار طويل قد يصيب المشاهد بالملل فتلعب الموسيقى الدور فى توصيله بشكل أفضل وأدق، انها تكشف مكنون النفس البشرية وتعبر عن افراحها وأتراجها وعن ادق خلجاتها مما يساهم فى ثراء المشهد، ولقد كان الفن السينمائى محظوظا بكونه الفن السابع القادر على استيعاب كل ألوان الفنون التى سبقته وفى مقدمتها الموسيقى بسحرها الذى أنعكس على الافلام، وهناك أفلاما فى تاريخ السينما العالمية والمصرية لعبت الموسيقى التصويرية دورا كبيرا بها، بل أصبحت موسيقاها احدى العلامات البارزة فى الفيلم والتى تبقى عالقة فى أذهان الجمهور طويلا ربما أكثر من مشاهد الابطال أنفسهم، فمن ينسى الدور الناجح الذى لعبته الموسيقى فى فيلم الحركة والاثارة «روكي» بأجزائه الخمسة من بطولة سيلفستر ستالون، حيث كانت أبرز موسيقى تصويرية جسدت الحماس في السينما العالمية وعبرت عن التحدي والقوة.
كما أن موسيقى أفلام الغرب «الوسترن» الأمريكي كانت من أهم أسباب نجاح هذه الأفلام بل وكانت سبباً في شهرة بعض المنتجات التي أقتبست تلك الموسيقى للإعلان عنها مثل إحدى أشهر أنواع السجائر الأمريكية التي اتخذت من موسيقى فيلم «العظماء السبعة» تيمة رئيسية لإعلاناتها، كما جسدت موسيقى فيلمي «رجل وإمرأة» للمخرج الفرنس كلود ليلوش (1966)، و«قصة حب» لريان أونيل وآلي ماكجرو (1970)، العواطف والحب وأصبحت رمزاً للرومانسية لفترة طويلة في جميع أنحاء العالم.
ولا ننسى بالطبع الموسيقى التصويرية لفيلم «الطيب والشرس والقبيح» التي وضعها إينيو موريكونى الفائز بأوسكار أفضل موسيقى تصويرية هذا العام عن فيلم «البغضاء الثمانية».
أما اذا نظرنا الي الموسيقى التصويرية في الأفلام المصرية فتبرز أسماء مثل، اندريا رايدر، فؤاد الظاهرى، محمد حسن الشجاعى، على اسماعيل، بليغ حمدى، عمار الشريعى وهم أهم ستة موسيقيين كبار أصحاب البصمة الاكبر، فكل منهم تربع سنوات على عرشها وحقق بموسيقاه نجاحا مزدوجا لها، وقد توالى على وضع الموسيقى التصويرية للافلام موسيقيون كبار ومؤثرون استطاعوا أن يضيفوا كثيرا من سحر الموسيقى على الافلام السينمائية فساهموا فى نجاحها وخلودها.
ويعد الموسيقار الراحل عمار الشريعى من اخلص فنانى جيله للاعمال الدرامية التى نجح فى ان يضع بصمة خاصة به تميزه سواء فى الأفلام السينمائية التى وضع موسيقاها أو المسلسلات الدرامية ومن بينها هذه الملحمة الخالدة التى قدمها فى مسلسل «رأفت الهجان» التى لاتزال تعد الافضل فى تاريخ الدراما.
ومع البدايات القوية للسينما المصرية برز اسم الموسيقى اليونانى «اندريا رايدر» المصرى المنتمى لاصول يونانية والذى قال عنه الشريعى بأن فيلم «دعاء الكروان» (1959) من بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر وإخراج هنري بركات عن قصة طه حسين، هو الفيلم الذي كتبت له أفضل موسيقى تصويرية في تاريخ السينما المصرية. وموسيقى هذا الفيلم أعدها الموسيقار المصري من أصل يوناني أندريا رايدر الذى تم اختياره افضل موسيقى للافلام فى استفتاء اهم مائة فيلم مصرى، وقد وصفه عمار الشريعي بأنه مؤلف موسيقي ليس له مثيل، ولم يستطع أحد مثله التعامل مع الأوركسترا العالمية بنفس الكفاءة والاقتدار، والواقع أن الشريعي كان مصيبا في وصفه هذا ومدحه لأندريا رايدر، الذي ولد في 10 أغسطس 1908 وتوفي مقتولا في شجار بالعاصمة الأرجنتينية خلال زيارته لها في الخامس من مارس 1971.
فقد اثرى رايدر الساحة الموسيقية المصرية بعدد كبير جداً من التوزيعات للألحان التي غناها مشاهير المطربين. وقام أيضاً بعمل الموسيقى التصويرية لـ 61 فيلما، وشارك في مهرجانات عالمية بألحانه وتوزيعاتها، وحصل على وسام الاستحقاق في الفنون من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وإذا ما استعرضنا الأفلام التي قام أندريا رايدر بإعداد الموسيقى التصويرية لها بدءا من أول فيلم وهو «أربع بنات وضابط» عام 1954 لنعيمة عاكف وأنور وجدي، ومن اخراج أنور وجدي، سنكتشف أنها لاقت نجاحا وأضافت أبعادا جديدة لكل مشهد ، ومنها على سبيل المثال أفلام أغلى من حياتى، النظارة السوداء، شروق وغروب، الرجل الثاني، الحب الكبير، اللص والكلاب، بين الأطلال، السراب، نهر الحب.
ويعود الفضل لأندريه رايدر، ومعه القدير فؤاد الظاهري (15 أكتوبر 1916 ـ 1 أكتوبر 1988)، وهو مصري من أصل أرمني، في ارساء عهد جديد من الموسيقى التصويرية للأفلام المصرية بتحويلها من موسيقى معدة من مجموعة مختارة من الموسيقات العالمية الجامدة لا تعبر عن الموقف بصورة حقيقة إلى موسيقى تصويرية حية متفاعلة مع كل لقطة من لقطات الفيلم.
وإذا كانت موسيقى أندريا رايدر التصويرية للأفلام قد غلب عليها الطابع الغربي كونه كان مؤديا للأغاني الأجنبية وملحنا لها، كما قام بوضع موسيقى تصويرية لبعض الأفلام اليونانية، إلا أن الموسيقى التصويرية التي وضعها فؤاد الظاهري تميزت بطابعها المصري واضح المعالم، حيث استفاد من كل ما تعلمه من الموسيقى العالمية ووظفه لخدمة الموسيقى المصرية المعاصرة.
ومن بين الأفلام التي وضع لها الظاهري الموسيقى التصويرية صراع في الوادي، شباب إمرأة، صراع في الميناء، رد قلبي، الوسادة الخالية، باب الحديد، بداية ونهاية، الزوجة الثانية، السقا مات.
وفى هذا المجال لا يمكن أن ننسى محمد حسن الشجاعي (1903-1963) أحد رواد الجيل الأول في موسيقى الأفلام ، حيث بدأ العمل مجال وضع الموسيقى التصويرية مبكرا، وتحديدا في عام 1942 من خلال فيلم «عايدة» لأم كلثوم، ثم توالت أفلامه ومنها «غرام وانتقام» لأسمهان عام 1944، «سي عمر» لنجيب الريحاني 1945، «ليلى بنت الففراء» لليلى مراد في العام ذاته.
ومن يستطيع أن ينسى أعمال الراحل الكبير علي إسماعيل (28 ديسمبر 1922 – 16 يونيو 1974) التي طبعت بصمتها الواضحة والمؤثرة في مجال الموسيقى التصويرية، فقد أعد موسيقى أفلام عديدة ومنها «السفيرة عزيزة» لشكري سرحان وسعاد حسني، و«الأيدي الناعمة» لأحمد مظهر وصباح، «معبودة الجماهير» لشادية وعبدالحليم حافظ، ،«الأرض» لمحمود المليجي وعزت العلايلي إلى جانب وضعه لحنة الخالدة فى الفيلم ذاته (الأرض لو عطشانة)، كما وضع الموسيقىالتصويرية لفيلم «العصفور» ليوسف شاهين، «أبي فوق الشجرة» لعبد الحليم حافظ وميرفت أمين، «مولد يا دنيا» لعفاف راضي ومحمود ياسين، «عروس النيل» لرشدي أباظه ولبنى عبدالعزيز، «صغيرة على الحب» لرشدي أباظة وسعاد حسني.
أما العبقرى الموهوب بليغ حمدي فيكفيه أنه وضع الموسيقى التصويرية لفيلم «شيء من الخوف» لشادية ومحمود مرسي، ومن إخراج حسين كمال، وهي الموسيقى التي كانت أحد أسباب النجاح الكبير الذي حققه الفيلم. كما وضع الموسيقي التصويرية لكثير من الأفلام ومنها «أبناء الصمت»، «العمر لحظة»، «آه يا ليل يا زمن»، و«أضواء المدينة».
ومن أشهر الموسيقى التصويرية للافلام المصرية، كانت الموسيقى التي أعدها الياس الرحباني لفيلم «دمي ودموعي وابتسامتي » لنجلاء فتحي وحسين فهمي ونور الشريف، فقد كانت موسيقى حالمة هادئة معبرة عن الشجن والحنين اللذين عانت منهما بطلة الفيلم، وحتى لحظات فرحها.
لقد نجح هؤلاء الموسيقيون وغيرهم من المبدعين في اضفاء أبعاد آخر للمشهد السينمائي لتشكل الموسيقى الخلفية للمشهد وهي تخترق المشاعر التي تعتمل داخل نفوس الشخصيات بخيرها وشرها وتبرزها على الشاشة.