الفائز ببرونزية «قرطاج السينمائي» .. أفقد رواية صنع الله إبراهيم جمالياتها
في نوفمبر 6, 2022
تونس ـ «سينماتوغراف» : حنان مبروك
قبل نحو ستة وعشرين عاماً، صدرت رواية “شرف” للمؤلف المصري الشهير صنع الله إبراهيم ، لتلفت الانتباه إلى تحليله العميق لواقع السجون العربية، حتى أنه تم تصنيفها كثالث أحسن رواية في قائمة أفضل مئة رواية عربية، وفيها يراوح الكاتب بين عالم السجون المتخيل والمعاش، حيث كان سجين رأي لفترات متباعدة ومتكررة.
بعد عقدين من الزمن، اختار المخرج المصري سمير نصر أن يعيد الاشتغال على الرواية، وتحديداً على جزء منها، ويقدمه في معالجة سينمائية روائية شاركه في صياغتها مؤلف الرواية، ولم يكتف الثنائي بالتنويه بأن فيلم “شرف” هو مقتبس من الرواية، بل أكد أنه دعوة لعيش الحياة والالتفات إلى الواقع الذي يستحق العيش والنقد والتحليل أكثر من عالم الخيال الروائي.
ويقوم ببطولة فيلم “شرف” الممثلون أحمد المنيراوي، فادي أبي سمرة، خالد هويسة، رضا بوقديدة، توفيق البحري، وآخرون، لكن بشكل عام فإن طاقم التمثيل من تونس ومصر ولبنان وفلسطين.
تطلب إنجاز الفيلم من مخرجه سمير نصر، الاشتغال عليه لمدة سبع سنوات، حيث لم يجد منتجاً يؤمن بأهمية العمل السينمائي إلا بعد جهد وعناء مكناه أخيراً من أن ينتج فيلماً سينمائياً، يقول عنه هو إنه ليس اقتباساً حرفياً لرواية صنع الله إبراهيم، في حين يبدو مقاربا لها حد التطابق.
وتناول سمير نصر خلال الفيلم، صعوبة الحياة وراء القضبان من خلال قصة شرف، الشاب الذي يدخل السجن بعد جريمة دفاع عن النفس. وفي رحلة شرف داخل السجن يكتشف طبيعة شخصيته، اضطراباته، مخاوفه، كما يكتشف الآخر باعتباره صورة مصغرة عن المجتمع، ويتعامل مع السجن بصفته نموذجاً من الواقع بكل تجلياته.
ولا يبتعد الفيلم بالفعل عن الرواية، بل هو إعادة إحياء لها في ذاكرة القراء، قد يستفزهم الفيلم للبحث عنها وقراءتها.
وفي الفيلم كما في الرواية، يحضر أشرف عبد العزيز سليمان أو “شرف“، بطل الفيلم الذي هو شاب في أوائل العشرين من عمره، من أسرة من الطبقة المتوسطة التي شوهت حياتها بعوامل الانفتاح الاقتصادي ونظام السوق الحرة والخصخصة والعولمة والسياسات النيوليبرالية، يحمله دفاعه عن شرفه إلى السجن في جريمة قتل، وهناك يكتشف عالم الفساد والرشاوى وأنواع انتهاك الحقوق البشرية.
يمثل عالم شرف في السجن مرآة عاكسة للدنيا في الخارج المتوزعة بين طبقات مالكة وغير مالكة، حيث تتحكم الرشوة والمحسوبية في الحياة، إذ ينتقل من العنبر الشعبي المضطهد إلى العنبر الملكي أين يعيش المفكرون والأغنياء وأصحاب الجاه من المحكومين، وهناك يتعرف الشاب الساذج على مفكر وباحث، إنه الدكتور “رمزي” (فادي أبي سمرة) الذي حملته أفكاره المنددة بتجاوزات الشركات العالمية المتخصصة في الأدوية وتجاربها غير القانونية على البشر، إلى السجن المؤبد، في قضية كيدية محكمة التنفيذ، فيحاول أن يكون صوت المظلومين والمقهورين، وصوت الحق والحقيقة، لينير بصائر المساجين ويطور وعيهم بمجريات الأحداث من حولهم.
ويحافظ الفيلم على صورة البطل الإشكالي، وعلى العقدة منذ البداية، حيث يبدأ بمشهد دخول البطل صاحب المشكلة مجهولة التفاصيل إلى السجن، لتتصاعد العقدة تدريجياً على أن تتفكك في آخر مشهد حيث يختار شرف الذي دخل السجن دفاعا عن شرفه أن يفرط فيه مقابل أن يعيش داخل السجن في مستوى جيد، وهو في حقيقة الأمر انعكاس لـ”سجن الحياة” الذي قد يجبر الإنسان على أن يضحي بكل قيمه ومبادئه ليضمن له حياة مرفهة.
ويظل البطل الإشكالي طوال الفيلم شخصية مركزية للأحداث داخل السجن، الذي يبدو كخلفية مثالية تعرض للمشاهد مواضيع الفساد والنفاق والإحباط الجنسي والبلطجة والتعصب الديني والشعوذة دون أي بصيص من نور أو أمل في شخصية إيجابية كنموذج يخلق التوازن في السجن وفي الحياة وفي الفيلم عدا شخصية الدكتور رمزي.
كما يتخلى المخرج سمير نصر في الفيلم عن صورة البطل الإيجابي، ليصدم المشاهد بصورة غير متوقعة لكنها الأقرب للواقع المعاش في العالم العربي، فالحالة الإيجابية لم تعد مقبولة في الأعمال الفنية كما في الواقع الذي تسيطر عليه الحروب والنزاعات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
رغم أن الممثلين المشاركين في الفيلم وفي مقدمتهم البطلان شرف ورمزي (أحمد المنيراوي وفادي أبي سمرة) أبديا قدرات كبيرة على التمثيل وتمكنا من أدواتهما ومواهبهما، مع الأخذ في الاعتبار أن المنيراوي يمثل أول دور في مسيرته، إلا أن الفيلم جاء أقرب إلى المعالجة السطحية والبسيطة جداً للرواية، فهو داخل سجن ككل السجون العربية، لا جديد فيه، ولا جديد يقدمه، ورغم ذلك فاز بجائزة أفضل ديكور