الروائي والشاعرالراحل "عادل محمود".. تأصيل قصيدة نثر بمذاق مختلف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الروائي والشاعرالراحل "عادل محمود".. تأصيل قصيدة نثر بمذاق مختلف

    الروائي والشاعر "عادل محمود" من بناة القصيدة الحديثة

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	تنزيل.jpg 
مشاهدات:	9 
الحجم:	114.8 كيلوبايت 
الهوية:	39923


    لا تكمن أهمية ما قدمه الشاعر والكاتب عادل محمود الذي رحل عن عالمنا منذ عدة أيام في نتاجه الشعري الغني فحسب، بل إنه أحد أكثر الشعراء السوريين المعاصرين الذين نظروا للقصيدة الحديثة، وصنعوا لها أفقاً خاصاً به بعيداً عن أي تقليد.
    نبذة عنه
    هو شاعر وروائي سوري مخضرم من مواليد قرية عين البوم التابعة لمحافظة اللاذقية (الحفة) عام 1946، عمل محررا في مجلة الطليعة من عام 1968، وفي عام 1983 غادر بلاده حيث عاش في قبرص ويوغسلافيا وتونس، ليعود عام 1994 إلى دمشق.في عام 2007 حصل على جائزة دبي الثقافية للإبداع في مجال الرواية حيث حقق المركز الأول.
    صدر له :
    "قمصان زرقاء للجثث الفاخرة" 1979
    “ضفتاه من حجر” (1981)
    “مسودات عن العالم” (1982)
    “استعارة مكان” (2000)
    “حزن معصوم عن الخطأ” (2003).
    "انتبه إلى ربما" 2006
    رواية "إلى الأبد و... يوم" 2007
    "القبائل" مجموعة قصصية 2008
    ديوان "بريد الغرباء، كلمات وصور" كتاب يحتوي مقالات صحفية 2008
    ديوان "الليل أفضل أنواع الإنسان" 2015.
    .................
    فسيفساء عيش وتمارين كتابة عصيّة على التجنيس النهائي. إتلاف مجموعته القصصية الأولى «القبائل» بعد طباعتها، قاده إلى الشعر، لينضم إلى كوكبة من شعراء قصيدة النثر في موجتها الثانية، فكانت مجموعته الأولى «قمصان زرقاء للجثث الفاخرة» (1979) أشبه بثمرة بريّة في مذاقها ونبرتها الخاصة. سيطوّر تجربته على مراحل بانعطافات مباغتة نحو أجناس إبداعية مختلفة. عدا نزهاته السردية الطليقة في «ضمير المتكلّم»، و«بريد الغرباء»، و«الموت أقدم عاصمة في التاريخ»، التفت متأخراً إلى الرواية مازجاً السيرة الذاتية بالسرد الشعري في «إلى الأبد ويوم»، ليحصد «جائزة مجلة دبي الثقافية» (2007)، وأتبعها برواية «شكر للندم».
    ثم تأتي روايته الثالثة «قطعة جحيم لهذه الجنّة» التي يناوش خلالها الجحيم السوري الراهن من وجهة نظر مختلفة، متكئاً على وقائع شهدها عن كثب، وكاد أن يكون ضحية موتٍ محقّق أكثر من مرّة، لكنه كان ينجو بمعجزة، ربما كي يروي لنا ما في جعبته من أسرار مؤجلة، وغَلَيان، ذلك أن الكائن البشري- كما يقول- يتميّز عن إبريق الشاي بأنه يغلي لمجرد معرفته أنه سيوضع على النار.
    ينفي صاحب «حزن معصوم عن الخطأ» بأنه روائي بدمغة نهائية، إنما هو صاحب نزوة روائية، أو لجوء مؤقت إلى أرض الحكاية لتفريغ جعبته من فائض الشعر والسيرة المؤجلة، وشجن شاعر «يتدرّب يومياً على قبره». في كتابه الجديد «الموت أقدم عاصمة في التاريخ» تجوال من نوع آخر، عن الموت، والحروب، والمنافي، والكتب، وشجن الفقدان، وخيانة المثقف، وعن «مديح التوحّش»، و«ثقافة عدم الاكتراث». يوميات عن الجحيم السوري، وطيران حرّ في أرض الحكمة. هذه المشهديات ستكون المادة الخام التي سيحيك منها لاحقاً، خيوط روايته بمغزلٍ آخر، كشهادة فردية في تشريح معنى العار البشري، والانتباه إلى الفرق بين مقبرة وحديقة، وحب وحرب، وعاصفة وعاطفة، ومسرحة ومشرحة، وحربة وحرية. عطب الرئة وقلة الأوكسجين جعلا منه مشّاءً يتأبط كتابه على الدوام، يقرأ في المسافة الفاصلة بين شارعين غير عابئ بضجيج الأرصفة وهدير الطائرات وحفر الطريق. يراكم أفكاراً تعينه على الوضوح وقوة البصيرة والكثافة إلى الدرجة التي قادته إلى اختزال أعماله الشعرية بكتاب صغير الحجم بعنوان «أنا بريء كسراب»، كنوع من الدفاع الشرس عن «الأعمال الناقصة» بوصفها جوهر التجربة الجمالية.

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	1667890208504.png 
مشاهدات:	15 
الحجم:	979.3 كيلوبايت 
الهوية:	39924
    ..........................
    التقاه خليل صويلح في جريدة الأخبار لحظة نفض يديه من حبر المسودة النهائية لروايته الجديدة، وتسلمه النسخة الأولى من كتابه «الموت أقدم عاصمة في التاريخ» («دار التكوين» ــــ دمشق) وكان هذا الحوار :
    ■ يتماهى عنوان كتابك الجديد «الموت أقدم عاصمة في التاريخ» مع اسم دمشق، هل أصبحت دمشق معادلاً لصورة الموت؟
    بشكلٍ ما، لقد توارى اسم دمشق لمصلحة عنوان أشد ضراوة وفتكاً هو الموت. الموت ليس بوصفه شيئاً مخيفاً، بل بما يخلّفه من أسى، وبما يذبل في داخلك بسبب الفقدان، ونهاية فرص سعادة مع الآخرين بغيابهم. لكن الموت في نصوصي لا يحمل الصفات البشعة كقابض أرواح، بل دعوة للتشبث بجماليات الحياة، بالمزح معه ورفع الكلفة. كثيراً ما تخيّلت شكل موتي، إنه يتجوّل معي على الدوام، ولست متضرراً من هذه الألفة، أحاول نسيانه ببروفات يومية، ثم ليس سهلاً أن تعيش 70 سنة، إنها نوع من البطولة العبثية. شخصياً «شفت الموت بعيني» أكثر من مرّة، وكانت فرص النجاة صفر. مرّة في الحرب الأهلية اللبنانية ولم أصب، ومرّة عند حاجز أمني أطلقوا على سيارتي في العتمة 9 رصاصات ونجوت، ومرّة كنت عائداً إلى دمشق، وكان عليّ أن أسلك طريق القنص بين الجثث، وبسرعة، فيما أحرّك رأسي يميناً ويساراً، أماماً وخلفاً كبندول الساعة، لأجعل مهمة القنّاص صعبة. باختصار، فإن الموت يقوم بمهمة «قطع سياق»، ربما لست مستعداً له تماماً. سأذكر شيئاً آخر يتعلّق بفكرة الموت. لديّ دفتر أسجّل فيه أسماء الموتى المشهورين، سواء أكانوا أصدقاء أم لا، وقد اكتشفت بأنني قد ملأت عشر صفحات كاملة، وتالياً فإن الموت لا يحتاج إلى فلسفة فائضة، فهو من مفردات الحياة التي لا يمكن تجاهلها. شخصيّاً، تعوّدت على كل أنواع الغياب، بعدما فقدت من أحببت. لقد أصبحت أنا الغائب.
    ■ تنتسب إلى جيل السبعينيات الشعري بأطروحاته الراديكالية شعرياً وايديولوجياً، لكنك ستكتب أخيراً عن مهنة اسمها «سقاية السراب»، هل كنتم ضحية حلم مجهض؟
    انتبهت باكراً إلى هشاشة هذا الحلم، فهو لم يكن متيناً في الأساس، ولا فرق واضحاً بينه وبين الكابوس، أن تعيش القمع وتحلم بالحرية. لنقل إنّ هناك مشكلة تنفيذية، نظراً إلى عدم نضج أدوات التغيير. كان على يسارييّ السبعينيات أن يفكّروا بطرق متدرجة لتحسين صفات الواقع، وشروط العيش. الأطروحات الراديكالية التي لجأ إليها اليسار حينذاك، استفزت السلطة، فلجأت في المقابل إلى راديكالية القمع وضخّمت خطورة الأطروحة اليسارية، خصوصاً بعد منتصف الثمانينيات وصعود جماعة الإخوان المسلمين، مما سهّل عمل الأجهزة بتغطية القمع، إلى درجة أنه أصبح صفة ملازمة للدولة، من دون أن ننسى ورطة اليسار بالتواطؤ مع جهات خارجية لم تنفّذ وعودها. كنت أعلم بأن هذا الحلم مستحيل وسيفشل، لذلك لم أنغمس فيه بعمق، بتجنّب دفع الثمن بالاعتقال. الآخرون وقعوا ضحية نقص في تأهيل حاسة الحذر لديهم. عموماً، كنت منخرطاً في الحلم ثقافياً لا سياسياً.
    «قطعة جحيم لهذه الجنّة» يناوش فيها الجحيم السوري الراهن من وجهة نظر مختلفة

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	1080x1000-2022071122-1019157474.jpg 
مشاهدات:	14 
الحجم:	134.4 كيلوبايت 
الهوية:	39925
    ■ لكن جيل السبعينيات أنجز مشروعاً شعرياً لافتاً في الفترة نفسها، وكنت أحد أعمدته في تأصيل قصيدة نثر بمذاق مختلف، كما في مجموعتك الشعرية الأولى «قمصان زرقاء للجثث الفاخرة» وما تلاها؟
    لجوئي إلى كتابة قصيدة النثر أتى كتعويض عن التكرار الممل للشعر الإيقاعي، سواء أكان تفعيلياً أم عمودياً. ليس معقولاً أن يخضع الشعر لاستبداد الشكل في لحظة نزوع للحرية في التعبير. صعوبة قصيدة النثر وربما ميزتها في أن فضيحتها لا تحتاج إلى فحص من خارجها، ولا إلى جدران استنادية كالإيقاع مثلاً، فهي قصيدة عزلاء لا تعيش إذا لم تكن مشحونة من الداخل بما يكفل صمودها، وهذا ما سعينا كتيار حينذاك لتأصيله جمالياً وربما طليعياً.
    ■ ألم يطح شعراء الفايسبوك بمنجز قصيدة النثر لجهة تعميم الرداءة والركاكة؟
    لا أظن. امتياز موقع الفايسبوك أنه أرض خلاء للحرية أتاح الكتابة للجميع. لا تنس أن الحرية أساسها فوضى، ثم تقوم لاحقاً بتنظيف نفسها من الشوائب. حين أقرأ نصاً لافتاً لأحدهم، أجد اهتماماً موازياً من بقية القرّاء، بمعنى أن الفايسبوك لا يسهم في تكريس ذائقة الرداءة بقدر ما يقوم بتوسيع دائرة المهتمين بالشعر. هناك ثلاثة حقول لا تتحمّل الرداءة أو الغش، هي الشعر والعطر والخمر، ولن تجد صعوبة في فرز الجيد من السيئ، فهنا لا منطقة وسطى على الإطلاق. ووفقاً لهذا المقياس، لا خطر على الشعر.
    ■ لم تهجر الشعر تماماً، ولم تنخرط في كتابة الرواية كليّاً، ما حكاية هذا التجوال؟
    أنا شاعر يكتب رواية بين فترة وأخرى كنوع من النزوات العابرة لا أكثر، هي نوع من العلاج، وتالياً لا أطمح إلى رسالة أو تحسين شرط إنساني أو تخليد اسمي الشخصي. ربما كان الأمر إرضاء لفضولي في سرد ما لديّ من حكايات وتجارب بذاكرة استعادية لكل المحطات النوعية التي مررت بها، كما لو أنني أكتب سيرة ذاتية مطعّمة بسيرة افتراضية. وعلى هذا الأساس، بإمكانك القول إنني موجود هنا ولست موجوداً هناك.
    الرواية إذاً، لن تكون مهنتي، أستمتع بكتابتها كسرد شخصي، بصرف النظر عن أعبائها التقنيّة، ونسج خيوطها ثم تفكيكها وحياكتها مجدّداً، وتصحيحها. أشتغل على هواي. لذلك تأتي غالباً كنسخة نهائية، أكتبها بما يشبه الحمّى بأيام وليس بأشهر أو سنوات، كما يفعل الآخرون. بمعنى آخر، فإن الرواية تحتاج إلى طبائع شخصية، وهدف يستحق العناء وهو غير متوفّر لدي، لقناعتي بأنه لا ثيمات روائية خارج التجربة الشخصيّة. ومن هذا الباب استغرب حقاً أن يكتب الآخرون عشرات الروايات، فأنا لست كاتباً بوليسياً مثل جورج سيمنون مثلاً، كي أكتب 70 رواية، لأجل متعة ركّاب القطارات، ولست متعهد رحلات، ثم ليس لدينا ركّاب يقرؤون في القطارات، إذا لم أجازف بالقول: ليس لدينا ثقافة قراءة في الأصل. في الشعر، تختلف الصورة، فهو بالنسبة إليّ حالة انتباه، وجزء من طبيعتي الشخصيّة في التقاط ما هو غير ملوّث، ذلك أنّ الشعر لا ينمو في المستنقعات، إنما هو نزوع نحو ما هو ناصع ونظيف مثل الموسيقى، الموسيقى التي تغيّر شيئاً ما بداخلك، من دون أن تعرف السبب بدقّة.
يعمل...
X