«خان».. سينما التحدي وتحقيق الأحلام
بقلم ـ لمياء مختار
رحل «خان» الذي لم يخن فنه طيلة حياته الفنية المثمرة، لقد قدم مذاقاً خاصاً به هو وحده في أفلامه، يقولون إن ما يميز سينما محمد خان هو التفاصيل، ولكني أظن التفاصيل لديه أداة أو وسيلة لا غاية، أو على الأقل هي كذلك في كثير من أفلامه أو في معظمها، إنها سينما «الحلم» التي تتحول التفاصيل الصغيرة فيها إلى واقع متجسد، وكأنه تمثال صخري ينبت له جناحان فيطير فجأة ويصبح من لحم ودم متخطياً كل الحواجز ومرتفعاً إلى عنان السماء ..إنها سينما يفرض الحلم فيها نفسه ليتحول إلى واقع حتى لو كان عن طريق أصعب الوسائل وأشدها على النفس في أحداث قصة الفيلم ..هناك رمزية مثلاً في إحدى لقطات فيلم «ضربة شمس» يتحول فيها البسطاء الذين يتسلقون شبابيك الأتوبيس في رحلة شقاء يومية إلى صورة ثابتة على الحائط التقطها المصور شمس، وفي اللقطة التالية مباشرة يتحولون إلى صورة حية متحركة في أتوبيس الشارع .. إنه الحلم أو الخيال أو الظل الواقع بالصور واللوحات وقد تجسد فجأة إلى كائنات من لحم ودم ..ثم نجد أعداد «تان تان» على الكومود المجاور لسرير البطل «شمس».. إن البطل في أعماقه يحلم بأن يكون صحفياً ومصوراً يحل الألغاز مثل تان تان .. شمس هو تجسد لتان تان .. إنه «الحلم» مرة أخرى ..وفي إحدى لقطات فيلم «ضربة شمس» أيضاً يظهر حائط في أحد الشوارع تنتثر عليه بعض الكلمات والشخبطة، ومن ضمن أبرز هذه الكلمات «مصر للمصريين»، وكأنها كلمة مقصودة لترد على أحداث الفيلم التي تحكي عن عصابة تهرب الآثار المصرية ..والتفاصيل الناعمة التي تملأ لقطات أفلام خان من أجملها مثلاً نهاية فيلم ضربة شمس والتي تنتصر أيضاً للحلم على الواقع، حين يسير كل من نور الشريف ونورا على كوبري المشاة سيراً طويلاً يستعرض ملامح المدينة .. إنها لحظة تحدي الحلم للواقع والإصرار على المضي في الطريق الذي رسمه الإنسان لنفسه مهما كلفه ذلك الطريق من مشاق وأخطار ..وفي «زوجة رجل مهم» اختار خان عبد الحليم حافظ رمزاً لأحلام الجيل ممثلاً للحلم النقي للزوجة الرومنسية .. إنها مصر حين أرادت أن تستنشق الهواء النقي وتنطلق سابقة الأمم فإذا بمن اعتلوا قمم السلطة بها يفسدون عليها حلمها فيجعلونه هباء منثوراً ..وفي نزعة سوداوية أخرى، يتحقق حلم الزوجة في فيلم «موعد على العشاء»، فتنتقم من زوجها السابق الذي دمر حياتها بأفعاله التي لم تحمل سوى القسوة والشر وازدادت حدتها لتصل إلى الإجرام وقتل نفس بريئة تتمثل في الحبيب الذي أراد الزواج منها بعد انفصالها عن هذا الزوج غير السوي نفسياً، فإذا بها حين تعجز عن أخذ حقها منه بالقانون تقرر الانتقام بوضع السم له، وحين يجبرها على تناول الطعام تتناوله وهي تعلم أن به سماً زعافاً ولكنها لا تأبه بالتخلص من حياتها في سبيل أن يموت هو ، وبالفعل تنجح في مخططها، إنه التحدي مرة أخرى والمرأة حين تشحذ أقوى أسلحتها وتتغلب على أي ضعف أو تردد .. والحلم حين يفرض نفسه ليتحقق رغماً عن الجميع حتى وإن تحول إلى كابوس ..وفي فيلم «في شقة مصر الجديدة» تتحقق الأحلام المستحيلة ، فتظهر في آخر الفيلم فجأة أخبار عن أبله تهاني التي غذت في نفوس تلميذاتها الحلم، فإذا بها بعد انقطاعها عن الجميع واختفائها لسنوات حتى ظن البعض أنها انتحرت، إذا بها وقد عثرت على فتى أحلامها، تماماً كما تبدو بطلة الفيلم الفتاة الصعيدية.