الفنانة السورية هنادة الصباغ لـ"العرب": حياتي نحت على الورق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنانة السورية هنادة الصباغ لـ"العرب": حياتي نحت على الورق


    الفنانة السورية هنادة الصباغ لـ"العرب": حياتي نحت على الورق




    نضال قوشحة


    الاثنين 2022/11/14






    دمى الكرتون حاضرة في مسرح الشارع


    في خروج عن المألوف، تقدم نحاتة سورية مشروعها في النحت على الكرتون، والذي تحاول من خلاله تكوين علاقة خاصة بينه وبين المسرح، وتحديدا مسرح الشارع الذي يقدم عروضه للعامة وبشكل مبسّط. وهنادة الصباغ هي فنانة سورية اختصت في النحت ومسرح العرائس وقدمت في دمشق ورشة عمل عن تصنيع دمى الكرتون، التقتها “العرب” وكان لها معها الحوار التالي.


    الفن أصناف، فهو يقسّم إلى ستة مجالات هي العمارة والموسيقى والرسم والنحت والشعر والرقص، أضاف إليها الناقد الإيطالي كانودو السينما لتكون الفن السابع. وكان من بين هذه الفنون النحت، وهو فن راسخ في تاريخ الحضارة الإنسانية، بأشكاله وأنماطه المختلفة، وقديما كان هناك النحت على الحجر والمعدن والخشب، في حين وجد حديثا فن النحت على الورق.
    والنحت على الورق أو الكرتون كان جوهر الورشة التي أقامتها النحاتة السورية هنادة الصباغ تحت رعاية وزارة الثقافة. هنادة درست الفن في روسيا، ولها في مسيرتها سلسلة من العروض المسرحية المتخصصة في موضوع النحت على الورق (الكرتون). فقدمت عرض حياة من ورق ثم موزاييك العرائس ثم القبطان. وقد أقيمت الورشة في غاليري البيت الأزرق في قلب دمشق القديمة، وهو بيت دمشقي عريق فيه كل مكونات البيوت الدمشقية التراثية. حملت الورشة عنوان “دمى من كرتون” واستمرت مدة شهرين وشاركت فيها رندا الشماس وتايا عثمان وريم الحايك وريم الماغوط وروان عودة وزينب علي وسحر سالم.
    فكرة وهدف


    تؤمن هنادة الصباغ بأن فن النحت على الكرتون له شأن كبير في التعبير عن مكنونات الناس، وهو جسر هام للوصول إلى صيغة مسرحية تفاعلية تقام في الشارع، لهذا يجب أن يتعرف عليه الناس من خلال الدراسة الأكاديمية.
    تقول لصحيفة “العرب” في هذا السياق “أؤمن بموضوع النحت وأهميته، كوْني نحاتة، فموضوع النحت على الكرتون يشغلني ونفذت فيه خلال مسيرتي الفنية عدة أعمال كان أولها ‘حياة من ورق’. كان تحديا كبيرا أن أتصدى من خلال هذا الفن لفكرة أن مسرح العرائس ليس للصغار فقط بل للكبار كذلك. ويمكن من خلاله طرح أي فكرة”.
    وتتابع “خلال دراستي في روسيا تعرفت على الورق، هذه المادة المدهشة، واستطعت تطويعها في تجارب أولى لاقت الصدى الطيب، فقدمت عرضا ليس فيه شخوص بالمعنى الحقيقي، فالشخصيات دون ملامح، ولكنني استطعت بناء ثقة مع الجمهور. هنالك حالة استخفاف بفن دمى العرائس ويعتقد كثيرون أنها مخصصة لمسرح الطفل. لكنني من خلال مسيرتي أتوجه نحو فضاء مختلف يهدف إلى بناء معرفة جديدة بمسرح العرائس، لذلك كتبت في بيان الدعوة للورشة: نحت على الورق (دمى متحركة)”.
    وتوضح الفنانة “في ظل وجود حالة الاستخفاف بمسرح العرائس كان لدي هدف مبطن من الورشة هو نشر الثقافة التي ترتقي بهذا الفن وتعطيه حقه الطبيعي، وإلغاء فكرة أن أي شيء يمكن أن يرضي الطفل. هنالك تحدّ في الفكرة، فمن هذه الخامة البسيطة وهي الكرتون يمكن عمل شيء فني عالي المستوى، ويمكن أن يكون مميزا وأذهب به إلى المسرح لتقديم أفكار هامة، من خلال مرونته وإحساسه العالي الذي يمكن أن يحمله”.
    وتحكي هنادة، في تصريحها لـ”العرب”، “في العرض الأول ‘حياة من ورق’ لمست مدى تجاوب الناس مع حساسية شخصيات العرض بغض النظر عن ملامحها وتفاصيلها، من خلال نمط الحركة وبتعديلات فيها يمكن أن نصنع الكثير، فالدمى متكررة ويمكنها الظهور بعدة وضعيات حياتية مثل أي شخص طبيعي يتحرك في الشارع”.
    النحت على الورق ليس بالأمر الهيّنوعن الخروج من النمطية وتقديم الجديد تتابع “عملنا على الخروج من القولبة وحاولنا أن نصنع جديدا، قدمنا منهجية محددة في العمل تقوم على إنجاز لوحة تكون نابعة من مشهد أو فكرة محددة في الذاكرة، وبدأت المشاركات بوضع التكوينات الأولية في التشكيلات ضمن هذا التوجه، وبدأنا بإضافة لمسات على ما قدمناه وصار الموضوع بعد حين أوسع. طلبت من كل مشاركة شخصيتين ورقيتين جانبيتين أضفتهما إلى الفضاء الخارجي الخاص باللوحة وبدأنا النقاش حولها، حينها فقط اكتشفنا حجم قدرتنا على أن نصنع تكوينات مختلفة ونخرج بها من إطار اللوحة وندخل في حالة انسجام مع العالم الخاص فينا من خلال تكوين لوحة كاملة من مجموعة هذه اللوحات التي قدمتها المشاركات. كل هذه اللوحات شكلت مجتمعة لوحة واحدة اسمها ‘الحياة’، وقد حملت العديد من العواطف والحالات الإنسانية المختلفة، واختصت بغرفة كاملة كانت جزءا حيويا من المعرض”.
    عن طموحاتها في مستقبل تجربتها المختصة في النحت على الورق تقول هنادة الصباغ “طموحي كبير؛ كان لدي هاجس أن يوجد في الورشة مشاركون ومحركون، لكن الظروف الإنتاجية لم تساعد على ذلك فكانت الجهود فردية. وهذا الفن رغم بساطته يحتاج إلى طاقة إنتاجية مناسبة. كان الهدف من الورشة إرساء الدراسة الأكاديمية للاختصاص، وهي رسالة إلى أي شخص معي في عالم الفن أو مسؤول في التعليم السوري”. وتضيف أن “مسألة دخول هذا الفن إلى الأكاديميات في سوريا صار أمرا مهما، فجيل الشباب مظلوم، كونه لا يعرف هذا الفن إلا من خلال ما يتم عرضه على مواقع الإنترنت، وهو لا يتلقى تكوينا أكاديميا في سوريا، ومحصور بالهواة والمسرح المدرسي وفي حيّز بسيط. نحن الآن بحاجة ملحة إلى كادر أكاديمي كبير في هذا التخصص”.
    الورشة قامت على طرح أفكار ثم العمل عليها، لتبيان كيف قادت طبيعة المادة إلى الأفكار الإبداعية

    وتسترسل الفنانة قائلة “من خلال الورشة استقطبت طلاب الفنون الجميلة والمعهد العالي للفنون المسرحية لتعريفهم بهذا الفن ودمجهم فيه، لم أبيّن لهم في بداية الورشة معنى النحت على الكرتون والدمى المتحركة، وكانت الفكرة عامل جذب لهؤلاء لكي أصل بهم إلى النجاح وآمل أن أكون قد أنجزت ذلك. وطموحي الآن هو أن أصل بالتجربة إلى مسرح الشارع، لكي يشاهد الجمهور العام عرضا تفاعليا يخلق حالة تشويق توجد فيه الدمى الكرتونية. يجب أن أذهب إلى هذه الصيغة من المسرح في سوريا، والخطوات مازالت خجولة في هذا الموضوع، فجمهور المسرح ضئيل، ويجب طرح مشروع مسرح الشارع لكي يتعرف عليه الناس”.
    وترى الصباغ أن هذا النوع من الفن معروف في أوروبا والعالم “لكنه مجهول في سوريا، فمسرح الشارع يمكنه طرح فكرة أو موضوع مثير للانتباه ويهم كل طبقات المجتمع. وبإمكاننا إقناع الممثلين السوريين بخوض تجربة مسرح الشارع، فقد سبق وأن تعاملت مع بعض المسرحيين الذين يريدون أن يجسدوا شخصيات مسرحية عالمية تراجيدية تقليدية، لكنني استطعت إقناعهم بأن يكونوا في هذا الجو المسرحي، وعندما عملوا وجدوا أن هنالك عالما آخر موجودا وجميلا”.
    وتوضح الفنانة السورية أن “ما يدعم هذا التوجه هو أن المادة الخام التي نستخدمها في فن النحت على الكرتون رخيصة، يمكن أن أكوّن بها دمى كبيرة أصنع منها مسرحا للشارع وكرنفالات مسرحية للأطفال أو غير ذلك من المناسبات المختلفة، ويمكن تدوير هذه المواد الخام عدة مرات. والدمى يمكنها أن تتكون مرارا وتعطي أحاسيس ومشاعر بإحداث القليل من الحركة والتغيير فيها. ويمكن من خلالها طرح كل المواضيع، وهي مرنة في التعامل بحيث يستطيع الممثل أن يحملها بكل سهولة ولا تستلزم منه جهدا عضليا. رسالتي المبطنة من الورشة هي الوصول بهذا الفن إلى مرحلة الدراسة الأكاديمية، من خلال إيجاد قسم خاص به في كلية الفنون الجميلة والمعهد العالي للفنون المسرحية، فالجهود الآن فردية وأتمنى أن تكون جماعية منظمة لكي تحقق أكبر فائدة مرجوة”.
    الانتشار العربي


    في حديثها عن الورشة وما بحثت عنه وهدفت إليه تقول هنادة الصباغ “بحثت عن الطاقة الإبداعية التي يمكن أن تكون قادرة على إيجاد تشكيل فني مناسب، المشاركات كلهن خريجات ومدرسات في الجامعة ويمتلكن طموحا وشغفا ولكل منهن مشروعها الخاص، بعضهن من كلية الفنون أو المعهد العالي للفنون المسرحية وهنالك مهندسة متقاعدة وفنانة مسرحية محترفة. كانت فرصة لكل هؤلاء أن يكتشفن دواخلهن، ولم تكن هناك أي نحاتة. جميعهن اكتشفن مقدار ما يقدمنه من فنيات في النحت في هذه الورشة، وقد اكتسبن خلال أعمال هذه الورشة قدرات إبداعية جديدة؛ أحببن المادة وذهلن بها وهن يكتشفن أنفسهن ويخرجن عن المألوف بما يقمن به”.
    وتتابع عن آلية العمل “قامت الورشة على طرح أفكار ثم العمل عليها، لتبيان كيف قادت طبيعة المادة إلى الأفكار الإبداعية التي أنجزت. عندما أنهت المشاركات نحت الدمى لاحظن أنها كانت في معظمها ذات ملامح ذكورية، ولترسيخ الملامح الأنثوية احتجن إلى جهد مضاعف؛ فالكرتون مادة جافة تحتاج إلى وقت طويل وخبرة لكي تُصنع منها مادة حيوية. طلبت من مشاركة لوحة عن فان غوخ وضربة الريشة لديه، وعند التكوين النهائي ظهرت شخصية دمية عن فلاح روسي كما في شخصيات تشيخوف. وطلبت من مشاركة أخرى لوحة الموناليزا وبينت أنني أريد منها إحساسا أنثويا، وبعد تعب شديد خرجت المشاركة بتمثال الجدة التي رأيناها وهي تعتني بدجاجاتها، في حين جسدت مشاركة ثالثة من شيء مسرحي لاعبا رياضيا يلاحق كرة بحجم كبير، وكان عملا هاما”.
    الكرتون دمى متجددةولم تكتف الورشة بأن أوجدت عددا من الدمى الكرتونية، بل جعلتها أيضا تتحرك وترقص؛ في هذا الطقس الجمالي النادر، وعلى أنغام أغنية السيدة فيروز “بيتك يا ستي الختيارة”، ظهرت الدمى وهي تتحرك من خلال مبدعيها ومحركين آخرين، وعلى أعلى الدرج ظهر تمثال للسيدة فيروز.
    تقول هنادة عن ذلك “شخصية السيدة فيروز كانت محرضة لي منذ دراستي في روسيا. نحن كبرنا على غنائها الذي يحتوي الكثير من القصص، وصرت أمسرح أغانيها، منها ‘عليا’ و’حنا السكران’ مثلا، ومنذ العروض السابقة نحتّ تمثالا لفيروز وكنت أنوي تحقيق حضورها على المسرح سابقا، ووجدت له مكانا هنا. كانت هنالك رهبة من ألا يتقبل الناس الأمر لكنهم أحبوا الحالة وتفاعلوا معها”.
    ورغم حداثة التجربة وغرابتها محليا إلا أن الكثير من الجهات رحبت بوجودها. وتقول هنادة الصباغ “وجدت التجربة صدى عربيا كبيرا، وجاءتني اتصالات من العديد من الجهات الفنية العربية معبرة عن الرغبة في التعامل معنا. في مصر كان التفاعل كبيرا وكتبت الصحافة الكثير عن الورشة، وفي تونس تواصل معنا المسرح الوطني وكذلك عدد من المهرجانات المسرحية في العراق، منها مهرجان بابل لمسرح الشارع. وكثيرون طلبوا إقامة ورشات مشابهة لما كان في دمشق، تحدثوا عن تجربة جديدة تقوم في سوريا وأنّنا مصممون على فعل شيء. ورغم وجود العديد من المصاعب، منها عدم وجود تمويل مناسب، صار المشروع الآن بين يدي الناس. أتمنى أن تلتفت الجهات المعنية إلى هذا الفن، ولو كانت هناك إمكانات تمويلية أفضل لكانت النتائج أهم. المشروع انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت التفاعلات مؤكدة على أهمية الفكرة وضرورة العمل على تطويرها”.




يعمل...
X