«الآنسة سلون».. الخديعة والمكر في مواجهة القوانين الفاسدة
ـ إبراهيم الملا
افتتح فيلم «الآنسة سلون» للمخرج البريطاني جون مادن، مساء أمس الأول، عروض الدورة 13 من مهرجان دبي السينمائي، ويمكن وصف الفيلم بالنوع الشائك في مستوياته السردية، اعتماداً على تكنيكه الإخراجي الصعب، ومونتاجه المتلاعب قصداً بالزمن، صعوداً وهبوطاً، وعودة وتقدّماً، في نسيج روائي مبني أساساً على الخديعة والإيهام والتشويق الضمني، وأتى هذا الاختبار القاسي نوعاً ما بالنسبة للمشاهد، كنتيجة منطقية لبنية السيناريو الفائض بالتفاصيل والحوارات المحكمة، التي صاغها الكاتب جوناثان بريرا، وتماهت بشكل باهر مع الشخصية المحورية في الفيلم، الممثلة جيسيكا شاستين، التي تلعب هنا دور إليزابيث سلون الناشطة في إحدى جماعات الضغط بالولايات المتحدة.
الفيلم نفسه بدا مشحوناً بطاقة تعبيرية متدرجة، فكان في زمنه التمهيدي متنقلاً بهدوء وبإيقاع خافت، قبل أن يتحول هذا الإيقاع في الجزء الثاني من زمن الفيلم إلى صخب مشهدي متوتر بلغ ذروته في العشر دقائق الأخيرة ليصوّر مدى الفساد الداخلي، الذي وصل إليه النظام القضائي، ومدى التآكل الداخلي في القوانين المنحازة للأثرياء وأصحاب النفوذ.
يبدأ الفيلم بمواجهة عنيفة بين الآنسة سلون وبين الأعضاء الكبار في الشركة التي تعمل بها، حيث تعترض سلون على الترويج لقانون يسمح للمدنيين بامتلاك أسلحة شخصية دفاعاً عن أنفسهم في حالات المواجهة الخطرة مع اللصوص والمعتدين، بينما ينتصر هؤلاء الأعضاء لقانون حيازة الأسلحة اعتماداً على بنود الدستور الأميركي، ترى الآنسة سلون أن هناك ثغرات في هذا الدستور يجب معالجتها لتجنب حيازة أشخاص غير مؤهلين لأسلحة خطرة تهدد المجتمع، قياساً للحوادث الدامية التي شهدتها أميركا، وخصوصاً في المدارس الثانوية والجامعات.
هذا التصادم المبكر بين سلون والمسؤولين في الشركة يدفعها قسراً للاستقالة، واصطحاب مجموعة من العاملين لديها للانضمام إلى جمعية حقوقية تسعى للضغط على الهيئات التشريعية من أجل تغيير هذا القانون الجائر والمنحاز لتجار ولوبيات السلاح. وكان واضحاً اعتماد مخرج الفيلم على البواعث المحركة لشخصية سلون الطموحة والجامحة كي يوغل ويسترسل في متاهات ودهاليز القصة، وينقلها للمشاهد في قالب بصري ينضح بالتحدي والمجابهة، وحتى بالمكر والمناورة المشروعة، اعتماداً على استراتيجية خاصة وضعتها سلون لنفسها وطبقتها بدقة، وتتمثل هذه الاستراتيجية بضرورة التقدم خطوة على المنافس، واستخدام آليات الخصم لضربه بها في النهاية.
مخرج الفيلم جون مادن سبق له تقديم أفلام ذات أبعاد نفسية وإنسانية مزدحمة بالصراعات والصدامات بين الواقع الملتبس وبين الشخصيات المقاومة لجنون وعنف هذا الواقع، ونذكر من هذه الأفلام «شكسبير عاشقاً» و«ماريغولد أفضل فندق غرائبي» و فيلم «الديْن»، وهو يقدم في هذا الفيلم الجديد أسلوباً خاصاً في معالجة السيناريو بصرياً، والتركيز على الشخصية الأساسية باعتبارها المتحكم الأصلي بمفاتيح الحكاية، بانتقالاتها السلسة والأخرى المفاجئة وغير المتوقعة، خصوصاً عندما تصل هذه الشخصية إلى نقطة اللاعودة، وتقرر المضي في قرارها، رغم كل التهديدات الخارجية، ورغم كل الخسائر الذاتية والمهنية التي تواجهها.
امتاز الفيلم بقدرته على بعثرة كل أحجار الشطرنج الثقيلة على رقعة السرد، رغم بدايته البطيئة، لتتحول الدقائق العشر الأخيرة في الفيلم إلى ما يشبه الزلزال أو العاصفة المدوية في حيز ضيق بدا مزدحماً بالشكوك والتفاسير الغامضة حول دوافع ونوايا وتكتيكات الآنسة سلون، حيث إن الخديعة التي مارسها بعض السياسيين الفاسدين، كانت تنسج خيوطها أيضاً حول ممارسات سلون نفسها، ولكن المفاجآت الصارخة في المشهد الختامي كان لها دور كبير في تمييز وجهتي النظر المتقابلتين، وفي وضع حد فاصل بين المنهزم أخلاقياً رغم مكاسبه المحرّمة، وبين المنتصر الحقيقي رغم خسائره المبرّرة.
ـ إبراهيم الملا
افتتح فيلم «الآنسة سلون» للمخرج البريطاني جون مادن، مساء أمس الأول، عروض الدورة 13 من مهرجان دبي السينمائي، ويمكن وصف الفيلم بالنوع الشائك في مستوياته السردية، اعتماداً على تكنيكه الإخراجي الصعب، ومونتاجه المتلاعب قصداً بالزمن، صعوداً وهبوطاً، وعودة وتقدّماً، في نسيج روائي مبني أساساً على الخديعة والإيهام والتشويق الضمني، وأتى هذا الاختبار القاسي نوعاً ما بالنسبة للمشاهد، كنتيجة منطقية لبنية السيناريو الفائض بالتفاصيل والحوارات المحكمة، التي صاغها الكاتب جوناثان بريرا، وتماهت بشكل باهر مع الشخصية المحورية في الفيلم، الممثلة جيسيكا شاستين، التي تلعب هنا دور إليزابيث سلون الناشطة في إحدى جماعات الضغط بالولايات المتحدة.
الفيلم نفسه بدا مشحوناً بطاقة تعبيرية متدرجة، فكان في زمنه التمهيدي متنقلاً بهدوء وبإيقاع خافت، قبل أن يتحول هذا الإيقاع في الجزء الثاني من زمن الفيلم إلى صخب مشهدي متوتر بلغ ذروته في العشر دقائق الأخيرة ليصوّر مدى الفساد الداخلي، الذي وصل إليه النظام القضائي، ومدى التآكل الداخلي في القوانين المنحازة للأثرياء وأصحاب النفوذ.
يبدأ الفيلم بمواجهة عنيفة بين الآنسة سلون وبين الأعضاء الكبار في الشركة التي تعمل بها، حيث تعترض سلون على الترويج لقانون يسمح للمدنيين بامتلاك أسلحة شخصية دفاعاً عن أنفسهم في حالات المواجهة الخطرة مع اللصوص والمعتدين، بينما ينتصر هؤلاء الأعضاء لقانون حيازة الأسلحة اعتماداً على بنود الدستور الأميركي، ترى الآنسة سلون أن هناك ثغرات في هذا الدستور يجب معالجتها لتجنب حيازة أشخاص غير مؤهلين لأسلحة خطرة تهدد المجتمع، قياساً للحوادث الدامية التي شهدتها أميركا، وخصوصاً في المدارس الثانوية والجامعات.
هذا التصادم المبكر بين سلون والمسؤولين في الشركة يدفعها قسراً للاستقالة، واصطحاب مجموعة من العاملين لديها للانضمام إلى جمعية حقوقية تسعى للضغط على الهيئات التشريعية من أجل تغيير هذا القانون الجائر والمنحاز لتجار ولوبيات السلاح. وكان واضحاً اعتماد مخرج الفيلم على البواعث المحركة لشخصية سلون الطموحة والجامحة كي يوغل ويسترسل في متاهات ودهاليز القصة، وينقلها للمشاهد في قالب بصري ينضح بالتحدي والمجابهة، وحتى بالمكر والمناورة المشروعة، اعتماداً على استراتيجية خاصة وضعتها سلون لنفسها وطبقتها بدقة، وتتمثل هذه الاستراتيجية بضرورة التقدم خطوة على المنافس، واستخدام آليات الخصم لضربه بها في النهاية.
مخرج الفيلم جون مادن سبق له تقديم أفلام ذات أبعاد نفسية وإنسانية مزدحمة بالصراعات والصدامات بين الواقع الملتبس وبين الشخصيات المقاومة لجنون وعنف هذا الواقع، ونذكر من هذه الأفلام «شكسبير عاشقاً» و«ماريغولد أفضل فندق غرائبي» و فيلم «الديْن»، وهو يقدم في هذا الفيلم الجديد أسلوباً خاصاً في معالجة السيناريو بصرياً، والتركيز على الشخصية الأساسية باعتبارها المتحكم الأصلي بمفاتيح الحكاية، بانتقالاتها السلسة والأخرى المفاجئة وغير المتوقعة، خصوصاً عندما تصل هذه الشخصية إلى نقطة اللاعودة، وتقرر المضي في قرارها، رغم كل التهديدات الخارجية، ورغم كل الخسائر الذاتية والمهنية التي تواجهها.
امتاز الفيلم بقدرته على بعثرة كل أحجار الشطرنج الثقيلة على رقعة السرد، رغم بدايته البطيئة، لتتحول الدقائق العشر الأخيرة في الفيلم إلى ما يشبه الزلزال أو العاصفة المدوية في حيز ضيق بدا مزدحماً بالشكوك والتفاسير الغامضة حول دوافع ونوايا وتكتيكات الآنسة سلون، حيث إن الخديعة التي مارسها بعض السياسيين الفاسدين، كانت تنسج خيوطها أيضاً حول ممارسات سلون نفسها، ولكن المفاجآت الصارخة في المشهد الختامي كان لها دور كبير في تمييز وجهتي النظر المتقابلتين، وفي وضع حد فاصل بين المنهزم أخلاقياً رغم مكاسبه المحرّمة، وبين المنتصر الحقيقي رغم خسائره المبرّرة.