السوري محمد هرو رسّام يعتمد على نفسه في رحلة البحث عن أبجديته
غريب ملا زلال
فنان عصامي احترف رسم البورتريه بأدوات بسيطة.
السبت 2022/11/19
موهبة عصامية تتحدى كل الظروف
لا يمكن لأي شيء أن يعيق الإنسان عن تحقيق هدفه وممارسة هوايته إلا أفكاره، فحتى العجز الجسدي جزئيا لا يمكنه أن يكون عائقا أمام فنان اختار أن يتبع شغفه بالرسم ويؤكد وجوده في الساحة الفنية، وهو ما حصل بالفعل مع الفنان السوري الشاب محمد هرو الذي يسير بخطوات واثقة نحو تثبيت اسمه في قائمة الفنانين التشكيليين المميزين.
محمد هرو شاب في مقتبل العمر، من أبناء القامشلي، ولد فيها عام 1999، دخل إلى مدارسها الابتدائية كحال معظم الأطفال، لكنه لم يستطع أن يكمل تعليمه، سنتان فقط هما رصيده من التعليم، غادر مدرسته لأسباب صحية، فهو مقعد ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، رغم تحفظي التام على هذه التسمية التي أوردتها لأقرب حالته من قارئي العزيز، فما أعرفه وما يعرفه الناس جميعاً وهو منهم أن الإعاقة الفعلية لا تكون في الجسد بل في الفكر والعقل والقلب والعمل.
يشاء الرب أن يمنح محمد هرو موهبة تعوضه عن المفقود منه، فيعطيه أجمل من الذي أخذه، أعطاه ما يمكنه أن يتحدى به العالم، أعطاه موهبة الرسم وزرع في دواخله حبها وعشقها، فبدأ يرسم وهو في الثامنة من عمره. بدأ وهو شغوف به، يمد يده على ما يقع تحتها من أدوات بسيطة كقلم الفحم والقلم الأزرق الجاف وقلم الرصاص وبقايا القهوة ليخرج برسومات تبهر المتلقي وتدهشه بدقة الفنان في الالتقاط، دقته في التعامل مع الملامح وتفاصيلها، ودقته في الإنجاز، فخوضه هذا المضمار يعطيه مكانته التي من حقه أن يتنفس فيها ويكتمل بها، ويتفاعل معها.
الفنان التشكيلي محمد هرو يحدد العلاقة منذ البدء بينه وبين الرسم الذي سيحدد بدوره العلاقة بينه وبين المجتمع
نعم خوضه في هذا النهر كان انطلاقته بكل رؤاه الخاصة وبكل تصوراته التي تقربه من حال فيه يتباين الفاعل ويعوم فيه وهو الصياد الماهر فلا بد أن يكون صيده مثمرا، نعم يقربه من حال فيه يتباين اللافاعل والذي يظهر وكأنه في حشر ينتظر ميزان الرب كي يصعد عليه ويعلم مصيره. والفنان هرو كان ماهرا، لا يليّنه غدر الزمن وما ينطوي عليه من تركات تحمل تأثيراتها السلبية، فهو واضح الخطوة منذ البدء، ولد كي يكون فناناً، لغته هي ريشته وألوانه وهما خير مطواع بتعبيراته وهو يسردها بين أطرها.
من هنا بدأت أهدافه ترسم في مخيلته، بدأت آماله بالولادة فلم يعد يكفيه أن يقضي جل وقته في غرفته الصغيرة، بين أدواته البسيطة وألوانه، فالأفق بدأ يرسم أمام عينيه، عليه أن يؤدي وظيفته الإبداعية الجميلة ليخلص إلى ما يحلم به، حلمه الأكبر أن يكون رساماً محترفاً وهذا ليس كثيراً عليه، فكل المؤشرات تقول إنه سيكون كذلك في قادم السنين، كما يحب أن يكون مصمماً للأزياء ولديه تجربة صغيرة وجميلة. أعتقد أن حلم محمد هرو سيتحقق طالما يملك كل هذه الطاقة وكل هذا التحدي لنفسه قبل أن يكون للآخر، وكل الحيثيات تقول إنه يمضي إلى حلمه بخطوات واثقة، وما تسليط هذا الضوء على تلك الخطوات إلا ترسيخ لها، وما إشباع روحه بالمواقف والفضائل إلا تقرب منها، فهو يحدد العلاقة منذ البدء بينه وبين الحلم، أقصد الرسم الذي سيحدد بدوره العلاقة بينه وبين المجتمع، ولهذا دور فاعل وفي غاية الأهمية كي يكون، فينبغي عليه في الأساس أن يحمل تعليمات الطريق بين جوانحه، وهي تعليمات تمسك بيده ليشير هو إليها فيما بعد والتي ستلخص كيفية تنمية سلوك الإنسان، ومن ثم كيفية صنع الأشياء التي تراود مخيلته.
في حديث قصير لمحطة ما يقول الفنان السوري كلمات تكاد تلخص طموحه وطموح كل إنسان يحب أن يعيش على هذه الأرض بحب ووئام: “أريد أن أرسل رسالة إلى العالم أجمع بأنني أحب الحياة وأعشق الفنون وأريد أن يرى العالم أننا بالحب قادرون على بناء السلام الذي نرغب فيه جميعاً”. هي رسالة من رسّام شاب يحمل في دواخله كل جماليات الفن والسلام بأن الحياة كافية للجميع وقادرة على أن تحتضن الجميع بحب، وما الحقول التي يمضي فيها أو التي يرغب في صنعها أو في سقايتها إلا حقول تجمل هذه الحياة والطريق إليها، بعبارة أخرى نقول إن محمد هرو يعشق الحياة ويرى أنها تستحق أن تعاش تأييداً لمقولة محمود درويش، وأن الإنسان -وفي مقدمة ذلك الفنان- يستطيع أن يرسل طيوره في السماوات جميعها، تلك السماوات التي تكفي الجميع، فقط بالحب وحده تجمل الأرض، ويصبح الإنسان إنساناً.
تعلم محمد هرو الرسم بالفطرة، لم يرتدْ أي معهد فني، ولم يلجأ إلى أي فنان تشكيلي، ولم يلتحق بأي مركز فني صغر هذا المركز أو كبر، فهو يعتمد على نفسه، ويتعلم كل ما يريد بنفسه، ولهذا فهو حين يرسم بورتريه لصديق أو قريب أو لشخصية معروفة ينهمك فيه طويلاً وقد يذهب معه إلى أكثر من أسبوعين وربما قاربت المدة شهرا. الزمن لا يشغله، ما يشغله أن يخرج العمل من بين يديه معافى وبصحة جيدة ويحس بأنه كفى ووفى ووصل إلى ما يريد، أن يلامس قلوب متلقيه.
والفنان يعبر عن مشاعره بصدق ويلعب ذلك دورا في غاية الأهمية حين ينجز عملاً ما، فالنشوة التي يعيشها لا توصف، ورضا متلقيه يزيد نشوته وفرحته، وهذا يشجعه كي يستمر ويقول كلمته في هذه الحياة وكي يكون شخصاً مميزاً ويصنع فارقاً مميزاً في حياته حسب ما يقول وحسب ما يريد .
وأخيراً لا بد أن نشير إلى أن محمد هرو شارك في ما يقارب عشرة معارض، ويحتاج من يقف إلى جنبه، أقصد إلى جانب ريشته لتتّخذ مساراً يليق بها، مساراً يعلن عن ولادة فنان قادم بقوة؛ وهذا لا يحتاج إلا إلى القليل من الاهتمام.
غريب ملا زلال
فنان عصامي احترف رسم البورتريه بأدوات بسيطة.
السبت 2022/11/19
موهبة عصامية تتحدى كل الظروف
لا يمكن لأي شيء أن يعيق الإنسان عن تحقيق هدفه وممارسة هوايته إلا أفكاره، فحتى العجز الجسدي جزئيا لا يمكنه أن يكون عائقا أمام فنان اختار أن يتبع شغفه بالرسم ويؤكد وجوده في الساحة الفنية، وهو ما حصل بالفعل مع الفنان السوري الشاب محمد هرو الذي يسير بخطوات واثقة نحو تثبيت اسمه في قائمة الفنانين التشكيليين المميزين.
محمد هرو شاب في مقتبل العمر، من أبناء القامشلي، ولد فيها عام 1999، دخل إلى مدارسها الابتدائية كحال معظم الأطفال، لكنه لم يستطع أن يكمل تعليمه، سنتان فقط هما رصيده من التعليم، غادر مدرسته لأسباب صحية، فهو مقعد ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، رغم تحفظي التام على هذه التسمية التي أوردتها لأقرب حالته من قارئي العزيز، فما أعرفه وما يعرفه الناس جميعاً وهو منهم أن الإعاقة الفعلية لا تكون في الجسد بل في الفكر والعقل والقلب والعمل.
يشاء الرب أن يمنح محمد هرو موهبة تعوضه عن المفقود منه، فيعطيه أجمل من الذي أخذه، أعطاه ما يمكنه أن يتحدى به العالم، أعطاه موهبة الرسم وزرع في دواخله حبها وعشقها، فبدأ يرسم وهو في الثامنة من عمره. بدأ وهو شغوف به، يمد يده على ما يقع تحتها من أدوات بسيطة كقلم الفحم والقلم الأزرق الجاف وقلم الرصاص وبقايا القهوة ليخرج برسومات تبهر المتلقي وتدهشه بدقة الفنان في الالتقاط، دقته في التعامل مع الملامح وتفاصيلها، ودقته في الإنجاز، فخوضه هذا المضمار يعطيه مكانته التي من حقه أن يتنفس فيها ويكتمل بها، ويتفاعل معها.
الفنان التشكيلي محمد هرو يحدد العلاقة منذ البدء بينه وبين الرسم الذي سيحدد بدوره العلاقة بينه وبين المجتمع
نعم خوضه في هذا النهر كان انطلاقته بكل رؤاه الخاصة وبكل تصوراته التي تقربه من حال فيه يتباين الفاعل ويعوم فيه وهو الصياد الماهر فلا بد أن يكون صيده مثمرا، نعم يقربه من حال فيه يتباين اللافاعل والذي يظهر وكأنه في حشر ينتظر ميزان الرب كي يصعد عليه ويعلم مصيره. والفنان هرو كان ماهرا، لا يليّنه غدر الزمن وما ينطوي عليه من تركات تحمل تأثيراتها السلبية، فهو واضح الخطوة منذ البدء، ولد كي يكون فناناً، لغته هي ريشته وألوانه وهما خير مطواع بتعبيراته وهو يسردها بين أطرها.
من هنا بدأت أهدافه ترسم في مخيلته، بدأت آماله بالولادة فلم يعد يكفيه أن يقضي جل وقته في غرفته الصغيرة، بين أدواته البسيطة وألوانه، فالأفق بدأ يرسم أمام عينيه، عليه أن يؤدي وظيفته الإبداعية الجميلة ليخلص إلى ما يحلم به، حلمه الأكبر أن يكون رساماً محترفاً وهذا ليس كثيراً عليه، فكل المؤشرات تقول إنه سيكون كذلك في قادم السنين، كما يحب أن يكون مصمماً للأزياء ولديه تجربة صغيرة وجميلة. أعتقد أن حلم محمد هرو سيتحقق طالما يملك كل هذه الطاقة وكل هذا التحدي لنفسه قبل أن يكون للآخر، وكل الحيثيات تقول إنه يمضي إلى حلمه بخطوات واثقة، وما تسليط هذا الضوء على تلك الخطوات إلا ترسيخ لها، وما إشباع روحه بالمواقف والفضائل إلا تقرب منها، فهو يحدد العلاقة منذ البدء بينه وبين الحلم، أقصد الرسم الذي سيحدد بدوره العلاقة بينه وبين المجتمع، ولهذا دور فاعل وفي غاية الأهمية كي يكون، فينبغي عليه في الأساس أن يحمل تعليمات الطريق بين جوانحه، وهي تعليمات تمسك بيده ليشير هو إليها فيما بعد والتي ستلخص كيفية تنمية سلوك الإنسان، ومن ثم كيفية صنع الأشياء التي تراود مخيلته.
في حديث قصير لمحطة ما يقول الفنان السوري كلمات تكاد تلخص طموحه وطموح كل إنسان يحب أن يعيش على هذه الأرض بحب ووئام: “أريد أن أرسل رسالة إلى العالم أجمع بأنني أحب الحياة وأعشق الفنون وأريد أن يرى العالم أننا بالحب قادرون على بناء السلام الذي نرغب فيه جميعاً”. هي رسالة من رسّام شاب يحمل في دواخله كل جماليات الفن والسلام بأن الحياة كافية للجميع وقادرة على أن تحتضن الجميع بحب، وما الحقول التي يمضي فيها أو التي يرغب في صنعها أو في سقايتها إلا حقول تجمل هذه الحياة والطريق إليها، بعبارة أخرى نقول إن محمد هرو يعشق الحياة ويرى أنها تستحق أن تعاش تأييداً لمقولة محمود درويش، وأن الإنسان -وفي مقدمة ذلك الفنان- يستطيع أن يرسل طيوره في السماوات جميعها، تلك السماوات التي تكفي الجميع، فقط بالحب وحده تجمل الأرض، ويصبح الإنسان إنساناً.
تعلم محمد هرو الرسم بالفطرة، لم يرتدْ أي معهد فني، ولم يلجأ إلى أي فنان تشكيلي، ولم يلتحق بأي مركز فني صغر هذا المركز أو كبر، فهو يعتمد على نفسه، ويتعلم كل ما يريد بنفسه، ولهذا فهو حين يرسم بورتريه لصديق أو قريب أو لشخصية معروفة ينهمك فيه طويلاً وقد يذهب معه إلى أكثر من أسبوعين وربما قاربت المدة شهرا. الزمن لا يشغله، ما يشغله أن يخرج العمل من بين يديه معافى وبصحة جيدة ويحس بأنه كفى ووفى ووصل إلى ما يريد، أن يلامس قلوب متلقيه.
والفنان يعبر عن مشاعره بصدق ويلعب ذلك دورا في غاية الأهمية حين ينجز عملاً ما، فالنشوة التي يعيشها لا توصف، ورضا متلقيه يزيد نشوته وفرحته، وهذا يشجعه كي يستمر ويقول كلمته في هذه الحياة وكي يكون شخصاً مميزاً ويصنع فارقاً مميزاً في حياته حسب ما يقول وحسب ما يريد .
وأخيراً لا بد أن نشير إلى أن محمد هرو شارك في ما يقارب عشرة معارض، ويحتاج من يقف إلى جنبه، أقصد إلى جانب ريشته لتتّخذ مساراً يليق بها، مساراً يعلن عن ولادة فنان قادم بقوة؛ وهذا لا يحتاج إلا إلى القليل من الاهتمام.