اللوحة المقلوبة تكشف خداع الفن المعاصر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اللوحة المقلوبة تكشف خداع الفن المعاصر


    اللوحة المقلوبة تكشف خداع الفن المعاصر




    محمد ناصر المولهي


    الخميس 2022/11/03





    كيف نقرأ العمل الفني


    لن يتوقف الفن المعاصر عن إثارة الجدل. وهذا مطلوب، وهذا ما نجح في أن يفتح الفن على قراءات متعددة ومتخلصة من المعايير الراسخة إلى تجريب فكري وجمالي مفتوح. لكن هذا التجريب، على أهميته، يخفي اضطرابا قد يتسبب في قطع تراكمية تاريخ الفن، وبالتالي عزلته.


    خلال معرض استعادي كبير للرسام التجريدي الهولندي بيت موندريان في متحف كونستاملونغ بمدينة دوسلدورف الألمانية السبت المنقضي، اكتشف مسؤولون في المتحف أن إحدى لوحات الفنان معلقة بطريقة خاطئة منذ 77 عاماً.
    ويتعلق الأمر بلوحة “نيويورك سيتي 1” المنجزة عام 1941، إذ كشف المتحف هذا الأسبوع أن هذه اللوحة معلّقة منذ عقود في الموقع رأساً على عقب.
    خطأ أو صواب

    فاروق يوسف: سبب الخطأ قد يكمن في طبيعة العمل الفني نفسهحدث طريف في ظاهره لكنه يخفي مسألة جوهرية يواجهها الفن التشكيلي الحديث والمعاصر، الذي تجاوز مجال الاستيعاب والفهم والإحاطة حتى بالنسبة إلى الخبراء وأهل الفن المتمرسين، بينما يتجه أبعد في كل تجربة إلى مجالات تأويلية واسعة، تجعل من العمل مجال تفسيرات وقراءات متعددة.
    ويرى الكاتب والناقد الفني العراقي فاروق يوسف أنه لا غرابة في ذلك الحدث؛ فالأمر لا يزال متوقعا بالنسبة إلى العديد من لوحات الفنان نفسه.
    ويضيف “إذا كان هناك خطأ فإن ذلك الخطأ يكمن سببه في طبيعة العمل الفني نفسه الذي يمكن تعليقه مقلوبا دون أن يقع تأثير بصري مختلف”.
    وفي رأي يوسف ينطبق ذلك أيضا على لوحات رائد التجريد الهندسي الروسي من أصول بولندية كازيمير ماليفيتش صاحب لوحة مربع أبيض داخل مربع أبيض الشهيرة. فمن الذي يؤكد أن اللوحة تُعلق دائما بشكل صحيح؟ ثم ما هو الشكل الصحيح بالنسبة إلى المربع؟
    ويتابع “لا أعتقد أن ماليفيتش نفسه لو عاد إلى الحياة سيتمكن من الحكم بما إذا كانت لوحته معلقة بشكل صحيح أم لا”.
    ويذكّر الناقد أن “هناك مفارقة تقع كلما أقيم معرض للألماني جورج بازاليتس الذي يقلب أعماله رأسا على عقب عن عمد حين عرْضها. فيظن الكثيرون أن هناك خطأ ارتكبه العاملون في الصالة”.
    ربما يحررنا الفن المعاصر من منطق الخطأ والصواب، تلك الثنائية التي حاصرت الفن بنوع من المعايير التي تحولت إلى “أخلاق” متكلسة. ولكن هل يؤسس، في تمرده على الثنائيات التي تحكم العقول البسيطة والحياة العامة، لحركة فنية لها أثرها؟
    ودخل الفن المعاصر مجالات تجريبية جعلت منه فضاء متسعا للتأويل والقراءات، وبتعدد القراءات التي قد يغالي بعضها في إثقال العمل الفني بما ليس فيه، فإن هذه التعددية تحمل في عمقها سمات فنية هامة، أبرزها التعدد؛ إذ توقف العمل الفني على أن يحاكي العالم أو يقول الفكرة أو يرصدها ويؤطرها.
    التعددية والزيف

    الفن المعاصر يحررنا من منطق الخطأ والصواب الذي حاصر الفن بنوع من المعايير التي تحولت إلى أخلاق

    اتجه الفن المعاصر إلى فتح آفاق تكسر الأطر التقليدية للعمل الفني وتفتحه على تعددية التلقي الذي قد يختلف جذريا من شخص إلى آخر، وإن كان هذا مطلوبا وخلق حركية ديمقراطية في الفن فإنه من ناحية أخرى يخفي أمرا خطيرا قد يهدد الفن نفسه؛ فقد يقول أحدهم إن الفن كالحب لا يعيش إلا بالخطر، ولكن الخطر الذي لا تعيه ولا تسميه قد يقتل.
    يقال إنك لا يمكن أن تفهم شيئا أو تحيط به دون أن تسميه، وفعلا كانت المفاهيم أولى اشتغالات الفلسفة والنقد ومازالت كذلك، فمن خلال المفاهيم أحاط الإنسان بعالمه، وتمكن من التأسيس للحضارة، وما الفن سوى فعل حضاري في النهاية، ألا تهدد تعدديته وتضارب فهمه واختلاف طرق تلقيه بشكل متصادم أحيانا بأن تنزع عنه مفاهيمه، وتفتحه بالتالي على ضباب أبعد من عملية التلقي؟
    الأمر بالغ الدقة، برزخ بين الفهم واللافهم، بين التشكل والتشظي. حاول النقاد ومازالوا الإمساك بمتعة وبألاعيب الفن المعاصر والمفاهيمي، والذهاب بعيدا في أفكاره وتصوراته وجمالياته الجديدة، وخلقوا بذلك تصورات وطرقا للتلقي ساهمت في تطور الفن المعاصر، لكن ذهاب الأخير أبعد في كسر تراكماته والتمرد على القراءات المنجزة التي يمكن إنجازها واستغلاقه أحيانا في ذوات فنانيه، جعل أمر القراءة والإحاطة بالغ الصعوبة، وهنا ازدهرت سوق من نوع آخر.
    الفن المعاصر ممتلئ بالخداع والزيف، ورغم ذلك لا تراجع عن التعددية والمفاهيم المتمردة اللتين يرسخهما الفنانون المعاصرون

    دخل الفن المعاصر السوق على أكتاف النقاد الذين يعلون من هذا الفنان ويحطون من ذاك، في غياب لمعايير يمكن الاحتكام إليها في التقييم، وهنا كان الحظ أو العلاقات وسيلة الفنان المعاصر، أما المتلقي ففقد تقييمه الذاتي وصار ينصاع لما يقوله النقاد منساقا إلى حركة سوق الفن، وهي سوق يطول الحديث عنها اليوم خاصة في علاقتها بعوالم المال وتبييضه وغيره، مما يمكن الحديث عنه منفردا.
    إذن من يفسر الفن المعاصر المستعصي على المتلقين وهواة الفن وعلى المحترفين من العارضين وعلى النقاد وعلى الفنانين الآخرين أنفسهم؟ من يقيم الأعمال الفنية؟ كيف نقيم الأعمال الفنية؟
    هناك العديد من النقاد الذين خاضوا رحلة التأسيس لمعايير متجددة لقراءة الأعمال الفنية والدفع بها أكثر إلى التطوير الجمالي والفكري وحتى التمرد على الأنساق والأجناس، ولكن التجارب الفنية ما انفكت تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في كل مرة، وإن كان الابتعاد عن المنجز وإنجاز خلق جديد يتطلبان طاقة وعي كبيرة (مثلا المدرسة التكعيبية أو حتى السريالية انطلقتا من نظرة واعية لها عمقها) فإن هذه الطاقة قد لا تتوفر في الكثير من التجارب التي لا تتجاوز الخربشات التي لن يكون لها أي شأن بلا ناقد من الأسماء الراسخة التي يمنحها صك القيمة الفنية والإبداع.
    يمتلئ الفن المعاصر بالخداع والزيف، ورغم ذلك فلا تراجع عن التعددية التي يرسخها الفنانون المعاصرون وذهابهم أبعد إلى تفكيك المفاهيم وإعادة تركيبها، ولكن بوعي وبخلق معايير خاصة ورؤى جمالية وفكرية مدروسة، وهذا ما يمكنه أن يخلص الفن المعاصر من فذلكات ساذجة تسيل الحبر على غرار موزة الإيطالي موريزيو كاتيلان الملصقة على الحائط، والتي وجدت من يشتريها بـ 120 ألف د ولار




    محمد ناصر المولهي



يعمل...
X