«زهرة حلب».. لماذا لا تكون «زهرة تونس»؟
تونس ـ انتصار دردير
ليس فقط مشهد النهاية الذي جاء مفجعا، حين تقتل سلمي برصاص ابنها بل الرحلة كلها التي قطعتها الام البطلة بحثا عن ابنها المراهق الذي انضم لتنظيم ارهابي وراح يقاتل في صفوفه في حلب المدينة السورية البائسة التي وقعت تحت براثن عدة تنظيمات ارهابية، تتوالي مشاهد فيلم «زهرة حلب» في جزئه الثاني في قسوة وعنف يستند لاطار تقليدي في معالجة السيناريو الذي كتبه المخرج رصا الباهي مع كاتبة السيناريو الممثلة ريا العجيبي.
ولا اعرف مدي توثيق المخرج من القضية التي يطرحها والتي تتعلق بانخراط بعض الشباب التونسي في صفوف الجهاديين، وهل صار الامر بالفعل يمثل ظاهرة بين الشباب العربي كما جاء في حوار الفيلم حيث يقول احد قواد داعش للبطلة احنا موجودين عندكم في تونس والجزائر والمغرب وفي كل مكان عشان نؤسس دولة الخلافة الاسلامية.
يكاد ينقسم الفيلم الي نصفين، النصف الاول نتعرف فيه علي مشكلة مراد الشاب ذو الـ18 عاما المتفجر حيوية، عازف الجيتار الذي يستعد لامتحانات البكالوريا ويرافق صديقته في تدريباتها الرياضية وامه الممرضة سلمي التي يعيش معها بعد انفصالها عن الأب الذي يبدو منفصلا جسدا وروحا عن ابنه، وحينما تستعين به الأم ليتحدث مع ابنه بعدما شعرت بضرورة تواجده لانقاذه، يلتقيه بالمقهي وتقع بينهما مشادة فيضربه أمام الناس وهو ما يفجر رغبة الابن في الذهاب للجهاد كما اوهمه بعض من جندوه في صفوفهم.
يمهد المخرج بمخاوف المجتمع التونسي من الارهاب حين يستفز احدهم من فاترينة محل تعرض ملابس النوم للسيدات فيتهجم علي المحل ويطالب العاملات برفع السلع من الفاترينة، ويتبني الابن مبادئ التنظيم فيطلب رفع هذه السلع ويهددهم بغلق المحل، وينتهي هذا الجزء بقرار الأم بالرحيل الي سوريا لتستعيد ابنها من براثن التنظيم الارهابي الذي انضم له.
يبدو هذا الجزء اكثر تماسكا وحبكة من الجزء الثاني الذي يصحبنا في رحلة البطلة التي تسعى إلي استعادة ابنها، ان الام المكلومة لاتري فيما تقوم به اي تضحية بل تراه واجبا في الوقت الذي يتهمها الأب بالجنون ويخبرها ان الابن هو الذي اختار ان يذهب اليهم وعليه ان يتحمل نتيجة اختياره.
يكشف هذا الجزء كواليس جماعة النصرة التي تضطر الام للانضمام لها بحثا عن ابنها، وتقوم بتضميد الجرحي منهم بحكم عملها.
سلمي الممرضة البسيطة التي لاتريد من رحلتها المحفوفة بالمخاطر والمفاجآت، سوي انقاذ ابنها، هي نموذج للام في كل زمان ومكان والتي لاتتواني عن التضحية بروحها في سبيل ابنها، يتم اختطافها من قبل قوات التنظيم الاسلامي داعش وتصفية من معها من جبهة النصرة، وتتعرض للاغتصاب علي ايدي جنود داعش، وبينما هم يتسامرون تمسك بالرشاش وتطلق النيران علي رجالهم الأربعة، بل وترتدي زي احدهم وتمسك سلاحه لتلقي حتفها علي يد ابنها في نهاية ميلودرامية فاقعة ارادها المخرج، ليؤكد خطورة ماهو قادم ويقول احذروا مما يحاك لنا والمصيدة التي تتربص بوقوع شبابنا فيها باسم الدين، واظنه جنح الي المباشرة في تلك الرسالة حتي تصل الي الجمهور بلا سفسطة.
ورغم بعض التفاوت في مستويات كتابة السيناريو والحوار من مشهد إلى آخر، وبعض المواقف والأحداث التي تهدف إلي إبتزاز عواطف المتلقي العادي، تتفوق عناصر التمثيل وتبلغ هند صبري درجة الاجادة في ادائها، حيث تتوحد مع شخصية سلمي وتظهر طوال الفيلم دون اي ماكياج فتبدو طبيعية تماما، وتقدم نموذجا قويا للمرأة التونسية تؤكد صلابتها، كذلك يظهر الشاب الذي يؤدي دور ابنها كخامه يمكن الاشتغال عليها وتطويرها مستقبلا وهو في الواقع ابن المخرج لكنه يملك موهبة وحضور، وكذلك تبرز الموسيقي التصويرية لعمرو علولو .
لكن يبقي التساؤل قائما في عنوان الفيلم «زهرة حلب»، والذي لم يتطرق للوضع السوري سوي في الجزئية التي تخص الأم التونسية وصراع الجماعات الارهابية داخل المدينة فيما يوحي اسمه انه فيلم عن سورية أو حلب، لكن اتصور ان الاجدر تسميته «زهرة تونس» لأن بطلته امرأة تونسية شجاعة بحق.