النقد الثقافي والنقد الأدبي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • النقد الثقافي والنقد الأدبي



    النقد الثقافي والنقد الأدبي

    د.إبراهيم السعافين - الأردن

    يجري على ألسنة النقّاد وطلاب الأدب هذه الأيام الحديث عن النقد الثقافي، وكأنه بدعة العصر مما يذكرنا بأيام خلت حين كانت البنيوية تخلب ألباب النقاد والمتأدبين، وتقاس حداثة المعرفة النقدية وجدارتها بأن يلهج الناقد أو المتأدب بما تيسر له منها، وربما تعود بي الذاكرة إلى أيام الطلب الأولى حين كان الطلاب الساعون إلى امتلاك المعرفة الحقة يتأبطون ما أسعفهم المال والظروف عددا من مؤلفات الوجوديين من أمثال سارتر وكامي ومورافيا ودي بوفوار وكولن ولسن.�والحقّ أن مواكبة مستجدات المعرفة ومجاراة مستحدثات العصر أمر يستحق التنويه والتقدير، في زمن يتراجع فيه سوق الكتاب ويقل الاهتمام بالشأن الثقافي بين طلاب الثقافة، بل بين المثقفين أنفسهم، بيد أن الأمر الذي نقف عنده هو الاحتفال بكل ما يصل إلينا دون وقفة تأمل، تُراكم المعرفة وتعظم الحوار، وتجعل المدارس والاتجاهات والمناهج والنظريات والأفكار متحاورة متجادلة متناسلة بمحاولة توطينها في البيئة والثقافة والحضارة، لتصبح في دائرة الحوار والجدل والنقاش، مما ينتج شيئاً من الفهم المشترك الذي يقود إلى تطوير الأفكار والآراء على قاعدة الحاجة إلى تطوير مفاهيمنا وأدواتنا ومناهجنا من خلال منهجنا الثقافي بشكل عام.�لعل من المهم أن نقف عند علاقة النقد الثقافي بالنقد الأدبي، وهل يمكن الجمع بينهما، أو أن بينهما انفصاماً لا يرجى بعده اللقاء بله الاتفاق؟ لم يكن الأدب ظاهرة خارج الثقافة في يوم من الأيام، بل كان الأدب في بؤرة الثقافة، وكانت المقتربات التي تعاين الأدب تستعين بمجال الدراسات الثقافية، من مثل علم النفس وعلم الاجتماع والأثروبولوجيا والفلسفة ونظرية الفن وعلوم الاتصال. ففي القرن التاسع عشر حين طغت المناهج السياقية كان الأدب في نظر الجماليين محض وثائق في خدمة مجالات خارج الأدب. ولعل النقد الشكلي هجم على الأدب بأشرس الأدوات حتى بدا النص لعبة شكلية مغلقة يقف الدارس أمامها حائراً وكأنه يتأمل لعبة شكلية.�بعيداً عن الحجاج الذي لا طائل تحته، نقول إن الأدب هو الأدب، وإن مجالات العلوم الإنسانية المختلفة تتحدد بحدود سياقاتها المعرفية وتتمدد في إطار الحقل الثقافي العام، وإذا أردنا الحديث عن نقد ثقافي فإن ما يعني دارس اللغة والأدب أن يتعين هذا النقد في النص الأدبي، وليس ممكناً بعد ذلك من دراسة الجانب الذي يهتم به النص الأدبي، فهل يمكن أن نعد النص أدبياً ما لم يتضمن الخصائص الجمالية للأدب؟.�إذا كان ذلك كذلك فإن أدب الضعف والقوة، وأدب المهمشين والسود والشواذ، والأدب النسوي والنسوية والجنوسة والتاريخانية الجديدة لا تُدرس في النقد الثقافي إلا من خلال النقد الأدبي والنص الأدبي. أما توسيع النقد الثقافي ليشمل وسائل الاتصال والأفلام والإعلان والنكتة والفولكلور والطقوس الشعبية والاحتفالات ولعبة كرة القدم أو الألعاب الشعبية المختلفة ونحو ذلك، فهو أمر لا أحد يماري فيه حين يتضح منهجه وغايته.�فما للعبة كرة القدم والطقوس والاحتفالات علاقة بالنص الأدبي إلا حين تكون جزءاً من بناء لغوي فني من صميم النص. إن جماليات النص يجب ألاّ تكون مسوغاً لإلغاء المضمون ومنه الأنساق المضمرة وغير المضمرة، وإن افتعال خصومة بين الثقافي والجمالي لا أحسبها إلا مماحكة نتلهى بها عن مشكلاتنا الكبرى في حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكم عانت الحركة الأدبية والثقافية من نرجسية الشريحة المثقفة حين أعلنت الحرب على الرسالة والمضمون، وجعلت النص الأدبي مغلقاً على شبكة العلاقات اللغوية بوصفه بنية جمالية.�إننا نعلن الحرب على الشاعر الفحل وأنساق الفحولة في السياسة والاجتماع والثقافة، وننسى أحياناً أننا نسعى بنرجسية عجيبة، لا تسندها إنجازات حقيقية أصيلة، إلى صناعة الناقد الفحل!.
يعمل...
X