ليبيا مائة عام من المسرح"1908م- 2008م"أوهكذا تكلم المسرحيون -2-39- نوري عبدالدائم
**************************************
أزمة اسمها الإخراج المسرحي
بقلم : أحمد بشير عزيز
ـ المسرح رسالة بل هو مسؤولية كبيرة يجب أن يتناغم في تحملها الفكر والصنعة
كثيرون استسهلوا... فولجوا عالم الإخراج في إطار التجريب فلا نجحوا ولا نجح تجريبهم بسبب واضح وهو " فاقد الشيء
لا يعطيه".
واضح أن الأزمة في مسرحنا ليست أزمة نص فحسب وإنما هي أزمة إخراج أيضا ، والمتتبع لعروض فرقنا المسرحية يلاحظ
ودون حاجة للتأمل والتفكير التخبط الذي يقع فيه أغلب المخرجين المنتمين أو المتعاملين مع هذه الفرق.
كثير من النصوص الجيدة سواء لكتاب عالميين أو عرب أو حتى محليين يتم اجهاضها وتشويه مفرداتها والتشويش على
مضامينها بل اختراع مضامين لا علاقة لها بالنصوص الأصلية التي يقومون بإخراجها فتضيع النصوص ويهان كتابها ويصفع
الجمهور بإخراجات غرقى في الطلاسم والهلامية.
إنها أزمة حقيقية تعصف بمسرحنا ولابد من التفكير الجاد في تجاوزها وتصويب مسارها بالاتجاه الذي يضمن أعمال
مسرحية على قدر عال من الكفاءة الفنية والوعي الحقيقي بقيمة النص ورسالته ومقولته واحترام كبير للجمهور الذي
يأتي للمسرح وهو يطمح في مشاهدة شيئ رائع ويستفيد مما يطرح على خشبة المسرح من قضايا وأفكار ومضامين.
أما أن نترك الحبل على الغارب ونسكت على الغث ونفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب فذلك أمر غاية في الخطأ
ولا يقدم إلا إنتاجا مبتذلا هزيلا فاقداً لشروط العمل المسرحي .
صحيح أن المسرح مكان لتقديم التجارب ومختبر للابتكار والإبداع وساحة للتعبير المسؤول لكن الصحيح أيضاً أن
المسرح ليس مرتعا لتقديم الترهات ولا هو مناسبة لإظهار الجهالة والضحالة والفجاجة.
المسرح رسالة بل هو مسؤولية كبيرة يجب أن يتناعم في تحملها الفكر والصنعة.
الصنعة وحدها لا تكفي إذ لابد أن تحاكي المضمون وعندما تستند على بعُد أدبي وفكري كثيف، فإنها بدون شك ستكون
قادرة على الإشعاع في المشهد المسرحي بكامله.
صحيح إن الإخراج المسرحي هو إعادة صياغة لكنها الصياغة التي تثرى النص وتعمق المضمون وتحلل مكنوناته لا صياغة
التي تغرق النص بأحمال وأثقال تشوش على مقولته وتجهض عناصر الإبانة فيه.
والمخرج هو الفنان الذي يجيد وبوعي تنظيم آلياته التي تعمل علىصياغة المشهد المسرحي بطريقة تستند إلى رؤى
جمالية وفنية وإعادة رصف العناصر الدرامية بمحاكاة ناضجة تبرز بعدها الظاهر أو بعدها المضمر.
ولكن ما أبعد هذا عما نراه في مسرحنا.
ـ عناصر لا علاقة لها بالإخراج المسرحي لا من قريب ولا من بعيد تتحمل مسؤولية إخراج نصوص فوق قدرتها على الفهم وأ
بعد من استطاعتها على القراءة الركحية والمدلولات الجوانية لتلك النصوص فتكون النتيجة إخماد أنفاس الفكرة
وإفراغ النص من حرارة المضمون الهادف ولوى عنقه باتجاه تفسيرات تقبر مقولة النص بدل أن تجلوها وتظهرها
وتحريك الخشبة بطرائق إخراجية مستفزة تشوه جماليات النص .
ـ ممثلون يفتقدون لجاهزية الإخراج تجبرهم ظروف الفرق على التحول إلى مخرجين فتضيع لديهم الجهات الأربع
ويقدمون إخراجاً يفتقر للكثير وينأى عن سياقاته العلمية والموضوعية وتكون النتيجة أعمالاً مهلهلة فاقدة للتركيز
ومفتقرة للمضمون والدلالة.
ـ مهووسون بالتجريب دون فهم لأسسه مستنيرون بتعريف " بول شاؤول" للتجريب بأنه " البحث غير المشروط في أفق لا
حدود له " وحتى وإن كان الأمر كذلك فإن الباحث لا يجب أن ينطلق من فراغ فلا بد أن تكون له رؤية يستند إليها
ولابد أن يكون له هدف يرنو للوصول إليه ، ولا أعتقد أن الهدف هو مجرد التجريب للتجريب وإنما بالضرورة أن يكون
لإثبات غاية أو إظهار مضمون أو تثبيت رؤية.
لكن للأسف ما نراه على خشبات مسارحنا في كثير من الأحيان هو مجرد هذيان وهروب إلى الغموض على حساب المعنى
وشخوص تتقافز على الركح بدون معنى تصطرع أحياناً وتترنح أحياناً أخرى ويظل المعنى في بطن المخرج.
ـ مواهب كثيرة تضيع في هذه الدوامة يجنى عليها مخرج بلا إخراج ويضعها وسط دوائر متلاصقة تفضي لبعضها ولا تفضي
لشيء خارجها فتتعب المواهب ويتعب الجمهور بسبب" تعب" المخرج.
كثيرون استسهلوا ذلك فولجوا عالم الإخراج في إطار التجريب فلا نجحوا ولا نجح تجريبهم بسبب واضح وهو " فاقد
الشيء لا يعطيه"
ـ طلبة دفي بداية تكوينهم دفعت بهم الفرق المسرحية إلى مجال الإخراج دون أن يكتمل تأسيسهم ودون أن تنضج
خبرتهم ودون أن تتعمق علاقتهم بالمسرح فقضوا عليهم في مهدهم اخرجوا أعمالاً أكبر من مستوى إدراكهم وتحليلهم
وقدرتهم فجاء إخراجهم بلا عنوان ، متداخل الخطوط يشتبك فيه الوعي باللاوعي وينتهي إلى مجرد الإفراط في تشويه
جماليات النص والتشويش على رسولية المسرح ووظيفته ، والمصانعة التي تعكس هشاشة التفكير وضعف القدرات.
لا يعني هذا عدم وجود مخرجين حقيقيين وجيدين تظهر أعمالهم بشكل محدود وسط زخم إنتاج الفرق التي وصل عددها إلى
أكثر من " ثمانية وأربعين فرقة" وهؤلاء المخرجون يواجهون صعوبات كثيرة في إخراجهم للأعمال المسرحية منها
القدرات الثقافية والظروف المادية وقلة العناصر البشرية المؤهلة أو الموهوبة وإدارات الفرق وهذه أزمة أخرى
حري بها أن تكون موضوعاً مستقلاً.
وأعود لأقول الإخراج المسرحي يمثل أزمة حقيقية في مسارحنا ، ولابد من مناقشة جادة لهذه الأزمة وإيجاد الحلول
الناجحة لها إذا أردنا أن يكون لنا منبر ثقافي إبداعي واعيا وملتزما اسمه المسرح...
ليبيا مائة عام من المسرح"1908م- 2008م"أوهكذا تكلم المسرحيون -2-39- نوري عبدالدائم
**************************************
أزمة اسمها الإخراج المسرحي
بقلم : أحمد بشير عزيز
ـ المسرح رسالة بل هو مسؤولية كبيرة يجب أن يتناغم في تحملها الفكر والصنعة
كثيرون استسهلوا... فولجوا عالم الإخراج في إطار التجريب فلا نجحوا ولا نجح تجريبهم بسبب واضح وهو " فاقد الشيء
لا يعطيه".
واضح أن الأزمة في مسرحنا ليست أزمة نص فحسب وإنما هي أزمة إخراج أيضا ، والمتتبع لعروض فرقنا المسرحية يلاحظ
ودون حاجة للتأمل والتفكير التخبط الذي يقع فيه أغلب المخرجين المنتمين أو المتعاملين مع هذه الفرق.
كثير من النصوص الجيدة سواء لكتاب عالميين أو عرب أو حتى محليين يتم اجهاضها وتشويه مفرداتها والتشويش على
مضامينها بل اختراع مضامين لا علاقة لها بالنصوص الأصلية التي يقومون بإخراجها فتضيع النصوص ويهان كتابها ويصفع
الجمهور بإخراجات غرقى في الطلاسم والهلامية.
إنها أزمة حقيقية تعصف بمسرحنا ولابد من التفكير الجاد في تجاوزها وتصويب مسارها بالاتجاه الذي يضمن أعمال
مسرحية على قدر عال من الكفاءة الفنية والوعي الحقيقي بقيمة النص ورسالته ومقولته واحترام كبير للجمهور الذي
يأتي للمسرح وهو يطمح في مشاهدة شيئ رائع ويستفيد مما يطرح على خشبة المسرح من قضايا وأفكار ومضامين.
أما أن نترك الحبل على الغارب ونسكت على الغث ونفتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب فذلك أمر غاية في الخطأ
ولا يقدم إلا إنتاجا مبتذلا هزيلا فاقداً لشروط العمل المسرحي .
صحيح أن المسرح مكان لتقديم التجارب ومختبر للابتكار والإبداع وساحة للتعبير المسؤول لكن الصحيح أيضاً أن
المسرح ليس مرتعا لتقديم الترهات ولا هو مناسبة لإظهار الجهالة والضحالة والفجاجة.
المسرح رسالة بل هو مسؤولية كبيرة يجب أن يتناعم في تحملها الفكر والصنعة.
الصنعة وحدها لا تكفي إذ لابد أن تحاكي المضمون وعندما تستند على بعُد أدبي وفكري كثيف، فإنها بدون شك ستكون
قادرة على الإشعاع في المشهد المسرحي بكامله.
صحيح إن الإخراج المسرحي هو إعادة صياغة لكنها الصياغة التي تثرى النص وتعمق المضمون وتحلل مكنوناته لا صياغة
التي تغرق النص بأحمال وأثقال تشوش على مقولته وتجهض عناصر الإبانة فيه.
والمخرج هو الفنان الذي يجيد وبوعي تنظيم آلياته التي تعمل علىصياغة المشهد المسرحي بطريقة تستند إلى رؤى
جمالية وفنية وإعادة رصف العناصر الدرامية بمحاكاة ناضجة تبرز بعدها الظاهر أو بعدها المضمر.
ولكن ما أبعد هذا عما نراه في مسرحنا.
ـ عناصر لا علاقة لها بالإخراج المسرحي لا من قريب ولا من بعيد تتحمل مسؤولية إخراج نصوص فوق قدرتها على الفهم وأ
بعد من استطاعتها على القراءة الركحية والمدلولات الجوانية لتلك النصوص فتكون النتيجة إخماد أنفاس الفكرة
وإفراغ النص من حرارة المضمون الهادف ولوى عنقه باتجاه تفسيرات تقبر مقولة النص بدل أن تجلوها وتظهرها
وتحريك الخشبة بطرائق إخراجية مستفزة تشوه جماليات النص .
ـ ممثلون يفتقدون لجاهزية الإخراج تجبرهم ظروف الفرق على التحول إلى مخرجين فتضيع لديهم الجهات الأربع
ويقدمون إخراجاً يفتقر للكثير وينأى عن سياقاته العلمية والموضوعية وتكون النتيجة أعمالاً مهلهلة فاقدة للتركيز
ومفتقرة للمضمون والدلالة.
ـ مهووسون بالتجريب دون فهم لأسسه مستنيرون بتعريف " بول شاؤول" للتجريب بأنه " البحث غير المشروط في أفق لا
حدود له " وحتى وإن كان الأمر كذلك فإن الباحث لا يجب أن ينطلق من فراغ فلا بد أن تكون له رؤية يستند إليها
ولابد أن يكون له هدف يرنو للوصول إليه ، ولا أعتقد أن الهدف هو مجرد التجريب للتجريب وإنما بالضرورة أن يكون
لإثبات غاية أو إظهار مضمون أو تثبيت رؤية.
لكن للأسف ما نراه على خشبات مسارحنا في كثير من الأحيان هو مجرد هذيان وهروب إلى الغموض على حساب المعنى
وشخوص تتقافز على الركح بدون معنى تصطرع أحياناً وتترنح أحياناً أخرى ويظل المعنى في بطن المخرج.
ـ مواهب كثيرة تضيع في هذه الدوامة يجنى عليها مخرج بلا إخراج ويضعها وسط دوائر متلاصقة تفضي لبعضها ولا تفضي
لشيء خارجها فتتعب المواهب ويتعب الجمهور بسبب" تعب" المخرج.
كثيرون استسهلوا ذلك فولجوا عالم الإخراج في إطار التجريب فلا نجحوا ولا نجح تجريبهم بسبب واضح وهو " فاقد
الشيء لا يعطيه"
ـ طلبة دفي بداية تكوينهم دفعت بهم الفرق المسرحية إلى مجال الإخراج دون أن يكتمل تأسيسهم ودون أن تنضج
خبرتهم ودون أن تتعمق علاقتهم بالمسرح فقضوا عليهم في مهدهم اخرجوا أعمالاً أكبر من مستوى إدراكهم وتحليلهم
وقدرتهم فجاء إخراجهم بلا عنوان ، متداخل الخطوط يشتبك فيه الوعي باللاوعي وينتهي إلى مجرد الإفراط في تشويه
جماليات النص والتشويش على رسولية المسرح ووظيفته ، والمصانعة التي تعكس هشاشة التفكير وضعف القدرات.
لا يعني هذا عدم وجود مخرجين حقيقيين وجيدين تظهر أعمالهم بشكل محدود وسط زخم إنتاج الفرق التي وصل عددها إلى
أكثر من " ثمانية وأربعين فرقة" وهؤلاء المخرجون يواجهون صعوبات كثيرة في إخراجهم للأعمال المسرحية منها
القدرات الثقافية والظروف المادية وقلة العناصر البشرية المؤهلة أو الموهوبة وإدارات الفرق وهذه أزمة أخرى
حري بها أن تكون موضوعاً مستقلاً.
وأعود لأقول الإخراج المسرحي يمثل أزمة حقيقية في مسارحنا ، ولابد من مناقشة جادة لهذه الأزمة وإيجاد الحلول
الناجحة لها إذا أردنا أن يكون لنا منبر ثقافي إبداعي واعيا وملتزما اسمه المسرح...