المصور السينمائي الإيطالي "ﭬيتوريو ستورارو"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • المصور السينمائي الإيطالي "ﭬيتوريو ستورارو"

    المصور السينمائي الإيطالي "ﭬيتوريو ستورارو"

    علي كامل

    "الضوء هو العالم، والعالم هو الحب، والحب هو المعرفة، والمعرفة هي الحرية، والحرية هي الضوء، والضوء هو الطاقة، والطاقة هي كل شيء".

    (فيتوريو ستورارو)

    يعتبر المصور السينمائي الإيطالي ﭬيتوريو ستورارو (١٩٤٠) أحد أعظم المصورين السينمائيين في العالم. كان والده يعمل عارضاً سينمائياً في ستديوهات «لوكس» الشهيرة وكثيراً ما كان يصطحبه معه لمشاهدة الأفلام في غرفة العرض التي لم تكن حينها مزوّدة بأجهزة الصوت ما دفع الصغير إلى الاكتفاء بمشاهدة الصورة فقط ومحاولة قراءة دلالاتها. التحق فيتوريو بالمعهد التقني للتصوير الفوتوغرافي وهو في سن الرابعة عشر ثم واصل دراسته فيما بعد في معهد التدريب السينمائي والمركز السينمائي التجريبي في روما.

    بعد لقائه ببرناردو بيرتولوتشي، الذي كان يدرس السينما هو الآخر آنذاك، نشأت بين الإثنين صداقة وشراكة إبداعية طويلة الأمد توّجت فيما بعد بأيقونات سينمائية رائعة أمثال "استراتيجية العنكبوت" ، "الامتثالي" ، "التانغو الأخير في باريس" ، "١٩٠٠" ، "القمر" ، "الإمبراطور الأخير"، وسواها. أما نتاجاته الأخرى فلعل أشهرها فيلم "القيامة الآن" لفرانسيس فورد كوبولا، الذي حاز فيه على جائزته الأولى للأوسكار، ثم فيلم "الحُمر" لمخرجه وارن بيتي، الفيلم الذي حاز فيتوريو من خلاله على جائزته الثانية للأوسكار، متابعاً أفلامه اللاحقة "Tucker" أو الإنسان وحلمه، لكوبولا، وفيلم "Dick Tracy" لوارن بيتي، وفيلمه الأول مع المخرج الأسباني كارلوس ساورا "فلامنكو"، والثاني "تانغو" الذي يحكي قصة نجم التانغو السابق ماريو، الفيلم الذي هو بمثابة وليمة للحواس لا ينبغي تفويتها.

    لقد حدّد ستورارو طبيعة وجوهر عمله في أكثر من مناسبة بكلمات موجزة ومعبّرة بقوله:
    "إن الصراع بين الليل والنهار، بين الظلال والضياء، بين الأبيض والأسود، بين التكنولوجيا والطاقة، هو الذي يتحكم بي وبجوهر عملي دائماً".
    وقد تجلّى هذا الصراع بين المصادر المتضادة للطاقة في تعامله مع الضوء، محققاً بذلك وضوحاً جمالياً حقيقياً، مؤكداً، إلى جانب بعض من مجايليه مثل جويسبروتانو و باسكويل دي سانتيس، على انحيازه الواضح لتأريخ استخدام الضوء في تقاليد الرسوم الزيتية الإيطالية لعصر النهضة والذي أصبح جزءاً من تقاليد السينما الإيطالية.

    في فيلمهما المشترك الأول "استراتيجية العنكبوت" استطاع ستورارو أن يستكشف كل إمكانات الضوء الطبيعي، مستحضراً، وبرأي العديد من النقاد الأوربيين، ذلك السحر البصري الذي أبدعه لوتشينو فيسكونتي. فيما نرى فيلم "الامتثالي" على النقيض من ذلك، فهو يبدو كما لو أنه مجرد ممارسة أو تمرين أوّلي في الضوء والظل، محيلاً المتفرج إلى نوع من رهاب الاحتجاز أو Claustrophobia مذكّراً إيانا بنمط أفلام التعبيرية الألمانية. يقول ستورارو في هذا الصدد:
    (فيلم "الامتثالي" يكاد يكون مجرد فيلم بالأبيض والأسود في البداية، إلا أنه يُشاهد بشكل آخر مختلف في النصف الأخير من الفيلم، حيث تتداخل الضياء بالظلال ويصبح الإثنان مثل مقطعين يتوحدان ثانية بعد قطيعة).

    هذه الثنائية والتوازن ذاتها تكاد تهيمن على فيلم "التانغو الأخير في باريس" أيضاً، الذي حاول ستورارو فيه أن يعيد إنتاج الضوء الشتوي الباريسي الخارجي، والضوء الصناعي الداخلي، من خلال مزج كل ذلك بتونات حارة، لا سيما اللون البرتقالي، لكي يعيد إنتاج عواطف الشخصية.
    إن تصويره لأفلام بيرتولوتشي قد حققت دون شك أقصى تعبير شعري لها، لا سيما فيلمه الشهير (١٩٠٠)، الذي له الفضل في اجتذاب انتباه ودهشة كوبولا، الذي سيسارع على الفور في دعوته لتصوير "القيامة الآن" الفيلم الذي توّج هذه المرحلة من حياة ستورارو المهنية. فالمَشاهد المفرطة في واقعيتها لقصف قنابل النابالم كانت تتعارض من ناحية الدلالة مع الضوء الطبيعي للغابة. هذا التضاد الذي يمكن تلخيصه بمقارنة بسيطة ما بين مصباح زيت الزيتون والكشّاف الضوئي.

    يستأنف ستورارو مشواره الطويل مع بيرتولوتشي في مرحلته الثانية أيضاً ويبلغ المثلث أقصى بهائه بانضمام كوبولا إليه. في فيلميه "القمر" و "الحُمر" يزعم ستورارو أنه أسس لرمزية اللون، تلك التي تجسدت في "الامتثالي" و "التانغو الأخير في باريس". وقد واصل فيما بعد بحثه عن نظام لرموز الألوان في فيلمه "واحد من القلب" مستخدماً الألوان المتعارضة هذه المرة، لتحديد شخصياته وخلق نوعاً من التوافق الخفي بين الظلال اللونية وعواطف الشخصية، منتجاً بذلك تضاداً مدهشاً بين واقعية الحدث والواقعية المفرطة للصورة. وهذا الاستكشاف تواصل في فيلم "الإمبراطور الأخير" أيضاً. ويمكننا إضافة ملاحظة عابرة في هذا الصدد أنه حتى في أفلام أقل شهرة كفيلم "السماء الواقية" و "بوذا الصغير" وسواها، استفاد بيرتولوتشي من حضور ستورارو خلف الكاميرا كأستاذ حقيقي للضوء. ومع ذلك يبقى فيلم "القيامة الآن" دون شك هو الإنجاز الأكبر له.

    إذا كانت المرحلة الأولى تتجلى في التعامل مع سحر الضوء (أفلام بيرتولوتشي)، والثانية مع رمزية اللون (أفلام كوبولا)، فإن المرحلة الثالثة تمثل بحث ستورارو عن توازن بين العناصر المتضادة (أفلام كارلوس ساورا). إن تقسيم رحلة ستورارو إلى ثلاث مراحل هي نظرة تعسفية بالطبع. لكن، يمكن القول عموماً أن هذا المبدع الكبير هو أحد القلائل من المصورين السينمائيين من استطاع أن يحافظ على وحدة أسلوبية مستندة على وعي نظري وتأريخي لتقاليد اللوحات الزيتية الإيطالية التي ترجع إلى بييرو ديلا فرانشيسكا وكارافاجيو.
يعمل...
X