عُرِف موهانداس كارامشاند غاندي بين أتباعه بالمهاتما أو «صاحب الروح العظيمة»، وقد نال احترام العالم أجمع بسبب فلسفته التي تدعو إلى المقاومة السلمية وعدم العنف.
بدأ نشاطه مهاجرًا هنديًا في جنوب أفريقيا في أوائل القرن العشرين، وفي السنين التي تلت الحرب العالمية الأولى أصبح شخصية قيادية في صراع الهند ضد بريطانيا العظمى لنيل استقلالها. كان لا يرتدي غالبًا سوى مئزر يستر جسمه وغطاء، فكان معروفًا بنمط حياته الزاهد وإيمانه الهندوسي وورعه.
أُودع السجن مرات عدة خلال مشاركته في حركة العصيان ضد الحكومة البريطانية، ودخل عدة إضرابات عن الطعام احتجاجًا على قمع طبقات الهند المعدمة من بين عدة مظالم أخرى.
بعد الانقسام بين الهند وباكستان عام 1947 تابع سعيه نحو تحقيق السلام بين الهندوس والمسلمين. وفي يناير 1948 اغتال هندوسي متعصب غاندي بالرصاص في دلهي.
حياته المبكرة
وُلد موهانداس كارامشاند غاندي في أكتوبر 1869 في بوربندار، كوجرات حاليًا. كان والده رئيس وزراء بوربندار، أما والدته فكانت امرأة شديدة التدين كرست حياتها للفياشنافية -أي عبادة الإله الهندوسي فيشنو- متأثرة بالجاينية، وهي ديانة هندية تتبنى مبادئ عدم العنف وضبط النفس.
غادر موهانداس بعمر 19 عامًا إلى لندن لدراسة الحقوق في كلية «إينر تمبل» إحدى أربع كليات للقانون في لندن، وبعد عودته إلى الهند سنة 1891 بدأ مزاولة مهنة المحاماة في بومباي. لم يحظَ بنجاحٍ كافٍ لكنه سرعان ما عثر على عقد عمل في شركة هندية أرسلته إلى مكتبها في جنوب أفريقيا حيث استقر مع زوجته كاستوربا وأطفاله قرابة عشرين عامًا.
هل تعلم: تبع عشرات الآلاف غاندي من أحمد آباد إلى بحر العرب في مسيرة الملح شهري أبريل ومايو 1930، ونتج عنها اعتقال 60 ألف شخص منهم غاندي.
انزعج غاندي بسبب التمييز العنصري الذي واجهه في جنوب أفريقيا كونه مهاجرًا هنديًا، وعندما طلب منه قاض أوروبي خلع عمامته رفض وغادر المحكمة.
وفي رحلة على متن قطار متجه إلى بريتوريا طُرد من عربة الدرجة الأولى، وضربه المحصل بعد رفضه التخلي عن مقعده لمسافر أوروبي. كانت تلك الحادثة نقطة تحول في حياة غاندي، وسرعان ما بدأ بتطوير وتعليم مبدأ ساتياغراها الذي يعتمد «الحقيقة والحزم» أو المقاومة السلمية نوعًا من عدم التعاون مع السلطات البريطانية.
ولادة المقاومة السلمية
سنة 1906، بعد إصدار حكومة ترانسفال أمرًا تنفيذيًا يتعلق بسجلات سكانها الهنود عند الدولة، قاد موهانداس غاندي حملة للعصيان المدني استمرت 8 سنوات. خلال الحملة سُجن عام 1913 مئات الهنود من ضمنهم نساء، وأُرسل آلاف المعتصمين من عمال المناجم الهنود إلى السجون حيث جُلدوا وقُتلوا. في النهاية تحت ضغط الحكومتين الهندية والبريطانية، وافقت حكومة جنوب أفريقيا على مناقشة بين غاندي والجنرال جان كريستيان سمتس. تضمنت المعاهدة امتيازات مهمة مثل الإقرار بعقود الزواج الهندية وإلغاء الضرائب المفروضة على كل مقيم هندي.
في يوليو 1914 غادر غاندي جنوب أفريقيا عائدًا إلى الهند، فدعم الجهود البريطانية في الحرب العالمية الأولى، لكنه ظل ناقدًا للسلطات الاستعمارية بسبب إجراءاتها التعسفية. سنة 1916 شن غاندي حملة منظمة للمقاومة السلمية، ردًا على قرار البرلمان المتعلق بميثاق رولات. بموجب هذا القرار مُنحت السلطات الاستعمارية قوى طوارئ لقمع النشاطات التخريبية بالدولة، ثم تراجع مدة مؤقتة عندما انتشر العنف، خاصةً بعد المذبحة التي قادها جنود بريطانيون قتلوا خلالها 400 هندي في اجتماع أمريتسار. سنة 1920 كان غاندي الشخصية الأبرز في الحركة الداعية إلى استقلال الهند.
قائد الحركة
أكد غاندي أهمية الاستقلال الاقتصادي للهند جزءًا من حملته الداعية إلى المقاومة السلمية، وعدم التعاون مع السلطات البريطانية، سعيًا للحكم الذاتي. ناصر خصوصًا تصنيع القماش المحلي ليحل محل الأقمشة المستوردة من بريطانيا.
ومما أكسبه احترام أتباعه فصاحته في الخطاب واعتناقه نمط الحياة الزاهد الذي يقوم على الصلاة والصيام والتأمل، فلُقب بمهاتما أي صاحب الروح العظيمة.
حوَّل غاندي حركة الدعوة إلى الاستقلال إلى حركة ضخمة منظمة، بعد أن حصل على تفويض كامل من الكونغرس الهندي، ما أدى إلى مقاطعة المصنعين البريطانيين والمؤسسات البريطانية المؤثرة في الهند متضمنةً السلطات التشريعية والمدارس.
بعد تفشي العنف الذي كان يحدث بوتيرة غير منتظمة أعلن غاندي نهاية حركة المقاومة، ما سبب إحباط أتباعه. ألقت السطات البريطانية القبض عليه في مارس 1922 وحوكم بتهمة نشر الفتنة وحُكم عليه بالسجن 6 سنوات، ثم أُطلق سراحه عام 1924 بعد خضوعه لعملية جراحية بسبب التهاب الزائدة. امتنع غاندي عن المشاركة في السياسة عدة سنوات، ثم قاد حملة عصيان مدني ضد الضرائب التي فرضتها الحكومة الاستعمارية على الملح عام 1930، ما أثر تأثيرًا كبيرًا في الطبقة الفقيرة من الهنود.
انقسام الحركة
بعد تقديم السلطات البريطانية عام 1931 بعض التنازلات، ألغى موهانداس غاندي حركة المقاومة ووافق على تمثيل حزب الكونغرس في لندن. في الوقت ذاته، شعر بعض زملائه في الحزب خاصةً محمد علي جناح، وهو أحد أهم الشخصيات التي تمثل الأقلية المسلمة، بالإحباط من قرارات غاندي بسبب عدم وجود مكاسب ملموسة كافية على أرض الواقع.
عقب عودته أُلقي القبض عليه مرة أخرى، وبدأ إضرابًا جديدًا عن الطعام احتجاجًا على المعاملة السيئة للفقراء الهنود. سبّب هذا الاضراب اضطرابًا كبيرًا حتى بين مؤيديه وأنتج إصلاحات سريعة في المجتمع الهندوسي والحكومة. سنة 1934 أعلن غاندي اعتزاله السياسة واستقالته من حزب الكونغرس، كي يركز جهوده على المجتمعات الريفية.
لكنه وجد نفسه مرة أخرى جزءًا من الصراعات السياسية بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، فتولى زمام الحزب الهندي القومي مطالبًا بانسحاب بريطانيا من الهند مقابل تعاون الهند معها في الحرب. مع ذلك سجنت القوات البريطانية أعضاء قيادة الكونغرس الهندي فساءت العلاقات البريطانية-الهندية.
الانقسام ووفاة غاندي:
بعد استلام حزب العمال السلطة في بريطانيا عام 1947 بدأت المفاوضات على حكم الهند الذاتي بين بريطانيا وحزب الكونغرس ورابطة المسلمين بقيادة جناح. لاحقًا ذاك العام، قدمت بريطانيا ضمانات لاستقلال الهند، بشرط تقسيم الهند إلى دولتين: الهند وباكستان. كان غاندي ضد هذا المقترح لكنه اضطر إلى الموافقة، على أمل أن يحقق الهندوس والمسلمون السلام الداخلي بعد الاستقلال. وفي خضم حركات العصيان الكثيرة التي تلت التقسيم حث غاندي المسلمين والهندوس على التعايش السلمي المشترك، وبدأ إضراباً عن الطعام حتى تتوقف أعمال الشغب في كالكوتا.
قام بإضراب آخر في يناير 1948 لتحقيق السلام في مدينة دلهي. بعد 12 يومًا من نهاية الإضراب، في 30 يناير، اتجه غاندي إلى اجتماع مع بعض المسلمين عقب صلاة العشاء في دلهي، عندما قتله بالرصاص متعصب هندوسي يُدعى ناثورام كودز، أثارت غضبه محاولات غاندي التفاوض مع جناح ومسلمين آخرين.
في اليوم التالي، تبع نحو مليون شخص مراسم تشييع غاندي وحُمل جثمانه عبر شوارع المدينة ثم أُحرق على ضفاف نهر يامونا المقدس.
المصدر:ibelieveinsci