كان الصف معتما ، هناك شباك واحد عالي محكم الإغلاق بشبك حديدي من وساخته كادت فتحاته تُغلق ... كان علينا أن نستعين بلمبة وحيدة تنير الصف في الحصة الأخيرة .
دخلت الأنسة خديجة التي تشبه فيروز وخاصة في إبتسامتها كانت ترتدي حجابا أزرق وجاكيت كحلية اللون تحتها فستان أزرق موشح بزهور كحلية وصفراء وزهرية .
كانت المعلمة خديجة تشبه سماء متحركة في فصل الصيف
وكنت أنا ابنة القرية في العاشرة من عمري ، أجد بلفظها الغريب عنا ، نحن الذين نشدد على القاف وهي التي تلفظها همزة مغناجة ، كأنها خرجت من مسلسل أو أغنية فكنت أتابع حركاتها وتعابير وجهها ورخاوة أصابعها الصغيرة البيضاء بمحبة كبيرة .
كنت حريصة ان تكون *مبسوطة* مني ...أردتها أن تفرح كلما أجبت على سؤالها بجواب جيد لذلك كنت أحضر لأجل رقرقة الفرح في عينيها بعض الدروس لأشارك معها .
تدخل الصف كعادتها بخفة ورحابة بكلمة صباح الخير
تقف تنظر إلينا واحدا واحدا ..ثم تسأل عن الغائب منا إن كنا نعرف سبب غيابه .
بدأت الدرس بكتابة العنوان على اللوح / الطهارة = النظافة / وراحت تشرح الكلمة ثم قرأت الآية ٤٣ من سورة النساء المقررة في الدرس بتلاوة من صوتها الجميل .
" يا أيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جُنُباً إلّا عابري سبيلٍ حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوّاً غفوراً "
شرحت الآية وذكرت ما يعني السجود ووجوب النظافة قبل الصلاة ، لكننا لم نكن نقوم بالصلاة وما كان أحدنا ليرى والديه راكعين إلا حين يزرع شتلات في الأرض أو ليقلع العشب الضار من حول نبتة مثمرة أو ليسقي زرعه أو يقطف ثمار الحقل من الأرض .
كان الركوع بالنسبة لنا ابناء القرية يعني أن نعمل ، وأن صلة ما تربطنا بالخالق المؤمنين به فلا ينقصنا الرجاء والدعاء إليه ليعم الخير وليرزق الجميع .
كنت استمع لها وأنتظر شرحها لجملة " وإذا لامستم النساء ولم تجدوا ماء فتيمموا " لكنها تجاوزتها بمقولة خجولة غائمة لم افهم منها شيئاً ...رفعت يدي وقلت : أنسة ما حبيت هالآية ،
نظرت إلي بعيون متفاجئة و مرتبكة و قالت : ليش ما حبيتيها ؟
أجبت : لأن أمي نظيفة جداً ، ومنذ الصباح حتى آخر النهار وهي تعمل في تنظيف البيت وتغسل الطعام جيدا وتنقي الارض من الحشائش الضارة وتنظف الخم من تحت الدجاج وتستحم في النهار ومرات في الليل ....أمي نظيفة جدا وأنا احتاج ان أحضنها والمسها !
وقفت تتأملني ..اقتربت مني وضعت يدها على رأسي وقالت
أمهاتنا جميعا نظيفات ولنترك هذه الآية لحين تكبرون ....ثم توقفت قليلا وأردفت : حتى لو كبرتم ستبقى أمهاتنا نظيفات .
كان جميعنا يعلم أن أمها ماتت اختناقاً من رائحة جرة الغاز التي تسخن عليها الماء وهي تغتسل أول جهجهة الصباح في الحمام .
مي عطاف
دخلت الأنسة خديجة التي تشبه فيروز وخاصة في إبتسامتها كانت ترتدي حجابا أزرق وجاكيت كحلية اللون تحتها فستان أزرق موشح بزهور كحلية وصفراء وزهرية .
كانت المعلمة خديجة تشبه سماء متحركة في فصل الصيف
وكنت أنا ابنة القرية في العاشرة من عمري ، أجد بلفظها الغريب عنا ، نحن الذين نشدد على القاف وهي التي تلفظها همزة مغناجة ، كأنها خرجت من مسلسل أو أغنية فكنت أتابع حركاتها وتعابير وجهها ورخاوة أصابعها الصغيرة البيضاء بمحبة كبيرة .
كنت حريصة ان تكون *مبسوطة* مني ...أردتها أن تفرح كلما أجبت على سؤالها بجواب جيد لذلك كنت أحضر لأجل رقرقة الفرح في عينيها بعض الدروس لأشارك معها .
تدخل الصف كعادتها بخفة ورحابة بكلمة صباح الخير
تقف تنظر إلينا واحدا واحدا ..ثم تسأل عن الغائب منا إن كنا نعرف سبب غيابه .
بدأت الدرس بكتابة العنوان على اللوح / الطهارة = النظافة / وراحت تشرح الكلمة ثم قرأت الآية ٤٣ من سورة النساء المقررة في الدرس بتلاوة من صوتها الجميل .
" يا أيّها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جُنُباً إلّا عابري سبيلٍ حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوّاً غفوراً "
شرحت الآية وذكرت ما يعني السجود ووجوب النظافة قبل الصلاة ، لكننا لم نكن نقوم بالصلاة وما كان أحدنا ليرى والديه راكعين إلا حين يزرع شتلات في الأرض أو ليقلع العشب الضار من حول نبتة مثمرة أو ليسقي زرعه أو يقطف ثمار الحقل من الأرض .
كان الركوع بالنسبة لنا ابناء القرية يعني أن نعمل ، وأن صلة ما تربطنا بالخالق المؤمنين به فلا ينقصنا الرجاء والدعاء إليه ليعم الخير وليرزق الجميع .
كنت استمع لها وأنتظر شرحها لجملة " وإذا لامستم النساء ولم تجدوا ماء فتيمموا " لكنها تجاوزتها بمقولة خجولة غائمة لم افهم منها شيئاً ...رفعت يدي وقلت : أنسة ما حبيت هالآية ،
نظرت إلي بعيون متفاجئة و مرتبكة و قالت : ليش ما حبيتيها ؟
أجبت : لأن أمي نظيفة جداً ، ومنذ الصباح حتى آخر النهار وهي تعمل في تنظيف البيت وتغسل الطعام جيدا وتنقي الارض من الحشائش الضارة وتنظف الخم من تحت الدجاج وتستحم في النهار ومرات في الليل ....أمي نظيفة جدا وأنا احتاج ان أحضنها والمسها !
وقفت تتأملني ..اقتربت مني وضعت يدها على رأسي وقالت
أمهاتنا جميعا نظيفات ولنترك هذه الآية لحين تكبرون ....ثم توقفت قليلا وأردفت : حتى لو كبرتم ستبقى أمهاتنا نظيفات .
كان جميعنا يعلم أن أمها ماتت اختناقاً من رائحة جرة الغاز التي تسخن عليها الماء وهي تغتسل أول جهجهة الصباح في الحمام .
مي عطاف