«مصر بلا ذاكرة» في مواجهة سجل توثيق تراثها السينمائي
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
محاولة رسمية مصرية جديدة لإعادة لملمة التراث السينمائي المبعثر لدى عدد من المنتجين والموزعين مع حقوق ملكية واستثمار لسنوات طويلة.
المشكلة هي أن دعوة مالكي التراث إلى تسجيل مقتنياتهم في سجل خاص استحدثته وزارة الثقافة المصرية وفق تصريح مستشار وزيرة الثقافة لشؤون السينما ورئيس المركز القومي للسينما الدكتور خالد عبد الجليل، لتوثيق التراث السينمائي من العام 1896 وحتى يومنا هذا، يعني منذ نشأة السينما في العالم مع أن مصر حددت رسمياً أيام الوزير فاروق حسني تاريخ السينما المصرية الرسمي في نوفمبر عام 1927، لكن هذا لا يلغي وجود حقيقة أن مصر وفي الاسكندرية تحديداً عرض أول فيلم سينمائي في يناير 1896، أي بعد شهر واحد فقط على عرض مخترعي فن السينما في العالم الأخوين لوميير لأول فيلم في العالم في ديسمبر عام 1895 في أحد مقاهي باريس.
والقضية هنا ليست في التواريخ وإنما بآلية الحصول على كامل الأرشيف، والأفلام بآلافها العديد موزعة على عدد من الشركات والمرجعيات السينمائية، وهناك عقود بيع موجودة لهذه الهيئات تؤكد ملكيتها لشخصيات معنوية، ومؤسسات مختلفة، وجرت عمليات البيع منذ سنوات طويلة، وعلت أصوات نقدية، وشخصيات سينمائية طالبت باسترداد حق مصر في تراثها السينمائي، لكن على الدولة أن تعيد شراء ما باعته إلى هذه المرجعيات وبمبالغ طائلة وربما أفضى تحقيق جديد في قضية بيع التراث إلى الكشف عن صفقات غير حميدة تفضي إلى وجود متورطين من سماسرة، ومسؤولين باعوا ما هو للدولة إلى من دفع أكثر في غفلة من الهيئات المسؤولة.
ودعوة مالكي التراث إلى تسجيل ما لديهم في السجل تشبه تماماً من يمتلك أسلحة ممنوعة مخبأة ويطلب منه الكشف عنها فقط من أجل التعداد، رغم الوعد الذي قطعه الدكتور عبد الجليل «مع احتفاظ أصحاب التراث بكافة الحقوق المادية والأدبية التي يضمنها قانون الملكية الفكرية».
ما تقوم به وزارة الثقافة ضروري جداً، لكنه أتى متأخراً، بعد العديد من المحاولات غير المجدية التي جرت سابقاً لاسترداد هذا التراث الثري والمهم والذي يؤرخ لحقب سياسية وثقافية واجتماعية بالغة الأهمية في حياة مصر، ويكفي أن العالم العربي من خلال مصر عرف السينما في وقت واحد تقريباً مع بدء عصرها في العالم، بما يعني تفتح الفكر العربي على ملامح الثقافة الجديدة التي ظهرت أواخر القرن الثامن عشر، وبالتالي أسهم رواد مصريون وبعض العرب في تلك الصناعة التي للأسف عرفت فترات انحدار كثيرة، وصعود قليلة بفعل الحروب العالمية والإقليمية، وظروف التبدلات السياسية التي عرفتها منطقتنا العربية بفعل الأطماع الغربية حيناً والاسرائيلية حيناً آخر.
والواقع أن ما تعهد به «عبد الجليل» من «القيام بجميع الاجراءات اللازمة لصون هذا التراث وترميمه ورقمنته والحفاظ عليه وعرضه بكل المقاييس العلمية والعملية العالمية، هو أمر لافت ومهم جداً، لكن ما حصل من نتائج سابقة لتجميع التراث السينمائي لا يبعث على التفاؤل لأن المسألة تحتاج إلى إجراءات عملية ميدانية، فلن يبادر مالكو التراث إلى الكشف عن مخزونهم هكذا، وبالمجان، وانهم بالمنطق يحتاجون إلى حوافز تطمئنهم بأن الدولة لا ترغب في تأميم هذا التراث وليس في ترميمه فقط، وهنا تكمن الـ «نعم» والـ «لا» في مواجهة هذا الابتكار المدعو: «سجل توثيق التراث».
الثابت من زمان، أن هناك عادة عربية مستشريه لم نتعلم استبدالها بما هو أفضل إلا في أوقات متأخرة، نحن لا نملك ذاكرة، نحن أمة بلا ذاكرة، اننا نفضل عليها الـ «نوستالجيا»… الحنين وحسب، بينما نحن نعيش عصر الأنترنت والذاكرة الخصبة القادرة على حفظ تاريخنا بالكامل في «سي دي» واحد، ولن تكون السينما علامة القصور الوحيدة التي لم تأخذ حقها من المتابعة من زمان بعيد. اليوم يحتاج الأمر إلى مبادرة عملية لتجميع واحد من أهم الملفات الثقافية والفنية العربية، حفاظاً على ذاكرة تؤكد أننا في الماضي لم نتخلف عن ركب الحضارة، بل اليوم نفعلها وننكرها.
القاهرة ـ «سينماتوغراف»
محاولة رسمية مصرية جديدة لإعادة لملمة التراث السينمائي المبعثر لدى عدد من المنتجين والموزعين مع حقوق ملكية واستثمار لسنوات طويلة.
المشكلة هي أن دعوة مالكي التراث إلى تسجيل مقتنياتهم في سجل خاص استحدثته وزارة الثقافة المصرية وفق تصريح مستشار وزيرة الثقافة لشؤون السينما ورئيس المركز القومي للسينما الدكتور خالد عبد الجليل، لتوثيق التراث السينمائي من العام 1896 وحتى يومنا هذا، يعني منذ نشأة السينما في العالم مع أن مصر حددت رسمياً أيام الوزير فاروق حسني تاريخ السينما المصرية الرسمي في نوفمبر عام 1927، لكن هذا لا يلغي وجود حقيقة أن مصر وفي الاسكندرية تحديداً عرض أول فيلم سينمائي في يناير 1896، أي بعد شهر واحد فقط على عرض مخترعي فن السينما في العالم الأخوين لوميير لأول فيلم في العالم في ديسمبر عام 1895 في أحد مقاهي باريس.
والقضية هنا ليست في التواريخ وإنما بآلية الحصول على كامل الأرشيف، والأفلام بآلافها العديد موزعة على عدد من الشركات والمرجعيات السينمائية، وهناك عقود بيع موجودة لهذه الهيئات تؤكد ملكيتها لشخصيات معنوية، ومؤسسات مختلفة، وجرت عمليات البيع منذ سنوات طويلة، وعلت أصوات نقدية، وشخصيات سينمائية طالبت باسترداد حق مصر في تراثها السينمائي، لكن على الدولة أن تعيد شراء ما باعته إلى هذه المرجعيات وبمبالغ طائلة وربما أفضى تحقيق جديد في قضية بيع التراث إلى الكشف عن صفقات غير حميدة تفضي إلى وجود متورطين من سماسرة، ومسؤولين باعوا ما هو للدولة إلى من دفع أكثر في غفلة من الهيئات المسؤولة.
ودعوة مالكي التراث إلى تسجيل ما لديهم في السجل تشبه تماماً من يمتلك أسلحة ممنوعة مخبأة ويطلب منه الكشف عنها فقط من أجل التعداد، رغم الوعد الذي قطعه الدكتور عبد الجليل «مع احتفاظ أصحاب التراث بكافة الحقوق المادية والأدبية التي يضمنها قانون الملكية الفكرية».
ما تقوم به وزارة الثقافة ضروري جداً، لكنه أتى متأخراً، بعد العديد من المحاولات غير المجدية التي جرت سابقاً لاسترداد هذا التراث الثري والمهم والذي يؤرخ لحقب سياسية وثقافية واجتماعية بالغة الأهمية في حياة مصر، ويكفي أن العالم العربي من خلال مصر عرف السينما في وقت واحد تقريباً مع بدء عصرها في العالم، بما يعني تفتح الفكر العربي على ملامح الثقافة الجديدة التي ظهرت أواخر القرن الثامن عشر، وبالتالي أسهم رواد مصريون وبعض العرب في تلك الصناعة التي للأسف عرفت فترات انحدار كثيرة، وصعود قليلة بفعل الحروب العالمية والإقليمية، وظروف التبدلات السياسية التي عرفتها منطقتنا العربية بفعل الأطماع الغربية حيناً والاسرائيلية حيناً آخر.
والواقع أن ما تعهد به «عبد الجليل» من «القيام بجميع الاجراءات اللازمة لصون هذا التراث وترميمه ورقمنته والحفاظ عليه وعرضه بكل المقاييس العلمية والعملية العالمية، هو أمر لافت ومهم جداً، لكن ما حصل من نتائج سابقة لتجميع التراث السينمائي لا يبعث على التفاؤل لأن المسألة تحتاج إلى إجراءات عملية ميدانية، فلن يبادر مالكو التراث إلى الكشف عن مخزونهم هكذا، وبالمجان، وانهم بالمنطق يحتاجون إلى حوافز تطمئنهم بأن الدولة لا ترغب في تأميم هذا التراث وليس في ترميمه فقط، وهنا تكمن الـ «نعم» والـ «لا» في مواجهة هذا الابتكار المدعو: «سجل توثيق التراث».
الثابت من زمان، أن هناك عادة عربية مستشريه لم نتعلم استبدالها بما هو أفضل إلا في أوقات متأخرة، نحن لا نملك ذاكرة، نحن أمة بلا ذاكرة، اننا نفضل عليها الـ «نوستالجيا»… الحنين وحسب، بينما نحن نعيش عصر الأنترنت والذاكرة الخصبة القادرة على حفظ تاريخنا بالكامل في «سي دي» واحد، ولن تكون السينما علامة القصور الوحيدة التي لم تأخذ حقها من المتابعة من زمان بعيد. اليوم يحتاج الأمر إلى مبادرة عملية لتجميع واحد من أهم الملفات الثقافية والفنية العربية، حفاظاً على ذاكرة تؤكد أننا في الماضي لم نتخلف عن ركب الحضارة، بل اليوم نفعلها وننكرها.