ليبيا مائة عام من المسرح"1908م- 2008م"أوهكذا تكلم المسرحيون -2-55 - نوري عبدالدائم
**************************************
الواحة والجوع
بقلم / ناصر الدعيسي
هي مسرحية «عبدالله القويري» التي قام المخرج «فرج بوفاخرة» بإخراجها هذا المخرج الذي شاهدناه في مهرجان الفاتح
في درنة عام 86 في مسرحية «تأخرت قليلاً يا صديقي» حينها شعرنا بقيمة شبابنا الذين دُرسوا في مجموعة أعمال
قدمها «منصور سرقيوة» في «الحارس» وداوود الحوتي في «الفرافير» و «محمد بوشعالة» في «المهرج» وأخيراً فتحي
كحلول في «باب الفتوح» هذه الأعمال علامات مضيئة في حركة المسرح الحرفي الآن.
ففي «الواحة والجوع» تلك الصحراء التي ينطلق بها البشر تائهين في سرابها يتحول ذلك السيد الذي لم يعرف
الصحراء جيداً ولم يعرف ما يخبئه له القدر، ورغم أن الجميع يعرفون صعوبة الذهنية في العمل المسرحي إلا أن «
بوفاخرة» أرغم شخصياتها من خلال ذلك الانفعال والتوتر على معرفة التصور المطروح في «الواحة والجوع» فالشك وعدم
الثقة لدى «الشيخ علي» الذي يرتفع صوته ضد الجميع في الصحراء «المرأة» و«مسعود» الذي يعاني من تلك المرأة
هذا التسلط واللاوعي بالذي يجري من «الشيخ علي» الذي يرى أنه لم يعد هو السيد، بل حاصره رفض «مسعود» المستمر
وجعله عبد الصحراء... في هذا الموقف السائد قامت «حميدة الخوجة» بدور قوي وجسدت المعاناة وشخصت النار التي
تلتهم صدورنا في الصحراء وسرابها المخيف رغم أنها هبطت بالدور في بعض الأحيان على عكس الشيخ «علي» «عبدالرزاق
المريمي» «ومسعود امبارك» اللذين ارتفعت الحركية عندهما وكانت فاعليتهما تسد كل ثغرة في ذهنية المشاهد
المتلاحقة في المسرحية... عرفنا أن التوتر ضعف وأن حب السيطرة نزوة فقط وأن «الشيخ علي» يخشى صمت «مسعود»
ولكن استمرار عدم الثقة والرهبة من الطرف الآخر التي تصل إلى حد جلده بالسوط وتضيع روح الفكرة كلما تساءلنا
ماذا يريد القويري ؟ وأين ينبغي لشخصياته أن تتوقف في هذه الواحة؟ حيث كان لغياب الصراع الدامي مواجه أخر هو
قدرة هؤلاء الممثلين على الأداء الحسن مما جعلنا نرى مفاهيم تطرح وآراء تتضاد ويأكلها الزمن والموقف معا لتصبح
لحظة صدق مع النفس وأن القلب واحة وهذا الصراع الذي يجرى بين العقل والباطن هو الذي بدد الذهنية لأننا أصبحنا
في موقف باهت أحياناً وكأننا أمام لوحات «سلفادور دالي» نبحث عن أي الألوان يجعلنا نمسك بخيط الحقيقة لقد
انتهشت المرأة أعماق الصحراء التي تمثل جفاف هذه الجروح أصلاً فالرصاصة التي سمعناها وعرفنا قصتها مع «
عبدالجواد» وكيف حمل أخاه من تلك المزرعة التي أراد الحصول منها على شيء والعذاب الذي رأه أخوه فكانت الطلقة
الثانية لإراحة شقيقه من هذا العذاب المستمر ولهذا الموقف المفاجئ تغضب الصحراء وتسقط النخلة التي عاشت عليها
تلك الصخور وأكلت منها، إن النخلة شاهد العيان سقطت والطلقة الثانية شاركت في هذا الخوف أما الطلقة الأخيرة
فكانت نهاية حتمية لهذه المواقف المتأزمة فقتل «عبدالجواد» لنفسه هو الرحيل نحو الممر الأخير،إن تلك الطلقات
هي إيقاظ عام لهذا الضمير في أن الجوع يولد مواقف متعددة تصل لمرحلة الموت، لقد جنب «فرج بوفاخرة» لذهنية «
القويري» ذلك الاستفزاز المستمر للعقل وبهذا أصبحت قضية الفهم شيئاً لايصعب على أحد.
ليبيا مائة عام من المسرح"1908م- 2008م"أوهكذا تكلم المسرحيون -2-55 - نوري عبدالدائم
**************************************
الواحة والجوع
بقلم / ناصر الدعيسي
هي مسرحية «عبدالله القويري» التي قام المخرج «فرج بوفاخرة» بإخراجها هذا المخرج الذي شاهدناه في مهرجان الفاتح
في درنة عام 86 في مسرحية «تأخرت قليلاً يا صديقي» حينها شعرنا بقيمة شبابنا الذين دُرسوا في مجموعة أعمال
قدمها «منصور سرقيوة» في «الحارس» وداوود الحوتي في «الفرافير» و «محمد بوشعالة» في «المهرج» وأخيراً فتحي
كحلول في «باب الفتوح» هذه الأعمال علامات مضيئة في حركة المسرح الحرفي الآن.
ففي «الواحة والجوع» تلك الصحراء التي ينطلق بها البشر تائهين في سرابها يتحول ذلك السيد الذي لم يعرف
الصحراء جيداً ولم يعرف ما يخبئه له القدر، ورغم أن الجميع يعرفون صعوبة الذهنية في العمل المسرحي إلا أن «
بوفاخرة» أرغم شخصياتها من خلال ذلك الانفعال والتوتر على معرفة التصور المطروح في «الواحة والجوع» فالشك وعدم
الثقة لدى «الشيخ علي» الذي يرتفع صوته ضد الجميع في الصحراء «المرأة» و«مسعود» الذي يعاني من تلك المرأة
هذا التسلط واللاوعي بالذي يجري من «الشيخ علي» الذي يرى أنه لم يعد هو السيد، بل حاصره رفض «مسعود» المستمر
وجعله عبد الصحراء... في هذا الموقف السائد قامت «حميدة الخوجة» بدور قوي وجسدت المعاناة وشخصت النار التي
تلتهم صدورنا في الصحراء وسرابها المخيف رغم أنها هبطت بالدور في بعض الأحيان على عكس الشيخ «علي» «عبدالرزاق
المريمي» «ومسعود امبارك» اللذين ارتفعت الحركية عندهما وكانت فاعليتهما تسد كل ثغرة في ذهنية المشاهد
المتلاحقة في المسرحية... عرفنا أن التوتر ضعف وأن حب السيطرة نزوة فقط وأن «الشيخ علي» يخشى صمت «مسعود»
ولكن استمرار عدم الثقة والرهبة من الطرف الآخر التي تصل إلى حد جلده بالسوط وتضيع روح الفكرة كلما تساءلنا
ماذا يريد القويري ؟ وأين ينبغي لشخصياته أن تتوقف في هذه الواحة؟ حيث كان لغياب الصراع الدامي مواجه أخر هو
قدرة هؤلاء الممثلين على الأداء الحسن مما جعلنا نرى مفاهيم تطرح وآراء تتضاد ويأكلها الزمن والموقف معا لتصبح
لحظة صدق مع النفس وأن القلب واحة وهذا الصراع الذي يجرى بين العقل والباطن هو الذي بدد الذهنية لأننا أصبحنا
في موقف باهت أحياناً وكأننا أمام لوحات «سلفادور دالي» نبحث عن أي الألوان يجعلنا نمسك بخيط الحقيقة لقد
انتهشت المرأة أعماق الصحراء التي تمثل جفاف هذه الجروح أصلاً فالرصاصة التي سمعناها وعرفنا قصتها مع «
عبدالجواد» وكيف حمل أخاه من تلك المزرعة التي أراد الحصول منها على شيء والعذاب الذي رأه أخوه فكانت الطلقة
الثانية لإراحة شقيقه من هذا العذاب المستمر ولهذا الموقف المفاجئ تغضب الصحراء وتسقط النخلة التي عاشت عليها
تلك الصخور وأكلت منها، إن النخلة شاهد العيان سقطت والطلقة الثانية شاركت في هذا الخوف أما الطلقة الأخيرة
فكانت نهاية حتمية لهذه المواقف المتأزمة فقتل «عبدالجواد» لنفسه هو الرحيل نحو الممر الأخير،إن تلك الطلقات
هي إيقاظ عام لهذا الضمير في أن الجوع يولد مواقف متعددة تصل لمرحلة الموت، لقد جنب «فرج بوفاخرة» لذهنية «
القويري» ذلك الاستفزاز المستمر للعقل وبهذا أصبحت قضية الفهم شيئاً لايصعب على أحد.