سَتـَـسيلُ دماء There Will Be Blood
لم يكن غريباً أن ينال الإنجليزي ــ إيرلندي الأصل ــ سير " دانييل دي لويس " جائزة الأوسكار ثلاثَ مرات كأفضل ممثل في دور رئيس ، إحداها عن دوره البارع في هذا الفيلم المدهش ( There Will Be Blood ) ، و قليلون جداً هم الممثلون الذي ينطوون على سحرٍ و حضورٍ طاغٍ على الشاشة كما هو عليه ، فكل حركة عين أو حركة عضلة وجه أو حركة جسدية تصدر منه هي درسٌ في التمثيل التي تؤكد حقيقة كونه ممثلاً من طراز نادر ، بل هو ممثلٌ عبقريٌ لا يوجد مثيلٌ له في تاريخ السينما.
في هذا الفيلم ، نتعرف عليه في شخصيةٍ غريبةِ التركيب ، جديدةٍ على السينما ، هي من صياغة مخرج الفيلم و واضع السيناريو له المخرج و الكاتب الأمريكي " پول توماس اندرسون " . إسم الشخصية في الفيلم هو ( دانييل پلايڤنيو ) ، و هو شخصٌ طموحٌ و جريءٌ و مُحبٌ للمال و جشع ، يكره الجميع في باطنيته ، رغم ادعائه حُبَّ الناس ، ملحدٌ و حاقدٌ على الكنيسة ، ولكنه من أجل تحقيق أهدافه يفعل النقيض ، لم يتزوج و لا يحب تكوين العائلة ، بل أنه هجر أهله ، و لديه حقدٌ على الجميع ، و هو قاتلٌ بدمٍ بارد . يقول في أحد مَشاهد الفيلم : ( أنظُرُ الى الناس أحياناً و لا أرى ما يستحق الإعجاب ، أريد جمعَ مالٍ كافٍ لأتمكن من الإبتعاد عن الجميع ) و يقول في المشهد ذاته : ( أرى أسوأ ما في الناس .. لا أحتاج سوى النظر اليهم لمعرفة كل ما أريد ، بنيتُ ضغائني على مدى السنين شيئاً فشيئاً ) . و ( دانييل پلايڤنيو ) هذا ، كان منقباً عن الفضة ثم تحول الى منقب عن النفط ، و راح يستثمر أراضي الفلاحين و يوسع استثماراته و يضخّم ثروته بصورة سريعة.
يبدأ الفيلم من نهاية القرن التاسع عشر ، تحديداً في العام 1898 ، اللقطة الأولى تقدم لنا صورةً لمنطقةٍ صخريةٍ موحشة ، لا كائن فيها سوى نباتاتٍ صغيرةٍ جافة ، ثم يظهر ( دانييل پلايڤنيو ) و هو يحفر تحت سطح الأرض في جدار صخري بمعوله ، و المكانُ معتم ، بحثأ عن الفضة ، و تُظهر المَشاهدُ الأولى الصعوباتِ و الأخطارَ و الآلامَ التي يتعرض لها ( پلايڤنيو ) ، لتؤكد إصرارَه على تحقيق طموحاته المتنامية اللاحقة . لكنه يظهر بعد أربع سنوات ، أي في العام 1902 ، و هو يحفر في بئرٍ لإستخراج النفط ، والحقيقة أن هذا ليس أول بئرٍ نفطي في أمريكا ، كما قد يتوهم المُشاهد ، فالبئر الأولى تم حفرها في العام 1859 في ولاية بنسلفانيا ، أما البئر الذي ظهر في الفيلم و الذي كان يحفره ( پلايڤنيو ) عام 1902 فيأتي بعد ازدهار صناعة النفط في أمريكا عام 1900 .
من بئره الأولى التي كان ( پلايڤنيو ) يحفرها تبدأُ دراما الفيلم ، حيث ينفتح بابُ طموحاته التي سيتصدى بالتحايل و التمظهر و المداهنة و العنف لكل من يقف في طريق تحقيقها . ففي العام 1911 تبدأ جولته في البحث عن حقول و تبدأ مخططاته الفعلية عندما ظهر أمامه فتىً اسمُهُ ( پول سانداي ) ليخبره ، بمقايضةٍ مالية ، عن مزرعةٍ في ( ليتل بوستن ) في مقاطعة ( ايزابيلا ) ، تعودُ لأهله ، فيها نفط ، فيذهبُ اليها بذريعة صيد طير ( السمّان ) ، و هناك سيتصدى له ( ايلي ) الذي هو توأم ( پول ) ، و قد أدى دورهما معاً الممثل الأمريكي " پول دانو " . و ( ايلي ) ، الذي هو راعي كنيسة القرية ، يقايضُ ( بلايڤنيو ) أيضاً بأن يدفع للكنيسة مقابل استثمار مزرعة العائلة ، فيشكل نداً مزعجاً لـ ( پلايڤنيو) .
الشخصيات المحورية الثلاث في الفيلم هي : ( دانييل بلايڤنيو ) و ( ايلي ساندي ) و ( ابن پلايڤنيو ) الذي مثل دوره في فترة الصبا " ديلون فريزير " . ولكن ( پلايڤنيو ) يجعل هذه القصة تنتهي مع هذين الشابين بمفاجأتين صادمتين لم تخطرا على بال المشاهد ، و كأننا أمام مفاجآت ألغاز قصص " أجاثا كريستي" .
شخصياً ، لستُ ميالاً الى ربط نزعات كلٍ من ( پلايڤنيو ) الدنيوية و ( ايلي ساندي ) الدينية بطروحات " نيتشة " ، كما حاول الناقد " براين إيجيرت " ، باعتبار أن تصرف ( پلايڤنيو ) يأتي تجسيداً لوجهات نظر " نيتشه " حول ( استخدام القوى الطبيعية للفرد لتحقيق مصلحته الشخصية ) ، فيما يأتي اندفاع ( ايلي ساندي ) مطابقاً لرأى " نيتشه " في اعتبار الدين كأداة أخرى لإزالة العقبات في طريق المرء ، ولكن هي أيضاً طريقة يستخدمها الضعفاء والعاجزون عن جعل الحياة أكثر تحملاً . و أعتقد أنه كلاهما لا يعرفان من هو " نيتشه " ، فإذا كان ( پلايڤنيو ) صريحاً ، في القول و الفعل ، بأنه ( أرضي ) ( دنيوي ) فإن ( ايلي ساندي ) نحى في النهاية ذات المنحى ، عندما دخل على ( پلايڤنيو ) الثمل في منزله ، متخلياً عن إيمانه ، لينتهي به الأمر الى تلك النهاية المفاجئة التي تتطابق كلياً مع نظرة و تعامل ( پلايڤنيو ) مع الآخرين.
يعكس هذا الفيلم الهوية الأمريكية ، بعد طيها صفحة حربها الأهلية ( 1861 ـ 1865 ) ذات الجذر التفاضلي العنصري ( الذي مازالت شظاياه متناثرة و قائمة ) ، و يعكس طبيعة النزعة الإستحواذية الأمريكية منذ اكتشاف النفط في أراضيها ، و يكشف في الوقت ذاته من خلال شخصية ( دانييل پلايڤنيو ) الشخصية الأمريكية .. على حقيقتها.
الفيلم من انتاج عام 2007 ، و أول عرض له كان في مهرجان برلين السينمائي الدولي ، حيث فاز بجائزة الدب الفضي لأفضل مخرج ، و إذ بلغت ميزانيته 25 مليون دولار ، فإن أرباحه بلغت 73 مليوناً . و الفيلم تم استقباله بحفاوة و اهتمام من قبل النقاد و الجمهور ، و نال استقبالاً كبيراً في صالات العرض السينمائي في العالم . و حصل على درجة 93% من الإشادة العالمية . و يمكن اعتبار الفيلم التقاطة لبداية تكوين الرأسمالية في سوق الإقتصاد الأمريكي و العالمي .
أعتقد : لو أن الممثل " دانييل دي لويس " لم يُمنَح الأوسكار عام 2008 ، كأفضل ممثل رئيسي ، عن أدائه المذهل في هذا الفيلم ، لكانت أكاديمية علوم و فنون السينما قد أدخلت نفسها في ورطة تاريخية .
جديرٌ بالذكر أن أحد أضلاع " دانييل دي لويس " قد كُسِر أثناء تمثيله أحد مشاهد الفيلم الأخيرة .. في صالة البولينغ في منزل ( دانييل پلايڤنيو) .
لم يكن غريباً أن ينال الإنجليزي ــ إيرلندي الأصل ــ سير " دانييل دي لويس " جائزة الأوسكار ثلاثَ مرات كأفضل ممثل في دور رئيس ، إحداها عن دوره البارع في هذا الفيلم المدهش ( There Will Be Blood ) ، و قليلون جداً هم الممثلون الذي ينطوون على سحرٍ و حضورٍ طاغٍ على الشاشة كما هو عليه ، فكل حركة عين أو حركة عضلة وجه أو حركة جسدية تصدر منه هي درسٌ في التمثيل التي تؤكد حقيقة كونه ممثلاً من طراز نادر ، بل هو ممثلٌ عبقريٌ لا يوجد مثيلٌ له في تاريخ السينما.
في هذا الفيلم ، نتعرف عليه في شخصيةٍ غريبةِ التركيب ، جديدةٍ على السينما ، هي من صياغة مخرج الفيلم و واضع السيناريو له المخرج و الكاتب الأمريكي " پول توماس اندرسون " . إسم الشخصية في الفيلم هو ( دانييل پلايڤنيو ) ، و هو شخصٌ طموحٌ و جريءٌ و مُحبٌ للمال و جشع ، يكره الجميع في باطنيته ، رغم ادعائه حُبَّ الناس ، ملحدٌ و حاقدٌ على الكنيسة ، ولكنه من أجل تحقيق أهدافه يفعل النقيض ، لم يتزوج و لا يحب تكوين العائلة ، بل أنه هجر أهله ، و لديه حقدٌ على الجميع ، و هو قاتلٌ بدمٍ بارد . يقول في أحد مَشاهد الفيلم : ( أنظُرُ الى الناس أحياناً و لا أرى ما يستحق الإعجاب ، أريد جمعَ مالٍ كافٍ لأتمكن من الإبتعاد عن الجميع ) و يقول في المشهد ذاته : ( أرى أسوأ ما في الناس .. لا أحتاج سوى النظر اليهم لمعرفة كل ما أريد ، بنيتُ ضغائني على مدى السنين شيئاً فشيئاً ) . و ( دانييل پلايڤنيو ) هذا ، كان منقباً عن الفضة ثم تحول الى منقب عن النفط ، و راح يستثمر أراضي الفلاحين و يوسع استثماراته و يضخّم ثروته بصورة سريعة.
يبدأ الفيلم من نهاية القرن التاسع عشر ، تحديداً في العام 1898 ، اللقطة الأولى تقدم لنا صورةً لمنطقةٍ صخريةٍ موحشة ، لا كائن فيها سوى نباتاتٍ صغيرةٍ جافة ، ثم يظهر ( دانييل پلايڤنيو ) و هو يحفر تحت سطح الأرض في جدار صخري بمعوله ، و المكانُ معتم ، بحثأ عن الفضة ، و تُظهر المَشاهدُ الأولى الصعوباتِ و الأخطارَ و الآلامَ التي يتعرض لها ( پلايڤنيو ) ، لتؤكد إصرارَه على تحقيق طموحاته المتنامية اللاحقة . لكنه يظهر بعد أربع سنوات ، أي في العام 1902 ، و هو يحفر في بئرٍ لإستخراج النفط ، والحقيقة أن هذا ليس أول بئرٍ نفطي في أمريكا ، كما قد يتوهم المُشاهد ، فالبئر الأولى تم حفرها في العام 1859 في ولاية بنسلفانيا ، أما البئر الذي ظهر في الفيلم و الذي كان يحفره ( پلايڤنيو ) عام 1902 فيأتي بعد ازدهار صناعة النفط في أمريكا عام 1900 .
من بئره الأولى التي كان ( پلايڤنيو ) يحفرها تبدأُ دراما الفيلم ، حيث ينفتح بابُ طموحاته التي سيتصدى بالتحايل و التمظهر و المداهنة و العنف لكل من يقف في طريق تحقيقها . ففي العام 1911 تبدأ جولته في البحث عن حقول و تبدأ مخططاته الفعلية عندما ظهر أمامه فتىً اسمُهُ ( پول سانداي ) ليخبره ، بمقايضةٍ مالية ، عن مزرعةٍ في ( ليتل بوستن ) في مقاطعة ( ايزابيلا ) ، تعودُ لأهله ، فيها نفط ، فيذهبُ اليها بذريعة صيد طير ( السمّان ) ، و هناك سيتصدى له ( ايلي ) الذي هو توأم ( پول ) ، و قد أدى دورهما معاً الممثل الأمريكي " پول دانو " . و ( ايلي ) ، الذي هو راعي كنيسة القرية ، يقايضُ ( بلايڤنيو ) أيضاً بأن يدفع للكنيسة مقابل استثمار مزرعة العائلة ، فيشكل نداً مزعجاً لـ ( پلايڤنيو) .
الشخصيات المحورية الثلاث في الفيلم هي : ( دانييل بلايڤنيو ) و ( ايلي ساندي ) و ( ابن پلايڤنيو ) الذي مثل دوره في فترة الصبا " ديلون فريزير " . ولكن ( پلايڤنيو ) يجعل هذه القصة تنتهي مع هذين الشابين بمفاجأتين صادمتين لم تخطرا على بال المشاهد ، و كأننا أمام مفاجآت ألغاز قصص " أجاثا كريستي" .
شخصياً ، لستُ ميالاً الى ربط نزعات كلٍ من ( پلايڤنيو ) الدنيوية و ( ايلي ساندي ) الدينية بطروحات " نيتشة " ، كما حاول الناقد " براين إيجيرت " ، باعتبار أن تصرف ( پلايڤنيو ) يأتي تجسيداً لوجهات نظر " نيتشه " حول ( استخدام القوى الطبيعية للفرد لتحقيق مصلحته الشخصية ) ، فيما يأتي اندفاع ( ايلي ساندي ) مطابقاً لرأى " نيتشه " في اعتبار الدين كأداة أخرى لإزالة العقبات في طريق المرء ، ولكن هي أيضاً طريقة يستخدمها الضعفاء والعاجزون عن جعل الحياة أكثر تحملاً . و أعتقد أنه كلاهما لا يعرفان من هو " نيتشه " ، فإذا كان ( پلايڤنيو ) صريحاً ، في القول و الفعل ، بأنه ( أرضي ) ( دنيوي ) فإن ( ايلي ساندي ) نحى في النهاية ذات المنحى ، عندما دخل على ( پلايڤنيو ) الثمل في منزله ، متخلياً عن إيمانه ، لينتهي به الأمر الى تلك النهاية المفاجئة التي تتطابق كلياً مع نظرة و تعامل ( پلايڤنيو ) مع الآخرين.
يعكس هذا الفيلم الهوية الأمريكية ، بعد طيها صفحة حربها الأهلية ( 1861 ـ 1865 ) ذات الجذر التفاضلي العنصري ( الذي مازالت شظاياه متناثرة و قائمة ) ، و يعكس طبيعة النزعة الإستحواذية الأمريكية منذ اكتشاف النفط في أراضيها ، و يكشف في الوقت ذاته من خلال شخصية ( دانييل پلايڤنيو ) الشخصية الأمريكية .. على حقيقتها.
الفيلم من انتاج عام 2007 ، و أول عرض له كان في مهرجان برلين السينمائي الدولي ، حيث فاز بجائزة الدب الفضي لأفضل مخرج ، و إذ بلغت ميزانيته 25 مليون دولار ، فإن أرباحه بلغت 73 مليوناً . و الفيلم تم استقباله بحفاوة و اهتمام من قبل النقاد و الجمهور ، و نال استقبالاً كبيراً في صالات العرض السينمائي في العالم . و حصل على درجة 93% من الإشادة العالمية . و يمكن اعتبار الفيلم التقاطة لبداية تكوين الرأسمالية في سوق الإقتصاد الأمريكي و العالمي .
أعتقد : لو أن الممثل " دانييل دي لويس " لم يُمنَح الأوسكار عام 2008 ، كأفضل ممثل رئيسي ، عن أدائه المذهل في هذا الفيلم ، لكانت أكاديمية علوم و فنون السينما قد أدخلت نفسها في ورطة تاريخية .
جديرٌ بالذكر أن أحد أضلاع " دانييل دي لويس " قد كُسِر أثناء تمثيله أحد مشاهد الفيلم الأخيرة .. في صالة البولينغ في منزل ( دانييل پلايڤنيو) .