Daad Deeb
مادتي عن الحذاء في الملحق الثقافي للصباح العراقية :
الحذاء من سندريلا الى جورج بوش
https://t.me/alsabaah_cultural/393
دعد ديب
دقت الساعة الثانية عشر وانطفأ السحر وهرعت سندريلا هاربة من قصر الأمير حسب ما أوصتها به الجنية، وتعثرت أثناء هروبها وأفلتت من رجلها فردة الحذاء البلورية، الحذاء الذي كان دلالة الأمير إليها وبوابة السعد التي غيرت مصيرها رأسًا على عقب لتتخلص من ظلم زوجة الأب وكيد بناتها ولتضرب مثلًا يحتذى بالتسامح عندما غفرت لهن، الرواية التي طالما داعبت أحلام الفتيات الفقيرات بالعدالة التي ستأتي لاريب فيها ودرس عل البعد الأخلاقي عند الإنسان النقي السريرة على مقابلة الأذى بالغفران والسماح، تلك القصة التي ترجع أصولها إلى أيام الفراعنة والتي وجدت ضمن مجموعة برديات "شستر بيتي" ونسبت خطأ إلى الأوربيين، إذ أن الحكاية الأصلية تحكي عن خادمة مصرية تدعى روهدوبس تخلفت عن حفل أحمس الثاني فجاء نسر وسرق حذائها ووضعه أمام الملك فاعتبرها رسالة السماء لمن ستكون زوجته وطلب من كل نساء رعيته تجربة الحذاء والوحيدة التي لائمها هي الخادمة الفقيرة التي تغيبت عن الحفل، حذاء السندريلا الذي أصبح ماركة مفضلة لدى الفنانة اليمنية بلقيس فتحي من جيمي شو الذي لا يوجد منه سوى عشر قطع فقط في العالم.
ولكن الحذاء الذي جلب الحياة والفرح لسندريلا أتى بالموت الزعاف لشجرة الدر السلطانة التي تولت عرش مصر لمدة ثمانين يومًا بعد موت زوجها الملك الصالح أيوب ولكن لشدة المعارضة التي لقيتها من حكام بغداد والشام كونها امرأة تحكم مصر لذا أعلنت زواجها من عز الدين أيبك بشكل تحكم البلاد من خلاله وتحيك الدسائس والمؤامرات وعندما شعرت به يحاول إقصاءها وتحجيم دورها دبرت له موتًا سريعًا ولكن زوجته الأولى التي فرضت عليه هجرها وطلاقها اجتمعت عليها مع جواريها وقضت ضربًا بأحذيتهم (القباقيب) وكان انتقامًا مريرًا ونهاية قاصمة لملكة ذات طموح لافت.
الحذاء الذي كان بشارة سعد مرة ونذير موت مرة أخرى أخذ طابع السخرية من البخل في قصة أبي القاسم الطنبوري في إشارة لسوء الحظ والطالع، فالحذاء السميك والمرتق الذي كاد أن يصيب صاحبه بالجنون ويدفع به إلى عتبة الإفلاس، حمل النحس إليه في مفارقات تثير الحزن والضحك بذات الوقت فبعد أن نجح الطنبوري في صفقتين رابحتين للزجاج المذهب وماء الورد وأخذ قراره التاريخي باستبدال ذلك الحذاء بعد نصيحة صاحب الحمام إذ رأى عقب خروجه من الحمام وجود حذاء جميل" كان لقاضي المدينة" فاعتقد أن صاحب الحمام قد أهداه إليه فلبسه ومضى به تاركًا حذاءه القديم فعوقب على سرقته بالضرب والسجن والتغريم فأخذه الحنق كل مأخذ وقام برمي الحذاء المشئوم في مياه نهر دجلة ولكنه علق في شباك أحد الصيادين ومزق شبكته لثقله ولأنه حذاء معروف لعائديته لأبي القاسم قام الصياد بإعادته ورمى به من نافذة بيت الطنبوري فكسر الزجاج وأسال ماء الورد صفقة اليوم السابق، الأمر الذي جعله يضيق ذرعًا به فقام يحفر حفرة بالجوار ليدفنه بها فاشتكى عليه الجيران لتخوفهم من أنه ينقب على حائطهم واشتكوه إلى الوالي الذي حبسه وغرمه كذلك، فلم ير إلا أن يتخلص منه برميه إلى أحد المراحيض العامة الخاصة بالمسافرين مما أدى لسد ثغرة فيه وتسرب مياهه وانبعاث الروائح العفنة منه فعوقب وغرم كذلك، ثم أخذه وغسله ونشره على السطح فجاء كلب حسبه عظمة وأخذه وألقى به على امرأة حامل فأسقطت حملها، وكل هذا في مغزى الحكاية الشعبية السخرية من حالة البخل التي ترجع آثارها وبالًا على صاحبها وكما يقول المثل "مال الخسيس يذهب فطيس".
كما كان ل قبقاب غوار الطوشة في كل من المسلسلات الفكاهية مثل مقالب غوار وصح النوم دورًا كبيرًا في رسم الكاريزما العامة لشخصية غوار أعطتها طرافة وحيوية وإيقاع شعبي ممتد في الإرث الفولكلوري لبلاد الشام صناعةً واقتناء، فهو الحذاء التقليدي" القباقيب" الذي كان ينتعله الجميع في عصر سابق وصناعته من الصناعات التقليدية المعروفة للمنطقة.
توظيف الحذء في الحكايا الشعبية والمخيال الشعبي في الأدب والفن لأهميته البالغة في وظيفته الأولى في حمل ثقل الجسم واتكاء القدمين عليه في الحماية من الأخطار أثناء المشي والركض ولطالما ارتبط بالسخرية المبطنة للحال الذي وصلنا
إليه يقول المتنبي ساخرًا من الجهل والتخلف ومحاباة الغريب :
قومٌ إذا مس النعال وجوههم شطتِ النعالُ بأي ذنب تُصفع
وقد نسج نزار قباني على منواله في تهكمه
شعب إذا ضرب الحذاء بوجهه صرخ الحذاء بأي ذنب أضرب
أما لوحة فان كوخ المسماة "زوج من الأحذية" فقد بيعت عام 2000 بعشرين مليون دولار أمريكي لدقته في تصوير ذلك الحذاء المهترىء الذي ابتاعه من سوق لبراغيث
ولطالما ارتبط الحذاء بالحكايا الدينية بتلوين أسطوري فحكاية بلقيس الملكة عندما زارت الملك سليمان في دياره عز عليها أن تطأ بحذائها الحاجز الخشبي لعلمها بأنه الخشب الذي سيصلب عليه المسيح في روايات العهد الجديد، ومشت حافية على الماء حيث حدثت المعجزة وأبدلت قدميها الغريبتين قدمي الشاة المشعرة إلى قدمين إنسانيتين جميلتين، مما أثار الذعر لدى الملك سليمان وأمر بدفن الحاجز الخشبي الذي اكتشف مكانه بعد ألف سنة من ذلك التاريخ، فالأقدام الجميلة الصغيرة الناعمة كانت حلم النساء منذ الأزل والتي كانت تخفي نزوعا فيتشيًا لدى الرجال أيضَا وماعرف باسم قدم اللوتس أو القدم الذهبية في الصين القديمة كرمز للجمال تيمنًا براقصة جميلة انتعلت حذاء يشبه زهرة اللوتس، فقد جرت العادة أن تطوى وتلف أقدام الصينيات للحفاظ على حجم معين ومنع نموها، هذا التقليد القاسي الذي يشوه القدم ويقوسها ويجعل الفتاة تكابد آلامًا مبرحة ويمنعها من الوقوف الصحيح والمشي والرقص في امتهان لإنسانيتها وتحد للنمو التلقائي وللطبيعة البشرية التي خلقت عليها وإجحاف بحق المرأة مقابل مقاييس للجمال غير عادلة ناهيك عن كونها مقاييس متغيرة فلا يوجد مقاييس ثابتة للجمال ولا يجوز اختزال إنسانية المرأة ووجودها إلى شكلها وقوامها.
وقد حفلت قصص الشعوب و قصص الأطفال بالكثير من الخوارق المرتبطة بالحذاء فمسرحية القط أبو الجزمة كان فيها القط الذي ينتعل جزمة غريبة صاحب الحلول البارعة لكل مشاكل الابن الأصغر والتي كان الحزن يكاد يأكل قلبه لان نصيبه هو القط فقط من ميراث أبيه والذي تبين أن لهذا القط الذي ينتعل حذاءًا سحريًا قدرات سحرية جعلت صاحبه يحتكم على قصر منيف بعد أن احتال على صاحبه التنين وسعى لتزويجه من أميرة البلاد بعد ذلك، وهي حكاية جميلة تفرح قلب الأطفال المتعاطف مع الإنسان الأقل حظًا بأمل سحري أن تنقلب الموازيين ويتبدل الواقع التعيس لكل بائس ومسكين.
كما اعتبر الحذاء وسيلة احتجاج في الحادثة التاريخية التي ضرب بها الزعيم السوفييتي نيكيتيا خروتشوف بحذائه على طاولة هيئة الأمم المتحدة أثناء الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 902 التي عُقدت في نيويورك يوم 12 أكتوبر عام 1960 ليؤكد حضور البلد الذي يناطح أعتى قوة في العالم، وقد تضاربت الأخبار حول سبب هذا التصرف فمنهم من يقول أنه احتجاج على العدوان الثلاثي على مصر ومنهم من يرجح أنه اعتراض على خطاب رئيس الوفد الفلبيني لورينزو سومولونغ ولكن الأهم من ذلك هو أنه تثبيت أمر واقع وقتها هو حضور الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى لها القول والقطع في أمور العالم.
الحذاء أيضًا كآلية دفاعية وأسلوب احتقار ومواجهة فعلها منتظر الزبيدي عام 2008 خلال مؤتمر صحفي، عندما أسقطت كافة الوسائل الأخرى في مواجهة القوة الضاربة للاحتلال عندما رمى بحذائه بوجه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش مختزلًا كل ما يعتمل في ذات الشعب العراقي من قهر ونقمة واحتقار كدلالة عميقة على الموقف الحقيقي الرافض لكل المحاولات التي تلمع وجه الاحتلال والمتعاونين معه.
فالحذاء الذي تعددت أسماؤه من المداس، التليك، الحذوة، الزنوبة، الشحاطة، الصباط، الكندرة كان حاضنًا للكثير من المفاهيم والموضوعات وعنوانًا واضحًا لتمييز طبقي واجتماعي لمن ينتعله وبوابة واسعة لحكايا لا تنضب.
نزار ديب، وReja Alhayek د.زياد العوف
- موضوع طريف وغنيّ بالدلالات .
مع تقديري...