ليبيا مائة عام من المسرح"1908م- 2008م"أوهكذا تكلم المسرحيون -1-11- نوري عبدالدائم
**************************
الحركة المسرحية الليبية
إصرار شغوف ومثابر
بقلم / محمد سليمان الزيات
إن المتتبع للحركة المسرحية الليبية،سواء عن طريق المشاهدة أو قراءة ماكتب وما يكتب عنها،سوف يخرج بنتيجتين.
أولاهما:إن إصرارا شغوفا ظل ملازماً للعناصر الفنية التي اهتمت بهذا الفن العظيم،على مساحة زمنية امتدت لقرن من الزمان.شهدت خلاله الحركة،موجات بين مد وجزر،واسمة تلك الحركة بالمثابرة والإصرار اللذين يبعثان في نفوسنا كل احترام وتقدير.
ثانيهما:تلك العوامل المعيقة التي وقفت دائماً في وجه كل المحاولات دون استثناء.وفي اعتقادي أن أي تقييم لهذه الحركة الفنية لابد وأن يأخذ في الاعتبار مجموعة الظروف المتعددة التي واجهت الحركة المسرحية الليبية منذ النشأة وحتى الآن.
سواء في ذلك تلك الظروف السياسية المتمثلة في واقع الاحتلال،الذي داهم المجتمع الليبي،والحركة المسرحية الوليدة التي لم يتعد عمرها حينذاك الثلاث سنوات.
هذا الواقع أو هذا الظرف الاستثنائي الذي أملى على الحركة المسرحية الوليدة ضرورة الكفاح.ومن خلال هذه الضرورة كان على الحركة أن تخوض صراعاً ضد المحتل.الأمر الذي شكل ظرفاً جدليا بين الفن والفنانين من ناحية وسلطة الاحتلال من ناحية أخرى.وهو ماوضع الحركة المسرحية وهي في طور نموها على أرضية اجتماعية وسياسية ساخنة.
وشتان مابين مناخ كفاحي ساخن وأرضية باردة في تأثير الأولى على حركة الإبداع وسيكلوجيته في الوقت ذاته.إذ لايخفى دور الحماسة الوطنية على الإبداع الفني والدور الذي يمكن أن يلعبه في رفع الوعي بالمسألة الوطنية وجعلها متأججة ومطروحة بإلحاح على الضمير الوطني.
وكان الظرف الاجتماعى الفارض للعزلة خاصة في النصف الأول من القرن العشرين هو ما ألقى بالصعوبات ضمن عوامل أخرى.أمام تطور تلك الفرق المسرحية التي كانت قد انبثقت من الجغرافيا المترامية للبلاد.
وما أن انتصف القرن العشرون حتى بدأت العزلة في الانكسار متمثلة في الاتصال والحضور لفنانين وأساتذة مصريين وكذلك الدورات التدريبية بعد ذلك التي حظى بها بعض الفنانين المهتمين بالإخرج والتمثيل المسرحي المبعوثين إلى الخارج وإلى القاهرة خاصة الذين توجهوا إلى المسرح القومي بالقاهرة والزيارات المتعددة لفنانين وأساتذة مسرحيين مخلصين للحركة المسرحية العربية.
كل ذلك كان من شأنه أن يعمل على دفع الحركة المسرحية الليبية من ممثلين ومؤلفين ومخرجين وإداريين إلى الدخول في مرحلة العلمية،التي هي ضرورية بقدر ما للحماسة والشغف بفن المسرح من أهمية.
حيث الحاجة إلى الاطلاع على المدارس المتنوعة في الأداء المسرحي وكذلك الوقوف على التخصصات المختلفة من إعداد الخشبة والسينوغرافيا والتفريق بين مهمة المخرج ومدير الغرفة ومصمم الملابس وفني التنكر "المكياج"والصوت وفني الإضاءة..إلخ وكل منها علم لايستقيم العمل دونه فضلاً عن كتابة النص المسرحي المدعوم بمعرفة كل هذه العلوم.
إلا أن عوامل التعويق ظلت مرافقة للحركة المسرحية الليبية وعالقة بها ولكى نكون منصفين فإن بعضها أخذ في التراجع في السنوات الأخيرة وإذا اعتبرنا أن المسرح يقوم برصد الواقع الاجتماعي السياسي والثقافي في بعض الأحيان فإنه لزام عليه أن يعكس عنصري المجتمع الرجل والمرأة ضمن تقديمه للعلاقات الاجتماعية وجدل طبقاته أو فئاته وشرائحه الاجتماعية.
وفي هذه النقطة نستطيع أن نقول إن عدة مستويات قد لعبت دوراً في توجيه كتاب المسرح لموضوعات يمكن تسميتها بالثيمات العرفية سطر أو العمل على نص لكاتب عربي.
ويمكن إرجاع هذا التوجه في الكتابة المسرحية إلى مستوى التطور الاجتماعي حيث عدم بروز طبقات اجتماعية محددة الملامح بسبب طبيعة نمط الإنتاج الريفي وشبه الزراعي والنظام القبلي بقيمه وتقاليده وأعرافه الذي يجد صعوبة في تقبل مثل هذا النوع من الفن،خاصة في مسألة مشاركة المرأة.
وقد سجلت شهادات بعض الفرق هذه الصعوبة.
ولكن علينا أيضاً أن نعترف أن خشبة المسرح بدأت تشهد منذ منتصف القرن العشرين وبالتدريج حضوراً مشرفاً لفنانات تركن بصمة على الحركة المسرحية الليبية بل نستطيع أن نقول إنهن في ظرف اجتماعى صعب مثل هذا قد حملن مهمة شق الطريق وتغيير القيم المعيقة،ببطولة وتحد منقطع النظير.الأمر الذي أثر في النظرة الاجتماعية للفنانات وإن لم تكن خالصة بعد،شأنها في ذلك شأن كل المجتمعات الشرقية في النظر بسلبية إليهن بل إلى كل المستغلين بالفن في بعض المجتمعات العربية الأخرى.
وتعتبر مسألة الرعاية والتمويل من أهم النقاط التي أعاقت استمرارية الفرق المسرحية التي كانت تنبت ثم تموت وتدخل في إغماءة بسبب عدم الالتفات إلى أهمية الدور الحضاري للمسرح وعدم تقدير دوره في إيصال الجماهير للوعي اللازم بمصالحها.
وفي ظل كل هذه المعوقات التي أدت إلى الحضور المتقطع للمسرح فقد المسرح جمهوره الذي لايمكن له أن يحيا دونه.
إلا أننا وعلى الرغم من هذا التقطع في الحضور والارتباط المناسباتي ومن خلال مشاهداتنا للعروض التي تعرض في المهرجانات نجد إقبالاً بدأ يتزايد على العروض حتى وإن كان بعض الحضور يوجدون لأسباب أخرى غير مانرتضيه للمسرح وقدسيته إلا أن حركة مسرحية مستمرة وقائمة بشكل مؤسساتي تستطيع أن تحسم مسألة الجمهور بالإيجاب وتخلق فيه تقاليد قائمة على احترام قيمة هذا الفن الرفيع.
وتساهم في خلق أجواء محبة للفن كما ستتيح للفنانين والفنيين والمخرجين إمكانية الممارسة التي عليها يكون الرهان في بروز مبدعين على كل المستويات يمكن حينها أن نصدر الأحكام عليهم.إنما الآن لانستطيع إلا أن نؤدي واجبنا بمواكبة نقدية ليست مهمتها إصدار الأحكام وإنما تنصب مهمتها في تحليل الأعمال وتبيان مواضع الضعف إن وجدت وهي بالضرورة قائمة وتحتاج إلى من يقرأها بل إلى من يقرأوها أي أننا في حاجة إلى نقد علمي وموضوعي يواكب هذا الشغف الجميل المحب لتحمل أعباء ومعاناة الفن المسرحي.
ليبيا مائة عام من المسرح"1908م- 2008م"أوهكذا تكلم المسرحيون -1-11- نوري عبدالدائم
**************************
الحركة المسرحية الليبية
إصرار شغوف ومثابر
بقلم / محمد سليمان الزيات
إن المتتبع للحركة المسرحية الليبية،سواء عن طريق المشاهدة أو قراءة ماكتب وما يكتب عنها،سوف يخرج بنتيجتين.
أولاهما:إن إصرارا شغوفا ظل ملازماً للعناصر الفنية التي اهتمت بهذا الفن العظيم،على مساحة زمنية امتدت لقرن من الزمان.شهدت خلاله الحركة،موجات بين مد وجزر،واسمة تلك الحركة بالمثابرة والإصرار اللذين يبعثان في نفوسنا كل احترام وتقدير.
ثانيهما:تلك العوامل المعيقة التي وقفت دائماً في وجه كل المحاولات دون استثناء.وفي اعتقادي أن أي تقييم لهذه الحركة الفنية لابد وأن يأخذ في الاعتبار مجموعة الظروف المتعددة التي واجهت الحركة المسرحية الليبية منذ النشأة وحتى الآن.
سواء في ذلك تلك الظروف السياسية المتمثلة في واقع الاحتلال،الذي داهم المجتمع الليبي،والحركة المسرحية الوليدة التي لم يتعد عمرها حينذاك الثلاث سنوات.
هذا الواقع أو هذا الظرف الاستثنائي الذي أملى على الحركة المسرحية الوليدة ضرورة الكفاح.ومن خلال هذه الضرورة كان على الحركة أن تخوض صراعاً ضد المحتل.الأمر الذي شكل ظرفاً جدليا بين الفن والفنانين من ناحية وسلطة الاحتلال من ناحية أخرى.وهو ماوضع الحركة المسرحية وهي في طور نموها على أرضية اجتماعية وسياسية ساخنة.
وشتان مابين مناخ كفاحي ساخن وأرضية باردة في تأثير الأولى على حركة الإبداع وسيكلوجيته في الوقت ذاته.إذ لايخفى دور الحماسة الوطنية على الإبداع الفني والدور الذي يمكن أن يلعبه في رفع الوعي بالمسألة الوطنية وجعلها متأججة ومطروحة بإلحاح على الضمير الوطني.
وكان الظرف الاجتماعى الفارض للعزلة خاصة في النصف الأول من القرن العشرين هو ما ألقى بالصعوبات ضمن عوامل أخرى.أمام تطور تلك الفرق المسرحية التي كانت قد انبثقت من الجغرافيا المترامية للبلاد.
وما أن انتصف القرن العشرون حتى بدأت العزلة في الانكسار متمثلة في الاتصال والحضور لفنانين وأساتذة مصريين وكذلك الدورات التدريبية بعد ذلك التي حظى بها بعض الفنانين المهتمين بالإخرج والتمثيل المسرحي المبعوثين إلى الخارج وإلى القاهرة خاصة الذين توجهوا إلى المسرح القومي بالقاهرة والزيارات المتعددة لفنانين وأساتذة مسرحيين مخلصين للحركة المسرحية العربية.
كل ذلك كان من شأنه أن يعمل على دفع الحركة المسرحية الليبية من ممثلين ومؤلفين ومخرجين وإداريين إلى الدخول في مرحلة العلمية،التي هي ضرورية بقدر ما للحماسة والشغف بفن المسرح من أهمية.
حيث الحاجة إلى الاطلاع على المدارس المتنوعة في الأداء المسرحي وكذلك الوقوف على التخصصات المختلفة من إعداد الخشبة والسينوغرافيا والتفريق بين مهمة المخرج ومدير الغرفة ومصمم الملابس وفني التنكر "المكياج"والصوت وفني الإضاءة..إلخ وكل منها علم لايستقيم العمل دونه فضلاً عن كتابة النص المسرحي المدعوم بمعرفة كل هذه العلوم.
إلا أن عوامل التعويق ظلت مرافقة للحركة المسرحية الليبية وعالقة بها ولكى نكون منصفين فإن بعضها أخذ في التراجع في السنوات الأخيرة وإذا اعتبرنا أن المسرح يقوم برصد الواقع الاجتماعي السياسي والثقافي في بعض الأحيان فإنه لزام عليه أن يعكس عنصري المجتمع الرجل والمرأة ضمن تقديمه للعلاقات الاجتماعية وجدل طبقاته أو فئاته وشرائحه الاجتماعية.
وفي هذه النقطة نستطيع أن نقول إن عدة مستويات قد لعبت دوراً في توجيه كتاب المسرح لموضوعات يمكن تسميتها بالثيمات العرفية سطر أو العمل على نص لكاتب عربي.
ويمكن إرجاع هذا التوجه في الكتابة المسرحية إلى مستوى التطور الاجتماعي حيث عدم بروز طبقات اجتماعية محددة الملامح بسبب طبيعة نمط الإنتاج الريفي وشبه الزراعي والنظام القبلي بقيمه وتقاليده وأعرافه الذي يجد صعوبة في تقبل مثل هذا النوع من الفن،خاصة في مسألة مشاركة المرأة.
وقد سجلت شهادات بعض الفرق هذه الصعوبة.
ولكن علينا أيضاً أن نعترف أن خشبة المسرح بدأت تشهد منذ منتصف القرن العشرين وبالتدريج حضوراً مشرفاً لفنانات تركن بصمة على الحركة المسرحية الليبية بل نستطيع أن نقول إنهن في ظرف اجتماعى صعب مثل هذا قد حملن مهمة شق الطريق وتغيير القيم المعيقة،ببطولة وتحد منقطع النظير.الأمر الذي أثر في النظرة الاجتماعية للفنانات وإن لم تكن خالصة بعد،شأنها في ذلك شأن كل المجتمعات الشرقية في النظر بسلبية إليهن بل إلى كل المستغلين بالفن في بعض المجتمعات العربية الأخرى.
وتعتبر مسألة الرعاية والتمويل من أهم النقاط التي أعاقت استمرارية الفرق المسرحية التي كانت تنبت ثم تموت وتدخل في إغماءة بسبب عدم الالتفات إلى أهمية الدور الحضاري للمسرح وعدم تقدير دوره في إيصال الجماهير للوعي اللازم بمصالحها.
وفي ظل كل هذه المعوقات التي أدت إلى الحضور المتقطع للمسرح فقد المسرح جمهوره الذي لايمكن له أن يحيا دونه.
إلا أننا وعلى الرغم من هذا التقطع في الحضور والارتباط المناسباتي ومن خلال مشاهداتنا للعروض التي تعرض في المهرجانات نجد إقبالاً بدأ يتزايد على العروض حتى وإن كان بعض الحضور يوجدون لأسباب أخرى غير مانرتضيه للمسرح وقدسيته إلا أن حركة مسرحية مستمرة وقائمة بشكل مؤسساتي تستطيع أن تحسم مسألة الجمهور بالإيجاب وتخلق فيه تقاليد قائمة على احترام قيمة هذا الفن الرفيع.
وتساهم في خلق أجواء محبة للفن كما ستتيح للفنانين والفنيين والمخرجين إمكانية الممارسة التي عليها يكون الرهان في بروز مبدعين على كل المستويات يمكن حينها أن نصدر الأحكام عليهم.إنما الآن لانستطيع إلا أن نؤدي واجبنا بمواكبة نقدية ليست مهمتها إصدار الأحكام وإنما تنصب مهمتها في تحليل الأعمال وتبيان مواضع الضعف إن وجدت وهي بالضرورة قائمة وتحتاج إلى من يقرأها بل إلى من يقرأوها أي أننا في حاجة إلى نقد علمي وموضوعي يواكب هذا الشغف الجميل المحب لتحمل أعباء ومعاناة الفن المسرحي.