بقلم: د.علي الراعي.الليبي عبد الحميد المجراب الشاعرين أحمد قنابة وإبراهيم الأسطى عمر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بقلم: د.علي الراعي.الليبي عبد الحميد المجراب الشاعرين أحمد قنابة وإبراهيم الأسطى عمر


    ليبيا مائة عام من المسرح"1908م- 2008م"أوهكذا تكلم المسرحيون -1-5- نوري عبدالدائم
    **************************


    ليبيا
    بقلم / د. علي الراعي

    يعتبر الكاتب الليبي عبد الحميد المجراب الشاعرين أحمد قنابة وإبراهيم الأسطى عمر، في مقدمة الرعيل الأول من رجالات المسرح البارزين في ليبيا. 

الأول كان يعمل مذيعا إبان الاحتلال الإيطالي للبلاد، وأسهم في العديد من المسرحيات التي كانت تقدمها في ليبيا فرقة إيطالية عرفت باسم "الدبولاكورو" أي ما بعد العمل، وكانت هذه الفرقة تتألف من مجموعة من الهواة، يمارسون نشاطهم الفني بعد الفراغ من أعمالهم الرسمية، وكانت أغلبيتهم من الأجانب بينهم عدد قليل جداً من أبناء البلاد، وقد ظلت هذه الفرقة تعمل من 1925 حتى 1936، وشارك الشاعر أحمد قنابة في التمثيل مع الفرقة طيلة هذه الأعوام، ومن ثم أحب المسرح وتبين له بوضوح مدى ما يمكن أن يقدمه للناس من خدمات، على سبيل إيقاظ الحس الوطني، وتجنيده لمقاومة ما كان من الاستعمار الإيطالي يسدر فيه من محاولات نشطة لطمس الشخصية الوطنية الليبية 

وجاءت الزيارات المتعددة التي قامت بها الفرق العربية من مصر وتونس لتدعم الحس المسرحي عند قنابة وغيره من فناني المسرح وكان بين الفرق المسرحية التي زارت البلاد فرقة جورج أبيض وفرقة منيرة المهدية، وفرقة يوسف وهبي، وقد لاقت هذه الفرق جميعاً التشجيع والإقبال الكبيرين من لدن المواطنين، مما شجع قنابة وزملاءه من مدرسي مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية على المضي على درب المسرح، وبخاصة بعد أن زارت إحدى الفرق الليبية، وهي فرقة درنة المعروفة أيضا باسم "فرقة هواة التمثيل" مدينة طرابلس وقدمت فيها مسرحية "خليفة الصياد". 

( أحمد قنابة ) 

تشجع أحمد قنابة بهذه الزيارة وقوى بها عوده، فأسس الفرقة الوطنية الطرابلسية عام 1936، وقدمت الفرقة مسرحيته الأولى "وديعة الحاج فيروز"، وأعقبتها بمسرحية "حلم المأمون" من تأليف وإخراج أحمد قنابة، وقد كان يساعد قنابة في عمله نخبة من المثقفين والفنانين بينهم الهادي المشيرقي، ومحمد حمدي، والدكتور مصطفي العجيلي، وفؤاد الكعبازي، وكان هذا الأخير يتولي مهمة إعداد الديكورات ورسم اللوحات الدعائية، وقد قدمت الفرقة أعمالها على مسرح البوليتياما، الذي حلت محله سينما النصر وقد كانت هذه الفرقة وغيرها، ما بين محلية وزائرية، تعمل في وجه مقاومة شرسة من سلطات الاستعمار الإيطالي، التي أحست بخطر المسرح وقدرته على إيقاظ العواطف، فكانت تعمد إلى محاربة فرقة مدرسة الفنون والصنائع، وتهدد مناصريها والقائمين عليها، ووصل الأمر بهذه السلطات الاستعمارية إلى حد منع تمثيل مسرحية "صلاح الدين" لما تحويه من تمجيد للعرب والعروبة. 


ويصف أحمد قنابة الدوافع التي دعته إلى إنشاء فرقته فيقول: إن الحافز المباشر له كان قدوم فرقة هواة التمثيل، وعلى رأسها محمد عبد الهادي إلى طرابلس وتقديمها مسرحة "هارون الرشيد" التي مثل فيها محمد عبد الهادي ودور خليفة الصياد، في الحفلات الثلاث التي قدمتها الفرقة. 


شرع قنابة من فوره في تأليف فرقته، فانتخب من بين طلبة مدرسة الفنون والصنائع من آنس فيهم ميلا لفنون التمثيل، ورغم اضطهاد السلطات الاستعمارية لهذه الفرقة ولفن التمثيل عامة، فقد نجحت الفرقة في تقديم مسرحيات اجتماعية تعني بتصوير ونقد العادات والتقاليد المختلفة التي كانت تعرقل سير المجتمع، وتساعد على بقاء المستعمر في البلاد. 


كما قدمت الفرقة النوع الآخر من المسرحيات الذي يألفه بلد ينمو فيه الفن المسرحي، فيتطلع إلى استخدامه لدعم الروح القومية في البلاد، عن طريق تقديم مسرحيات تستعرض أمجاد الماضي، وتنظر في بطولات الأجداد، وتعرض أعمالهم في مجالات الأدب والسياسة والفكر والدين والعقيدة. 

كان هذا في طرابلس، أما في درنة فقد بدأت فرقة هواة التمثيل عملها هناك في عام 1928، وكان في درنة إذ ذاك ممثل كوميدي محبوب هو: محمد عبد الهادي الذي برع في تمثيل الأدوار الكوميدية، وإلقاء المونولوجات الفكاهية. 

( إبراهيم الأسطي ) 

وقد اصطدمت الفرقة بمعوقات كثيرة كان على رأسها سلطات الاستعمار الإيطالي، بالإضافة إلى الصعوبات الأخرى التي تلقاها فرق الهواة في كل بلد لم يعرف فن المسرح الجدي إلا أخيرا، فقد عجز جمهور المتفرجين عن دعم الفرقة دعما كافيا لقلة خبرته وندرة زيارته للمسارح هذا بالإضافة إلى انعدام العنصر النسائي بين الفنانين الليبيين، وعدم وجود قاعة عرض يقدمون فيها أعمالهم، وهنا يأتي الدور الريادي الذي لعبه الشاعر إبراهيم الأسطي عمر الذي كان أحد مؤسسي فرقة هواة التمثيل. 


لقد بسط إبراهيم الأسطي عمر على الفرقة الناشئة حمايته الثقافية والمالية أيضا، ولما لجأ محمد عبد الهادي إلى استئجار بيت تؤدي فيه الفرقة تمارينها، بعد أن رفضت سلطات الاستعمار منح الفرقة رخصة عمل ساند الرائد المسرحي إبراهيم الأسطي عمر جهود الفرقة فقدم مشورته الفنية والثقافية وأسهم إسهاما فعالا في تمثيل بعض الأدوار وإخراج عدد من المسرحيات واختيار النصوص وتعديلها بحيث تتماشي مع البيئة الليبية وحين كان يعوز الفرقة المال، كان هذا الرائد الشجاع يدفع من راتبه الضئيل للإسهام في نفقات شراء المعدات والمهام المسرحية اللازمة. 

وكان إلى جوار ذلك يشترك في الجهود المبذولة لتقديم الحفلات والإعلان عنها، إلى جوار الإسهام الفعلي في التمثيل كما مر بنا، وفي هذا الميدان الأخير، أثبت الأستاذ إبراهيم الأسطي عمر حبه الغامر لفن المسرح، وذلك حين اغتر أحد الممثلين بنفسه، إبان تقديم مسرحية أحمد شوقي: "أميرة الأندلس" فهدد بالانسحاب من المسرحية ما لم يجب إلى مطالب كان قد تقدم بها. 


وقد تصرف الأستاذ إبراهيم عمر إذ ذاك تصرف الفنان القادر والحازم معا، فسحب الدور من الممثل المغرور، وقام هو بأدائه إلى جانب دور آخر كان يقوم به في المسرحية ذاتها، وبذا تكفل الرائد المسرحي بتمثيل دوره الأصلي في المسرحية وهو دور ابن حيون، واستظهر دور الممثل المنسحب وهو دور ابن شاليب اليهودي وأتم دراسته وحفظه في غضون ليلة واحدة كانت تسبق العرض. 


كما قام الأستاذ إبراهيم عمر بدور إسحاق النديم في مسرحية: "هارون الرشيد" التي عرفت في ليبيا باسم: "خليفة الصياد" علاوة على إسهامه في إخراج المسرحية وإعداد ديكوراتها وملابسها إلى جانب الفنان عمر الطرابلسي المشرف الفني العام. 

(مسرح جهادي ) 

بعد هذه الإطلالة السريعة على خلفيات النشاط المسرحي في ليبيا نتقدم لدراسة ما قدمه كتاب المسرح في ذلك البلد المجاهد، وهو نتاج كبير إلى حد يدعو إلى الدهشة والإعجاب معا. 


في عام 1965 كتب عبد الله القويري أحد أدباء ليبيا البارزين في ميدان القصة والمقالة الأدبية مسرحية "الجانب الوضئ" والمسرحية تتناول جماعة من الشباب الوطني مشغول بالهم الوطني العام الذي تواجهه البلاد: هم التحرر من السيطرة الخانقة التي تكتم الأنفاس ولا تترك مجالا للحركة نحو التقدم، ولا تحقق حرية التعبير، وبخاصة للأجيال الصاعدة. 

بين هذه الجماعة شاب حالم مشغول بالأوراق والقصص والمثل العليا ولكنه لشدة نقائه ينضم إلى هدف الجماعة الثورية ليؤدي نصيبه في تحرير المجتمع، وحين تبدأ المسرحية نجد أن هذا الشاب، واسمه صديق، مشتبكا في نقاش حاد تعلو نبرته حينا إلى حد العراك وتنخفض حتى لتكاد تكون توسلا أو رجاء، من جانب صديق لصديقه الذي يبادله الكلام وهو سعيد وأما موضوع الحديث فهو عضو من أعضاء الجماعة اسمه عزيز، تحوم حوله شكوك يحس بها صديق ولا يستطيع مهما حاول أن يهدئ منها أو ينساها. 


أما سعيد فهو لا يصدق شكوك صديق في عزيز هذا، الذي هو عضو رئيسي في الجماعة ويري أن صديقه يبالغ كثيرا في ارتيابه ويتمسك بهذا الرأي، حتى بعد أن يفد على الاثنين عضو ثالث في الجماعة اسمه يزيد فيؤيد شكوك صديق في عزيز، وينهي إلى الاثنين المتناقشين أن أحد أعضاء الجماعة واسمه عديل، قد ألقى عليه القبض، وأن هذا الأمر قد حدث بعد أن كان عديل قد كتب مجموعة مقالات كان ينوي إرسالها إلى مجلة الأحرار، وأحب كما هي عادته أن يعرض أفكاره أولا على أحد زملائه قبل نشرها، وقد قرأ بعضاً من هذه المقالات على عزيز الذي استمع وهز رأسه وقال: عظيم ثم ندم عديل من بعد على ما فعل لأنه هو الآخر. 


كانت تساوره الشكوك في عزيز وقام بتمزيق المقالات، وإخفاء أثرها ولكن هذا التحوط لم يمنع مكتب التحقيقات الرئيسي من تفتيش مكتب عديل ومن ثم اقتيد الكاتب إلى السجن، وهو إجراء لم يسبق له مثيل يدل على أن المسؤولين قد أخذوا يفطنون إلى أن شيئا جديدا قد جد على البلاد. 


ونعلم من اتصال النقاش بين الزملاء الثلاثة أن عزيزا كان له موقف آخر غير موقف الجماعة، بل إنه كان ضد كثير من مواقف الجماعة ولكنه مع ذلك قد وافق على المنشور الذي أخذ على عاتقه الدفاع عن تصرفات عزيز، يرى أن عمل الجماعة حتى الآن قد كان في الهواء وأن أخطاء الجماعة هي التي تقف حجر عثرة في طريقها، وليس الديمقراطية الزائفة التي يمارسها الحكام. 


وأثناء النقاش يلمح صديق إلى أن موقف سعيد من عزيز ومن الجماعة ربما كان راجعا إلى ظروف خاصة هو واقع تحت تأثيرها، مثل ظروف والده، الذي يبدو أن هناك شيئا يشينه، ولا تفصح عنه المسرحية وأن هذا قد يكون سببا في تردد سعيد وهنا تعلو نبرة النقاش فتبلغ حد الاقتتال بين صديق وسعيد، وبالفعل يتماسكان ثم يهل عليهم عزيز وتنسدل الستارة على الفصل الأول. ( مسرحية "الجانب الوضيء" ) 


في الفصل الثاني من مسرحية "الجانب الوضيء" نقاش حاد آخر، يدور هذه المرة بين صديق وأمه، الأم تتهم ابنها بأنه غارق لأذنيه في الوهم وأنه فاشل يتعزي عن فشله بالكتابة، وهو يكتب عن الحياة، وغيره يعيش الحياة، إنه لا يصلح لأن يكون خلفا لأبيه قط، فالأب عقد عمل، كافح وضحى ورعى الأسرة بكل ما في طاقته، بينما هو يترك كسب العيش لأمه، تغزل في سبيل لقمة العيش، ثم تدفع بغزلها إلى ابنتها مليكة أخت صديق لتبيع الغزل كل هذا، ورجل البيت مشغول بهمومه وأفكاره وشكوكه وتساؤلاته وتفلسفه.




يعمل...
X