نحن نحب الأعداد المميزة، إذ مر مؤخراً اليوم السنوي للثابت الرياضي باي الواقع في 14 مارس أو 14/3، وهو عدد غير نسبي شهير تُمثل أول 10 أرقام منه بالشكل 3.141592653.
ولا يقتصر تميز باي بأنه عدد غير نسبي (لا يمكن كتابته بشكل كسري)، فهو أيضاً يمثل نسبة محيط الدائرة إلى قطرها، وهو أيضاً متسامٍ أي أنه ليس جذراً أو حلاً لمعادلة متعددة الحدود، على سبيل المثال: x+2X^2+3 = 0.
لعلّ الثابت باي أحد أكثر الأعداد شهرةً، لكن بالنسبة لهؤلاء الذين يقضون وقتهم بالتفكير بالأعداد فقد يكون ثابت الدائرة لهم مملًا بعض الشيء.
سألنا عدة علماء مختصين بالرياضيات عن أعدادهم المفضلة غير باي وها هي بعض أجوبتهم:
تاو TAU
هل تعلم ما هو أفضل من باي واحد؟ إنه 2 باي، فالعدد تاو هو ضعف الثابت باي ويساوي 6.28 تقريباً.
حسب ما قال جون بايز وهو عالم رياضي في جامعة ريفرسايد في كاليفورنيا: «استخدام الثابت تاو يجعل الصيغ أكثر وضوحًا وعقلانيةً من استخدام باي، وإن تركيزنا على استخدام باي بدلاً منه ليس إلا حادثاً تاريخياً»، وأضاف أن تاو يظهر في الصيغ الأكثر أهميةً.
بينما يتعلق الثابت باي بمحيط الدائرة إلى قطرها، فإن تاو يتعلق بمحيط الدائرة إلى نصف قطرها، وهذه العلاقة أكثر أهميةً حسب ما أورد كثير من علماء الرياضيات.
وعلى ما يبدو أن تاو ينسق شكل المعادلات غير المترابطة، مثل معادلة مساحة الدائرة ومعادلات الطاقة الحركية والطاقة المرنة.
لكن تاو لا يُنسى في اليوم السنوي للثابت باي! فتبعًا للتقاليد، يرسل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في تمام الساعة 6:28 مساءً قراراته في ذاك اليوم، وسيصبح 28 يونيو سيصبح هو اليوم السنوي للثابت تاو.
اللوغاريتم الطبيعي الأساسي
رمز أساس اللوغاريتميات الطبيعية هو (e) تبعاً لعالم الرياضيات السويسري ليونارد أويلر الذي أوجدها في القرن الثامن عشر، ربما لم يحظَ بشهرة كالثابت باي لكن لديه أيضًا يوم خاص. فكما يُحتفل بالعدد باي يوم 14 مارس، يحتفل بالثابت اللوغاريتمي يوم 7 فبراير إذ يبدأ هذا الثابت بالأرقام 2.718.
عادةً ما تستخدم اللوغاريتمات في المعادلات التي تحتوي على التابع اللوغاريتمي أو النمو الأسي أو الأعداد العقدية.
حسبما صرح كيت ديفلن مدير مشروع التوعية بالرياضيات في كلية الدراسات العليا التابعة لجامعة ستانفورد: «لهذا الثابت تعريف عجيب، فهو العدد الوحيد الذي يحقق تساوي قيمة اشتقاق (ميل) التابع الأسي y=e^x لقيمة هذا التابع عند كل نقطة». وبكلمات أخرى، إذا كانت قيمة التابع الأسي عند نقطة معينة تساوي 7.5 فإن اشتقاقه أيضًا عند تلك النقطة يساوي 7.5.
وأضاف ديفلن «يستخدم التابع اللوغاريتمي في الرياضيات والفيزياء والهندسة تماماً كما يستخدم باي».
العدد التخيلي i
علامَ نحصل لو حذفنا p من الثابت باي (pi)؟ إنه العدد i، لا يعمل بهذا الشكل لكنه عدد مميز. فهو الجذر التربيعي للعدد -1 ويعد تجاوزاً للقاعدة التي تنص على أننا لا نستطيع إيجاد الجذر التربيعي لعدد سالب.
صرّحت عالمة الرياضيات يوجينيا تشينج في معهد الفنون في شيكاغو أنه لو خالفنا هذه القاعدة سنحصل على الأعداد التخيلية ومنها نحصل على الأعداد العقدية الجميلة والمفيدة، ونستطيع التعبير عن الأعداد العقدية بأنها مجموع الأجزاء التخيلية والحقيقية.
وأضافت تشينج أن العدد i استثنائي لأنه يسمح بأن يكون للعدد -1 جذران (-i, i) لكننا لا نستطيع الجزم أي جذر منهما هو الجواب الصحيح، فاعتاد علماء الرياضيات أن يختاروا أحد الجذرين ليكتبوه i ويكون الآخر -i، إنه حقًا عدد غريب.
i قوة i
صدق أو لا تصدق، توجد أشكال أكثر غرابه أيضًا للعدد i، كأن نرفع i إلى قوة i، أي الجذر التربيعي للعدد -1 مرفوع للأس الجذر التربيعي للعدد -1.
يقول أستاذ الرياضيات ديفيد ريتشيسون في جامعة ديكنسون في بنسلفانيا في كتاب من تأليفه صدر عن جامعة برينستون سنة 2019 بعنوان (حكايات الاستحالة: لحل المشاكل الرياضية في العصور القديمة):
«على ما يبدو أن هذا العدد هو الأكثر تخيلاً، فهو عدد تخيلي يرفع إلى قوة تخيلية … لكن تبعًا للرياضي ليونارد أويلر يعد i عدداً حقيقياً»
تتضمن إيجاد قيمة i قوة i تغيير متطابقة أويلر إلى صيغة متعلقة بالعدد غير النسبي e والتخيلي i و sin و cos الزاوية المعطاة. وعند حل الصيغة من أجل زاوية 90 درجة ( pi/2) يمكن تبسيط المعادلة لترى أن i قوة i تساوي e مرفوعة إلى قوة السالب من باي مقسومة على 2.
إنه مربك بعض الشيء، لكن الناتج يساوي تقريبًا 0.207 وهو عدد حقيقي على الأقل في حالة الزاوية 90. وصرح ريتشيستون: «وبحسب ما أشار إليه أويلر، لا يوجد قيمة واحدة لصيغة i قوة i، وإنما قيمًا لانهائية بحسب الزاوية المعطاة». وبسبب ذلك من غير المحتمل أن نحتفل بيوم i قوة i.
عدد بيلفاغور الأولي
إنه عدد أولي متناظر مكون من 666 بين 13 صفرًا و رقم 1 من كل جهة. ويمكن اختصار هذا العدد المشؤوم والتعبير عنه 1 0(13) 666 0(13) 1 إذ تشير 13 إلى عدد الأصفار بين الرقم 1 و بين 666.
جعل العالم والكاتب كليف بيكوفر هذا العدد مشهورًا بإعطائه صفة العدد الشرير عندما أسماه بيلفاغور، وهو اسم أحد أمراء الجحيم السبع الذين ذُكروا في الإنجيل مع أنه لم يكن هو من اخترع هذا العدد.
ويرمز لهذا العدد برمز شيطاني بعض الشيء فهو بشكل باي مقلوب. وتبعا لموقع pickover فإن هذا الرمز مأخوذ من صورة رمزية في مخطوطة فوينيتش الغامضة التي تعود لبداية القرن الخامس عشر وتحوي هذه المخطوطة على مجموعة من الرسومات والنصوص الغامضة وغير المفهومة.
2^{ALEPH_0}
كرّس عالم الرياضيات ويليام هيو وودين في جامعة هارفارد سنوات كثيرة للبحث عن الأعداد اللانهائية، ومن غير المفاجئ أن يكون عدده المفضل هو 2^{ALEPH_0} أو 2 قوة أليف اللانهاية، وتسمى أيضاً قوة أليف الفارغة. تستخدم أعداد أليف لوصف أحجام مجموعات لانهائية، والمجموعة تجميع لكائنات رياضية منفصلة. فمثلا تمثل الأعداد 2 و 4 و 6 مجموعة حجمها 3.
أما بالنسبة لاختيار وودين هذا العدد تحديدًا فقد قال: «معرفة أن 2^{ALEPH_0} هو ليس aleph_0 (بحسب نظرية كانتور) يجعلنا نعرف أنه يوجد عدة أحجام للانهاية، وهذا ما يجعل منه عدداً فريداً».
بكلمات أخرى دائماً يوجد شيء أكبر، أي لا يوجد نهاية للأعداد الأساسية، لذلك لا يوجد شيء يسمى أكبر عدد أساسي.
ثابت APÉRY
صرح عالم الرياضيات في جامعة هارفارد أوليفر نيل أن عدده المفضل هو ثابت APÉRY أو zeta(3) «لأنه ما تزال توجد التباسات بخصوصه».
أثبت عالم الرياضيات الفرنسي روجيه آبيري سنة 1978 أن القيمة التي ستعرف بثابت آبيري هي عدد غير نسبي يبدأ بالأرقام 1.2020569 ويستمر إلى اللانهاية ويُكتب هذا الثابت أيضاً بالشكل (zeta(3 وهي تابع زيتا للعالم ريمان عند العدد 3.
أحد أهم المسائل الرياضية البارزة هي فرضية ريمان التي تتوقع أن توجد قيمة يساوي عندها تابع زيتا للصفر، ولو أُثبت ذلك سيتمكن العلماء من التنبؤ بكيفية توزع الأعداد الأولية بشكلٍ أفضل.
بناءً على فرضية ريمان التي اشتُهرت في القرن العشرين، تكلم عالم الرياضيات دافيد هيلبيرت: «لو نمت آلاف السنين فسيكون أول سؤال لي عندما أستيقظ هو: هل أُثبتت فرضية ريمان؟». فما هو الشيء المميز لهذا الثابت إذن؟
اتضح أن ثابت آيبري يظهر في مواقع مميزة بمجال الفيزياء التي تتضمن معادلات تحكم مغناطيسية الإلكترون واتجاه الزخم الزاوي.
العدد 1
كان لعالم الرياضيات إيد ليتزتر في جامعة تيمبل في فيلادلفيا جوابًا عملياً مثيراً، وهو: «أظنه جواباً مملاً لكن عددي المفضل هو 1 سواءً لكونه عدداً أو لأدواره المتعددة في مختلف الصيغ المجردة».
إنه العدد الوحيد الذي تقبل كل الأعداد القسمة عليه ويكون ناتجها عدداً صحيحاً. وهو كذلك العدد الوحيد الذي يقبل القسمة على عدد صحيح موجب واحد وهو العدد 1 عينه، إضافةً لكونه العدد الوحيد الصحيح والموجب الذي لا يعد عدداً أولياً ولا عدداً مركباً.
تُمثّل القيم عادةً بين 0 و 1 في كل من الرياضيات والهندسة، وإن عبارة (مئة بالمئة) هي طريقة لقول الرقم 1 أي الكمال. يمثل العدد 1 الوحدات الأساسية في مجال العلوم. يُقال أن البروتون الواحد له شحنة موجبة +1. ويعني الرقم 1 في المنطق الثنائي نعم، ويمثل العدد الذري لأخف عنصر إضافةً لكونه عدد الأبعاد في الخط المستقيم.
متطابقة أويلر
تعد متطابقة أويلر جوهر الرياضيات كما وصفها الفيزيائي الراحل ريتشارد فاينمان وهي معادلة بنفس الوقت، وقورنت بسونيته لشيكسبير.
اختصارًا، تربط متطابقة أويلر عددًا من ثوابت الرياضيات ببعضها، باي واللوغاريتم الطبيعي e والوحدة التخيلية i. وكما قال ديفلن أنها تربط هذه الثوابت الثلاثة مع حيادي الإضافة العدد 0 وحيادي المضاعفة في الحساب الأولي كالتالي: e^{i*Pi} + 1 = 0.
العدد 0
تحدثنا سابقاً عن روعة العدد 1 وسنتحدث الآن عن العدد الأكثر تميزاً وغرابةً وهو 0. صرحت جامعة سانت أندروز في اسكتلندا أنه لم يكن مفهوم العدد 0 بهذه الأهمية على مر التاريخ البشري المكتوب، فالألواح الطينية التي استخدمها البابليون القدماء لم تكن تفرّق بين الأعداد مثل 216 و 2106.
بدأ الإغريق القدماء بتطوير فكرة استخدام العدد 0 من العدم إلى الأكثر أهمية، لكن لم يتحقق ذلك حتى القرن السابع تقريباً إلى أن بدأ علماء الرياضيات الهنود كالعالم براهماغوبتا بشرح الأفكار الحديثة للعدد 0
كتب العالم براهماغوبتا أن أي عدد يضرب بالقيمة 0 يساوي 0. لكنه واجه صعوبة في عملية القسمة بقوله أن قسمة عدد n على 0 هي ببساطة n/0 وهذا مخالف للنظرية الحديثة التي تنص أن القسمة على 0 غير ممكنة. وتوصلت حضارة المايا لهذا العدد منذ عام 665 ميلادي بمفردها.
إن 0 مفيد جداً لكنه مفهوم صعب جداً أيضاً، فنستطيع تمثيل أشياء من حياتنا اليومية بما يخص الأعداد الأخرى، مثل حصان واحد أو ثلاث دجاجات، بينما استخدام عدد ليمثل لا شيء فهو قفزة مفاهيمية أكبر.
صرح أستاذ الرياضيات روبرت كابلن في جامعة هارفارد لموقع فوكس التالي: «يُقدر العدد 0 بالعقل وليس بالعالم الحسي». ولسنا قادرين على تمثيل جميع الأكواد الثنائية الرقمية التي تتحكم بعمل عالمنا المعاصر دون الرقمين 0 و 1 إذ «تُمثَّل بيانات الحاسوب بواسطة سلاسل من الرقمين 0 و 1».
الجذر التربيعي للعدد 2
قد يكون أخطر عدد نستطيع تخيله على الإطلاق هو الجذر التربيعي للعدد 2، ويُفترض أنه تسبب في أول جريمة قتل رياضية حصلت في التاريخ، وحسب مصادر من جامعة كامبردج أنه كان هذا بسبب اكتشاف عالم الرياضيات اليوناني هيباسوس من ميتابونتوم في القرن الخامس قبل الميلاد.
في أثناء عمله على مشكلة منفصلة وجد هيباسوس أن المثلث متساوي الساقين الذي تبلغ طول ساقه 1 سيكون طول وتره العدد غير النسبي 2√.
تقول الأسطورة أن أعضاء الفيثاغورية، وهي نظام شبه ديني، ألقوا هيباسوس في البحر بعد أن سمعوا باكتشافه العظيم، هذا لأن أعضاء الفيثاغورية اعتقدوا أن كل شيء عدد وأن الكون يحتوي فقط على أعداد و نسبها، وأن الأعداد غير النسبية مثل 2√ والثابت باي أعداد مكروهة، وهي أعداد لا يمكن التعبير عنها بنسبة من الأعداد الصحيحة، وتستمر إلى اللانهاية بعد الفاصلة العشرية.
نحن اليوم أكثر تأنٍّ بخصوص 2√ الذي نسميه ثابت فيثاغورس الذي يبدأ بالأرقام 1.4142135623 وينتهي عند اللانهاية.
يستخدم ثابت فيثاغورس في كل أنواع الحسابات، إضافةً لإثباته وجود الأعداد غير النسبية.
وقد استخدمته المنظمة الدولية للتوحيد القياسي (ISO) لتحديد حجم الورق A، حيث ينص التعريف 216 أن طول الورقة A مقسوماً على عرضها يجب أن يساوي 1.4142 وهذا يعني أن نصف الورقة A1 سينتج ورقتين قياس A2 وعندما نقسم ورقة A2 الى نصفين ايضًا سنحصل على ورقتين قياس A3 وهكذا.
المصدر: ibelieveinsci