«أرق المرايا».. قصة جديدة للكاتبة السورية مي عطاف
تقلب في سريره الساعة الثالثة ليلا، سبعة أيام طحنته اليقظة.. تقلب يتسو.نوما قد استعصى عليه.. شعر بأنه يهلوس، ماذا لو كان نائما ولا يدري.. ماذا لو كان داخل واحد من كوابيسه، هل هو يقظ حقًا ؟
مدّ يده يبحث عن قداحة وضعها بقربه، عتمة شديدة عتمة أحلك من المعتاد. قال في نفسه: لا بد أني نائم وأرى نفسي في المنام ولكن أين قداحتي اللعينة؟ نعم هذا ما يحصل في الكوابيس، تصل يدك قرب الشيء ولا تلتقطه، ضحك وقال: وهذا ما يحدث لي في حياتي، ثم استدرك، كيف أفكر هكذا ما لم أكن صاحيًا؟ كأن لعقله صوت قلق، رد عليه: أنت داخل حلم داخل كابوس!. ضرب بيده على الطاولة التي يجب أن تكون عليها قداحته وهو يضحك من عقله مرددا: حلم داخل كابوس.. هذا ما كان ينقصني.. ولكن أين تلك السافلة لقد وضعتها بجانبي قبل أن أطفئ الشمعة. فكر للحظة: هل أشعلت شمعة أم أنه تراءى لي ذلك ؟.. هز رأسه لم يعد يتذكر. لا بد أن شمعة في مكان ما.. لا بد من الشموع في العالم ولكن أين السافلة القداحة اللعينة لأتأكد: قال .
ربت بيده بحذر على الطاولة التي بجانب سريره، تذكر أنه كان يقرأ في كتاب وانه قرّبَ الشمعة إليه قليلا ليتمكن من القراءة.. لا بل رفعها على مجموعة الكتب المرتبة كعمود على الطاولة.. حسنا أين هي تلة الكتب أين الشمعة التي يجب أن تكون بجوارها.. وغضب: وماذا سأستفيد من شمعة منطفئة.. لا بد اني داخل الكابوس. ألا من قمر في هذا الليل الأسود ؟..هل كان الليل أسود هكذا دائما؟.. لا لم يكن كذلك على الدوام.. أذكر مرة أن القمر سكن مرآتي الكبيرة جدًا التي حملتها للسطح ليلا كان منيرا حتى أنه أضاءها ... تنقلت فوق الأسطح بوثبات مسرعة ولقد بدا القمر يجوب أسطح البيوت المتلاصقة وحين سمعت القمر في مرآتي ينتحب رفعت نظري للأعلى لم أر قمرا فقد أغلقت السماء ستائرها السوداء منذ ذلك حلت عتمة كثيفة تشرب الألوان كرشفات قليلة .
نعم لقد تذكرت لست في كابوس.. لقد كسرت المرايا مساء حتى أن مرآتي التي كنت أحملها وأنا اكسر المرايا شاهدة ..لكن أين هي لتؤكد لي ..حقيقة أم حلما ما جرى ؟؟
جلس في السرير وبحث عن رأسه ليحضنه بيديه ،رأسه المتعب، ليعصف في ذكرياته... لكن يده لم تصل لرأسه. اللعنة أين رأسي؟ هل نسيته في المرآة؟ أجزم أني ما زلت داخل الكابوس، هذا يعني أني نائم. تنهد وابتسم لفكرة نومه، لكن يده ضربت شيئا رخوا. ما هذا؟ سأل نفسه التي هدأت واستسلمت لفكرة نومه.. إنه رخو جدا ويمتط كأنه شيء مطاطي وارتعب.. هذا وجهه وذاك انفه من يكبر وينحني مرتخيا.. شفتاه عند ذقنه.. ذقنه وصلت لصدره وعيناه ذابا كدمعة تسقط على جانبي وجهه.. هل يرى؟
ارتعب وراح يرفع وجهه الذي يرتخي.. لكن الفرح نال منه وضحك بصوت عالي ارتج لها وجهه الذائب. وأخيرا نمت إنه كابوس: قال. فقط لو أرى.. هل أنا من لا أرى ام هي العتمة الساقطة؟ اين مرآتي لأراني؟ ولكن العتمة عمياء وضرب على جبينه المنسكب حتى راح وجهه ينوس شرقا وغربا.. أو شمالا وجنوبا.. أو جنوبا وغربا.. هز رأسه بقوة وفكر الجهات ليست مهمة حين يكون ما تريده عموديا من السماء مباشرة.. والمهم اني نائم.
شعر أن جسده يذوب على السرير.. لم يعد يعرف إن كان يذوب وهو جالس أم أنه قد استلقى فقط. يده على الطاولة: أين تلك العاهرة.. القداحة؟ وخرج مشهدا لا يدري لم ولا يعلم إن كان من ذاكرته أم من العتمة.. البارحة رصدت مرآته عاهرة تقف عند مدخل الفندق، حين رأت نفسها في المرآة بكت وانطوت حتى تحولت لتفاحة. نعم.. نعم أرجوك ابق قليلا، استنجد بالمشهد الذي خرج كفلم أمام عينيه.. كمرآة عاكسة للضوء أشبه بشاشة السينما.
كان يحمل بيديه الممتدتين لأقصاهما مرآة كبيرة فلا يبدو منه سوى قدماه، لتبدو وكأنها كائن هو مرآة وقدمين فقط.. كانت المرآة مربعة يحملها ويسير بها في الشارع. فتندهش البيوت من صورتها.. بيوت لم تعتد أن ترى صورتها في مرآة .
بيوت كانت تدير وجهها وأخرى يلفها صمت مفزع وبعضها تبتسم بخباثة من طرف شفتيها ... زهور حين رأت صورتها سقطت عنها لونها فهي لم تشعر يوما بشروق اللون.. شجرة الصنوبر قرب البيت الفخم العتيق الذي بابه موصد منذ زمان.. ارتبكت من أذرعها الكثيرة التي تمتد وتمتد فلا تصل غيمة ترطب حلقها. في المرآة المربعة التي تبدو كأنها تسير لوحدها تلتقط الحياة كما هي على صورتها الصادقة. الناس منهم من كان يهرب من صورته.. منهم من توقفه الدهشة وغيرهم يتفرجون على أنفسهم كفرجة غريبة وبعضهم يجهش ببكاء ليتحول لدمعة يشربها الرصيف.. وأخرون يقفون بصلابة معاندين ما يرونه فهم أدرى بما رأوا! المرآة تسير وتحفظ كل حقيقة تمر أمامها.. ها هو الرصيف تقفز منه أقدام من فرحوا ورقصوا وتعبوا وخُذلوا وانكسروا حتى تلك الأقدام التي كانت تتحرك وهي ميتة قفزت في المرآة .
عاد للبيت مثقلا بالمرآة المربعة.. فاستعاض عنها بمرآة دائرية كبيرة.. كان شكله كعباد شمس (مرآة دائرية وساقين ).. مشى في الشارع.. رجل وامرأة حزانى يدير واحدهم للآخر ظهره وخيالهما في المرآة ضفتان تقتربان وتكادا تتلامسان عند المصب ويؤلف بينهما جسر خشبي صغير من حميم.. شاب متردد وتعكس صورته كيف طوى قلبه كطائرة ورقية ونفخ عليها من روحه وطيّرها لتحط في مدرج القلب لفتاة تحبه. راح نور المشهد يتلاشى كنهاية فلم يغيب ضوءه رويدا رويدا.. وصرخ مادا يديه: أرجوك ابق. لكن العتمة رجعت كنفير موت.. ومد يده وقد نالت العتمة من صبره يبحث بنزق عن قداحته ويتلمس بقساوة ظهر الطاولة الخالي.. استنفر بجسده المستلقي على السرير.. ليضرب رأسه بطرف بارد لم يعرف ما هو.. فلا شيء فوق سريره.. وقهقه سعيدا لا بد انه كابوس فالكوابيس باردة وأنا نائم حقا !
واستسلم بفرح على أمل أنه كابوس، وهمد في السرير بعينين مفتوحتين على عتمة شديدة ثم سمع صوت صدع يتكسر لقد شعر بفالق زجاجي يتشقق من تحته وأدرك أنه يسكن مرآة مستطيلة الشكل.. بدأت تنهدم ثم هوى في عتمة ناتئة.. لم يكن يعرف أن وراء أسطح المرايا الملساء المصقول كثافة لحد الصلابة من العتم. كان يهوي في سحيق بلا قرار تجرحه نتوءات كنصل سكين ثم وجد نفسه ينتظر على عتبة النوم. لقد تخلص من كابوسه لينتقل للسكن في حلمه الذي قطبت به امرأة جروحه بقبلة من تفاحتها.. أما كانت امرأة تفاحة!
وقال لنفسه مرتاحًا: لقد كان مستطيلًا خانقًا.. وأخيرًا أغفو جيدا وسأرتاح من الأرق.
تقلب في سريره الساعة الثالثة ليلا، سبعة أيام طحنته اليقظة.. تقلب يتسو.نوما قد استعصى عليه.. شعر بأنه يهلوس، ماذا لو كان نائما ولا يدري.. ماذا لو كان داخل واحد من كوابيسه، هل هو يقظ حقًا ؟
مدّ يده يبحث عن قداحة وضعها بقربه، عتمة شديدة عتمة أحلك من المعتاد. قال في نفسه: لا بد أني نائم وأرى نفسي في المنام ولكن أين قداحتي اللعينة؟ نعم هذا ما يحصل في الكوابيس، تصل يدك قرب الشيء ولا تلتقطه، ضحك وقال: وهذا ما يحدث لي في حياتي، ثم استدرك، كيف أفكر هكذا ما لم أكن صاحيًا؟ كأن لعقله صوت قلق، رد عليه: أنت داخل حلم داخل كابوس!. ضرب بيده على الطاولة التي يجب أن تكون عليها قداحته وهو يضحك من عقله مرددا: حلم داخل كابوس.. هذا ما كان ينقصني.. ولكن أين تلك السافلة لقد وضعتها بجانبي قبل أن أطفئ الشمعة. فكر للحظة: هل أشعلت شمعة أم أنه تراءى لي ذلك ؟.. هز رأسه لم يعد يتذكر. لا بد أن شمعة في مكان ما.. لا بد من الشموع في العالم ولكن أين السافلة القداحة اللعينة لأتأكد: قال .
ربت بيده بحذر على الطاولة التي بجانب سريره، تذكر أنه كان يقرأ في كتاب وانه قرّبَ الشمعة إليه قليلا ليتمكن من القراءة.. لا بل رفعها على مجموعة الكتب المرتبة كعمود على الطاولة.. حسنا أين هي تلة الكتب أين الشمعة التي يجب أن تكون بجوارها.. وغضب: وماذا سأستفيد من شمعة منطفئة.. لا بد اني داخل الكابوس. ألا من قمر في هذا الليل الأسود ؟..هل كان الليل أسود هكذا دائما؟.. لا لم يكن كذلك على الدوام.. أذكر مرة أن القمر سكن مرآتي الكبيرة جدًا التي حملتها للسطح ليلا كان منيرا حتى أنه أضاءها ... تنقلت فوق الأسطح بوثبات مسرعة ولقد بدا القمر يجوب أسطح البيوت المتلاصقة وحين سمعت القمر في مرآتي ينتحب رفعت نظري للأعلى لم أر قمرا فقد أغلقت السماء ستائرها السوداء منذ ذلك حلت عتمة كثيفة تشرب الألوان كرشفات قليلة .
نعم لقد تذكرت لست في كابوس.. لقد كسرت المرايا مساء حتى أن مرآتي التي كنت أحملها وأنا اكسر المرايا شاهدة ..لكن أين هي لتؤكد لي ..حقيقة أم حلما ما جرى ؟؟
جلس في السرير وبحث عن رأسه ليحضنه بيديه ،رأسه المتعب، ليعصف في ذكرياته... لكن يده لم تصل لرأسه. اللعنة أين رأسي؟ هل نسيته في المرآة؟ أجزم أني ما زلت داخل الكابوس، هذا يعني أني نائم. تنهد وابتسم لفكرة نومه، لكن يده ضربت شيئا رخوا. ما هذا؟ سأل نفسه التي هدأت واستسلمت لفكرة نومه.. إنه رخو جدا ويمتط كأنه شيء مطاطي وارتعب.. هذا وجهه وذاك انفه من يكبر وينحني مرتخيا.. شفتاه عند ذقنه.. ذقنه وصلت لصدره وعيناه ذابا كدمعة تسقط على جانبي وجهه.. هل يرى؟
ارتعب وراح يرفع وجهه الذي يرتخي.. لكن الفرح نال منه وضحك بصوت عالي ارتج لها وجهه الذائب. وأخيرا نمت إنه كابوس: قال. فقط لو أرى.. هل أنا من لا أرى ام هي العتمة الساقطة؟ اين مرآتي لأراني؟ ولكن العتمة عمياء وضرب على جبينه المنسكب حتى راح وجهه ينوس شرقا وغربا.. أو شمالا وجنوبا.. أو جنوبا وغربا.. هز رأسه بقوة وفكر الجهات ليست مهمة حين يكون ما تريده عموديا من السماء مباشرة.. والمهم اني نائم.
شعر أن جسده يذوب على السرير.. لم يعد يعرف إن كان يذوب وهو جالس أم أنه قد استلقى فقط. يده على الطاولة: أين تلك العاهرة.. القداحة؟ وخرج مشهدا لا يدري لم ولا يعلم إن كان من ذاكرته أم من العتمة.. البارحة رصدت مرآته عاهرة تقف عند مدخل الفندق، حين رأت نفسها في المرآة بكت وانطوت حتى تحولت لتفاحة. نعم.. نعم أرجوك ابق قليلا، استنجد بالمشهد الذي خرج كفلم أمام عينيه.. كمرآة عاكسة للضوء أشبه بشاشة السينما.
كان يحمل بيديه الممتدتين لأقصاهما مرآة كبيرة فلا يبدو منه سوى قدماه، لتبدو وكأنها كائن هو مرآة وقدمين فقط.. كانت المرآة مربعة يحملها ويسير بها في الشارع. فتندهش البيوت من صورتها.. بيوت لم تعتد أن ترى صورتها في مرآة .
بيوت كانت تدير وجهها وأخرى يلفها صمت مفزع وبعضها تبتسم بخباثة من طرف شفتيها ... زهور حين رأت صورتها سقطت عنها لونها فهي لم تشعر يوما بشروق اللون.. شجرة الصنوبر قرب البيت الفخم العتيق الذي بابه موصد منذ زمان.. ارتبكت من أذرعها الكثيرة التي تمتد وتمتد فلا تصل غيمة ترطب حلقها. في المرآة المربعة التي تبدو كأنها تسير لوحدها تلتقط الحياة كما هي على صورتها الصادقة. الناس منهم من كان يهرب من صورته.. منهم من توقفه الدهشة وغيرهم يتفرجون على أنفسهم كفرجة غريبة وبعضهم يجهش ببكاء ليتحول لدمعة يشربها الرصيف.. وأخرون يقفون بصلابة معاندين ما يرونه فهم أدرى بما رأوا! المرآة تسير وتحفظ كل حقيقة تمر أمامها.. ها هو الرصيف تقفز منه أقدام من فرحوا ورقصوا وتعبوا وخُذلوا وانكسروا حتى تلك الأقدام التي كانت تتحرك وهي ميتة قفزت في المرآة .
عاد للبيت مثقلا بالمرآة المربعة.. فاستعاض عنها بمرآة دائرية كبيرة.. كان شكله كعباد شمس (مرآة دائرية وساقين ).. مشى في الشارع.. رجل وامرأة حزانى يدير واحدهم للآخر ظهره وخيالهما في المرآة ضفتان تقتربان وتكادا تتلامسان عند المصب ويؤلف بينهما جسر خشبي صغير من حميم.. شاب متردد وتعكس صورته كيف طوى قلبه كطائرة ورقية ونفخ عليها من روحه وطيّرها لتحط في مدرج القلب لفتاة تحبه. راح نور المشهد يتلاشى كنهاية فلم يغيب ضوءه رويدا رويدا.. وصرخ مادا يديه: أرجوك ابق. لكن العتمة رجعت كنفير موت.. ومد يده وقد نالت العتمة من صبره يبحث بنزق عن قداحته ويتلمس بقساوة ظهر الطاولة الخالي.. استنفر بجسده المستلقي على السرير.. ليضرب رأسه بطرف بارد لم يعرف ما هو.. فلا شيء فوق سريره.. وقهقه سعيدا لا بد انه كابوس فالكوابيس باردة وأنا نائم حقا !
واستسلم بفرح على أمل أنه كابوس، وهمد في السرير بعينين مفتوحتين على عتمة شديدة ثم سمع صوت صدع يتكسر لقد شعر بفالق زجاجي يتشقق من تحته وأدرك أنه يسكن مرآة مستطيلة الشكل.. بدأت تنهدم ثم هوى في عتمة ناتئة.. لم يكن يعرف أن وراء أسطح المرايا الملساء المصقول كثافة لحد الصلابة من العتم. كان يهوي في سحيق بلا قرار تجرحه نتوءات كنصل سكين ثم وجد نفسه ينتظر على عتبة النوم. لقد تخلص من كابوسه لينتقل للسكن في حلمه الذي قطبت به امرأة جروحه بقبلة من تفاحتها.. أما كانت امرأة تفاحة!
وقال لنفسه مرتاحًا: لقد كان مستطيلًا خانقًا.. وأخيرًا أغفو جيدا وسأرتاح من الأرق.