انتُخب نيلسون مانديلا رئيسًا لجنوب إفريقيا سنة 1994 بعد فوزه بأول انتخابات متعددة الأعراق في تاريخ البلاد، وقد اعتُقِل سابقًا من سنة 1962 إلى سنة 1990 لدوره في محاربة سياسات الفصل العنصرية التي وضعتها الأقلية البيضاء الحاكمة.
نيلسون مانديلا مُقدّس من شعبه، فهو رمز وطني للنضال من أجل المساواة. يُعد نيلسون مانديلا من أكثر الشخصيات السياسية تأثيرًا في القرن العشرين، فقد فاز هو والوزير الأول لجنوب إفريقيا (إف. دبليو. دي كليرك) بجائزة نوبل للسلام سنة 1993 لدورهما في تفكيك نظام الفصل العنصري.
يُدعى أيضًا: روليهلاهلا مانديلا، ماديبا، تاتا.
ومن أقواله المأثورة: «تعلمت أنّ الشجاعة ليست غياب الخوف، بل التغلب عليه».
الطفولة:
وُلد نيلسون روليهلاهلا مانديلا في قرية (ميفسو -Mveso )، في إقليم (ترانسكي – Transkei) في جنوب إفريقيا، في 18 يوليو سنة 1918، من أبوين هما (كادلا هنري مفاكانيسوا – Gadla Henry Mphakanyiswa) و(نوقافي نوسكني – Noqaphi Nosekeni)، وهي الزوجة الثالثة من زوجات كادلا الأربعة، في لغة منديلا الأم، (شوسا- Xhosa)، روليهلاهلا تعني «المشاغب»؛ كنية مانديلا أتت من أحد أجداده.
كان والد مانديلا زعيم قبيلة تيمبو في إقليم مفسو، وقد خدم تحت سلطة الحكومة البريطانية الحاكمة. باعتباره منحدرًا من الملكية، كان من المتوقع أن يَخدم مانديلا في موقع والده حين يصل إلى السن القانونية.
عندما كان مانديلا مجرد رضيع ثار والده ضد الحكومة البريطانية الحاكمة رافضًا المثول الإجباري أمام قاضي التحقيق البريطاني، ولهذا جُرد من زعامته وثروته، وأُجْبِر على مغادرة منزله. انتقل مانديلا مع 3 من أخواته وأمه إلى منزلهم في قرية كونو، وعاشت العائلة هناك في ظروف متواضعة.
سكنت العائلة في أكواخ من الطين، وعاشت على المحاصيل التي زرعوها والماشية والخراف التي ربوها. عمل مانديلا -بجانب أطفال القرية الآخرين- في رعي الغنم والماشية. وكانت هذه المرحلة إحدى أسعد مراحل حياته. في كثير من الأمسيات، جلس القرويون حول النار، يتلُونَ على الأطفال قصصًا مُرِّرَت عبر الأجيال حول الحياة قبل وصول الرجل الأبيض.
بحلول عام 1900، كان معظم جنوب إفريقيا تحت حكم الأوروبيين. وفي سنة 1910، اندمجت المستعمرات البريطانية مع جمهوريات البوير (الهولنديون)؛ لخلق اتحاد جنوب إفريقيا، جزءًا من الإمبراطورية البريطانية. جُرِّد العديد من الإفريقيين من أراضيهم، وأُجبِروا على العمل لصالح أرباب العمل البيض في أعمال متدنية الأجور.
نيلسون مانديلا الشاب، الذي يعيش في قريته الصغيرة، لم يكن يحس بعد بتأثير قرون من سيطرة الأقلية البيضاء.
تعليم مانديلا:
رغم كونهما غير متعلمين، أراد والدا نيلسون مانديلا من ابنهما أن يذهب إلى المدرسة. في سن السابعة سُجِّلَ مانديلا في المدرسة الأجنبية المحلية. في يومه الأول أُعْطِيَ لكل طفل اسمًا إنجليزيًا جديدًا، روليهلاهلا أُعْطِيَ اسم نيلسون.
عندما كان مانديلا في التاسعة من عمره توفي والده، وحسب وصية أبيه الأخيرة، أُرسل مانديلا للعيش في عاصمة تيمبو، (مقيكيزويني – Mqhekezeweni)، حيث بإمكانه إكمال تعليمه تحت إرشاد زعيم قبيلة آخر (جونكينتابا دالينديبو – Jongintaba Dalindyebo). عند رؤية منزل الزعيم لأول مرة انبهر مانديلا بكبر منزله وجمال حدائقه.
في (مقيكيزويني – Mqhekezeweni)، درس مانديلا في مدرسة أجنبية أخرى، وأصبح منهجيًا متعصبًا خلال أعوامه مع عائلة دالينديبو. حضر مانديلا كذلك لقاءات القبيلة مع الزعيم، الذي علّمه كيف ينجز الزعيم أموره.
حين أصبح مانديلا في سن 16، أُرسل إلى مدرسة داخلية في قرية تبعد مئات الأميال، وعند تخرجه سنة 1937 في عمر 19 سنة درس في (هيلدتاون -Healdtown)، كلية ميثودية، ونشط مانديلا كذلك في الملاكمة، وكرة القدم، والجري لمسافات طويلة.
في عام 1939، بدأ نيلسون مانديلا دراسته لنيل شهادة البكالوريوس في الفن من كلية فورت هال المرموقة، مع خطة لولوج كلية القانون في النهاية. ولكن، لم يكمل مانديلا دراسته في فورت هال، عوضًا عن ذلك، فُصِلَ من الدراسة بعد مشاركته في مظاهرة للطلبة، وعاد إلى منزل الزعيم دالينديبو، فقوبل بالغضب وخيبة الأمل.
بعد عدة أسابيع من عودته إلى المنزل، تلقى مانديلا أخبارًا صاعقة من الزعيم. دالينديبو رتب لابنيه معًا، جوستيس ونيلسون مانديلا، زواجًا من امرأتين من اختياره. لم يوافق الشابان على زواج مرتب، لذلك قررا الهروب إلى جوهانسبرغ، عاصمة جنوب إفريقيا.
سرق نيلسون مانديلا وجوستين ثوْرَيْنِ من الزعيم، وباعاهما مقابل أجرة القطار وتأمين رحلتهما.
الانتقال إلى جوهانسبرغ:
عند الوصول إلى جوهانسبرغ، وجد مانديلا المدينة مكانًا مثيرًا، ولكنه استفاق بعدم عدالة حياة الرجال السود في جنوب إفريقيا. قبل الانتقال إلى جوهانسبرغ، كان نيلسون منديلا قد عاش في الأساس بين سود آخرين، ولكنه شاهد في جوهانسبرغ التباين بين الأعراق. حيث عاش السود في بلدات كالأحياء الفقيرة، لا تحتوي على الكهرباء أو الماء الصالح للشرب، بينما عاش البيض في رخاء من ثروة مناجم الذهب.
انتقل نيلسون مانديلا للعيش مع قريبه وعمل حارس أمن، وسرعان ما طُرد حين علم مُوَظِّفه بسرقته لثيران المحسن إليه.
تغير حظ مانديلا حين قدم للازار سيدلسكاي (محامي أبيض متحرر العقل، سيَّر مؤسسة قانونية تخدم السود والبيض على حد سواء). بعد معرفة الأخير برغبة مانديلا في أن يصبح محاميًا سمح له بالعمل كاتبًا قانونيًا. قبل نيلسون مانديلا العرض ممتنًا، وأخد يعمل في سن 23 في أثناء عمله على إنهاء إجازته من طريق المراسلة.
اكترى نيلسون مانديلا غرفة في بلدة السود المحلية، درس تحت ضوء الشمعة في الليل، وعادةً، كان يمشي 6 أميال للذهاب إلى العمل والعودة منه، لعدم امتلاكه مالًا للحافلة. زوده سيديلسكاي ببدلة قديمة، التي رقعها مانديلا، ولبسها يوميًا لخمس سنوات.
الالتزام بقضية:
في عام 1942، أنهى نيلسون مانديلا أخيرًا شهادته الجامعية، وتسجل في جامعة (ويتواترزراند – University of Witwatersrand) طالب قانون بدوام جزئي. في ويتس التقى بكثير من الناس الذين سيعملون معه خلال السنوات القادمة من أجل قضية التحرير.
في عام 1943، انضم نيلسون مانديلا إلى مجلس الشيوخ الوطني الإفريقي، وهو منظمة عملت على تحسين ظروف السود في جنوب إفريقيا. في السنة نفسها، قام مانديلا مع آلاف المقيمين في جوهانسبرغ بمقاطعة ناجحة للحافلات بسبب غلاء تكلفتها.
كبر غضب نيلسون مانديلا إزاء عدم المساوات العرقية، وعمّق مانديلا التزامه بالنضال من أجل التحرير، وساعد في تكوين عصبة الشباب، التي سعت لتجنيد الأعضاء الشباب، وتحويل إي إن سي إلى منظمة عسكرية قادرة على القتال من أجل حقوق متساوية. تحت قوانين تلك الفترة، حُرِم الأفارقة من امتلاك الأرض أو البيوت في البلدة، وأجورهم كانت أقل بخمس مرات من أجور نظرائهم البيض، ولا يستطيع أحد منهم التصويت.
في عام 1944، كان عمر نيلسون مانديلا 26 سنة، فتزوج إفلين ماس 22 سنة، وانتقلا للعيش في بيت صغير مؤجر، أنجب الزوجان طفلًا، ماديبا (تيمبي) في فبراير 1945، وبنت، ماكازيو، في 1947، التي توفيت بعد إصابتها بالحمى وهي رضيعة. رحبا بابن آخر (ماكغاتو) في سنة 1950، وطفلة أخرى، سُميت ماكازاوي تيمنًا بأختها، في سنة 1954.
بعد انتخابات 1948، التي فاز بها الحزب الوطني الأبيض، كان أول فعل رسمي للحزب هو تفعيل التمييز العنصري. وبهذا القانون، أصبح نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا سياسة رسمية، مؤسساتية، ومدعومة بالقوانين والأنظمة.
ستقرر السياسة الجديدة أجزاء البلدة التي يمكن لكل مجموعة عرقية العيش فيها، وستفصل البيض عن السود في مناحي الحياة كافة، متضمنةً وسائل النقل العمومية، وقاعات المسرح، والمطاعم، وحتى الشواطئ.
حملة التحدي:
أكمل نيلسون مانديلا دراساته القانونية في عام 1952، وافتتح مع شريكه أوليفر تامبو أول مكتب قانوني للسود في جوهانسبورغ، وكان الزبائن من الأفارقة الذين عانوا من عدم عدالة العنصرية، المتمثلة في مصادرة ممتلكاتهم، وضرب الشرطة لهم. واجه نيلسون مانديلا خصومة من القضاة والمحامين البيض، وقد كان مانديلا محاميًا ناجحًا، وكانت لديه طريقة درامية، وكان شغوفًا داخل قاعة المحكمة.
في الخمسينيات، أصبح نيلسون مانديلا أكثر نشاطًا في حركة الاحتجاج. انتُخب رئيسًا لعصبة شباب إي إن سي في 1950. في يونيو 1952، بدأت أي أن سي بجانب الهنود والناس الملونين مرحلة من الاحتجاجات غير العنيفة، وعُرفت باسم حملة التحدي، وقادها نيلسون مانديلا.
دامت الحملة 6 أشهر، وشاركت فيها مدن وبلدات عدة في جنوب إفريقيا. تحدى المتطوعون القانون بدخول أماكن مخصصة للبيض فقط. اعتُقل عدة آلاف خلال مدة 6 أشهر، من بينهم نيلسون مانديلا وقادة إي إن سي.
اتُهم مانديلا والعديد من أعضاء المجموعة بمساندة الشيوعية، وحُكم عليهم 9 أشهر من الأعمال الشاقة، لكن اُسقِطت بعض العقوبات.
ساعدت الدعاية الإعلامية خلال حملة التحدي في رفع عدد أعضاء إي إن سي إلى 100،000.
الاعتقال بسبب الخيانة:
في سنة 1953، منعت الحكومة نيلسون مانديلا من حضور اللقاءات العامة أو اللقاءات العائلية، بسبب تورطه في إي إن سي. استمر المنع مدة سنتين.
وضع نيلسون مانديلا بجانب آخرين من اللجنة التنفيذية لإي إن سي ميثاق الحرية في يونيو 1955، وقُدم في أثناء لقاء خاص سُمي مؤتمر الناس.
دعا هذا الميثاق إلى المساواة بين الجميع في الحقوق، بصرف النظر عن عرقهم، وأكد قدرة جميع المواطنين على التصويت، وامتلاك الأرض، وشغل وظائف ذات أجر لائق. هذا الميثاق دعا إلى جنوب إفريقيا غير عنصرية.
بعد عرض الميثاق بشهور، اعتقلت الشرطة المئات من أعضاء إي إن سي. اتُهم نيلسون مانديلا و155 شخصًا بالخيانة العظمى، ثم أُطلق سراحهم في انتظار موعد المحاكمة.
عانى زواج مانديلا وإفلين نتيجة غياباته الطويلة، فكان الطلاق سنة 1957، بعد 13 عامًا من الزواج.
التقى نيلسون مانديلا بويني ماديميزيلا، عاملة اجتماعية كانت قد طلبت مشورته القانونية، وتزوجا في يونيو 1968. كان مانديلا في عمر 39 عامًا، وويني 21 عامًا فقط. أنجبت ويني فتاتين، زيناني وزيندزيسوا.
مجزرة شاربفيل:
المحاكمة، التي نُقلت إلى بريتوريا، تقدمت بوتيرة بطيئة. التهمة الأولية لوحدها أخدت سنة. المحاكمة الحقيقية لم تبدأ حتى أغسطس 1959. أُسقطت التهم عن الجميع ما عدى 30 من المتهمين. وفي 21 مارس 1960، توقفت المحاكمة بسبب أزمة وطنية.
في أول مارس، عقد مؤتمر عموم إفريقيا (PAC) إضرابًا كبيرًا، بسبب مطالبة الإفريقيين حمل أوراق الهوية معهم دومًا من أجل السفر عبر البلاد. خلال مظاهرة في شاربفيل، أطلقت الشرطة النار على متظاهرين عزل، قاتلةً 69 منهم، ومخلفةً أكثر من 400 جريح. الحادث المروع، الذي أُدين دوليًا، أُطلق عليه اسم مجزرة شاربفيل.
طالب مانديلا وقادة آخرون من إي إن سي بيوم حداد وطني، مع الإبقاء على الإضراب مدة طويلة. شارك مئات الآلاف في تظاهرات معظمها سلمية، ولكن اندلعت بعض أعمال الشغب. أعلنت الحكومة الجنوب إفريقية حالة طوارئ وطنية وسنت القانون العسكري. نُقل مانديلا والمتهمون إلى زنازين السجن.
كان استئناف المحاكمة في الخامس والعشرين من أبريل 1960، واستمرت حتى 29 مارس 1961. وكانت النتيجة مفاجئة للكثيرين، فقد أسقطت المحكمة التهم عن جميع المتهمين، مبررة ذلك بانعدام الأدلة التي تثبت تخطيط المتهمين لإسقاط الحكومة بالعنف.
كان هذا الحدث محط احتفال للكثيرين، ولكن لم يكن لدى نيلسون مانديلا الوقت للاحتفال. فقد كان مقبلًا على دخول فصل جديد وخطير من حياته.
كزبرة الثعلب السوداء:
قبل النطق بالحكم، عقد إي إن سي المحظور لقاءًا غير قانوني، قرر فيه أن نيلسون مانديلا سيختفي سرًا في حال برّأته المحكمة، وسيعمل سرًا على إلقاء خطابات، وجمع الدعم لحركة التحرير. أُنشئت منظمة جديدة، المجلس الوطني للعمل (NAC)، وعُين مانديلا قائدًا لها.
وفقا لخطة إي إن سي، أصبح مانديلا هاربًا مباشرة بعد المحاكمة. في البداية ذهب للاختباء في عدة منازل آمنة، العديد منها داخل منطقة جوهانسبرغ. بقي مانديلا في حركة مستمرة، إذ كان يعلم أن الشرطة تبحث عنه في كل مكان.
كان يغامر بالخروج في الليل فقط، فقد كان يشعر بالأمان، تنكر مانديلا في صفة سائق أو زعيم قبيلة. وظهر أيضًا مرات عدة بنحو مفاجئ لإلقاء خطابات في أماكن كان متوقعًا أن تكون آمنة، وكذلك بُث على الراديو. أخدت الصحافة تناديه كزبرة الثعلب السوداء (الشخصية الرئيسية في رواية كزبرة الثعلب القرمزية).
في أكتوبر 1961، انتقل مانديلا إلى مزرعة في ريفونيا، خارج جوهانسبرغ. كان آمنًا لفترة من الزمن هناك، حتى أنه استمتع بزيارات ويني وبناتهما.
رأس الدولة:
ردًا على عنف الحكومة المتزايد ضد المتظاهرين، طور مانديلا ذراعًا جديدًا لإي إن سي؛ وحدة عسكرية سُميت رأس الدولة، عُرفت أيضًا بإم كي، كانت تستعمل استراتيجية التخريب، وتستهدف الثكنات العسكرية، ومؤسسات الطاقة، وخطوط النقل، وكان هدفها إتلاف ملكية الحكومة، دون إيذاء الأفراد.
كان أول هجوم لإم كي، في ديسمبر 1961، إذ فجروا محطة للطاقة الكهربائية، وأفرغوا مكتبًا للحكومة في جوهانسبرغ. في الأسابيع اللاحقة، نفذت مجموعة أخرى من التفجيرات. أدرك الجنوب الإفريقيون البيض أنهم مهددون بعد الآن.
في يناير 1962، هرب مانديلا، الذي لم يغادر جنوب إفريقيا قط، إلى خارج الدولة لحضور مؤثر في عموم إفريقيا. آملًا بحضوره هذا أن يحصل على الدعم المالي والعسكري من دول إفريقيا الأخرى، ولكنه لم يُكلل بالنجاح. في إثيوبيا، خضع مانديلا لتدريب على كيفية إطلاق النار من المسدس، وكذلك صنع متفجرات صغيرة.
الاعتقال:
بعد 16 سنة من الهروب، اعتُقل مانديلا في الخامس من أغسطس سنة 1962 على خلفية تُهم مغادرة التراب الوطني بطريقة غير قانونية، والتحريض على الإضراب. المحاكمة بدأت في 15 أكتوبر من سنة 1962.
بعد أن رفض تعيين المحامي، تحدث مانديلا عن نفسه، واستنكر السياسات التمييزية وغير الأخلاقية للحكومة. بصرف النظر عن خطابه المتقد، حُكم عليه بالسجن خمس سنوات. كان عمر مانديلا 44 حين دخل لسجن بريتوريا المحلي.
سجن في بريتوريا 6 أشهر، نُقل مانديلا بعد ذلك إلى جزيرة روبن، سجن كئيب ومعزول قبالة ساحل كيب تاون، في أيار من سنة 1963.
بعد عدة أسابيع فقط هناك، علم مانديلا بعودته إلى المحاكمة، هذه المرة مواجهًا تهمة التخريب. وسوف يُحاكم مع عدد من أعضاء إم كي الذين اعتُقلوا في مزرعة في ريفونيا.
في أثناء المحاكمة، اعترف مانديلا بدوره في تشكيل إم كي، وشدد على إيمانه بكون المتظاهرين يعملون فقط من أجل ما يستحقون، مساواة الحقوق السياسية. اختتم مانديلا أقواله بذكر أنه مستعد للموت في سبيل قضيته.
أُدين مانديلا و7 من المتهمين المشتركين معه بتهمة التحريض في الحادي عشر من يونيو 1964. كان من الممكن أن يُحكم عليهم بالموت بسبب تهمهم الخطيرة جدًا، ولكنهم حُكموا بالمؤبد. أُرسل الرجال كلهم ما عدا رجل أبيض إلى جزيرة روبن.
الحياة في جزيرة روبن:
في جزيرة روبن، مُنح كل سجين زنزانة صغيرة مع مصباح وحيد مضاء 24 ساعة في اليوم. نام السجناء على حصيرة رقيقة على الأرض. تألفت الوجبات من حساء بارد وبين الحين والآخر خضر أو قطعة لحم (رغم أن السجناء الهنديين والآسيويين يحصلون على مؤن سخية أكثر من نظرائهم السود)، تذكيرًا بقيمتهم المنخفضة، وقد ارتدى السجناء السود سراويل قصيرة طيلة السنة، بينما سُمح للآخرين بارتداء سراويل عادية.
أمضى النزلاء تقريبًا 10 ساعات يوميًا في الأعمال الشاقة، يحفرون الصخور في محاجر الحجر الرملي.
صعوبات حياة السجن جعلت من الصعب على الفرد أن يحافظ على كرامته، ولكن مانديلا عزم على ألا ينهزم. أصبح الناطق وقائد المجموعة، وعُرف باسم قبيلته (مابيدا).
على مر السنين، قاد مانديلا السجناء في احتجاجات عدة؛ إضرابات عن الطعام ومقاطعته، وتبطيء للعمل. وطالب مانديلا أيضًا بامتيازات القراءة والدراسة. في معظم الحالات، احتجاجاته أعطت نتيجة.
عان مانديلا من خسائر شخصية في فترة اعتقاله. توفت أمه في يناير 1968، ومات ابنه عن عمر 25 سنة في حادث سير العام التالي. لم يُسمح لمانديلا مكسور القلب بحضور جنازتَيهما.
في 1969، تلقى مانديلا أنباء عن اعتقال زوجته ويني بسبب تهم تخص الأنشطة الشيوعية. أمضت ويني 18 شهرًا في السجن الانفرادي، وكانت عرضةً للتعذيب، وقد سببت أنباء اعتقالها حزنًا كبيرًا لمانديلا.
حملة تحرير مانديلا:
طيلة فترة سجنه، بقي مانديلا رمزًا للحركة المناهضة للتمييز العنصري. بعد حملة «تحرير مانديلا» في عام 1980، التي جذبت الاهتمام الدولي، استسلمت الحكومة نوعًا ما.
في أبريل 1982، نُقل مانديلا و4 سجناء آخرين من سجن ريفونيا إلى سجن بولسمور على اليابسة الرئيسية. كان مانديلا في 62 من عمره، وقد عاش 19 سنة منها على جزيرة روبن.
تحسنت الظروف في جزيرة روبن كثيرًا؛ سُمح للمعتقلين بقراءة الصحف، ومشاهدة التلفاز، واستقبال الزوار. أُعطي مانديلا الكثير من الاهتمام الإعلامي، إذ أرادت الحكومة أن تثبت للعالم أنه يعامل بطريقة حسنة.
في الجهود المبذولة لوقف العنف وإصلاح الاقتصاد الفاشل، أعلن الوزير الأول بي. دبليو. بوثا -في 13 يناير 1985ـ عن عزمه إطلاق سراح نيلسون مانديلا في حال تخلى عن المظاهرات العنيفة، ولكن مانديلا رفض أي عرض إن لم يكن غير مشروط.
في ديسمبر 1988، نقل مانديلا إلى إقامة خاصة في سجن فيكتور فيرستر خارج كاب تاون، ولاحقًا أُحضِر إلى مفاوضات سرية مع الحكومة. أنجز القليل فقط، حتى تخلى بوثا عن منصبه في أغسطس 1989، بإجبار من قبل مجلس الوزراء، وكان خليفته، إف. دبليو. دي كليرك مستعدًا للتفاوض من أجل السلام، ومستعدًا للقاء مانديلا.
الحرية في النهاية:
بإلحاح من نيلسون مانديلا، أطلق دو كليرك سراح المعتقلين السياسيين دون شروط في أكتوبر 1989. خاض مانديلا ودي كليرك محادثات طويلة بشأن الصفة غير القانونية لإي إن سي ومجموعات مناهضة أخرى، ولكن لم يتوصلا لأي اتفاق.
أعلن دي كليرك في الثاني من فبراير 1990 عن خبر صعق مانديلا وجنوب إفريقيا كلها؛ أطلق دي كليرك عددًا من الإصلاحات الشاملة، رافعًا الحظر عن كل من إي إن سي، بي إي سي، والحزب الشيوعي، وآخرين. ورفع أيضًا القيود الموضوعة منذ سنة 1986 بسبب حالة الطوارئ، وأمر بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين غير العنيفين.
في 11 فبراير 1990، أطلق سراح نيلسون مانديلا من السجن. بعد 27 سنة من الاعتقال، وأصبح رجلًا حرًا في عمر 71 سنة. رُحب بمانديلا في منزله بهتاف آلاف الأشخاص في الشارع.
مباشرة بعد عودته للمنزل، علم مانديلا بوقوع زوجته ويني في حب رجل آخر في أثناء غيابه. انفصل آل مانديلا في أبريل 1992، وتطلقا لاحقًا.
علم مانديلا أنه رغم الإصلاحات المذهلة التي أحدثت، لازال هنالك الكثير ليفعله. عاد مانديلا مباشرة للعمل لأجل إي إن سي، متجولًا عبر جنوب إفريقيا للتحدث مع مجموعات مختلفة، وللعمل مفاوضًا للمزيد من الإصلاحات.
في عام 1993، توّج مانديلا ودي كليرك بجائزة نوبل للسلام لجهدهما المشترك لإحلال السلام في جنوب إفريقيا.
الرئيس مانديلا:
في 27 أبريل 1994، خاضت جنوب أفريقيا أول انتخابات سُمح فيها للسود بالتصويت، فاز إي إن سي بنسبة 63 في المئة من الأصوات (الأغلبية في البرلمان)، وبعد الإفراج عن نيلسون مانديلا بأربع سنوات، انتُخب ليكون أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا.
زار مانديلا عدة بلدان غربية في محاولة لإقناع قادتها بالعمل مع الحكومة الجديدة في جنوب إفريقيا. وقام أيضًا بجهود لمساعدة عدة دول إفريقية على السلام. من بينها بوتسوانا، وأوغندا، وليبيا. نال مانديلا الإعجاب والاحترام خارج جنوب إفريقيا.
اهتم مانديلا خلال فترة حكمه بالسكن، والمياه الصالحة للشرب، والكهرباء. أرجعت الحكومة أيضًا الأراضي للذين أخذَت منهم، وجعلت امتلاك الأراضي أمرًا قانونيًا مجددًا للسود.
في عام 1998، تزوج مانديلا من غراسا ميشيل، في عيد ميلاده الثمانين. ميشيل كانت في الثانية والخمسين من عمرها، أرملة رئيس الموزامبيق السابق.
لم يترشح مانديلا للرئاسة مرة أخرى في عام 1999، واستبُدل بنائبه، تابو مبكي.
شارك مانديلا في جمع التبرعات لمحاربة الايدز، ونظم حملة لصالح مرضى الإيدز في 2003، وقد توفي ابن مانديلا (ماكغاتو – Makgatho)، في الرابعة والأربعين بسبب داء نقص المناعة المكتسبة الإيدز.
في عام 2009، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة من 18 يوليو اليوم العالمي لنيلسون مانديلا (عيد ميلاد مانديلا). توفي نيلسون مانديلا في بيته في جوهانسبرغ في 5 ديسمبر 2013، عن عمر يناهز 95 عامًا.
المصدر:ibelieveinsci
نيلسون مانديلا مُقدّس من شعبه، فهو رمز وطني للنضال من أجل المساواة. يُعد نيلسون مانديلا من أكثر الشخصيات السياسية تأثيرًا في القرن العشرين، فقد فاز هو والوزير الأول لجنوب إفريقيا (إف. دبليو. دي كليرك) بجائزة نوبل للسلام سنة 1993 لدورهما في تفكيك نظام الفصل العنصري.
يُدعى أيضًا: روليهلاهلا مانديلا، ماديبا، تاتا.
ومن أقواله المأثورة: «تعلمت أنّ الشجاعة ليست غياب الخوف، بل التغلب عليه».
الطفولة:
وُلد نيلسون روليهلاهلا مانديلا في قرية (ميفسو -Mveso )، في إقليم (ترانسكي – Transkei) في جنوب إفريقيا، في 18 يوليو سنة 1918، من أبوين هما (كادلا هنري مفاكانيسوا – Gadla Henry Mphakanyiswa) و(نوقافي نوسكني – Noqaphi Nosekeni)، وهي الزوجة الثالثة من زوجات كادلا الأربعة، في لغة منديلا الأم، (شوسا- Xhosa)، روليهلاهلا تعني «المشاغب»؛ كنية مانديلا أتت من أحد أجداده.
كان والد مانديلا زعيم قبيلة تيمبو في إقليم مفسو، وقد خدم تحت سلطة الحكومة البريطانية الحاكمة. باعتباره منحدرًا من الملكية، كان من المتوقع أن يَخدم مانديلا في موقع والده حين يصل إلى السن القانونية.
عندما كان مانديلا مجرد رضيع ثار والده ضد الحكومة البريطانية الحاكمة رافضًا المثول الإجباري أمام قاضي التحقيق البريطاني، ولهذا جُرد من زعامته وثروته، وأُجْبِر على مغادرة منزله. انتقل مانديلا مع 3 من أخواته وأمه إلى منزلهم في قرية كونو، وعاشت العائلة هناك في ظروف متواضعة.
سكنت العائلة في أكواخ من الطين، وعاشت على المحاصيل التي زرعوها والماشية والخراف التي ربوها. عمل مانديلا -بجانب أطفال القرية الآخرين- في رعي الغنم والماشية. وكانت هذه المرحلة إحدى أسعد مراحل حياته. في كثير من الأمسيات، جلس القرويون حول النار، يتلُونَ على الأطفال قصصًا مُرِّرَت عبر الأجيال حول الحياة قبل وصول الرجل الأبيض.
بحلول عام 1900، كان معظم جنوب إفريقيا تحت حكم الأوروبيين. وفي سنة 1910، اندمجت المستعمرات البريطانية مع جمهوريات البوير (الهولنديون)؛ لخلق اتحاد جنوب إفريقيا، جزءًا من الإمبراطورية البريطانية. جُرِّد العديد من الإفريقيين من أراضيهم، وأُجبِروا على العمل لصالح أرباب العمل البيض في أعمال متدنية الأجور.
نيلسون مانديلا الشاب، الذي يعيش في قريته الصغيرة، لم يكن يحس بعد بتأثير قرون من سيطرة الأقلية البيضاء.
تعليم مانديلا:
رغم كونهما غير متعلمين، أراد والدا نيلسون مانديلا من ابنهما أن يذهب إلى المدرسة. في سن السابعة سُجِّلَ مانديلا في المدرسة الأجنبية المحلية. في يومه الأول أُعْطِيَ لكل طفل اسمًا إنجليزيًا جديدًا، روليهلاهلا أُعْطِيَ اسم نيلسون.
عندما كان مانديلا في التاسعة من عمره توفي والده، وحسب وصية أبيه الأخيرة، أُرسل مانديلا للعيش في عاصمة تيمبو، (مقيكيزويني – Mqhekezeweni)، حيث بإمكانه إكمال تعليمه تحت إرشاد زعيم قبيلة آخر (جونكينتابا دالينديبو – Jongintaba Dalindyebo). عند رؤية منزل الزعيم لأول مرة انبهر مانديلا بكبر منزله وجمال حدائقه.
في (مقيكيزويني – Mqhekezeweni)، درس مانديلا في مدرسة أجنبية أخرى، وأصبح منهجيًا متعصبًا خلال أعوامه مع عائلة دالينديبو. حضر مانديلا كذلك لقاءات القبيلة مع الزعيم، الذي علّمه كيف ينجز الزعيم أموره.
حين أصبح مانديلا في سن 16، أُرسل إلى مدرسة داخلية في قرية تبعد مئات الأميال، وعند تخرجه سنة 1937 في عمر 19 سنة درس في (هيلدتاون -Healdtown)، كلية ميثودية، ونشط مانديلا كذلك في الملاكمة، وكرة القدم، والجري لمسافات طويلة.
في عام 1939، بدأ نيلسون مانديلا دراسته لنيل شهادة البكالوريوس في الفن من كلية فورت هال المرموقة، مع خطة لولوج كلية القانون في النهاية. ولكن، لم يكمل مانديلا دراسته في فورت هال، عوضًا عن ذلك، فُصِلَ من الدراسة بعد مشاركته في مظاهرة للطلبة، وعاد إلى منزل الزعيم دالينديبو، فقوبل بالغضب وخيبة الأمل.
بعد عدة أسابيع من عودته إلى المنزل، تلقى مانديلا أخبارًا صاعقة من الزعيم. دالينديبو رتب لابنيه معًا، جوستيس ونيلسون مانديلا، زواجًا من امرأتين من اختياره. لم يوافق الشابان على زواج مرتب، لذلك قررا الهروب إلى جوهانسبرغ، عاصمة جنوب إفريقيا.
سرق نيلسون مانديلا وجوستين ثوْرَيْنِ من الزعيم، وباعاهما مقابل أجرة القطار وتأمين رحلتهما.
الانتقال إلى جوهانسبرغ:
عند الوصول إلى جوهانسبرغ، وجد مانديلا المدينة مكانًا مثيرًا، ولكنه استفاق بعدم عدالة حياة الرجال السود في جنوب إفريقيا. قبل الانتقال إلى جوهانسبرغ، كان نيلسون منديلا قد عاش في الأساس بين سود آخرين، ولكنه شاهد في جوهانسبرغ التباين بين الأعراق. حيث عاش السود في بلدات كالأحياء الفقيرة، لا تحتوي على الكهرباء أو الماء الصالح للشرب، بينما عاش البيض في رخاء من ثروة مناجم الذهب.
انتقل نيلسون مانديلا للعيش مع قريبه وعمل حارس أمن، وسرعان ما طُرد حين علم مُوَظِّفه بسرقته لثيران المحسن إليه.
تغير حظ مانديلا حين قدم للازار سيدلسكاي (محامي أبيض متحرر العقل، سيَّر مؤسسة قانونية تخدم السود والبيض على حد سواء). بعد معرفة الأخير برغبة مانديلا في أن يصبح محاميًا سمح له بالعمل كاتبًا قانونيًا. قبل نيلسون مانديلا العرض ممتنًا، وأخد يعمل في سن 23 في أثناء عمله على إنهاء إجازته من طريق المراسلة.
اكترى نيلسون مانديلا غرفة في بلدة السود المحلية، درس تحت ضوء الشمعة في الليل، وعادةً، كان يمشي 6 أميال للذهاب إلى العمل والعودة منه، لعدم امتلاكه مالًا للحافلة. زوده سيديلسكاي ببدلة قديمة، التي رقعها مانديلا، ولبسها يوميًا لخمس سنوات.
الالتزام بقضية:
في عام 1942، أنهى نيلسون مانديلا أخيرًا شهادته الجامعية، وتسجل في جامعة (ويتواترزراند – University of Witwatersrand) طالب قانون بدوام جزئي. في ويتس التقى بكثير من الناس الذين سيعملون معه خلال السنوات القادمة من أجل قضية التحرير.
في عام 1943، انضم نيلسون مانديلا إلى مجلس الشيوخ الوطني الإفريقي، وهو منظمة عملت على تحسين ظروف السود في جنوب إفريقيا. في السنة نفسها، قام مانديلا مع آلاف المقيمين في جوهانسبرغ بمقاطعة ناجحة للحافلات بسبب غلاء تكلفتها.
كبر غضب نيلسون مانديلا إزاء عدم المساوات العرقية، وعمّق مانديلا التزامه بالنضال من أجل التحرير، وساعد في تكوين عصبة الشباب، التي سعت لتجنيد الأعضاء الشباب، وتحويل إي إن سي إلى منظمة عسكرية قادرة على القتال من أجل حقوق متساوية. تحت قوانين تلك الفترة، حُرِم الأفارقة من امتلاك الأرض أو البيوت في البلدة، وأجورهم كانت أقل بخمس مرات من أجور نظرائهم البيض، ولا يستطيع أحد منهم التصويت.
في عام 1944، كان عمر نيلسون مانديلا 26 سنة، فتزوج إفلين ماس 22 سنة، وانتقلا للعيش في بيت صغير مؤجر، أنجب الزوجان طفلًا، ماديبا (تيمبي) في فبراير 1945، وبنت، ماكازيو، في 1947، التي توفيت بعد إصابتها بالحمى وهي رضيعة. رحبا بابن آخر (ماكغاتو) في سنة 1950، وطفلة أخرى، سُميت ماكازاوي تيمنًا بأختها، في سنة 1954.
بعد انتخابات 1948، التي فاز بها الحزب الوطني الأبيض، كان أول فعل رسمي للحزب هو تفعيل التمييز العنصري. وبهذا القانون، أصبح نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا سياسة رسمية، مؤسساتية، ومدعومة بالقوانين والأنظمة.
ستقرر السياسة الجديدة أجزاء البلدة التي يمكن لكل مجموعة عرقية العيش فيها، وستفصل البيض عن السود في مناحي الحياة كافة، متضمنةً وسائل النقل العمومية، وقاعات المسرح، والمطاعم، وحتى الشواطئ.
حملة التحدي:
أكمل نيلسون مانديلا دراساته القانونية في عام 1952، وافتتح مع شريكه أوليفر تامبو أول مكتب قانوني للسود في جوهانسبورغ، وكان الزبائن من الأفارقة الذين عانوا من عدم عدالة العنصرية، المتمثلة في مصادرة ممتلكاتهم، وضرب الشرطة لهم. واجه نيلسون مانديلا خصومة من القضاة والمحامين البيض، وقد كان مانديلا محاميًا ناجحًا، وكانت لديه طريقة درامية، وكان شغوفًا داخل قاعة المحكمة.
في الخمسينيات، أصبح نيلسون مانديلا أكثر نشاطًا في حركة الاحتجاج. انتُخب رئيسًا لعصبة شباب إي إن سي في 1950. في يونيو 1952، بدأت أي أن سي بجانب الهنود والناس الملونين مرحلة من الاحتجاجات غير العنيفة، وعُرفت باسم حملة التحدي، وقادها نيلسون مانديلا.
دامت الحملة 6 أشهر، وشاركت فيها مدن وبلدات عدة في جنوب إفريقيا. تحدى المتطوعون القانون بدخول أماكن مخصصة للبيض فقط. اعتُقل عدة آلاف خلال مدة 6 أشهر، من بينهم نيلسون مانديلا وقادة إي إن سي.
اتُهم مانديلا والعديد من أعضاء المجموعة بمساندة الشيوعية، وحُكم عليهم 9 أشهر من الأعمال الشاقة، لكن اُسقِطت بعض العقوبات.
ساعدت الدعاية الإعلامية خلال حملة التحدي في رفع عدد أعضاء إي إن سي إلى 100،000.
الاعتقال بسبب الخيانة:
في سنة 1953، منعت الحكومة نيلسون مانديلا من حضور اللقاءات العامة أو اللقاءات العائلية، بسبب تورطه في إي إن سي. استمر المنع مدة سنتين.
وضع نيلسون مانديلا بجانب آخرين من اللجنة التنفيذية لإي إن سي ميثاق الحرية في يونيو 1955، وقُدم في أثناء لقاء خاص سُمي مؤتمر الناس.
دعا هذا الميثاق إلى المساواة بين الجميع في الحقوق، بصرف النظر عن عرقهم، وأكد قدرة جميع المواطنين على التصويت، وامتلاك الأرض، وشغل وظائف ذات أجر لائق. هذا الميثاق دعا إلى جنوب إفريقيا غير عنصرية.
بعد عرض الميثاق بشهور، اعتقلت الشرطة المئات من أعضاء إي إن سي. اتُهم نيلسون مانديلا و155 شخصًا بالخيانة العظمى، ثم أُطلق سراحهم في انتظار موعد المحاكمة.
عانى زواج مانديلا وإفلين نتيجة غياباته الطويلة، فكان الطلاق سنة 1957، بعد 13 عامًا من الزواج.
التقى نيلسون مانديلا بويني ماديميزيلا، عاملة اجتماعية كانت قد طلبت مشورته القانونية، وتزوجا في يونيو 1968. كان مانديلا في عمر 39 عامًا، وويني 21 عامًا فقط. أنجبت ويني فتاتين، زيناني وزيندزيسوا.
مجزرة شاربفيل:
المحاكمة، التي نُقلت إلى بريتوريا، تقدمت بوتيرة بطيئة. التهمة الأولية لوحدها أخدت سنة. المحاكمة الحقيقية لم تبدأ حتى أغسطس 1959. أُسقطت التهم عن الجميع ما عدى 30 من المتهمين. وفي 21 مارس 1960، توقفت المحاكمة بسبب أزمة وطنية.
في أول مارس، عقد مؤتمر عموم إفريقيا (PAC) إضرابًا كبيرًا، بسبب مطالبة الإفريقيين حمل أوراق الهوية معهم دومًا من أجل السفر عبر البلاد. خلال مظاهرة في شاربفيل، أطلقت الشرطة النار على متظاهرين عزل، قاتلةً 69 منهم، ومخلفةً أكثر من 400 جريح. الحادث المروع، الذي أُدين دوليًا، أُطلق عليه اسم مجزرة شاربفيل.
طالب مانديلا وقادة آخرون من إي إن سي بيوم حداد وطني، مع الإبقاء على الإضراب مدة طويلة. شارك مئات الآلاف في تظاهرات معظمها سلمية، ولكن اندلعت بعض أعمال الشغب. أعلنت الحكومة الجنوب إفريقية حالة طوارئ وطنية وسنت القانون العسكري. نُقل مانديلا والمتهمون إلى زنازين السجن.
كان استئناف المحاكمة في الخامس والعشرين من أبريل 1960، واستمرت حتى 29 مارس 1961. وكانت النتيجة مفاجئة للكثيرين، فقد أسقطت المحكمة التهم عن جميع المتهمين، مبررة ذلك بانعدام الأدلة التي تثبت تخطيط المتهمين لإسقاط الحكومة بالعنف.
كان هذا الحدث محط احتفال للكثيرين، ولكن لم يكن لدى نيلسون مانديلا الوقت للاحتفال. فقد كان مقبلًا على دخول فصل جديد وخطير من حياته.
كزبرة الثعلب السوداء:
قبل النطق بالحكم، عقد إي إن سي المحظور لقاءًا غير قانوني، قرر فيه أن نيلسون مانديلا سيختفي سرًا في حال برّأته المحكمة، وسيعمل سرًا على إلقاء خطابات، وجمع الدعم لحركة التحرير. أُنشئت منظمة جديدة، المجلس الوطني للعمل (NAC)، وعُين مانديلا قائدًا لها.
وفقا لخطة إي إن سي، أصبح مانديلا هاربًا مباشرة بعد المحاكمة. في البداية ذهب للاختباء في عدة منازل آمنة، العديد منها داخل منطقة جوهانسبرغ. بقي مانديلا في حركة مستمرة، إذ كان يعلم أن الشرطة تبحث عنه في كل مكان.
كان يغامر بالخروج في الليل فقط، فقد كان يشعر بالأمان، تنكر مانديلا في صفة سائق أو زعيم قبيلة. وظهر أيضًا مرات عدة بنحو مفاجئ لإلقاء خطابات في أماكن كان متوقعًا أن تكون آمنة، وكذلك بُث على الراديو. أخدت الصحافة تناديه كزبرة الثعلب السوداء (الشخصية الرئيسية في رواية كزبرة الثعلب القرمزية).
في أكتوبر 1961، انتقل مانديلا إلى مزرعة في ريفونيا، خارج جوهانسبرغ. كان آمنًا لفترة من الزمن هناك، حتى أنه استمتع بزيارات ويني وبناتهما.
رأس الدولة:
ردًا على عنف الحكومة المتزايد ضد المتظاهرين، طور مانديلا ذراعًا جديدًا لإي إن سي؛ وحدة عسكرية سُميت رأس الدولة، عُرفت أيضًا بإم كي، كانت تستعمل استراتيجية التخريب، وتستهدف الثكنات العسكرية، ومؤسسات الطاقة، وخطوط النقل، وكان هدفها إتلاف ملكية الحكومة، دون إيذاء الأفراد.
كان أول هجوم لإم كي، في ديسمبر 1961، إذ فجروا محطة للطاقة الكهربائية، وأفرغوا مكتبًا للحكومة في جوهانسبرغ. في الأسابيع اللاحقة، نفذت مجموعة أخرى من التفجيرات. أدرك الجنوب الإفريقيون البيض أنهم مهددون بعد الآن.
في يناير 1962، هرب مانديلا، الذي لم يغادر جنوب إفريقيا قط، إلى خارج الدولة لحضور مؤثر في عموم إفريقيا. آملًا بحضوره هذا أن يحصل على الدعم المالي والعسكري من دول إفريقيا الأخرى، ولكنه لم يُكلل بالنجاح. في إثيوبيا، خضع مانديلا لتدريب على كيفية إطلاق النار من المسدس، وكذلك صنع متفجرات صغيرة.
الاعتقال:
بعد 16 سنة من الهروب، اعتُقل مانديلا في الخامس من أغسطس سنة 1962 على خلفية تُهم مغادرة التراب الوطني بطريقة غير قانونية، والتحريض على الإضراب. المحاكمة بدأت في 15 أكتوبر من سنة 1962.
بعد أن رفض تعيين المحامي، تحدث مانديلا عن نفسه، واستنكر السياسات التمييزية وغير الأخلاقية للحكومة. بصرف النظر عن خطابه المتقد، حُكم عليه بالسجن خمس سنوات. كان عمر مانديلا 44 حين دخل لسجن بريتوريا المحلي.
سجن في بريتوريا 6 أشهر، نُقل مانديلا بعد ذلك إلى جزيرة روبن، سجن كئيب ومعزول قبالة ساحل كيب تاون، في أيار من سنة 1963.
بعد عدة أسابيع فقط هناك، علم مانديلا بعودته إلى المحاكمة، هذه المرة مواجهًا تهمة التخريب. وسوف يُحاكم مع عدد من أعضاء إم كي الذين اعتُقلوا في مزرعة في ريفونيا.
في أثناء المحاكمة، اعترف مانديلا بدوره في تشكيل إم كي، وشدد على إيمانه بكون المتظاهرين يعملون فقط من أجل ما يستحقون، مساواة الحقوق السياسية. اختتم مانديلا أقواله بذكر أنه مستعد للموت في سبيل قضيته.
أُدين مانديلا و7 من المتهمين المشتركين معه بتهمة التحريض في الحادي عشر من يونيو 1964. كان من الممكن أن يُحكم عليهم بالموت بسبب تهمهم الخطيرة جدًا، ولكنهم حُكموا بالمؤبد. أُرسل الرجال كلهم ما عدا رجل أبيض إلى جزيرة روبن.
الحياة في جزيرة روبن:
في جزيرة روبن، مُنح كل سجين زنزانة صغيرة مع مصباح وحيد مضاء 24 ساعة في اليوم. نام السجناء على حصيرة رقيقة على الأرض. تألفت الوجبات من حساء بارد وبين الحين والآخر خضر أو قطعة لحم (رغم أن السجناء الهنديين والآسيويين يحصلون على مؤن سخية أكثر من نظرائهم السود)، تذكيرًا بقيمتهم المنخفضة، وقد ارتدى السجناء السود سراويل قصيرة طيلة السنة، بينما سُمح للآخرين بارتداء سراويل عادية.
أمضى النزلاء تقريبًا 10 ساعات يوميًا في الأعمال الشاقة، يحفرون الصخور في محاجر الحجر الرملي.
صعوبات حياة السجن جعلت من الصعب على الفرد أن يحافظ على كرامته، ولكن مانديلا عزم على ألا ينهزم. أصبح الناطق وقائد المجموعة، وعُرف باسم قبيلته (مابيدا).
على مر السنين، قاد مانديلا السجناء في احتجاجات عدة؛ إضرابات عن الطعام ومقاطعته، وتبطيء للعمل. وطالب مانديلا أيضًا بامتيازات القراءة والدراسة. في معظم الحالات، احتجاجاته أعطت نتيجة.
عان مانديلا من خسائر شخصية في فترة اعتقاله. توفت أمه في يناير 1968، ومات ابنه عن عمر 25 سنة في حادث سير العام التالي. لم يُسمح لمانديلا مكسور القلب بحضور جنازتَيهما.
في 1969، تلقى مانديلا أنباء عن اعتقال زوجته ويني بسبب تهم تخص الأنشطة الشيوعية. أمضت ويني 18 شهرًا في السجن الانفرادي، وكانت عرضةً للتعذيب، وقد سببت أنباء اعتقالها حزنًا كبيرًا لمانديلا.
حملة تحرير مانديلا:
طيلة فترة سجنه، بقي مانديلا رمزًا للحركة المناهضة للتمييز العنصري. بعد حملة «تحرير مانديلا» في عام 1980، التي جذبت الاهتمام الدولي، استسلمت الحكومة نوعًا ما.
في أبريل 1982، نُقل مانديلا و4 سجناء آخرين من سجن ريفونيا إلى سجن بولسمور على اليابسة الرئيسية. كان مانديلا في 62 من عمره، وقد عاش 19 سنة منها على جزيرة روبن.
تحسنت الظروف في جزيرة روبن كثيرًا؛ سُمح للمعتقلين بقراءة الصحف، ومشاهدة التلفاز، واستقبال الزوار. أُعطي مانديلا الكثير من الاهتمام الإعلامي، إذ أرادت الحكومة أن تثبت للعالم أنه يعامل بطريقة حسنة.
في الجهود المبذولة لوقف العنف وإصلاح الاقتصاد الفاشل، أعلن الوزير الأول بي. دبليو. بوثا -في 13 يناير 1985ـ عن عزمه إطلاق سراح نيلسون مانديلا في حال تخلى عن المظاهرات العنيفة، ولكن مانديلا رفض أي عرض إن لم يكن غير مشروط.
في ديسمبر 1988، نقل مانديلا إلى إقامة خاصة في سجن فيكتور فيرستر خارج كاب تاون، ولاحقًا أُحضِر إلى مفاوضات سرية مع الحكومة. أنجز القليل فقط، حتى تخلى بوثا عن منصبه في أغسطس 1989، بإجبار من قبل مجلس الوزراء، وكان خليفته، إف. دبليو. دي كليرك مستعدًا للتفاوض من أجل السلام، ومستعدًا للقاء مانديلا.
الحرية في النهاية:
بإلحاح من نيلسون مانديلا، أطلق دو كليرك سراح المعتقلين السياسيين دون شروط في أكتوبر 1989. خاض مانديلا ودي كليرك محادثات طويلة بشأن الصفة غير القانونية لإي إن سي ومجموعات مناهضة أخرى، ولكن لم يتوصلا لأي اتفاق.
أعلن دي كليرك في الثاني من فبراير 1990 عن خبر صعق مانديلا وجنوب إفريقيا كلها؛ أطلق دي كليرك عددًا من الإصلاحات الشاملة، رافعًا الحظر عن كل من إي إن سي، بي إي سي، والحزب الشيوعي، وآخرين. ورفع أيضًا القيود الموضوعة منذ سنة 1986 بسبب حالة الطوارئ، وأمر بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين غير العنيفين.
في 11 فبراير 1990، أطلق سراح نيلسون مانديلا من السجن. بعد 27 سنة من الاعتقال، وأصبح رجلًا حرًا في عمر 71 سنة. رُحب بمانديلا في منزله بهتاف آلاف الأشخاص في الشارع.
مباشرة بعد عودته للمنزل، علم مانديلا بوقوع زوجته ويني في حب رجل آخر في أثناء غيابه. انفصل آل مانديلا في أبريل 1992، وتطلقا لاحقًا.
علم مانديلا أنه رغم الإصلاحات المذهلة التي أحدثت، لازال هنالك الكثير ليفعله. عاد مانديلا مباشرة للعمل لأجل إي إن سي، متجولًا عبر جنوب إفريقيا للتحدث مع مجموعات مختلفة، وللعمل مفاوضًا للمزيد من الإصلاحات.
في عام 1993، توّج مانديلا ودي كليرك بجائزة نوبل للسلام لجهدهما المشترك لإحلال السلام في جنوب إفريقيا.
الرئيس مانديلا:
في 27 أبريل 1994، خاضت جنوب أفريقيا أول انتخابات سُمح فيها للسود بالتصويت، فاز إي إن سي بنسبة 63 في المئة من الأصوات (الأغلبية في البرلمان)، وبعد الإفراج عن نيلسون مانديلا بأربع سنوات، انتُخب ليكون أول رئيس أسود لجنوب إفريقيا.
زار مانديلا عدة بلدان غربية في محاولة لإقناع قادتها بالعمل مع الحكومة الجديدة في جنوب إفريقيا. وقام أيضًا بجهود لمساعدة عدة دول إفريقية على السلام. من بينها بوتسوانا، وأوغندا، وليبيا. نال مانديلا الإعجاب والاحترام خارج جنوب إفريقيا.
اهتم مانديلا خلال فترة حكمه بالسكن، والمياه الصالحة للشرب، والكهرباء. أرجعت الحكومة أيضًا الأراضي للذين أخذَت منهم، وجعلت امتلاك الأراضي أمرًا قانونيًا مجددًا للسود.
في عام 1998، تزوج مانديلا من غراسا ميشيل، في عيد ميلاده الثمانين. ميشيل كانت في الثانية والخمسين من عمرها، أرملة رئيس الموزامبيق السابق.
لم يترشح مانديلا للرئاسة مرة أخرى في عام 1999، واستبُدل بنائبه، تابو مبكي.
شارك مانديلا في جمع التبرعات لمحاربة الايدز، ونظم حملة لصالح مرضى الإيدز في 2003، وقد توفي ابن مانديلا (ماكغاتو – Makgatho)، في الرابعة والأربعين بسبب داء نقص المناعة المكتسبة الإيدز.
في عام 2009، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة من 18 يوليو اليوم العالمي لنيلسون مانديلا (عيد ميلاد مانديلا). توفي نيلسون مانديلا في بيته في جوهانسبرغ في 5 ديسمبر 2013، عن عمر يناهز 95 عامًا.
المصدر:ibelieveinsci