إعادة إنتاج أفلام قديمة، إفلاس أم ستراتيجية نجاح؟
هذا موضوع شائك للغاية ومن الصعب تحديد ملامحه كاملة.
أبدأ بذكر حقيقة ثابتة وهي أن الأفلام الأميركية لا سيما أفلام هوليوود حققت منذ بداياتها نجاحا باهرا في مختلف أنحاء العالم وبطريقة لا ولم ينافسها فيها أحد حتى الآن. ومع ذلك، تبدو اليوم كمن يقف على قمة جبل ينظر بعيدا إلى الطريق الذي قطعه إلى هذه القمة ويعيد تصور ما حدث له والخطوات التي خطاها. بالاختصار تبدو هوليوود كمن وصل إلى نهاية الطريق ولا مناص من الهبوط مجددا.
لا يتفق الجميع مع هذا الكلام إذ يؤيد البعض مسار هذه المؤسسة الضخمة حاليا وميلها إلى إعادة إنتاج عشرات الأفلام القديمة، فيما ينتقدها آخرون بقسوة ويشمتون بإفلاسها الفكري والإبداعي.
حتى قبل أربعين عاما تقريبا، كانت كل الأفلام التي تعرض حديثة على صعيد الإنتاج والفكرة، أما ما يحدث الآن فهو العكس تماما، ويبدو مثل عملية اجترار.
فما هي الأسباب؟
يعتقد البعض أن هوليوود مفلسة وأن صندوق أفكارها فرغ من محتوياته فيما يتحدث آخرون عن مرض كسل هائل أصاب عضلاتها وأطرافها الفاعلة. ويشير آخرون إلى حالة حنين إلى ماض جميل فيما يثير البعض الآخر مسائل مالية تقف وراء إعادة إنتاج هذا الماضي الجميل.
هناك أيضا من يعزو الأمر إلى حالة تنافس حقيقية وشرسة تقوم حاليا بين شركات الإنتاج الضخمة في هوليوود وشركات إنتاج الأفلام المستقلة. فهؤلاء المستقلون المتمردون المغامرون لا ينفقون الكثير على أفلامهم إذ يمكن صناعة فيلم حاليا بمبلغ أولي لا يتجاوز عشرة آلاف دولار وبالتالي فهم لا يخسرون الكثير لو فشلت أفلامهم وهم أكثر جرأة في الطرح. أضف إلى ذلك سهولة التعريف بأفلامهم لوجود الإنترنيت التي منحتهم فرصة هائلة للانتشار رغما عن أنوف شركات الإنتاج الضخمة.
وفي الجانب المقابل نرى أصحاب رؤوس الأموال والستوديوهات الضخمة أقل جرأة في المجازفة بكثير فالكل يعرف أن رأس المال جبان. ولذا يعمد هؤلاء الكبار إلى ما يعتقدون أنه وصفة جاهزة لا تحتمل الخطأ فيعيدون إنتاج أفكار وأعمال سابقة مضمونة النجاح لأنها نجحت عند عرضها أول مرة وهي لا تحتاج إلى تسويق ودعاية ضخمين لأن المشاهدين يعرفون التفاصيل مسبقا ويمكن الاكتفاء بالإعلان عن إعادة إنتاج عمل معين وتحديد موعد لعرضه لا غير. ولكن هذه الشركات تضيف إلى هذه الإعادات عنصرا جديدا لا يمكن لأي شركة إنتاج مستقلة أن تستخدمه وهو التكنولوجيا المتطورة للغاية التي تمنح الأفلام جمالية خاصة يعشقها كثيرون ولا يمكن لأحد تقليدها.
هناك جانب لا يمكن تجاهله وهو أن إعادة إنتاج أفلام قديمة قد يجد مبررا مهما له وهو الجانب التقني. فأفلام الماضي رغم نجاحها وانبهار المشاهدين بها ورغم عمق الأفكار التي تطرحها، أصبحت اليوم بعيدة كل البعد عن التكنولوجيا الحديثة التي تعيد خلق كل شيء بطريقة مختلفة. وينطبق هذا على نوع التصوير وأجهزته الحديثة ثم على المونتاج ودقته وعلى أجهزة الصوت والإنارة والألوان والمؤثرات البصرية والصوتية وكل ما يمكن استخدامه لإنتاج عمل حديث للغاية كانت الأفلام القديمة تفتقد إليه خاصة تلك التي أُنتجت في فترة الأبيض والأسود.
ومع ذلك، لا يمكن التأكد من تقبل كل متابعي الأعمال السينمائية الأعمالَ الجديدة معادةَ الإنتاج. إذ لا يحب الكل مشاهدة فيلم جديد قد يدمر بالنتيجة جمال الفيلم القديم وصورته في الذاكرة. وهذا ما لوحظ عند الإعلان مثلا عن إعادة إنتاج فيلم "قصة الحي الغربي" الذي حقق نجاحا هائلا عند عرضه في عام 1961 وتألقت فيه ناتالي وود وحصل على عشر جوائز أوسكار وقصته مأخوذة من رواية روميو وجولييت لشكسبير. الفيلم الجديد من إخراج ستيفن سبيلبيرغ حقق بالفعل نجاحا ولكن لا يمكن مقارنته بنجاح النسخة الأولى.
هناك أيضا جانب آخر وهو حرص هوليوود على إعادة إنتاج أفلام أجنبية ناجحة، بل وحتى أفلام كارتون أجنبية ناجحة، لا سيما الآسيوية منها. ويكمن وراء هذا سبب مهم وهو أن غالبية المشاهدين لا يستمتعون بأفلام تتحدث بلغات أخرى ولا يحبون الاكتفاء بقراءة الترجمة المرافقة لها. أغلب المشاهدين الغربيين، لا سيما الأميركيون منهم، ينفرون من هذا الأمر وربما كان أفضل دليل على ذلك فيلم بارازايت الذي حصل على أوسكار أفضل فيلم في عام 2020 ولكنه واجه رفضا شعبيا من جانب المشاهدين لأن لغته مختلفة .. لا غير !!!
في نهاية الأمر قال أحدهم: "إن صنعت كعكة جيدة فما المانع من إعادة صناعتها مرات ومرات. إنها قصة نجاح" ولكن هل ينطبق هذا الكلام على السينما والأفلام؟
يرى البعض أنه يعبر عن انهيارات داخلية وإفلاسات واضحة حتى لو نجحت الستوديوهات الكبرى في تحقيق أرباح مالية ضخمة بهذه الإعادات لأنها بالنتيجة ستدمر في المستقبل أي توجه نحو التجديد والإبداع. وتلك حالة خطيرة للغاية.
كل ما سبق ذكره هنا هي أسباب حدت بالمسؤولين في هوليوود نحو هذه الإعادات وربما كان السبب الأبرز هو الحرص على تحقيق أعلى ما يمكن من أرباح. ونلاحظ هنا أن بعض أفلام الإعادة تحقق بالفعل مكاسب هائلة مثل فيلم "الملك الأسد" من إنتاج والت ديزني والذي حقق 1.6 مليار دولار في شباك التذاكر.
من الأفلام الأخرى المعادة "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" المُنتج في عام 1930 اعتمادا على رواية صدرت في عام 1928، وهو عن الحرب العالمية الأولى.
إليكم عرضه الدعائي
https://youtu.be/qFqgmaO15x4
سينما العالم
هذا موضوع شائك للغاية ومن الصعب تحديد ملامحه كاملة.
أبدأ بذكر حقيقة ثابتة وهي أن الأفلام الأميركية لا سيما أفلام هوليوود حققت منذ بداياتها نجاحا باهرا في مختلف أنحاء العالم وبطريقة لا ولم ينافسها فيها أحد حتى الآن. ومع ذلك، تبدو اليوم كمن يقف على قمة جبل ينظر بعيدا إلى الطريق الذي قطعه إلى هذه القمة ويعيد تصور ما حدث له والخطوات التي خطاها. بالاختصار تبدو هوليوود كمن وصل إلى نهاية الطريق ولا مناص من الهبوط مجددا.
لا يتفق الجميع مع هذا الكلام إذ يؤيد البعض مسار هذه المؤسسة الضخمة حاليا وميلها إلى إعادة إنتاج عشرات الأفلام القديمة، فيما ينتقدها آخرون بقسوة ويشمتون بإفلاسها الفكري والإبداعي.
حتى قبل أربعين عاما تقريبا، كانت كل الأفلام التي تعرض حديثة على صعيد الإنتاج والفكرة، أما ما يحدث الآن فهو العكس تماما، ويبدو مثل عملية اجترار.
فما هي الأسباب؟
يعتقد البعض أن هوليوود مفلسة وأن صندوق أفكارها فرغ من محتوياته فيما يتحدث آخرون عن مرض كسل هائل أصاب عضلاتها وأطرافها الفاعلة. ويشير آخرون إلى حالة حنين إلى ماض جميل فيما يثير البعض الآخر مسائل مالية تقف وراء إعادة إنتاج هذا الماضي الجميل.
هناك أيضا من يعزو الأمر إلى حالة تنافس حقيقية وشرسة تقوم حاليا بين شركات الإنتاج الضخمة في هوليوود وشركات إنتاج الأفلام المستقلة. فهؤلاء المستقلون المتمردون المغامرون لا ينفقون الكثير على أفلامهم إذ يمكن صناعة فيلم حاليا بمبلغ أولي لا يتجاوز عشرة آلاف دولار وبالتالي فهم لا يخسرون الكثير لو فشلت أفلامهم وهم أكثر جرأة في الطرح. أضف إلى ذلك سهولة التعريف بأفلامهم لوجود الإنترنيت التي منحتهم فرصة هائلة للانتشار رغما عن أنوف شركات الإنتاج الضخمة.
وفي الجانب المقابل نرى أصحاب رؤوس الأموال والستوديوهات الضخمة أقل جرأة في المجازفة بكثير فالكل يعرف أن رأس المال جبان. ولذا يعمد هؤلاء الكبار إلى ما يعتقدون أنه وصفة جاهزة لا تحتمل الخطأ فيعيدون إنتاج أفكار وأعمال سابقة مضمونة النجاح لأنها نجحت عند عرضها أول مرة وهي لا تحتاج إلى تسويق ودعاية ضخمين لأن المشاهدين يعرفون التفاصيل مسبقا ويمكن الاكتفاء بالإعلان عن إعادة إنتاج عمل معين وتحديد موعد لعرضه لا غير. ولكن هذه الشركات تضيف إلى هذه الإعادات عنصرا جديدا لا يمكن لأي شركة إنتاج مستقلة أن تستخدمه وهو التكنولوجيا المتطورة للغاية التي تمنح الأفلام جمالية خاصة يعشقها كثيرون ولا يمكن لأحد تقليدها.
هناك جانب لا يمكن تجاهله وهو أن إعادة إنتاج أفلام قديمة قد يجد مبررا مهما له وهو الجانب التقني. فأفلام الماضي رغم نجاحها وانبهار المشاهدين بها ورغم عمق الأفكار التي تطرحها، أصبحت اليوم بعيدة كل البعد عن التكنولوجيا الحديثة التي تعيد خلق كل شيء بطريقة مختلفة. وينطبق هذا على نوع التصوير وأجهزته الحديثة ثم على المونتاج ودقته وعلى أجهزة الصوت والإنارة والألوان والمؤثرات البصرية والصوتية وكل ما يمكن استخدامه لإنتاج عمل حديث للغاية كانت الأفلام القديمة تفتقد إليه خاصة تلك التي أُنتجت في فترة الأبيض والأسود.
ومع ذلك، لا يمكن التأكد من تقبل كل متابعي الأعمال السينمائية الأعمالَ الجديدة معادةَ الإنتاج. إذ لا يحب الكل مشاهدة فيلم جديد قد يدمر بالنتيجة جمال الفيلم القديم وصورته في الذاكرة. وهذا ما لوحظ عند الإعلان مثلا عن إعادة إنتاج فيلم "قصة الحي الغربي" الذي حقق نجاحا هائلا عند عرضه في عام 1961 وتألقت فيه ناتالي وود وحصل على عشر جوائز أوسكار وقصته مأخوذة من رواية روميو وجولييت لشكسبير. الفيلم الجديد من إخراج ستيفن سبيلبيرغ حقق بالفعل نجاحا ولكن لا يمكن مقارنته بنجاح النسخة الأولى.
هناك أيضا جانب آخر وهو حرص هوليوود على إعادة إنتاج أفلام أجنبية ناجحة، بل وحتى أفلام كارتون أجنبية ناجحة، لا سيما الآسيوية منها. ويكمن وراء هذا سبب مهم وهو أن غالبية المشاهدين لا يستمتعون بأفلام تتحدث بلغات أخرى ولا يحبون الاكتفاء بقراءة الترجمة المرافقة لها. أغلب المشاهدين الغربيين، لا سيما الأميركيون منهم، ينفرون من هذا الأمر وربما كان أفضل دليل على ذلك فيلم بارازايت الذي حصل على أوسكار أفضل فيلم في عام 2020 ولكنه واجه رفضا شعبيا من جانب المشاهدين لأن لغته مختلفة .. لا غير !!!
في نهاية الأمر قال أحدهم: "إن صنعت كعكة جيدة فما المانع من إعادة صناعتها مرات ومرات. إنها قصة نجاح" ولكن هل ينطبق هذا الكلام على السينما والأفلام؟
يرى البعض أنه يعبر عن انهيارات داخلية وإفلاسات واضحة حتى لو نجحت الستوديوهات الكبرى في تحقيق أرباح مالية ضخمة بهذه الإعادات لأنها بالنتيجة ستدمر في المستقبل أي توجه نحو التجديد والإبداع. وتلك حالة خطيرة للغاية.
كل ما سبق ذكره هنا هي أسباب حدت بالمسؤولين في هوليوود نحو هذه الإعادات وربما كان السبب الأبرز هو الحرص على تحقيق أعلى ما يمكن من أرباح. ونلاحظ هنا أن بعض أفلام الإعادة تحقق بالفعل مكاسب هائلة مثل فيلم "الملك الأسد" من إنتاج والت ديزني والذي حقق 1.6 مليار دولار في شباك التذاكر.
من الأفلام الأخرى المعادة "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية" المُنتج في عام 1930 اعتمادا على رواية صدرت في عام 1928، وهو عن الحرب العالمية الأولى.
إليكم عرضه الدعائي
https://youtu.be/qFqgmaO15x4
سينما العالم