مارتن لوثر (1438-1546) كاهن وناسك ألماني وعالم لاهوت، غدا شخصية رئيسية في الحركة الثقافية الدينية المعروفة بالإصلاح البروتستانتي. على الرغم من أن مصلحين أوائل قد تحدثوا عن الآراء التي تبناها لوثر من قبل؛ فقد ساهمت شخصيته الجذابة واستغلاله الممتاز للصحافة المطبوعة والمطابع في انتشار آرائه ووجهات نظره حول الديانة المسيحية وقبول الجمهور لها.
وُلد لوثر لأبوين ينتميان إلى الطبقة الاجتماعية الدنيا. كان الأمل يغزو والديه في أن يصبح لوثر محاميًا، لكن إصراره على توضيح الحقائق المسلم بها التي لا تقبل جدالًا أو طعنًا إضافة إلى ابتهاله للسماء طلبًا للمساعدة في أثناء عاصفة قد أثمرا في تغير مسار حياته ليصبح راهبًا أوغسطينيًا.
كان لوثر كاهنًا تقيًا -وإن اعتراه الاضطراب في بعض الفترات- لدى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في فيتنبرغ في ألمانيا حتى دفعه غضبه من سياسة الكنيسة -خاصة المتعلقة ببيع صكوك الغفران- إلى التشكيك في سلطتها.
في البداية، لم يكن بنية لوثر أن يهاجم سلطة الكنيسة أو الحبر الأعظم، وكانت أطروحة مارتن لوثر بمثابة دعوى لمناقشة سياسات الكنيسة وممارساتها التي وجدها مؤذية ولا تمت بصلة لتعليمات الكتاب المقدس وتوجيهاته.
قصد لوثر بمخطوطته الأصلية المكتوبة باللاتينية مخاطبة الجمهور الكنسي، إلا أن أصدقاءه وداعميه قد ترجموها إلى الألمانية، وبفضل اختراع المطبعة عام 1440، فقد نشروا رسالة لوثر في جميع أنحاء ألمانيا وفي الدول الأخرى أيضًا، ما كان الشرارة التي أشعلت حركة الإصلاح البروتستانتي.
حياته الباكرة ونذره
وُلَد لوثر في مدينة أيسلين في ألمانيا حاليًا عام 1438 التي كانت إقليمًا يتبع الإمبراطورية الرومانية المقدسة. انتمى والداه إلى طبقة الفلاحين العليا لأن والده لم يكن مكلفًا بحراثة الأرض وزراعتها بوصفه فلاحًا؛ فقد امتلك عددًا من مناجم النحاس.
في ذلك يقول الباحث رولاند إتش. بانتون: «والده هانز لوثر ووالدته مارغريتا كانا فلاحين ألمانيين حازمين قويين أسمرين. لم يُقبلا في الواقع على حراثة الأرض لأن هانز كان ابنًا من دون ميراث، لذلك تنقل بين المزرعة والمناجم. تحسنت أحواله بمساعدة القديسة آن راعية عمَّال المناجم حتى أصبح مالك ست ورشات سباكة، ومع ذلك لم يصبح ثريًا جدًا وتحتم على زوجته الذهاب إلى الغابة والعودة بالخشب إلى المنزل. لم يختلف جو العائلة عن حياتها، فقد كان قاسيًا وشاقًا».
كان مارتن لوثر أكبر إخوته وقد اعتنى والده بتعليمه حتى يصبح محاميًا ويترقى في الطبقات الاجتماعية لمنزلة أكثر راحة ودِعة. في البداية، تلقى لوثر تعليمه في ماغدبورغ وأيزناتش قبل أن يلتحق بجامعة إيرفورت عام 1501 عندما كان في السابعة عشر. وفقًا لبعض كتاباته، يبين لوثر أنه قد عانى في دراسته وترك دراسة القانون لاعتقاده أنه اختصاص عقيم لا معنى له أبدًا.
قاده بحثه عن المعنى في الحياة إلى الفلسفة، لكنه وجدها كالقانون تافهة وقاصرة لم ترضِ بحثه لأنها اعتمدت على الإدراك والمعرفة البشرية وتفسير الظروف المتقلبة المتغيرة التي لا يمكن الاتكال عليها؛ لأن التفكير المنطقي -كما يرى- ناقص وفيه خلل، وسبب ذلك أن البشر كائنات تلزمها الضرورة أن يكونوا تحت رحمة التفسيرات الشخصية لتجاربهم.
اعتقد لوثر أن الرب هو الحقيقة المطلقة، لكن لم يكن يعرف كيف يُفترض بالإنسان أن يحقق تواصلًا دائمًا ذا مغزى مع الرب. نشأ لوثر على الخوف من الرب بوصفه قاضيًا صارمًا لا يرحم، لذلك لم يكن في مخيلته أي صور أخرى عن الرب.
في يوليو من عام 1505، كان لوثر في طريق عودته إلى الجامعة عندما هبت عاصفة وضربت صاعقة شجرة قريبة منه. مرتعبًا من ذلك، صرخ عاليًا: «أيتها القديسة آن ساعديني! سوف أصبح راهبًا». وقد عدَّ لوثر ذلك قسمًا مغلظًا، وبُعيد عودته إلى الجامعة باع كتبه وترك الدراسة والتحق بدير القديس أوغسطين في السابع عشر من يوليو عام 1505 ما أثار حفيظة والده واستياءه الشديد.
أزمته الروحية والإلهام
التزم مارتن لوثر بالنذر الذي نذره للقديسة آن لأبعد حد لأنه خاف جدًا حتى الموت في ذلك اليوم ونسب الفضل إلى القديسة في إنقاذ حياته.
لم يكن خوفه من الموت سوى وليد فهمه الرب كإله كلي القدرة والمعرفة يَطّلع على قلوب الناس ويعاقبهم على سقطاتهم ومعاصيهم. لم يدع اعتراف لوثر بنفسه أنه إنسان ناقص وخطَّاء أن يرى أي وسيلة ينال بها المسامحة والعفو من الرب أو يدخل الجنة بعد الموت ولم تبقَ له سوى صورة أهوال الجحيم والعذاب أبد الدهر.
ألزم لوثر نفسه بنظام صارم من الصلاة والصيام والاعتراف المستمر بآثامه وخطاياه وقراءة الكتاب المقدس، ومع ذلك لم يستطع أن يفهم الرب بصورته المحبة الذي يصفح ويعفو. لاحقًا، كتب لوثر عن رأيه عن الرب في ذلك الوقت: «أليس الأمر غير منطقي وغير طبيعي بأن يخذل الرب البشر ويقاسيهم ويلعنهم كما لو أنه مسرور بالخطايا وبتعذيب البائسين للأبد؟ ذلك الرب الذي قيل إنه رحيم وخيِّر؟ لا يمكن أن يكون هذا رب عادل، بل جائر وقاس ولا يُطاق، رب يؤذي ويقاسي بسببه عدد كبير الناس من جميع الأعمار. ومن لا يقاسي من ذلك الرب؛ إذ أنا بذاتي قد وصلت إلى هاوية اليأس لدرجة تمنيت فيها أني لم أُخلَق. أحب الرب؟ بالعكس أنا أكرهه».
أسر لوثر بصراعاته وهمومه إلى معلمه وناصحه يوهان فون ستوبيتز وقد كان يتوقع أن يطرده بعد ذلك من الطائفة، ولكن -وعلى نحو مغاير- أخبره ستوبيتز أن يتابع درجة الدكتوراه وأن يتولى منصبه لدى جامعة فيتنبرغ. لم يقبل لوثر عرضه بسعادة وجادله بأن ذلك الطريق سيقتله، إلا أن ستوبيتز أكد له أنه في حال قد حصل ذلك، فسوف يجد الكثير من الأمور ليمضي فيها وقته في الجنة.
لاحقًا حصل لوثر على الدكتوراه عام 1512 وجلس مكان ستوبيتز وأصبح عضوًا في هيئة التدريس في الجامعة. قرابة عام 1513 جاءته رؤيا بخصوص طبيعة الرب في أثناء قراءته رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية. وردت في رسالة بولس إلى أهل رومية جملة «الشخص المستقيم البار سيحيى بالإيمان» التي أثرت في لوثر بشدة ولاحقًا قد كتب عن تلك اللحظة: «ليلًا نهارًا أفكر وأتأمل حتى وجدت الصلة بين عدالة الرب والجملة «الشخص البار والمستقيم سيحيى بالإيمان» ثم أدركت أن عدالة الرب هي التقوى والصلاح الذي من خلاله يبرّئُنا الرب من آثامنا بالإيمان والنعمة والرحمة. شعرت عند ذلك أنني قد وُلدت من جديد وأنني قد عبرت الأبواب المفتوحة المشرعة أمامي لأدخل الجنة. لقد تغير كل معنى الكتاب المقدس بالنسبة إلي. من قبل غمرتني عدالة الرب بالكراهية، أما الآن، فأمست حلوة بطريقة لا يمكن التعبير عنها. هذه المقطع من بولس أصبح بالنسبة إلي بوابة نحو الفردوس».
هذه التجربة قد غرست في ذهن لوثر سيادة الكتاب المقدس أولًا قبل تعاليم الكنيسة لأنها قد فشلت في تقديم أي شيء ذي معنى ومفيد له في أثناء الأزمات الروحية، في حين قد فتح له ذلك المقطع الإنجيلي بابًا ليتواصل تواصلًا كاملًا مع الرب.
المصدر:ibelieveinsci
وُلد لوثر لأبوين ينتميان إلى الطبقة الاجتماعية الدنيا. كان الأمل يغزو والديه في أن يصبح لوثر محاميًا، لكن إصراره على توضيح الحقائق المسلم بها التي لا تقبل جدالًا أو طعنًا إضافة إلى ابتهاله للسماء طلبًا للمساعدة في أثناء عاصفة قد أثمرا في تغير مسار حياته ليصبح راهبًا أوغسطينيًا.
كان لوثر كاهنًا تقيًا -وإن اعتراه الاضطراب في بعض الفترات- لدى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في فيتنبرغ في ألمانيا حتى دفعه غضبه من سياسة الكنيسة -خاصة المتعلقة ببيع صكوك الغفران- إلى التشكيك في سلطتها.
في البداية، لم يكن بنية لوثر أن يهاجم سلطة الكنيسة أو الحبر الأعظم، وكانت أطروحة مارتن لوثر بمثابة دعوى لمناقشة سياسات الكنيسة وممارساتها التي وجدها مؤذية ولا تمت بصلة لتعليمات الكتاب المقدس وتوجيهاته.
قصد لوثر بمخطوطته الأصلية المكتوبة باللاتينية مخاطبة الجمهور الكنسي، إلا أن أصدقاءه وداعميه قد ترجموها إلى الألمانية، وبفضل اختراع المطبعة عام 1440، فقد نشروا رسالة لوثر في جميع أنحاء ألمانيا وفي الدول الأخرى أيضًا، ما كان الشرارة التي أشعلت حركة الإصلاح البروتستانتي.
حياته الباكرة ونذره
وُلَد لوثر في مدينة أيسلين في ألمانيا حاليًا عام 1438 التي كانت إقليمًا يتبع الإمبراطورية الرومانية المقدسة. انتمى والداه إلى طبقة الفلاحين العليا لأن والده لم يكن مكلفًا بحراثة الأرض وزراعتها بوصفه فلاحًا؛ فقد امتلك عددًا من مناجم النحاس.
في ذلك يقول الباحث رولاند إتش. بانتون: «والده هانز لوثر ووالدته مارغريتا كانا فلاحين ألمانيين حازمين قويين أسمرين. لم يُقبلا في الواقع على حراثة الأرض لأن هانز كان ابنًا من دون ميراث، لذلك تنقل بين المزرعة والمناجم. تحسنت أحواله بمساعدة القديسة آن راعية عمَّال المناجم حتى أصبح مالك ست ورشات سباكة، ومع ذلك لم يصبح ثريًا جدًا وتحتم على زوجته الذهاب إلى الغابة والعودة بالخشب إلى المنزل. لم يختلف جو العائلة عن حياتها، فقد كان قاسيًا وشاقًا».
كان مارتن لوثر أكبر إخوته وقد اعتنى والده بتعليمه حتى يصبح محاميًا ويترقى في الطبقات الاجتماعية لمنزلة أكثر راحة ودِعة. في البداية، تلقى لوثر تعليمه في ماغدبورغ وأيزناتش قبل أن يلتحق بجامعة إيرفورت عام 1501 عندما كان في السابعة عشر. وفقًا لبعض كتاباته، يبين لوثر أنه قد عانى في دراسته وترك دراسة القانون لاعتقاده أنه اختصاص عقيم لا معنى له أبدًا.
قاده بحثه عن المعنى في الحياة إلى الفلسفة، لكنه وجدها كالقانون تافهة وقاصرة لم ترضِ بحثه لأنها اعتمدت على الإدراك والمعرفة البشرية وتفسير الظروف المتقلبة المتغيرة التي لا يمكن الاتكال عليها؛ لأن التفكير المنطقي -كما يرى- ناقص وفيه خلل، وسبب ذلك أن البشر كائنات تلزمها الضرورة أن يكونوا تحت رحمة التفسيرات الشخصية لتجاربهم.
اعتقد لوثر أن الرب هو الحقيقة المطلقة، لكن لم يكن يعرف كيف يُفترض بالإنسان أن يحقق تواصلًا دائمًا ذا مغزى مع الرب. نشأ لوثر على الخوف من الرب بوصفه قاضيًا صارمًا لا يرحم، لذلك لم يكن في مخيلته أي صور أخرى عن الرب.
في يوليو من عام 1505، كان لوثر في طريق عودته إلى الجامعة عندما هبت عاصفة وضربت صاعقة شجرة قريبة منه. مرتعبًا من ذلك، صرخ عاليًا: «أيتها القديسة آن ساعديني! سوف أصبح راهبًا». وقد عدَّ لوثر ذلك قسمًا مغلظًا، وبُعيد عودته إلى الجامعة باع كتبه وترك الدراسة والتحق بدير القديس أوغسطين في السابع عشر من يوليو عام 1505 ما أثار حفيظة والده واستياءه الشديد.
أزمته الروحية والإلهام
التزم مارتن لوثر بالنذر الذي نذره للقديسة آن لأبعد حد لأنه خاف جدًا حتى الموت في ذلك اليوم ونسب الفضل إلى القديسة في إنقاذ حياته.
لم يكن خوفه من الموت سوى وليد فهمه الرب كإله كلي القدرة والمعرفة يَطّلع على قلوب الناس ويعاقبهم على سقطاتهم ومعاصيهم. لم يدع اعتراف لوثر بنفسه أنه إنسان ناقص وخطَّاء أن يرى أي وسيلة ينال بها المسامحة والعفو من الرب أو يدخل الجنة بعد الموت ولم تبقَ له سوى صورة أهوال الجحيم والعذاب أبد الدهر.
ألزم لوثر نفسه بنظام صارم من الصلاة والصيام والاعتراف المستمر بآثامه وخطاياه وقراءة الكتاب المقدس، ومع ذلك لم يستطع أن يفهم الرب بصورته المحبة الذي يصفح ويعفو. لاحقًا، كتب لوثر عن رأيه عن الرب في ذلك الوقت: «أليس الأمر غير منطقي وغير طبيعي بأن يخذل الرب البشر ويقاسيهم ويلعنهم كما لو أنه مسرور بالخطايا وبتعذيب البائسين للأبد؟ ذلك الرب الذي قيل إنه رحيم وخيِّر؟ لا يمكن أن يكون هذا رب عادل، بل جائر وقاس ولا يُطاق، رب يؤذي ويقاسي بسببه عدد كبير الناس من جميع الأعمار. ومن لا يقاسي من ذلك الرب؛ إذ أنا بذاتي قد وصلت إلى هاوية اليأس لدرجة تمنيت فيها أني لم أُخلَق. أحب الرب؟ بالعكس أنا أكرهه».
أسر لوثر بصراعاته وهمومه إلى معلمه وناصحه يوهان فون ستوبيتز وقد كان يتوقع أن يطرده بعد ذلك من الطائفة، ولكن -وعلى نحو مغاير- أخبره ستوبيتز أن يتابع درجة الدكتوراه وأن يتولى منصبه لدى جامعة فيتنبرغ. لم يقبل لوثر عرضه بسعادة وجادله بأن ذلك الطريق سيقتله، إلا أن ستوبيتز أكد له أنه في حال قد حصل ذلك، فسوف يجد الكثير من الأمور ليمضي فيها وقته في الجنة.
لاحقًا حصل لوثر على الدكتوراه عام 1512 وجلس مكان ستوبيتز وأصبح عضوًا في هيئة التدريس في الجامعة. قرابة عام 1513 جاءته رؤيا بخصوص طبيعة الرب في أثناء قراءته رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية. وردت في رسالة بولس إلى أهل رومية جملة «الشخص المستقيم البار سيحيى بالإيمان» التي أثرت في لوثر بشدة ولاحقًا قد كتب عن تلك اللحظة: «ليلًا نهارًا أفكر وأتأمل حتى وجدت الصلة بين عدالة الرب والجملة «الشخص البار والمستقيم سيحيى بالإيمان» ثم أدركت أن عدالة الرب هي التقوى والصلاح الذي من خلاله يبرّئُنا الرب من آثامنا بالإيمان والنعمة والرحمة. شعرت عند ذلك أنني قد وُلدت من جديد وأنني قد عبرت الأبواب المفتوحة المشرعة أمامي لأدخل الجنة. لقد تغير كل معنى الكتاب المقدس بالنسبة إلي. من قبل غمرتني عدالة الرب بالكراهية، أما الآن، فأمست حلوة بطريقة لا يمكن التعبير عنها. هذه المقطع من بولس أصبح بالنسبة إلي بوابة نحو الفردوس».
هذه التجربة قد غرست في ذهن لوثر سيادة الكتاب المقدس أولًا قبل تعاليم الكنيسة لأنها قد فشلت في تقديم أي شيء ذي معنى ومفيد له في أثناء الأزمات الروحية، في حين قد فتح له ذلك المقطع الإنجيلي بابًا ليتواصل تواصلًا كاملًا مع الرب.
المصدر:ibelieveinsci