الهوية المحلية من خلال الواقعية والتعبيرية
سعد القاسم
تحدثت الحلقات السابقة من (متحف الوطن الافتراضي) عن الاتجاه الثالث في جيل الرواد الثاني (الحداثة) الذي أكد على الهوية المحلية من خلال الواقعية والتعبيرية، والذي يضم القسم الأكبر من أصحاب التجارب الفنية السورية الهامة في الخمسينات وما تلاها. وتتوقف حلقة اليوم عند الاتجاه الرابع والأخير والذي يمكن وصفه بأنه إعادة إنتاج المذاهب الغربية في هوية ذاتية.
شورى وقشلان
استمر الأسلوب الانطباعي بالحضور في مرحلة الخمسينات وما تلاها من خلال نصير شورى (1992-1920) وقد أشير في حلقة سابقة إلى أن الفنان المعلم نصير قد يكون أكثر من يمثل تكامل مراحل الفن التشكيلي السوري، وتتابعها، وتداخلها أحياناً. فقد رافق جيل الرواد الأول، وكان من أهم أسماء جيل الرواد الثاني (الحداثة). الذي طور هذا المذهب بحيث نسبت تجربته الذاتية الى اتجاهات الحداثة. وهناك الأسلوب الذي وصف - بغير دقة - بالتكعيبي وهو أسلوب خاص لممدوح قشلان (2022-1929) الذي تعلم على يدي عبد العزيز نشواتي أول مبادئ الرسم، ومن ثم درس في أكاديمية الفنون الجميلة بروما. ومارس فنون التصوير والحفر والميدالية والإعلان والسيراميك. عمل مدرساً للتربية الفنية ثم أصبح مفتشاً في وزارة التربية حتى تقاعده. تفرد بأسلوب في التصوير يجزئ المشهد الواقعي إلى مساحات هندسية صغيرة، ويعنى بسطوع الضوء واللون. لفتت لوحاته التي تصور مشاهد البيئة والعمارة السورية الانتباه خارج سوريه، وقامت منظمة (اليونسيف) بطباعة عدد من لوحاته على بطاقاتها الشهيرة لتوزع في جميل أنحاء العالم، قّدم الكثير من النصوص الفنية التي تتناول تجارب فنانين معاصرين، إضافة إلى تأليفه كتب حول لؤي كيالي ومحمود جلال، وكتاب ثالث يرصد الحياة التشكيلية السورية خلال نصف قرن من خلال حوارات أجراها مع عدد من الفنانين الذين كان لهم حضورهم الفاعل على الساحة التشكيلية السورية. أسس وأدار صالة للفن التشكيلي باسم إيبلا إحدى أقدم الحضارات السورية.
مروان قصاب باشي
يقف مروان قصاب باشي (2016-1934) في طليعة التشكيليين السوريين الذين حققوا حضوراً عالمياً. وقد شهد المعرض السنوي تحولات تجربته، حيث شارك فيه منذ دورته الثالثة عام 1952، وحتى سفره إلى ألمانيا عام 1957، عارضاً في وقت واحد تجاربه في التصوير والنحت، وفي كليهما ظهرت جلياً توجهات الحداثة الفنية لديه، وقد نالت منحوتة من هذا التوجه حملت عنوان (الجوع) الجائزة الأولى في معرض 1956. نجح في أن يصنع لنفسه اسماً مرموقاً في الحياة الثقافية الألمانية، وقد أصبح جزءاً أصيلاً من حراكها التشكيلي، مرت تجربته بعدة تحولات ولكنها وصلت إلى مرحلة تميزها في منتصف الستينات مع بداية عمله على وجوه ثقافية عربية، وأشهرها وجه (السياب)، قبل أن يعتمد وجهه هو كأساس لإبداع لوحة تعج بالتعبيرات والمشاعر.
غسان السباعي
بدأ غسان السباعي (2015-1939) حياته الفنية في الخمسينيات بتشجيع من الأستاذين صبحي شعيب وعبد الظاهر مراد، ومنهما تعرف إلى مدارس الفن الحديث، وكان معرضه الأول عام1954 مع مجموعة من الفنانين منهم: غياث الأخرس، وفيصل عجمي، وممتاز جوخدار، وأغلب لوحات هذه المرحلة كانت مشاهد من حمص والقرى القريبة منها. بعد حصوله على الشهادة الثانوية سافر إلى مصر ليلتحق بكلية الفنون الجميلة في جامعة الإسكندرية التي تخرج منها عام 1964 حاملاً خصائص (مدرسة الإسكندرية الفنية) في التبسيط اللوني وضربات الفرشاة العريضة، وتعرّف خلال دراسته في مصر على تجارب: سيف وانلي، وحامد ندا، ومحمد سعيد، وبشكل خاص بأعمال حامد عويس، أستاذه المباشر. وقد أثرّوا في تجربته تأثيراً جوهرياً في توجهه العام المحتضن لاهتمامات الإنسان، بلغة تشكيلية بعيدة عن السرد الأدبي. عمل أستاذاً في قسم الحفر بكلية الفنون الجميلة بدمشق، ورأس القسم لبعض الوقت، استطاع أن يخط لنفسه أسلوبية خاصة مزج فيها بين التعبيرية والتجريد مقدماً لوحة خاصة به تدل على احترافيه عالية، وقدرة على تطويع المتضادات اللونية لخلق حالة انسجام صعبة بينها توحي بالهدوء والسلام، فامتزجت تكويناته الغرائبية بحالة إنسانية مفعمة بالحب والهدوء والتجلي. تم تكريم ذكراه في الموسم الثاني لأيام الفن التشكيلي السوري عام 2019.
خزيمة علواني
\نُسبت أعمال خزيمة علواني (1934) إلى السريالية غير أن تجربته تمثل في واقع الحال أسلوباً خاصاً أقرب إلى التعبيرية يعتمد الخطوط القوية، والاختزال في الألوان، وتمد جذورها في أعمال فنانين عالميين كبار، كليوناردو دافنشي، وكاندينسكي ، و بيكاسو خاصة، الذي أعاد اقتباس لوحته الأشهر (غيرنيكا) Guernica عدة مرات. تخرج من قسم التصوير الزيتي لأكاديمية الفنون في روما عام 1961. وفي عام 1964 حصل على دبلوم هندسة الديكور المسرحي والتلفزيوني والسينمائي والإضاءة المسرحية من الأكاديمية ذاتها. وكذلك دبلوم في الخزف والسيراميك ودبلوم في النحت ودبلوم في فن الإعلان والزخرفة ودبلوم في الرسم الهندسي من مدرسة الفنون التطبيقية سان جاكومو وفي عام 1977 حصل على دكتوراه من معهد البوزار في باريس. عمل مصمماً للديكور في التلفزيون السوري والمسرح العسكري. وقد يكون أشهر الفنانين التشكيليين الذين عملوا في مجال الديكور المسرحي. كما كان أستاذاً للتصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة حتى تقاعده. نال الجائزة التقديرية لبينالي مهرجان المحبة.
غياث الأخرس
حظيت موهبة غياث الأخرس (1937) في الرسم بتشجيع أستاذيه في مدرسة (التجهيز الأولى) عبد الظاهر مراد وصبحي شعيب فتحددت ملامح سيرة حياته منذ وقت مبكر بدعم من والده المتنور الذي استأجر له مرسماً في مدينة حمص كان بداية رحلته الطويلة والثرية مع الحياة التشكيلية. وفي محطاتها التالية سنوات من الدارسة في كلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة تعرف فيها على عبد العزيز درويش أستاذه والذي شجعه على السفر الى اسبانيا لإكمال دراسته فيها، وهناك درس فنَّي التصوير والحفر في أكاديمية (سان فيرناندو) للفنون الجميلة في مدريد حتى عام 1960، حيث اتجه إلى روما، ليدرس على يدي أستاذه (جولياني) فن الحفر حتى عام 1962، ومن ثم إلى باريس لمتابعة الدراسة في أكاديمية (ايستيان) المختصة بفن الكتاب وفن الحرف وحفر العملة والطوابع والإعلان. بعد عودته إلى دمشق التحق بالجهاز التدريسي في كلية الفنون الجميلة بجامعتها، وأسس فيها قسم الحفر(الغرافيك) الذي شهد فترة ثرية أثناء إدارته له، وتخرج منه أهم فناني الحفر في سورية. في مطلع السبعينات شارك في تأسيس (جماعة العشرة) التي كانت تضم معه تسعة فنانين متميزين هم نعيم إسماعيل و عبد القادر أرناؤوط و نذير نبعة ونشأت الزعبي والياس زيات وأحمد دراق السباعي وأسعد عرابي وخزيمة علواني وغسان السباعي، وكان تشكيل تلك الجماعة - التي انضم إليها في معرضها الثاني عام 1972 : هند زلفه ومنذر كم نقش و عبد الله مراد - تعبيراً عن توجه ظهر في أكثر من بلد عربي، وخاصة في العراق ومصر، لتجميع طاقات الفنانين التشكيليين، مع احترام الاختلاف في توجهاتهم الفكرية والثقافية، والتباين في أساليبهم الفنية. ومنذ عام 2016 يتولى إدارة المركز الوطني للفنون البصرية التابع لجامعة دمشق، والذي تقدم صالتيه الأنيقتين الفسيحتين مساهمة مميزة في الحياة التشكيلية السورية، وكذلك حال ورش العمل المختصة فيه.
سعد القاسم
تحدثت الحلقات السابقة من (متحف الوطن الافتراضي) عن الاتجاه الثالث في جيل الرواد الثاني (الحداثة) الذي أكد على الهوية المحلية من خلال الواقعية والتعبيرية، والذي يضم القسم الأكبر من أصحاب التجارب الفنية السورية الهامة في الخمسينات وما تلاها. وتتوقف حلقة اليوم عند الاتجاه الرابع والأخير والذي يمكن وصفه بأنه إعادة إنتاج المذاهب الغربية في هوية ذاتية.
شورى وقشلان
استمر الأسلوب الانطباعي بالحضور في مرحلة الخمسينات وما تلاها من خلال نصير شورى (1992-1920) وقد أشير في حلقة سابقة إلى أن الفنان المعلم نصير قد يكون أكثر من يمثل تكامل مراحل الفن التشكيلي السوري، وتتابعها، وتداخلها أحياناً. فقد رافق جيل الرواد الأول، وكان من أهم أسماء جيل الرواد الثاني (الحداثة). الذي طور هذا المذهب بحيث نسبت تجربته الذاتية الى اتجاهات الحداثة. وهناك الأسلوب الذي وصف - بغير دقة - بالتكعيبي وهو أسلوب خاص لممدوح قشلان (2022-1929) الذي تعلم على يدي عبد العزيز نشواتي أول مبادئ الرسم، ومن ثم درس في أكاديمية الفنون الجميلة بروما. ومارس فنون التصوير والحفر والميدالية والإعلان والسيراميك. عمل مدرساً للتربية الفنية ثم أصبح مفتشاً في وزارة التربية حتى تقاعده. تفرد بأسلوب في التصوير يجزئ المشهد الواقعي إلى مساحات هندسية صغيرة، ويعنى بسطوع الضوء واللون. لفتت لوحاته التي تصور مشاهد البيئة والعمارة السورية الانتباه خارج سوريه، وقامت منظمة (اليونسيف) بطباعة عدد من لوحاته على بطاقاتها الشهيرة لتوزع في جميل أنحاء العالم، قّدم الكثير من النصوص الفنية التي تتناول تجارب فنانين معاصرين، إضافة إلى تأليفه كتب حول لؤي كيالي ومحمود جلال، وكتاب ثالث يرصد الحياة التشكيلية السورية خلال نصف قرن من خلال حوارات أجراها مع عدد من الفنانين الذين كان لهم حضورهم الفاعل على الساحة التشكيلية السورية. أسس وأدار صالة للفن التشكيلي باسم إيبلا إحدى أقدم الحضارات السورية.
مروان قصاب باشي
يقف مروان قصاب باشي (2016-1934) في طليعة التشكيليين السوريين الذين حققوا حضوراً عالمياً. وقد شهد المعرض السنوي تحولات تجربته، حيث شارك فيه منذ دورته الثالثة عام 1952، وحتى سفره إلى ألمانيا عام 1957، عارضاً في وقت واحد تجاربه في التصوير والنحت، وفي كليهما ظهرت جلياً توجهات الحداثة الفنية لديه، وقد نالت منحوتة من هذا التوجه حملت عنوان (الجوع) الجائزة الأولى في معرض 1956. نجح في أن يصنع لنفسه اسماً مرموقاً في الحياة الثقافية الألمانية، وقد أصبح جزءاً أصيلاً من حراكها التشكيلي، مرت تجربته بعدة تحولات ولكنها وصلت إلى مرحلة تميزها في منتصف الستينات مع بداية عمله على وجوه ثقافية عربية، وأشهرها وجه (السياب)، قبل أن يعتمد وجهه هو كأساس لإبداع لوحة تعج بالتعبيرات والمشاعر.
غسان السباعي
بدأ غسان السباعي (2015-1939) حياته الفنية في الخمسينيات بتشجيع من الأستاذين صبحي شعيب وعبد الظاهر مراد، ومنهما تعرف إلى مدارس الفن الحديث، وكان معرضه الأول عام1954 مع مجموعة من الفنانين منهم: غياث الأخرس، وفيصل عجمي، وممتاز جوخدار، وأغلب لوحات هذه المرحلة كانت مشاهد من حمص والقرى القريبة منها. بعد حصوله على الشهادة الثانوية سافر إلى مصر ليلتحق بكلية الفنون الجميلة في جامعة الإسكندرية التي تخرج منها عام 1964 حاملاً خصائص (مدرسة الإسكندرية الفنية) في التبسيط اللوني وضربات الفرشاة العريضة، وتعرّف خلال دراسته في مصر على تجارب: سيف وانلي، وحامد ندا، ومحمد سعيد، وبشكل خاص بأعمال حامد عويس، أستاذه المباشر. وقد أثرّوا في تجربته تأثيراً جوهرياً في توجهه العام المحتضن لاهتمامات الإنسان، بلغة تشكيلية بعيدة عن السرد الأدبي. عمل أستاذاً في قسم الحفر بكلية الفنون الجميلة بدمشق، ورأس القسم لبعض الوقت، استطاع أن يخط لنفسه أسلوبية خاصة مزج فيها بين التعبيرية والتجريد مقدماً لوحة خاصة به تدل على احترافيه عالية، وقدرة على تطويع المتضادات اللونية لخلق حالة انسجام صعبة بينها توحي بالهدوء والسلام، فامتزجت تكويناته الغرائبية بحالة إنسانية مفعمة بالحب والهدوء والتجلي. تم تكريم ذكراه في الموسم الثاني لأيام الفن التشكيلي السوري عام 2019.
خزيمة علواني
\نُسبت أعمال خزيمة علواني (1934) إلى السريالية غير أن تجربته تمثل في واقع الحال أسلوباً خاصاً أقرب إلى التعبيرية يعتمد الخطوط القوية، والاختزال في الألوان، وتمد جذورها في أعمال فنانين عالميين كبار، كليوناردو دافنشي، وكاندينسكي ، و بيكاسو خاصة، الذي أعاد اقتباس لوحته الأشهر (غيرنيكا) Guernica عدة مرات. تخرج من قسم التصوير الزيتي لأكاديمية الفنون في روما عام 1961. وفي عام 1964 حصل على دبلوم هندسة الديكور المسرحي والتلفزيوني والسينمائي والإضاءة المسرحية من الأكاديمية ذاتها. وكذلك دبلوم في الخزف والسيراميك ودبلوم في النحت ودبلوم في فن الإعلان والزخرفة ودبلوم في الرسم الهندسي من مدرسة الفنون التطبيقية سان جاكومو وفي عام 1977 حصل على دكتوراه من معهد البوزار في باريس. عمل مصمماً للديكور في التلفزيون السوري والمسرح العسكري. وقد يكون أشهر الفنانين التشكيليين الذين عملوا في مجال الديكور المسرحي. كما كان أستاذاً للتصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة حتى تقاعده. نال الجائزة التقديرية لبينالي مهرجان المحبة.
غياث الأخرس
حظيت موهبة غياث الأخرس (1937) في الرسم بتشجيع أستاذيه في مدرسة (التجهيز الأولى) عبد الظاهر مراد وصبحي شعيب فتحددت ملامح سيرة حياته منذ وقت مبكر بدعم من والده المتنور الذي استأجر له مرسماً في مدينة حمص كان بداية رحلته الطويلة والثرية مع الحياة التشكيلية. وفي محطاتها التالية سنوات من الدارسة في كلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة تعرف فيها على عبد العزيز درويش أستاذه والذي شجعه على السفر الى اسبانيا لإكمال دراسته فيها، وهناك درس فنَّي التصوير والحفر في أكاديمية (سان فيرناندو) للفنون الجميلة في مدريد حتى عام 1960، حيث اتجه إلى روما، ليدرس على يدي أستاذه (جولياني) فن الحفر حتى عام 1962، ومن ثم إلى باريس لمتابعة الدراسة في أكاديمية (ايستيان) المختصة بفن الكتاب وفن الحرف وحفر العملة والطوابع والإعلان. بعد عودته إلى دمشق التحق بالجهاز التدريسي في كلية الفنون الجميلة بجامعتها، وأسس فيها قسم الحفر(الغرافيك) الذي شهد فترة ثرية أثناء إدارته له، وتخرج منه أهم فناني الحفر في سورية. في مطلع السبعينات شارك في تأسيس (جماعة العشرة) التي كانت تضم معه تسعة فنانين متميزين هم نعيم إسماعيل و عبد القادر أرناؤوط و نذير نبعة ونشأت الزعبي والياس زيات وأحمد دراق السباعي وأسعد عرابي وخزيمة علواني وغسان السباعي، وكان تشكيل تلك الجماعة - التي انضم إليها في معرضها الثاني عام 1972 : هند زلفه ومنذر كم نقش و عبد الله مراد - تعبيراً عن توجه ظهر في أكثر من بلد عربي، وخاصة في العراق ومصر، لتجميع طاقات الفنانين التشكيليين، مع احترام الاختلاف في توجهاتهم الفكرية والثقافية، والتباين في أساليبهم الفنية. ومنذ عام 2016 يتولى إدارة المركز الوطني للفنون البصرية التابع لجامعة دمشق، والذي تقدم صالتيه الأنيقتين الفسيحتين مساهمة مميزة في الحياة التشكيلية السورية، وكذلك حال ورش العمل المختصة فيه.