يُعد إرنست هيمنجواي أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين. اشتُهِر بروايته وقصصه القصيرة، وكان صحفيًا بارعًا ومراسلًا صحفيًا في أثناء الحرب. أثّر أسلوبه النثري البسيط والموجز بجيل كامل من الكتّاب.
يلقبه جمهوره «بابا هيمنجواي» ملاطفةً وتحببًا، نال جائزتي بوليتزر ونوبل في الأدب، وتحولت العديد من كتبه إلى أفلام.
أمضى حياته في التنقل بين أصقاع العالم صحفيًا أجنبيًا تارةً، ومراسلًا حربيًا تارةً أخرى؛ لينقل وقائع الحروب والثورات في كل أصقاع الأرض.
شُغف بالصيد، وسافر إلى أفريقيا في رحلات سفاري، وسحرته رياضة مصارعة الثيران في إسبانيا.
زير نساء، لم يخلص لامرأة واحدة، وتزوج أربع نساء.
تلقى العديد من الإصابات الخطرة وواجه الموت كثيرًا، ولكنه رفض أن يغادر الحياة إلا بطريقته الخاصة؛ إذ أنهاها انتحارًا عندما أدرك أنه فقد أعز ما يملك: الكتابة والتأليف.
لنقرأ مقالنا الآتي، ونتعرف كاتب رائعتي «لمن تقرع الأجراس» و«الشيخ والبحر»، إرنست هيمنجواي.
نشأته:
وُلِد إرنست ميلر هيمنجواي في الحادي والعشرين من يوليو عام 1899 في مدينة أوك بارك في ولاية إلينوي، وهو الابن الثاني لغريس هول هيمنجواي وكلارينس إدموند (إد) هيمنجواي. زاول والده مهنة الطبابة، أما والدته فكانت تصبو لتكون مغنية أوبرا، ولكنها أصبحت مدرِّسة موسيقى.
يُشاع أن والداه توصلا إلى تفاهم غريب في إدارة حياتهما الزوجية؛ إذ كانت غريس نسوية متحمّسة حتى النخاع، وقد وافقت على الزواج من كلارينس بشرط ألا تكون مسؤولةً عن أعمال المنزل أو الطبخ. وقد رضخ إد لذلك الشرط وأدار الأعمال المنزلية وأشرف على الخدم وطبخ الوجبات، رغم انشغاله بمهنته.
ترعرع إرنست همينجواي مع شقيقاته الأربع، وكان يرغب ويود أن يحظى بأخ، ولم تتحقق أمنيته تلك حتى بلغ الخامسة عشر ربيعًا.
استمتع هيمنجواي بعطلات العائلة في كوخ في شمال ولاية ميشيغان، وهناك أظهر حبًا وولعًا بالفضاءات والنزهات في الهواء الطلق، وقد تعلم اصطياد الطرائد وصيد السمك من والده. في المقابل زرعت والدته -التي أصرّت على تعلم جميع أطفالها العزف على آلة موسيقية- في نفس ابنها تقديرًا وتذوقًا للفنون.
في المدرسة الثانوية شارك هيمنجواي في تحرير صحيفة المدرسة، وخاض المنافسات مع فريقي السباحة وكرة القدم. وكان شغوفًا بمباريات الملاكمة الارتجالية مع أصدقائه، وعزف أيضًا على آلة التشيللو في فرقة المدرسة الموسيقية. تخرج في مدرسة أوك بارك الثانوية عام 1917.
الحرب العالمية الأولى:
عيَّنت صحيفة كانساس سيتي ستار هيمنجواي مراسلًا لينقل أخبار الشرطة عام 1917، وهناك أُجبِر هيمنجواي على الالتزام بأسلوب يتوافق مع إرشادات الصحيفة وتعليماتها، وبدأ بتطوير أسلوب بسيط وبليغ في الكتابة سيصبح سمته المميزة. تميز أسلوب هيمنجواي بخروجه عن النثر المنمق والبرّاق الذي هيمن على الأدب أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
بعد قضائه ستة أشهر في مدينة كانساس، تاق هيمنجواي للمغامرة. كان ضعف بصره عائقًا لقبوله في الخدمة العسكرية، ولذلك تطوع عام 1918 ليعمل سائق سيارة إسعاف لدى الصليب الأحمر في أوروبا.
في شهر يوليو من العام ذاته، وبينما كان يؤدي خدمته في إيطاليا، تعرض هيمنجواي لإصابات شديدة إثر انفجار قنبلة مورتر، وامتلأت ساقاه بأكثر من مئتي شظية استلزمت إجراء عمليات جراحية عدة. منحته الحكومة الإيطالية وسامًا لأنه الأمريكي الأول الذي نجا بعد إصابته في الحرب العالمية الأولى في إيطاليا.
في أثناء فترة تعافيه من إصاباته في مشفى في مدينة ميلان، تعرَّف هيمنجواي على أغنيس فون كرووسكي ووقع في حبها. عملت كورووسكي ممرضة لدى الصليب الأحمر الأمريكي. وقد عقد الاثنان الخطط على الزواج حالما يجمع هيمنجواي المال الكافي لذلك.
بعد انتهاء الحرب في نوفمبر عام 1918، عاد هيمنجواي إلى الولايات المتحدة ليبحث عن عمل، ولكن زواجه من أغنيس لم يحدث؛ إذ تلقى منها رسالة في مارس عام 1919 تنهي فيها العلاقة. حطّم ذلك هيمنجواي، واكتأب، ونادرًا ما غادر منزله.
تحول إرنست هيمنجواي ليصبح كاتبًا:
أمضى هيمنجواي عامًا في منزل ذويه يتعافى من جروحه الجسدية والعاطفية. في أوائل عام 1920، تماثل هيمنجواي للشفاء تقريبًا وأراد العمل، وحصل على عمل في مدينة تورنتو تمثل بمساعدة امرأة في العناية بابنها المعاق. هناك قابل هيمنجواي محرر مقالات صحيفة تورنتو ستار الأسبوعية وعيَّنه كاتب مقالات.
في خريف ذلك العام، انتقل إلى شيكاغو وأصبح كاتبًا لدى مجلة “The Cooperative Commenwealth” الشهرية، إضافةً إلى استمراره في العمل لدى صحيفة ستار.
ولكن هيمنجواي رغب في كتابة الروايات، وبدأ بإرسال نتاجاته من القصص القصيرة إلى مجلات عدة، ولكن رفض القائمون على تلك المجلات نشرها.
سرعان ما ظهرت بارقة أمل أمام هيمنجواي، فمن طريق أصدقاء مشتركين، قابل هيمنجواي الروائي شيروود أندرسون الذي أُعجب بقصصه القصيرة وحثَّه على ممارسة مهنة الكتابة.
التقى إرنست هيمنجواي أيضًا بهادلي ريتشاردسون التي ستصبح زوجته الأولى. قدمت هادلي من مدينة سانت لويس لتزور أصدقاءها بعد وفاة والدتها، وأعالت نفسها من حساب ائتماني صغير تركته لها والدتها. تزوج الاثنان في سبتمبر عام 1921.
عاد شيروود من رحلة إلى أوروبا، وشجع الزوجان المتزوجان حديثًا على السفر إلى باريس؛ إذ اعتقد أنها المكان الملائم لازدهار موهبة هيمنجواي في الكتابة، وزوَّدهما بخطابات تقديم وتعريف للشاعر الأمريكي المغترب عزرا بوند والكاتبة الحداثية غيرترود شتاين. انطلق الزوجان إلى باريس عبر البحر في ديسمبر عام 1921.
حيات إرنست هيمنجواي في باريس:
وجد الزوجان هيمنجواي شقةً رخيصةً في حي من أحياء الطبقة العاملة في باريس، وعاشا على ميراث هالدي ومدخول هيمنجواي من عمله لدى صحيفة تورنتو ستار ويكلي التي وظفته صحفيًا أجنبيًا؛ أي صحفيًا يعمل خارج البلاد. استأجر هيمنجواي غرفة صغيرة في فندق لتكون مكان عمل له.
في تلك الغرفة هبط الإلهام على هيمنجواي وتفتحت قريحته ليملئ الدفاتر واحدًا تلو الآخر بقصص وقصائد وحكايات عن رحلات طفولته إلى ولاية ميشيغان.
تلقى هيمنجواي أخيرًا دعوةً إلى صالون غيرترود شتاين الأدبي التي نسج معها لاحقًا صداقة عميقة. تحول منزل شتاين في باريس إلى مكان يلتقي فيه مختلف فناني وكتَّاب تلك الحقبة. في صالونها الأدبي كانت شتاين بمثابة راعية ومرشدة للعديد من الكتَّاب البارزين.
ارتقت شتاين بمستوى النثر والشعر، وانتقلت بهما من مستوى البساطة إلى مستوى أكثر تفصيلًا وتعقيدًا في ثورة على الأسلوب البسيط الذي كان سائدًا في العقود السابقة. عمل هيمنجواي باقتراحاتها حرفيًا، ولاحقًا نسب إليها الفضل بتعليمه دروسًا قيمةً تركت بصمة في أسلوب كتابته.
انتمى الاثنان -أي هيمنجواي وشتاين- إلى فئة من الكتّاب الأمريكيين المغتربين في باريس في عشرينيات القرن البائد عُرفَت باسم «الجيل الضائع». سببت القيم الأمريكية التقليدية التي تبعت الحرب العالمية الأولى لهؤلاء الكتَّاب خيبة أمل؛ إذ غالبًا ما عكست أعمالهم شعورًا باليأس والعبثية. ضمّت المجموعة كتَّابًا وشعراء آخرين، مثل: إف. سكوت فيتزجيرالد وعزرا بوند وتي. إس. إليوت وجون دوس باسوس.
في ديسمبر عام 1922 تعرض هيمنجواي لنكبة يمكن وصفها بالكابوس؛ فقد أضاعت زوجته -التي كانت مسافرةً بالقطار لملاقاته لقضاء العطلة- حقيبةً مليئةً بجزء كبير من آخر أعماله، من ضمنها النسخ الكربونية، ولم يُعثَر على تلك الأوراق قط.
بدء نشر نتاجات هيمنجواي:
عام 1923 قبلت مجلتا Poetry وThe Little Review الأدبيتان الأمريكيتان نشر عدة قصائد وقصص لهيمنجواي. وفي صيف العام ذاته، نشرت دار نشر في باريس يملكها أمريكي كتاب هيمنجواي الأول «ثلاث قصص وعشر قصائد».
في رحلة إلى إسبانيا، حضر هيمنجواي رياضة مصارعة الثيران، وكتب عنها في صحيفة ستار، وبدا أنه ينتقدها ويتغزل بها في الوقت نفسه. في رحلة أخرى إلى إسبانيا، نقل هيمنجواي أحداث «جري الثيران» في بلدة بامبولنا التي في خضمها يركض شباب البلدة -يسعون للموت أو على الأقل الإصابة- في أنحائها وفي إثرهم قطيع من الثيران الهائجة.
عاد الزوجان هيمنجواي إلى مدينة تورنتو من أجل ولادة ابنهما جون هالدي هيمنجواي، وكان لقبه «بامبي». وُلِد جون هالدي في العاشر من أكتوبر عام 1923، وعادت العائلة إلى باريس في يناير عام 1924، وهناك تابع هيمنجواي عمله على مجموعة من القصص القصيرة التي نشرها لاحقًا في كتاب «في زماننا».
عاد هيمنجواي إلى إسبانيا ليعمل على روايته التالية «الشمس تشرق من جديد» التي تدور أحداثها في إسبانيا، ونُشرَت عام 1926 وحصدت أصداءً إيجابيةً.
لم تكن علاقة الزوجين على ما يرام؛ إذ دخل هيمنجواي في علاقة غرامية مع الصحفية الأمريكية بولين فايفر عام 1925، التي كانت تعمل لدى صحيفة باريس فوغ. انفصل الزوجان في يناير عام 1927، وتزوج هيمنجواي من فايفر في مايو من العام نفسه، أما هالدي فقد تزوجت ثانيةً، وعادت إلى شيكاغو برفقة ابنها بامبي عام 1934.
العودة إلى الولايات المتحدة:
عاد هيمنجواي وزوجته الثانية عام 1928 إلى أمريكا ليعيشا فيها. في يونيو عام 1928 ولدت بولين باتريك، أما ابنهما الثاني جورجي فقد وُلد عام 1931. استأجرت العائلة منزلًا في مدينة كي ويست في ولاية فلوريدا، وهناك عمل هيمنجواي على آخر كتبه التي تروي تجربته في الحرب العالمية الأولى: «وداعًا للسلاح».
في ديسمبر عام 1928، تلقى هيمنجواي أخبارًا صادمةً؛ إذ انتحر والده بإطلاق النار على نفسه إثر دخوله في حالة اكتئاب بسبب مشكلات صحية ومالية. تصالح هيمنجواي -الذي كانت علاقته بوالديه شائكة ومعقدة- مع والدته بعد انتحار أبيه وأعانها ماليًا.
في مايو عام 1928، نشرت مجلة سكربنر أول فصل من رواية هيمنجواي «وداعًا للسلاح» ونالت تقييمات جيدة، ولكن نُظِر إلى الفصلين الثاني والثالث من الرواية على أنهما مسيئان للدين وجريئان جنسيًا، ومُنعَا إثر ذلك في بوسطن. أحدث منع الرواية أثرًا معاكسًا؛ إذ أدى هذا النقد إلى ازدياد مبيعات الكتاب عندما نشر نشرًا كامًلا في سبتمبر عام 1929.
الحرب الأهلية الإسبانية:
شهدت ثلاثينيات القرن المنصرم إنتاجًا غزيرًا لهيمنجواي، مع أن نتاجاته في ذلك الوقت لم تلقَ النجاح دومًا. فتنت مصارعة الثيران هيمنجواي، لذلك سافر مجددًا إلى إسبانيا ليجري بحثًا من أجل كتابه غير الروائي «موت في الظهيرة» الذي نُشِر عام 1932، ونال تقييمات سلبية عمومًا. نشر هيمنجواي بعد كتابه هذا مجموعات قصص قصيرة لم تلقَ أصداءً إيجابيةً أيضًا.
انطلق هيمنجواي في رحلة صيد إلى أفريقيا في نوفمبر عام 1933 يمكن وصفها برحلة مشؤومة وكارثية، فقد تعارك همينجواي مع أصحابه، وأُصيب لاحقًا بالزحار. ومع ذلك فقد أمدته بمادة وفيرة ليؤلف قصته القصيرة «ثلوج كيليمنجارو» وكتاب «تلال أفريقيا الخضراء» غير الروائي.
وبينما كان هيمنجواي في رحلة اصطياد طرائد وصيد أسماك في الولايات المتحدة صيف عام 1936، اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية. وبوصفه مواليًا للقوات المناوئة للفاشية، تبرع هيمنجواي بالمال لسيارات الإسعاف، وانتقل إلى إسبانيا ليعمل صحفيًا لعدة صحف أمريكية وينقل أخبار النزاع الدائر هناك.
شارك هيمنجواي أيضًا في تصوير فيلم وثائقي. في أثناء وجوده في إسبانيا، وأقام هيمنجواي علاقةً عاطفيةً مع الصحفية الأمريكية ومعدة البرامج الوثائقية مارثا غيلهورن.
غادرت زوجته بولين كي ويست برفقة أبنائها في ديسمبر عام 1939 بعد أن سئمت من زوجها الزاني. وبعد عدة أشهر تطلّق الزوجان وتزوج إرنست هيمنجواي مارثا غيلهورن في نوفمبر عام 1940.
الحرب العالمية الثانية:
استأجر هيمنجواي وغيلهورن بيتًا ريفيًا في كوبا خارج مدينة هافانا ليعملا على كتاباتهما. وفي أثناء تنقله بين هافانا وكي ويست، خطت أنامل هيمنجواي كتاب «لمن تقرع الأجراس» إحدى أشهر رواياته.
في روايته هذه اتبع هيمنجواي أسلوب السرد الروائي للحرب الأهلية الإسبانية. نُشرَت الرواية في أكتوبر عام 1940وحققت مبيعات هائلة. لم يفز هيمنجواي بجائزة بوليتزر عام 1941 عن روايته «لمن تقرع الأجراس» على الرغم من إعلانها الرواية الفائزة؛ لأن رئيس جامعة كولمبيا -الجهة المخولة بمنح الجائزة- قد عارض القرار.
ازدادت شهرة مارثا الصحفية، وازدادت معها المهام التي أُوكلَت إليها لتنقل الأخبار من جميع أنحاء العالم. ولكن ذلك أحبط هيمنجواي لغيابها الطويل عنه، وسرعان ما سيشد الاثنان رحالهما في جولة حول العالم؛ فبعد أن قصف اليابانيون ميناء بيرل في ديسمبر عام 1941 أصبح الاثنان مراسلين حربيين.
سُمِح لهيمنجواي بالصعود على متن سفينة تنقل القوات. ومنها تمكن من رؤية عملية إنزال القوات على ساحل النورماندي المعروفة باسم “D- day”.
فوزه بجائزتي نوبل وبوليتزر:
بينما كان هيمنجواي في لندن في أثناء الحرب، شرع في علاقة غرامية مع الصحفية ماري ويلش التي ستغدو زوجته الرابعة. علمت غيلهورن بأمر علاقته الغرامية وطلّقته عام 1945. وتزوج هيمنجواي ويلش عام 1946، وتنقلا بين منزلهما في كوبا وولاية أيداهو الأمريكية.
في يناير عام 1951، شرع هيمنجواي في تأليف رائعته وأكثر رواياته شهرة: «الشيخ والبحر». حققت روايته هذه مبيعات ساحقة، ومهدت له الطريق ليفوز بجائزة بوليتزر التي كان ينتظر الفوز بها على أحر من الجمر.
سافر هيمنجواي كثيرًا، وغالبًا ما كان ضحية للحظ السيء، ففي رحلة إلى أفريقيا عام 1953 تحطمت كلتا الطائرتين التي كان يستقلهما، وأُصيب بشدة وعانى جروحًا داخليةً في الرأس وحروقًا أيضًا. وقد نشرت بعض الصحف بالخطأ خبر مصرعه في تحطم الطائرة الثاني.
شهد عام 1954 فوز هيمنجواي بجائزة نوبل للآداب التي كانت تتويجًا لحياته المهنية.
تدهور حاله وانتحاره:
في يناير عام 1959، انتقلت عائلة هيمنجواي من كوبا إلى مدينة كاتشوم في ولاية أيداهو. آنذاك بلغ هيمنجواي ستين عامًا. لسنوات عديدة، عانى هيمنجواي ضغط الدم المرتفع، إضافةً إلى آثار الإفراط في الشرب. تحول كذلك ليصبح مزاجيًا ومكتئبًا، وبدا أن صحته العقلية آخذة بالتدهور.
في نوفمبر عام 1960، أُدخِل هيمنجواي إلى عيادة مايو لعلاج الأعراض الجسدية والعقلية التي يمر بها. تلقى علاجاً بالصدمات الكهربائية لمعالجة اكتئابه وعاد إلى المنزل بعد إقامة شهرين في العيادة. وعندما أدرك أنه غير قادر على الكتابة بعد العلاج، ازداد اكتئابه أكثر.
بعد محاولته الانتحار ثلاث مرات، أُعيد إدخاله إلى عيادة مايو وتلقى المزيد من العلاج بالصدمات الكهربائية. وعلى الرغم من معارضة زوجته واحتجاجها، وافق الأطباء على تخريج هيمنجواي إلى منزله بعد أن أقنعهم بأنه بصحة جيدة. ولكن بعد يوم واحد فقط من خروجه، أطلق النار على رأسه في منزله في صباح الثاني من يوليو عام 1961، ولقي حتفه فوراً.
إرثه:
عاش هيمنجواي حياتًا مليئة بالمغامرات والترحال، وانطلق في رحلات محفوفة بالمخاطر، وأقام علاقات خارج إطار الزواج، وخلبت مصارعة الثيران لبَّه، ونقل كل ذلك إلى قرَّائه عبر أدبه ونتاجه القليل، ولكن بطريقة نستطيع التعرف عليه على الفور.
يتربع إرنست هيمنجواي بين أفضل كتَّاب «الجيل الضائع» في المهجر، الذين عاشوا في باريس في عشرينيات القرن الفائت، وتركوا بصمة خالدة لن يمحوها الزمن.
المصدر:ibelieveinsci
يلقبه جمهوره «بابا هيمنجواي» ملاطفةً وتحببًا، نال جائزتي بوليتزر ونوبل في الأدب، وتحولت العديد من كتبه إلى أفلام.
أمضى حياته في التنقل بين أصقاع العالم صحفيًا أجنبيًا تارةً، ومراسلًا حربيًا تارةً أخرى؛ لينقل وقائع الحروب والثورات في كل أصقاع الأرض.
شُغف بالصيد، وسافر إلى أفريقيا في رحلات سفاري، وسحرته رياضة مصارعة الثيران في إسبانيا.
زير نساء، لم يخلص لامرأة واحدة، وتزوج أربع نساء.
تلقى العديد من الإصابات الخطرة وواجه الموت كثيرًا، ولكنه رفض أن يغادر الحياة إلا بطريقته الخاصة؛ إذ أنهاها انتحارًا عندما أدرك أنه فقد أعز ما يملك: الكتابة والتأليف.
لنقرأ مقالنا الآتي، ونتعرف كاتب رائعتي «لمن تقرع الأجراس» و«الشيخ والبحر»، إرنست هيمنجواي.
نشأته:
وُلِد إرنست ميلر هيمنجواي في الحادي والعشرين من يوليو عام 1899 في مدينة أوك بارك في ولاية إلينوي، وهو الابن الثاني لغريس هول هيمنجواي وكلارينس إدموند (إد) هيمنجواي. زاول والده مهنة الطبابة، أما والدته فكانت تصبو لتكون مغنية أوبرا، ولكنها أصبحت مدرِّسة موسيقى.
يُشاع أن والداه توصلا إلى تفاهم غريب في إدارة حياتهما الزوجية؛ إذ كانت غريس نسوية متحمّسة حتى النخاع، وقد وافقت على الزواج من كلارينس بشرط ألا تكون مسؤولةً عن أعمال المنزل أو الطبخ. وقد رضخ إد لذلك الشرط وأدار الأعمال المنزلية وأشرف على الخدم وطبخ الوجبات، رغم انشغاله بمهنته.
ترعرع إرنست همينجواي مع شقيقاته الأربع، وكان يرغب ويود أن يحظى بأخ، ولم تتحقق أمنيته تلك حتى بلغ الخامسة عشر ربيعًا.
استمتع هيمنجواي بعطلات العائلة في كوخ في شمال ولاية ميشيغان، وهناك أظهر حبًا وولعًا بالفضاءات والنزهات في الهواء الطلق، وقد تعلم اصطياد الطرائد وصيد السمك من والده. في المقابل زرعت والدته -التي أصرّت على تعلم جميع أطفالها العزف على آلة موسيقية- في نفس ابنها تقديرًا وتذوقًا للفنون.
في المدرسة الثانوية شارك هيمنجواي في تحرير صحيفة المدرسة، وخاض المنافسات مع فريقي السباحة وكرة القدم. وكان شغوفًا بمباريات الملاكمة الارتجالية مع أصدقائه، وعزف أيضًا على آلة التشيللو في فرقة المدرسة الموسيقية. تخرج في مدرسة أوك بارك الثانوية عام 1917.
الحرب العالمية الأولى:
عيَّنت صحيفة كانساس سيتي ستار هيمنجواي مراسلًا لينقل أخبار الشرطة عام 1917، وهناك أُجبِر هيمنجواي على الالتزام بأسلوب يتوافق مع إرشادات الصحيفة وتعليماتها، وبدأ بتطوير أسلوب بسيط وبليغ في الكتابة سيصبح سمته المميزة. تميز أسلوب هيمنجواي بخروجه عن النثر المنمق والبرّاق الذي هيمن على الأدب أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
بعد قضائه ستة أشهر في مدينة كانساس، تاق هيمنجواي للمغامرة. كان ضعف بصره عائقًا لقبوله في الخدمة العسكرية، ولذلك تطوع عام 1918 ليعمل سائق سيارة إسعاف لدى الصليب الأحمر في أوروبا.
في شهر يوليو من العام ذاته، وبينما كان يؤدي خدمته في إيطاليا، تعرض هيمنجواي لإصابات شديدة إثر انفجار قنبلة مورتر، وامتلأت ساقاه بأكثر من مئتي شظية استلزمت إجراء عمليات جراحية عدة. منحته الحكومة الإيطالية وسامًا لأنه الأمريكي الأول الذي نجا بعد إصابته في الحرب العالمية الأولى في إيطاليا.
في أثناء فترة تعافيه من إصاباته في مشفى في مدينة ميلان، تعرَّف هيمنجواي على أغنيس فون كرووسكي ووقع في حبها. عملت كورووسكي ممرضة لدى الصليب الأحمر الأمريكي. وقد عقد الاثنان الخطط على الزواج حالما يجمع هيمنجواي المال الكافي لذلك.
بعد انتهاء الحرب في نوفمبر عام 1918، عاد هيمنجواي إلى الولايات المتحدة ليبحث عن عمل، ولكن زواجه من أغنيس لم يحدث؛ إذ تلقى منها رسالة في مارس عام 1919 تنهي فيها العلاقة. حطّم ذلك هيمنجواي، واكتأب، ونادرًا ما غادر منزله.
تحول إرنست هيمنجواي ليصبح كاتبًا:
أمضى هيمنجواي عامًا في منزل ذويه يتعافى من جروحه الجسدية والعاطفية. في أوائل عام 1920، تماثل هيمنجواي للشفاء تقريبًا وأراد العمل، وحصل على عمل في مدينة تورنتو تمثل بمساعدة امرأة في العناية بابنها المعاق. هناك قابل هيمنجواي محرر مقالات صحيفة تورنتو ستار الأسبوعية وعيَّنه كاتب مقالات.
في خريف ذلك العام، انتقل إلى شيكاغو وأصبح كاتبًا لدى مجلة “The Cooperative Commenwealth” الشهرية، إضافةً إلى استمراره في العمل لدى صحيفة ستار.
ولكن هيمنجواي رغب في كتابة الروايات، وبدأ بإرسال نتاجاته من القصص القصيرة إلى مجلات عدة، ولكن رفض القائمون على تلك المجلات نشرها.
سرعان ما ظهرت بارقة أمل أمام هيمنجواي، فمن طريق أصدقاء مشتركين، قابل هيمنجواي الروائي شيروود أندرسون الذي أُعجب بقصصه القصيرة وحثَّه على ممارسة مهنة الكتابة.
التقى إرنست هيمنجواي أيضًا بهادلي ريتشاردسون التي ستصبح زوجته الأولى. قدمت هادلي من مدينة سانت لويس لتزور أصدقاءها بعد وفاة والدتها، وأعالت نفسها من حساب ائتماني صغير تركته لها والدتها. تزوج الاثنان في سبتمبر عام 1921.
عاد شيروود من رحلة إلى أوروبا، وشجع الزوجان المتزوجان حديثًا على السفر إلى باريس؛ إذ اعتقد أنها المكان الملائم لازدهار موهبة هيمنجواي في الكتابة، وزوَّدهما بخطابات تقديم وتعريف للشاعر الأمريكي المغترب عزرا بوند والكاتبة الحداثية غيرترود شتاين. انطلق الزوجان إلى باريس عبر البحر في ديسمبر عام 1921.
حيات إرنست هيمنجواي في باريس:
وجد الزوجان هيمنجواي شقةً رخيصةً في حي من أحياء الطبقة العاملة في باريس، وعاشا على ميراث هالدي ومدخول هيمنجواي من عمله لدى صحيفة تورنتو ستار ويكلي التي وظفته صحفيًا أجنبيًا؛ أي صحفيًا يعمل خارج البلاد. استأجر هيمنجواي غرفة صغيرة في فندق لتكون مكان عمل له.
في تلك الغرفة هبط الإلهام على هيمنجواي وتفتحت قريحته ليملئ الدفاتر واحدًا تلو الآخر بقصص وقصائد وحكايات عن رحلات طفولته إلى ولاية ميشيغان.
تلقى هيمنجواي أخيرًا دعوةً إلى صالون غيرترود شتاين الأدبي التي نسج معها لاحقًا صداقة عميقة. تحول منزل شتاين في باريس إلى مكان يلتقي فيه مختلف فناني وكتَّاب تلك الحقبة. في صالونها الأدبي كانت شتاين بمثابة راعية ومرشدة للعديد من الكتَّاب البارزين.
ارتقت شتاين بمستوى النثر والشعر، وانتقلت بهما من مستوى البساطة إلى مستوى أكثر تفصيلًا وتعقيدًا في ثورة على الأسلوب البسيط الذي كان سائدًا في العقود السابقة. عمل هيمنجواي باقتراحاتها حرفيًا، ولاحقًا نسب إليها الفضل بتعليمه دروسًا قيمةً تركت بصمة في أسلوب كتابته.
انتمى الاثنان -أي هيمنجواي وشتاين- إلى فئة من الكتّاب الأمريكيين المغتربين في باريس في عشرينيات القرن البائد عُرفَت باسم «الجيل الضائع». سببت القيم الأمريكية التقليدية التي تبعت الحرب العالمية الأولى لهؤلاء الكتَّاب خيبة أمل؛ إذ غالبًا ما عكست أعمالهم شعورًا باليأس والعبثية. ضمّت المجموعة كتَّابًا وشعراء آخرين، مثل: إف. سكوت فيتزجيرالد وعزرا بوند وتي. إس. إليوت وجون دوس باسوس.
في ديسمبر عام 1922 تعرض هيمنجواي لنكبة يمكن وصفها بالكابوس؛ فقد أضاعت زوجته -التي كانت مسافرةً بالقطار لملاقاته لقضاء العطلة- حقيبةً مليئةً بجزء كبير من آخر أعماله، من ضمنها النسخ الكربونية، ولم يُعثَر على تلك الأوراق قط.
بدء نشر نتاجات هيمنجواي:
عام 1923 قبلت مجلتا Poetry وThe Little Review الأدبيتان الأمريكيتان نشر عدة قصائد وقصص لهيمنجواي. وفي صيف العام ذاته، نشرت دار نشر في باريس يملكها أمريكي كتاب هيمنجواي الأول «ثلاث قصص وعشر قصائد».
في رحلة إلى إسبانيا، حضر هيمنجواي رياضة مصارعة الثيران، وكتب عنها في صحيفة ستار، وبدا أنه ينتقدها ويتغزل بها في الوقت نفسه. في رحلة أخرى إلى إسبانيا، نقل هيمنجواي أحداث «جري الثيران» في بلدة بامبولنا التي في خضمها يركض شباب البلدة -يسعون للموت أو على الأقل الإصابة- في أنحائها وفي إثرهم قطيع من الثيران الهائجة.
عاد الزوجان هيمنجواي إلى مدينة تورنتو من أجل ولادة ابنهما جون هالدي هيمنجواي، وكان لقبه «بامبي». وُلِد جون هالدي في العاشر من أكتوبر عام 1923، وعادت العائلة إلى باريس في يناير عام 1924، وهناك تابع هيمنجواي عمله على مجموعة من القصص القصيرة التي نشرها لاحقًا في كتاب «في زماننا».
عاد هيمنجواي إلى إسبانيا ليعمل على روايته التالية «الشمس تشرق من جديد» التي تدور أحداثها في إسبانيا، ونُشرَت عام 1926 وحصدت أصداءً إيجابيةً.
لم تكن علاقة الزوجين على ما يرام؛ إذ دخل هيمنجواي في علاقة غرامية مع الصحفية الأمريكية بولين فايفر عام 1925، التي كانت تعمل لدى صحيفة باريس فوغ. انفصل الزوجان في يناير عام 1927، وتزوج هيمنجواي من فايفر في مايو من العام نفسه، أما هالدي فقد تزوجت ثانيةً، وعادت إلى شيكاغو برفقة ابنها بامبي عام 1934.
العودة إلى الولايات المتحدة:
عاد هيمنجواي وزوجته الثانية عام 1928 إلى أمريكا ليعيشا فيها. في يونيو عام 1928 ولدت بولين باتريك، أما ابنهما الثاني جورجي فقد وُلد عام 1931. استأجرت العائلة منزلًا في مدينة كي ويست في ولاية فلوريدا، وهناك عمل هيمنجواي على آخر كتبه التي تروي تجربته في الحرب العالمية الأولى: «وداعًا للسلاح».
في ديسمبر عام 1928، تلقى هيمنجواي أخبارًا صادمةً؛ إذ انتحر والده بإطلاق النار على نفسه إثر دخوله في حالة اكتئاب بسبب مشكلات صحية ومالية. تصالح هيمنجواي -الذي كانت علاقته بوالديه شائكة ومعقدة- مع والدته بعد انتحار أبيه وأعانها ماليًا.
في مايو عام 1928، نشرت مجلة سكربنر أول فصل من رواية هيمنجواي «وداعًا للسلاح» ونالت تقييمات جيدة، ولكن نُظِر إلى الفصلين الثاني والثالث من الرواية على أنهما مسيئان للدين وجريئان جنسيًا، ومُنعَا إثر ذلك في بوسطن. أحدث منع الرواية أثرًا معاكسًا؛ إذ أدى هذا النقد إلى ازدياد مبيعات الكتاب عندما نشر نشرًا كامًلا في سبتمبر عام 1929.
الحرب الأهلية الإسبانية:
شهدت ثلاثينيات القرن المنصرم إنتاجًا غزيرًا لهيمنجواي، مع أن نتاجاته في ذلك الوقت لم تلقَ النجاح دومًا. فتنت مصارعة الثيران هيمنجواي، لذلك سافر مجددًا إلى إسبانيا ليجري بحثًا من أجل كتابه غير الروائي «موت في الظهيرة» الذي نُشِر عام 1932، ونال تقييمات سلبية عمومًا. نشر هيمنجواي بعد كتابه هذا مجموعات قصص قصيرة لم تلقَ أصداءً إيجابيةً أيضًا.
انطلق هيمنجواي في رحلة صيد إلى أفريقيا في نوفمبر عام 1933 يمكن وصفها برحلة مشؤومة وكارثية، فقد تعارك همينجواي مع أصحابه، وأُصيب لاحقًا بالزحار. ومع ذلك فقد أمدته بمادة وفيرة ليؤلف قصته القصيرة «ثلوج كيليمنجارو» وكتاب «تلال أفريقيا الخضراء» غير الروائي.
وبينما كان هيمنجواي في رحلة اصطياد طرائد وصيد أسماك في الولايات المتحدة صيف عام 1936، اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية. وبوصفه مواليًا للقوات المناوئة للفاشية، تبرع هيمنجواي بالمال لسيارات الإسعاف، وانتقل إلى إسبانيا ليعمل صحفيًا لعدة صحف أمريكية وينقل أخبار النزاع الدائر هناك.
شارك هيمنجواي أيضًا في تصوير فيلم وثائقي. في أثناء وجوده في إسبانيا، وأقام هيمنجواي علاقةً عاطفيةً مع الصحفية الأمريكية ومعدة البرامج الوثائقية مارثا غيلهورن.
غادرت زوجته بولين كي ويست برفقة أبنائها في ديسمبر عام 1939 بعد أن سئمت من زوجها الزاني. وبعد عدة أشهر تطلّق الزوجان وتزوج إرنست هيمنجواي مارثا غيلهورن في نوفمبر عام 1940.
الحرب العالمية الثانية:
استأجر هيمنجواي وغيلهورن بيتًا ريفيًا في كوبا خارج مدينة هافانا ليعملا على كتاباتهما. وفي أثناء تنقله بين هافانا وكي ويست، خطت أنامل هيمنجواي كتاب «لمن تقرع الأجراس» إحدى أشهر رواياته.
في روايته هذه اتبع هيمنجواي أسلوب السرد الروائي للحرب الأهلية الإسبانية. نُشرَت الرواية في أكتوبر عام 1940وحققت مبيعات هائلة. لم يفز هيمنجواي بجائزة بوليتزر عام 1941 عن روايته «لمن تقرع الأجراس» على الرغم من إعلانها الرواية الفائزة؛ لأن رئيس جامعة كولمبيا -الجهة المخولة بمنح الجائزة- قد عارض القرار.
ازدادت شهرة مارثا الصحفية، وازدادت معها المهام التي أُوكلَت إليها لتنقل الأخبار من جميع أنحاء العالم. ولكن ذلك أحبط هيمنجواي لغيابها الطويل عنه، وسرعان ما سيشد الاثنان رحالهما في جولة حول العالم؛ فبعد أن قصف اليابانيون ميناء بيرل في ديسمبر عام 1941 أصبح الاثنان مراسلين حربيين.
سُمِح لهيمنجواي بالصعود على متن سفينة تنقل القوات. ومنها تمكن من رؤية عملية إنزال القوات على ساحل النورماندي المعروفة باسم “D- day”.
فوزه بجائزتي نوبل وبوليتزر:
بينما كان هيمنجواي في لندن في أثناء الحرب، شرع في علاقة غرامية مع الصحفية ماري ويلش التي ستغدو زوجته الرابعة. علمت غيلهورن بأمر علاقته الغرامية وطلّقته عام 1945. وتزوج هيمنجواي ويلش عام 1946، وتنقلا بين منزلهما في كوبا وولاية أيداهو الأمريكية.
في يناير عام 1951، شرع هيمنجواي في تأليف رائعته وأكثر رواياته شهرة: «الشيخ والبحر». حققت روايته هذه مبيعات ساحقة، ومهدت له الطريق ليفوز بجائزة بوليتزر التي كان ينتظر الفوز بها على أحر من الجمر.
سافر هيمنجواي كثيرًا، وغالبًا ما كان ضحية للحظ السيء، ففي رحلة إلى أفريقيا عام 1953 تحطمت كلتا الطائرتين التي كان يستقلهما، وأُصيب بشدة وعانى جروحًا داخليةً في الرأس وحروقًا أيضًا. وقد نشرت بعض الصحف بالخطأ خبر مصرعه في تحطم الطائرة الثاني.
شهد عام 1954 فوز هيمنجواي بجائزة نوبل للآداب التي كانت تتويجًا لحياته المهنية.
تدهور حاله وانتحاره:
في يناير عام 1959، انتقلت عائلة هيمنجواي من كوبا إلى مدينة كاتشوم في ولاية أيداهو. آنذاك بلغ هيمنجواي ستين عامًا. لسنوات عديدة، عانى هيمنجواي ضغط الدم المرتفع، إضافةً إلى آثار الإفراط في الشرب. تحول كذلك ليصبح مزاجيًا ومكتئبًا، وبدا أن صحته العقلية آخذة بالتدهور.
في نوفمبر عام 1960، أُدخِل هيمنجواي إلى عيادة مايو لعلاج الأعراض الجسدية والعقلية التي يمر بها. تلقى علاجاً بالصدمات الكهربائية لمعالجة اكتئابه وعاد إلى المنزل بعد إقامة شهرين في العيادة. وعندما أدرك أنه غير قادر على الكتابة بعد العلاج، ازداد اكتئابه أكثر.
بعد محاولته الانتحار ثلاث مرات، أُعيد إدخاله إلى عيادة مايو وتلقى المزيد من العلاج بالصدمات الكهربائية. وعلى الرغم من معارضة زوجته واحتجاجها، وافق الأطباء على تخريج هيمنجواي إلى منزله بعد أن أقنعهم بأنه بصحة جيدة. ولكن بعد يوم واحد فقط من خروجه، أطلق النار على رأسه في منزله في صباح الثاني من يوليو عام 1961، ولقي حتفه فوراً.
إرثه:
عاش هيمنجواي حياتًا مليئة بالمغامرات والترحال، وانطلق في رحلات محفوفة بالمخاطر، وأقام علاقات خارج إطار الزواج، وخلبت مصارعة الثيران لبَّه، ونقل كل ذلك إلى قرَّائه عبر أدبه ونتاجه القليل، ولكن بطريقة نستطيع التعرف عليه على الفور.
يتربع إرنست هيمنجواي بين أفضل كتَّاب «الجيل الضائع» في المهجر، الذين عاشوا في باريس في عشرينيات القرن الفائت، وتركوا بصمة خالدة لن يمحوها الزمن.
المصدر:ibelieveinsci