مع كتابات.. لبنى ياسين: الوطن هو المكان الذي تصان فيه كرامتك، أما سورية- وجعي- فهي في القلب
حاورتها- سماح عادل
“لبنى ياسين” كاتبة صحفية وروائية وفنانة تشكيلية سورية هولندية، عضوة اتحاد الكتاب العرب في سوريا، عضوة فخرية في جمعية الكاتبات المصريات، كاتبة من ضمن أهم مائة كاتب في العالم وفقاً لمنظمة الصحافة العالمية، فازت بالجائزة الأولى للقصة القصيرة لأدب المهجر في مسابقة الهجرة في هولندا، والتي تقام للأدب المهاجر إلى جانب الأدب الهولندي 2014.
إصدارتها..
كان لنا معها ذلك الحوار الشيق:
** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
– بدأتُ الكتابة في طفولتي المبكرة، في التاسعة، أو العاشرة من عمري، بالطبع كانت الكتابة وقتها تنحو نحو قصص الأطفال، وقد نشرت في مجلات الحائط المدرسية، وفي مجلات الأطفال، ثم نشرت القصة القصيرة الأولى لي في مجلة الثقافة، كانت تتحدث عن القضية الفلسطينية، يومها طرتُ فرحاً، لأن اسمي كان مجاوراً لأسماء كتاب معروفين في سورية، تطور قلمي بالقراءة، فقد كنت، وما زلت شغوفة بالقراءة، وبوجود مكتبة ضخمة في المنزل، وبتشجيع كبير من والدي رحمه الله الكاتب “محمود ياسين” والذي أدين له بالفضل، تلاحقت خطاي في درب الكتابة.
فزت بالجائزة الأولى للقصة القصيرة لأدب المهجر في مسابقة الهجرة في هولندا، والتي تقام للأدب المهاجر إلى جانب الأدب الهولندي 2014 احكي لنا عنها وعن شعورك بهذا الفوز وهل تساعد الجوائز في دعم الكاتب وتطوير مسيرته؟
– الفوز يترك شعوراً جميلاً دائماً في مختلف المجالات، وليس في مجال الأدب فحسب، لكنني لا أعتقد أن الجوائز تساعد في تطوير مسيرة الأديب بالشكل الذي تقصدينه، إنما تفعل ذلك فقط من ناحية الانتشار، والشهرة، فهناك العديد من الأدباء المبدعين الذين لا يلقون بالاً إلى الجوائز، إنه أمر شخصي يتعلق بقناعات كل إنسان، بالنسبة لي تقدمت لهذه الجائزة على أمل الترجمة إلى الهولندية، لأستطيع الوصول إلى القارئ الهولندي، فقد كنت في بداية إقامتي في هولندا، وأردت أن أصل إلى الناس، وما يجدر ذكره أن اختيار الفائز في أوروبا بشكل عام، وفي هولندا بالخصوص لا يتم على أساس الواسطة، أو الوصول إلى لجنة التحكيم، بل يتم بنزاهة تامة، مما يجعل الفوز انجاز حقيقي.
** حدثينا عن تجربتك في الفن التشكيلي والمعرض الذي أقمتيه في هولندا ومشاركتك في معارض أخرى؟
– أنا أومن أن داخل كل إنسان يوجد فنان، يعزز هذا الإيمان معلومة قرأتها أن ٨٠٪ من الأطفال يولدون عباقرة، لكن البيئة بعدها تحدد بقاء، أو تلاشي هذا الذكاء، لا أعتقد أن هناك إنساناً يخلو من موهبة فنية، حتى لو كانت صغيرة، لكننا نحصر الفن عادة في الرسم، والنحت، والتصوير، ونغفل أن الطبخ مثلاً فن، وله مدارس لتعليمه، وكذلك الخياطة، وغيرها من الأعمال، أما عني فللفن التشكيلي قصته معي، إذ حصلت على هذه الموهبة ربما بالوراثة من أمي حفظها الله، ودرست الرسم، والنحت في معهد أدهم إسماعيل في سورية، فالدراسة كما تعلمين تصقل المواهب، لكنني فعلياً لم أمارسه بشكل دائم، فقد شغلتني عنه الصحافة، والكتابة، والأمومة، وغيرها من مشاغل الحياة.
دامت هذه القطيعة وقتاً طويلاً حتى وصلت إلى هولندا، حيث احتجت عندها إلى لغة يستطيع الأوربيون فهمها، وكان هذا الحافز قوياً بشكل أعادني مرة أخرى للرسم، ودعمني بكل ما يستطيع زوجي الفنان التشكيلي “فائق العبودي” الذي أدين له بالشكر، أقمت عدة معارض شخصية هنا، وتلقاها الهولنديون بإعجاب كبير، حيث أنها مختلفة عما اعتادوا عليه، فكما تعلمين نحن نحمل معنا بلادنا، وبيئتنا، وألواننا، وأشكالنا، وملامحنا، وكل تفاصيلنا التي ستظهر بشكل أو بآخر في اللوحات، وسيبدو الاختلاف واضحاً بسببها، شاركت في كوريا الجنوبية، وفي الصين، والآن يعرض أحد أعمالي في بينالي الصين حيث أشارك للمرة السادسة فيه.
** تكتبين الشعر والقصة القصيرة والرواية وترسمين لوحات تشكيلية ما سر تنوع إبداعك؟
– كما أسلفت، بداخل كل إنسان فنان ما، عليه أن يبحث عنه ويطوره، وإلا تلاشى إلى غير رجعة، وأظن أن المورثات أيضاً لها نصيب في تكويني، أو ربما خلال النشأة والتربية، فأبي رحمه الله كاتب، وصحفي، وخطاط، بالإضافة إلى منصبه السياسي، وأمي كانت ترسم، شقيقتي سوزان فنانة تشكيلية أيضاً، لا بد أن البيئة المشجعة الداعمة لعبت دوراً هاماً في ذلك.
** حصلت على العضوية الشرفية للكاتبات المصريات وأشاد أكثر من كاتب وكاتبة مصرية بمجموعتك القصصية الأولى حدثينا عن ذلك وعن تأثيره عليك؟
– ذلك كان في بداياتي، مجموعتي القصصية الأولى عام ٢٠٠٤، حيث أشاد بها الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، والكاتب محفوظ عبد الرحمن، بينما قدمت لي الكاتبة الراحلة فتحية عسال العضوية الفخرية بعد أن أشادت بدورها بتلك المجموعة، كانت سعادتي وقتها لا توصف، وتحديداً عند سماعي كلمات الراحل أسامة أنور عكاشة حيث قرأها لي والدي رحمه الله قبل أن تنشر، بوسعك أن تتخيلي شعوري، أنا التي كنت أقرأ ما كتبه الراحل أسامة أنور عكاشة، وأشاهد أعماله، وهو قامة كبيرة جداً بالنسبة لي، ثم يقرأ هو كتابي، ويقرظه بشكل يدعو للفخر والفرح، وأنا أخطو خطوتي الأولى في طريق الأدب آنذاك.
** حصلت على لقب كاتبة ضمن أهم 100 كاتب في العالم، وفقاً لمنظمة الصحافة العالمية كيف حدث ذلك؟
ثم جاء هذا اللقب في السنة ذاتها، والحقيقة أنا نفسي لا أعرف كيف حصل ذلك، كان استفتاء أيضاً على ما أذكر، وفوجئت به منشوراً في موقعهم، وفي السنة ذاتها كنت بين ١٢١ الأكثر تأثيراً من المثقفين العرب، كنت في تلك السنوات في أوج نشاطي الأدبي، والصحفي، وأتت تلك الألقاب لتتوج تعبي، وتفرحني.
** هل ترجمة قصصك ساهمت في أن يكون لك قراء خارج البلدان العربية؟
– نعم، ولا.. وسأفسر ذلك.
نعم، لأنني عند الترجمة أرى أثر النص على القارئ، كان هناك مجلة باكستانية ترجمت لي فيها عدة قصص إلى الأوردية، وكان المترجم يتواصل معي، ويترجم لي ردة فعل القراء من خلال رسائلهم إلى المجلة، ويرسل لي المجلة لأحتفظ بها رغم أنني لا أستطيع قراءة حرف واحد منها.
كذلك في أمسية شاركت فيها في ألمانيا، ترجمت فيها إحدى قصصي إلى الألمانية، وقرأتها أنا بالعربية للجمهور العربي، بينما قرأها رجل ألماني بالألمانية للجمهور الألماني، كان التأثر بالقصة- خاصة وأنها كانت عن قوارب الموت- واضحاً وكبيراً، حتى أن الكاتب الألماني الذي كان عليه أن يقرأ قصته بعدي، توقف طالباً من الجمهور إعطائه دقائق ليجمع أنفاسه إذ أن قصة لبنى ياسين- على حد تعبيره- قطعت أنفاسه.
وقد تحدث إلي العديد من الألمانيين بعد الأمسية ليخبروني عن نيتهم في شراء الكتاب الذي جُمِعتْ فيه النصوص المشاركة للاحتفاظ بهذه القصة، والعودة إليها لاحقاً لقراءتها، للأثر الشديد الذي تركته في نفوسهم، حتى الكاتب الألماني أخبرني أنه سيعود إلى قراءة القصة ثانية إن وجد في نفسه الجرأة كونها حزينة حد الفجيعة.
حدث ذلك أيضاً عندما قُرِئَت قصيدة لي مترجمة إلى الهولندية.
أما عن لا: فذلك لأن هذا الأمر وقتي، فالترجمة ليست عملاً مستمراً، وبالتالي عند ترجمة النصوص والقصص، أو قراءتها للجمهور تصل القصص إليهم، ويتفاعلون بشكل لافت ومدهش معها، لكن ذلك ينتهي بانتهاء القصة، أو النص المترجم، إذ ليس في وسعي أن أترجم كتبي بكاملها، وأضعها بين يدي القارئ الأوروبي.
** في رواية “رجل المرايا المهشمة” هل مأساوية حكاية “صطوف” نابعة من مأساوية الواقع الذي قد لا ينصف المستضعفين؟
– مما وصفت به الأديبة الراحلة “فتحية عسال” قلمي بأنه ينحاز للضعفاء، والمظلومين، وهي بذلك لا تجانب الحقيقة مطلقاً، لدي حساسية مفرطة تجاه الظلم، والاستضعاف، لشد ما يؤلمني أن يسلب حق ضعيف، أو فقير، بدأ ذلك على ما أظن عندما كنت في الصف الأول، أرسلتني أمي لأشتري لبناً من محل مجاور لنا، كنت أخرج من مدخل البناية الطويل عندما وجدت خمسة صبيان كبار بالنسبة لي، أظنهم في الصف السادس مثلاً، أو هذا ما أذكره على الأقل، كانوا ملتفين حول صبي من عمري، يدفعونه بينهم، حتى بال على نفسه من شدة الخوف، عندها بدأوا يلقون به على البول الذي وصل إلى الأرض، تجمدتُ يومها، لم أستطع أن أتركه وأذهب، كما لم أستطع أن أفعل له أي شيء، صدقيني تغلبني الدموع الآن وأنا أكتب لك الحادثة، آلمني عجزي عن تقديم أية مساعدة له، وبقيت تلك الحادثة في داخلي، واستخدمتها في روايتي ككابوس للبطل، لكنه في الحقيقة كابوسي أنا، ما زلت أسأل نفسي، إذا كانت تلك الحادثة قد تركت كل هذا الأثر الموجع في نفسي، فماذا عنه هو؟ ما الذي يشعر به؟!! لذلك لا تكاد تخلو قصة من قصصي من لقطات كهذه، “صطوف” أحد المظلومين، أردت من خلاله أن أقول إننا لا نولد مشوهين، لكن ما نمر به في الحياة يساهم في صنع عاهاتنا النفسية إلى حد كبير.
** هل تستمدين أدبك أحداثا وشخوصا من الواقع أم يلعب الخيال دورا كبيرا؟
– هي مزيج بين هذا، وذاك، أنا ألاحظ الأشخاص كثيراً، تلك التفاصيل الصغيرة التي تميز شخصاً عن آخر، طريقتنا في الكلام، في الوقوف، في المشي، في التصرف، في اللباس، لازمات الكلام التي تميز الأشخاص، كلها تفاصيل تصنع الاختلاف، والتميز بين شخص، وآخر، وأنا ألتقط تلك التفاصيل لألبسها لأبطالي، لكنني لا آخذ شخصاً كاملاً، بل أركبه من قطع مختلفة ليكون بطلي شخصاً مختلفاً، ثم أرسم الأحداث، قد يلهمني حدث ما، فأستخدمه، لكنني أنزع عنه كل التفاصيل التي تجعله يعبر عن الواقع الذي أعرفه، لأخلق واقعاً متخيلاً لكنه واقعي أيضاً.
** حدثينا عن إصداراتك؟ وهل هناك إصدارات في طريقها للظهور؟
– لدي أحد عشر كتاباً منشوراً، سبعة منها مجموعات قصصية، “ضد التيار، أنثى في قفص، طقوس متوحشة، ثقب في صدري، سيراً على أقدام نازفة، سبعة أزرار وعروتان، والسماء تخون أيضاً، واثنان نصوص شعرية، ” تراتيل الناي والشغف، ونساء الأصفر”، ورواية ” رجل المرايا المهشمة، ومجموعة مقالات ساخرة مجموعة من زاويتي الساخرة في مجلة حياة:” شارب زوجتي”.
** ما الذي أضافه العمل الصحفي لك؟
– الحقيقة العمل الصحفي، كان وما يزال شغفاً، وأضاف لي الكثير، مما أضافه مثلاً كماً هائلاً من المعلومات، ومن التواصل، ومن القصص، لولا العمل الصحفي لما حصلت عليها، ثم أنني من خلال العمل الصحفي تعلمت أن أضع اللغة في مستويات عدة، فلغة المقال، تختلف عن لغة التقرير، والتحقيق، ولغة الصحافة تختلف عن لغة الأدب، لكل منها مستوى لغوي لا يصح استخدامه في غير موضعه، كما أنه أضاف لي سعادة لا تتخيلينها عند صدور الأعداد، وعند الحصول على معلومات غريبة، وغير معروفة لإكمال التقرير الواجب إعداده، البحث المضني عن معلومات عن الضيف في الحوارات، والوصول إلى أسئلة لم تُسأل له بعد، كلها تعلمتها في العمل الصحفي.
** كيف هو تفاعلك الثقافي على مستوى الكتابة والفن التشكيلي في هولندا، وهل تشعرين بالاغتراب هناك والحنين إلى الوطن؟
– في هولندا، يحدث أن تطغى اللوحة على النص، بسبب اللغة بالطبع، لكنني في الحقيقة لا أشعر بالاغتراب، فالعدل في الغربة وطن، كنت أشعر بالغربة في وطني عندما أرى أن القانون فضفاض جداً، بوسعه أن يصبح مرناً وملوناً عندما يكون المواطن مسئولا، أو صاحب مال يستطيع أن يشتري القانون ويشكله كما يريد، ولذلك سبق وأن أعلنت في لقاء سابق في الكويت عام ٢٠٠٩ إنني سألحق بركب الماغوط وأخون وطني.
عندما رفع أحد المسئولين بشكل غير قانوني، ومخالف، غرفة في بيته الأرضي لتصبح كاشفة لصالة جاره، وتمنع الشمس والهواء عنها، ولم يستطع الأخير فعل أي شيء، وقد اقتحمت خصوصيته شعرت بالغربة، فالوطن لا يظلم أبناءه، وعندما دخلت إلى البلدية لاستكمال أوراقي في هولندا، وأخذت رقماً، وانتظرت دوري، رغم الازدحام لم يعتدِ أحد على دوري، ولم أرشُ الموظف الذي استقبلني بابتسامة، وساعدني، وقدم لي كل ما يستطيع من نصائح لأتجنب الخطأ في إكمال معاملتي.
شعرت أن هذا لا بد أن يكون وطني، وعندما اتصلت بي البلدية في هولندا لإخباري ببعض حقوقي التي لم أكن أعرفها، وحثتني على الحصول عليهاـ تأكدت أن هذا وطني، وعندما وجدت كرامتي مصانة، تأكدت أكثر، الوطن هو المكان الذي تصان فيه كرامتك، أما سورية- مسقط رأسي، ووجعي- فهي في القلب، الوطن المصاب المدمى، والذي يرزح تحت كل أنواع الدمار إضافة إلى الاستعمار، سورية تدمي قلبي كلما شاهدتها وقد سكنها الخراب، هي تسكنني حد الوجع، لكن ربما من حسن حظي أنني لم أعد أسكنها.
ما تقييمك لحال الثقافة في سوريا خاصة بعد الصراعات الطاحنة التي مرت بها؟
– كوني لا أسكن سورية، ولا أعرف ما الذي يجري على أرض الواقع، لا أستطيع تقييم ما الذي يحدث، لكنني أتابع بعض النشاطات، والصالونات الأدبية هناك، ويبدو لي أن مثقفي سوريا يحاولون النهوض بالمشهد الثقافي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، لا تساعدهم في ذلك الأوضاع المتردية التي طالت كل شيء، من هبوط العملة إلى الحضيض، إلى ندرة الماء، والكهرباء، والغلاء، وصعوبة المعيشة، وانعدام الأمن، مما يجعلهم مشغولين بتفاصيل يومهم المتعب، لذلك فإن محاولاتهم للنهوض بالمشهد الثقافي بأقلامهم الحرة تدعو للاحترام، وكما يقال: أرفع لهم القبعة.
** هناك من يرفض أن تكرس الكاتبة نصوصها للدفاع عن قضايا المرأة أو لتكشف التمييز الذي تتعرض له أو لنقل قصص وحكايا واقعية عنها. ما رأيك في ذلك؟
– إرضاء الناس غاية لا تدرك، لكن إرضاء الضمير غاية نبيلة، ويمكن إدراكها، لذلك فطالما أن الكاتبة تعرف ما الذي تريده، ولديها من المبادئ ما تود الدفاع عنه، عليها أن تقفل أذنيها عن النقد الهدام الذي يستهدف الحط من قدرها، وقدر قضيتها، وأن تصغي فقط إلى النقد البناء الذي من شأنه أن يقوم مسيرتها، وأداءها بشكل موضوعي يخدم تلك المسيرة، هذا أمر تتعلمينه وأنت تسيرين في الحياة، علينا أن نختار معاركنا، أنت لا تستطيعين أن تحاربي على كل الجبهات التي تواجهك في الحياة، هناك أمور سطحية لا قيمة لها، باستطاعتنا دائما أن ننسحب منها، ونهدي للآخر فرحة الانتصار بها، لنستطيع أن نكثف جهودنا في المعارك الحقيقية التي تستحق فعلاً ما نبذله للفوز بها.
حاورتها- سماح عادل
“لبنى ياسين” كاتبة صحفية وروائية وفنانة تشكيلية سورية هولندية، عضوة اتحاد الكتاب العرب في سوريا، عضوة فخرية في جمعية الكاتبات المصريات، كاتبة من ضمن أهم مائة كاتب في العالم وفقاً لمنظمة الصحافة العالمية، فازت بالجائزة الأولى للقصة القصيرة لأدب المهجر في مسابقة الهجرة في هولندا، والتي تقام للأدب المهاجر إلى جانب الأدب الهولندي 2014.
إصدارتها..
- سبعة أزرار وعروتان، مجموعة قصصية، العراق.
- تراتيل الناي والشغف، مجموعة شعرية، العراق.
- رجل المرايا المهشمة، رواية، لبنان.
- سيراً على أقدام نازفة، مجموعة قصصية، سوريا.
- ثقب في صدري، مجموعة قصصية، سوريا.
- شارب زوجتي، مقالات ساخرة، السعودية.
- أنثى في قفص، مجموعة قصصية، السعودية.
- طقوس متوحشة، مجموعة قصصية، السعودية.
- ضد التيار، مجموعة قصصية، ونالت عنها العضوية الفخرية للكاتبات المصريات وهي البادرة الأولى للجمعية في إعطاء العضوية لكاتبة غير مصرية.
كان لنا معها ذلك الحوار الشيق:
** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
– بدأتُ الكتابة في طفولتي المبكرة، في التاسعة، أو العاشرة من عمري، بالطبع كانت الكتابة وقتها تنحو نحو قصص الأطفال، وقد نشرت في مجلات الحائط المدرسية، وفي مجلات الأطفال، ثم نشرت القصة القصيرة الأولى لي في مجلة الثقافة، كانت تتحدث عن القضية الفلسطينية، يومها طرتُ فرحاً، لأن اسمي كان مجاوراً لأسماء كتاب معروفين في سورية، تطور قلمي بالقراءة، فقد كنت، وما زلت شغوفة بالقراءة، وبوجود مكتبة ضخمة في المنزل، وبتشجيع كبير من والدي رحمه الله الكاتب “محمود ياسين” والذي أدين له بالفضل، تلاحقت خطاي في درب الكتابة.
فزت بالجائزة الأولى للقصة القصيرة لأدب المهجر في مسابقة الهجرة في هولندا، والتي تقام للأدب المهاجر إلى جانب الأدب الهولندي 2014 احكي لنا عنها وعن شعورك بهذا الفوز وهل تساعد الجوائز في دعم الكاتب وتطوير مسيرته؟
– الفوز يترك شعوراً جميلاً دائماً في مختلف المجالات، وليس في مجال الأدب فحسب، لكنني لا أعتقد أن الجوائز تساعد في تطوير مسيرة الأديب بالشكل الذي تقصدينه، إنما تفعل ذلك فقط من ناحية الانتشار، والشهرة، فهناك العديد من الأدباء المبدعين الذين لا يلقون بالاً إلى الجوائز، إنه أمر شخصي يتعلق بقناعات كل إنسان، بالنسبة لي تقدمت لهذه الجائزة على أمل الترجمة إلى الهولندية، لأستطيع الوصول إلى القارئ الهولندي، فقد كنت في بداية إقامتي في هولندا، وأردت أن أصل إلى الناس، وما يجدر ذكره أن اختيار الفائز في أوروبا بشكل عام، وفي هولندا بالخصوص لا يتم على أساس الواسطة، أو الوصول إلى لجنة التحكيم، بل يتم بنزاهة تامة، مما يجعل الفوز انجاز حقيقي.
** حدثينا عن تجربتك في الفن التشكيلي والمعرض الذي أقمتيه في هولندا ومشاركتك في معارض أخرى؟
– أنا أومن أن داخل كل إنسان يوجد فنان، يعزز هذا الإيمان معلومة قرأتها أن ٨٠٪ من الأطفال يولدون عباقرة، لكن البيئة بعدها تحدد بقاء، أو تلاشي هذا الذكاء، لا أعتقد أن هناك إنساناً يخلو من موهبة فنية، حتى لو كانت صغيرة، لكننا نحصر الفن عادة في الرسم، والنحت، والتصوير، ونغفل أن الطبخ مثلاً فن، وله مدارس لتعليمه، وكذلك الخياطة، وغيرها من الأعمال، أما عني فللفن التشكيلي قصته معي، إذ حصلت على هذه الموهبة ربما بالوراثة من أمي حفظها الله، ودرست الرسم، والنحت في معهد أدهم إسماعيل في سورية، فالدراسة كما تعلمين تصقل المواهب، لكنني فعلياً لم أمارسه بشكل دائم، فقد شغلتني عنه الصحافة، والكتابة، والأمومة، وغيرها من مشاغل الحياة.
دامت هذه القطيعة وقتاً طويلاً حتى وصلت إلى هولندا، حيث احتجت عندها إلى لغة يستطيع الأوربيون فهمها، وكان هذا الحافز قوياً بشكل أعادني مرة أخرى للرسم، ودعمني بكل ما يستطيع زوجي الفنان التشكيلي “فائق العبودي” الذي أدين له بالشكر، أقمت عدة معارض شخصية هنا، وتلقاها الهولنديون بإعجاب كبير، حيث أنها مختلفة عما اعتادوا عليه، فكما تعلمين نحن نحمل معنا بلادنا، وبيئتنا، وألواننا، وأشكالنا، وملامحنا، وكل تفاصيلنا التي ستظهر بشكل أو بآخر في اللوحات، وسيبدو الاختلاف واضحاً بسببها، شاركت في كوريا الجنوبية، وفي الصين، والآن يعرض أحد أعمالي في بينالي الصين حيث أشارك للمرة السادسة فيه.
** تكتبين الشعر والقصة القصيرة والرواية وترسمين لوحات تشكيلية ما سر تنوع إبداعك؟
– كما أسلفت، بداخل كل إنسان فنان ما، عليه أن يبحث عنه ويطوره، وإلا تلاشى إلى غير رجعة، وأظن أن المورثات أيضاً لها نصيب في تكويني، أو ربما خلال النشأة والتربية، فأبي رحمه الله كاتب، وصحفي، وخطاط، بالإضافة إلى منصبه السياسي، وأمي كانت ترسم، شقيقتي سوزان فنانة تشكيلية أيضاً، لا بد أن البيئة المشجعة الداعمة لعبت دوراً هاماً في ذلك.
** حصلت على العضوية الشرفية للكاتبات المصريات وأشاد أكثر من كاتب وكاتبة مصرية بمجموعتك القصصية الأولى حدثينا عن ذلك وعن تأثيره عليك؟
– ذلك كان في بداياتي، مجموعتي القصصية الأولى عام ٢٠٠٤، حيث أشاد بها الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، والكاتب محفوظ عبد الرحمن، بينما قدمت لي الكاتبة الراحلة فتحية عسال العضوية الفخرية بعد أن أشادت بدورها بتلك المجموعة، كانت سعادتي وقتها لا توصف، وتحديداً عند سماعي كلمات الراحل أسامة أنور عكاشة حيث قرأها لي والدي رحمه الله قبل أن تنشر، بوسعك أن تتخيلي شعوري، أنا التي كنت أقرأ ما كتبه الراحل أسامة أنور عكاشة، وأشاهد أعماله، وهو قامة كبيرة جداً بالنسبة لي، ثم يقرأ هو كتابي، ويقرظه بشكل يدعو للفخر والفرح، وأنا أخطو خطوتي الأولى في طريق الأدب آنذاك.
** حصلت على لقب كاتبة ضمن أهم 100 كاتب في العالم، وفقاً لمنظمة الصحافة العالمية كيف حدث ذلك؟
- ذلك كان سنة ٢٠٠٩، والحقيقة أنها كانت سنة حظ بالنسبة لي، فقد حظيت بنتائج استفتاء قامت به مؤسسة نور الأدب على لقب “أهم عشرة كتاب في القصة القصيرة لسنتها”، الاستفتاء كان للجمهور، والقرار كان لهم أيضاً، وهذا ما أعطى لهذا اللقب أهمية خاصة، إذ لم يكن هنالك لجنة للتحكيم مثلاً، ولعل زاويتي القصصية في مجلة “حياة” وقتها لعبت دوراً هاماً في انتشار قلمي، إذ أن رسائل القراء كانت تصلني بشكل متواصل، لتعطيني إحساساً بأن ما أقوم به يلعب دوراً في تغيير المجتمع، ولو بشكل صغير، وعلى المستوى الشخصي للقارئ.. ذلك تعزيز رائع.. أن تشعري أنك قمت بتصحيح مفهوم ما، أو تغيير إنسان ما نحو الأفضل، أو تخليصه من عبوديته لأفكار لا معنى لها.
ثم جاء هذا اللقب في السنة ذاتها، والحقيقة أنا نفسي لا أعرف كيف حصل ذلك، كان استفتاء أيضاً على ما أذكر، وفوجئت به منشوراً في موقعهم، وفي السنة ذاتها كنت بين ١٢١ الأكثر تأثيراً من المثقفين العرب، كنت في تلك السنوات في أوج نشاطي الأدبي، والصحفي، وأتت تلك الألقاب لتتوج تعبي، وتفرحني.
** هل ترجمة قصصك ساهمت في أن يكون لك قراء خارج البلدان العربية؟
– نعم، ولا.. وسأفسر ذلك.
نعم، لأنني عند الترجمة أرى أثر النص على القارئ، كان هناك مجلة باكستانية ترجمت لي فيها عدة قصص إلى الأوردية، وكان المترجم يتواصل معي، ويترجم لي ردة فعل القراء من خلال رسائلهم إلى المجلة، ويرسل لي المجلة لأحتفظ بها رغم أنني لا أستطيع قراءة حرف واحد منها.
كذلك في أمسية شاركت فيها في ألمانيا، ترجمت فيها إحدى قصصي إلى الألمانية، وقرأتها أنا بالعربية للجمهور العربي، بينما قرأها رجل ألماني بالألمانية للجمهور الألماني، كان التأثر بالقصة- خاصة وأنها كانت عن قوارب الموت- واضحاً وكبيراً، حتى أن الكاتب الألماني الذي كان عليه أن يقرأ قصته بعدي، توقف طالباً من الجمهور إعطائه دقائق ليجمع أنفاسه إذ أن قصة لبنى ياسين- على حد تعبيره- قطعت أنفاسه.
وقد تحدث إلي العديد من الألمانيين بعد الأمسية ليخبروني عن نيتهم في شراء الكتاب الذي جُمِعتْ فيه النصوص المشاركة للاحتفاظ بهذه القصة، والعودة إليها لاحقاً لقراءتها، للأثر الشديد الذي تركته في نفوسهم، حتى الكاتب الألماني أخبرني أنه سيعود إلى قراءة القصة ثانية إن وجد في نفسه الجرأة كونها حزينة حد الفجيعة.
حدث ذلك أيضاً عندما قُرِئَت قصيدة لي مترجمة إلى الهولندية.
أما عن لا: فذلك لأن هذا الأمر وقتي، فالترجمة ليست عملاً مستمراً، وبالتالي عند ترجمة النصوص والقصص، أو قراءتها للجمهور تصل القصص إليهم، ويتفاعلون بشكل لافت ومدهش معها، لكن ذلك ينتهي بانتهاء القصة، أو النص المترجم، إذ ليس في وسعي أن أترجم كتبي بكاملها، وأضعها بين يدي القارئ الأوروبي.
** في رواية “رجل المرايا المهشمة” هل مأساوية حكاية “صطوف” نابعة من مأساوية الواقع الذي قد لا ينصف المستضعفين؟
– مما وصفت به الأديبة الراحلة “فتحية عسال” قلمي بأنه ينحاز للضعفاء، والمظلومين، وهي بذلك لا تجانب الحقيقة مطلقاً، لدي حساسية مفرطة تجاه الظلم، والاستضعاف، لشد ما يؤلمني أن يسلب حق ضعيف، أو فقير، بدأ ذلك على ما أظن عندما كنت في الصف الأول، أرسلتني أمي لأشتري لبناً من محل مجاور لنا، كنت أخرج من مدخل البناية الطويل عندما وجدت خمسة صبيان كبار بالنسبة لي، أظنهم في الصف السادس مثلاً، أو هذا ما أذكره على الأقل، كانوا ملتفين حول صبي من عمري، يدفعونه بينهم، حتى بال على نفسه من شدة الخوف، عندها بدأوا يلقون به على البول الذي وصل إلى الأرض، تجمدتُ يومها، لم أستطع أن أتركه وأذهب، كما لم أستطع أن أفعل له أي شيء، صدقيني تغلبني الدموع الآن وأنا أكتب لك الحادثة، آلمني عجزي عن تقديم أية مساعدة له، وبقيت تلك الحادثة في داخلي، واستخدمتها في روايتي ككابوس للبطل، لكنه في الحقيقة كابوسي أنا، ما زلت أسأل نفسي، إذا كانت تلك الحادثة قد تركت كل هذا الأثر الموجع في نفسي، فماذا عنه هو؟ ما الذي يشعر به؟!! لذلك لا تكاد تخلو قصة من قصصي من لقطات كهذه، “صطوف” أحد المظلومين، أردت من خلاله أن أقول إننا لا نولد مشوهين، لكن ما نمر به في الحياة يساهم في صنع عاهاتنا النفسية إلى حد كبير.
** هل تستمدين أدبك أحداثا وشخوصا من الواقع أم يلعب الخيال دورا كبيرا؟
– هي مزيج بين هذا، وذاك، أنا ألاحظ الأشخاص كثيراً، تلك التفاصيل الصغيرة التي تميز شخصاً عن آخر، طريقتنا في الكلام، في الوقوف، في المشي، في التصرف، في اللباس، لازمات الكلام التي تميز الأشخاص، كلها تفاصيل تصنع الاختلاف، والتميز بين شخص، وآخر، وأنا ألتقط تلك التفاصيل لألبسها لأبطالي، لكنني لا آخذ شخصاً كاملاً، بل أركبه من قطع مختلفة ليكون بطلي شخصاً مختلفاً، ثم أرسم الأحداث، قد يلهمني حدث ما، فأستخدمه، لكنني أنزع عنه كل التفاصيل التي تجعله يعبر عن الواقع الذي أعرفه، لأخلق واقعاً متخيلاً لكنه واقعي أيضاً.
** حدثينا عن إصداراتك؟ وهل هناك إصدارات في طريقها للظهور؟
– لدي أحد عشر كتاباً منشوراً، سبعة منها مجموعات قصصية، “ضد التيار، أنثى في قفص، طقوس متوحشة، ثقب في صدري، سيراً على أقدام نازفة، سبعة أزرار وعروتان، والسماء تخون أيضاً، واثنان نصوص شعرية، ” تراتيل الناي والشغف، ونساء الأصفر”، ورواية ” رجل المرايا المهشمة، ومجموعة مقالات ساخرة مجموعة من زاويتي الساخرة في مجلة حياة:” شارب زوجتي”.
** ما الذي أضافه العمل الصحفي لك؟
– الحقيقة العمل الصحفي، كان وما يزال شغفاً، وأضاف لي الكثير، مما أضافه مثلاً كماً هائلاً من المعلومات، ومن التواصل، ومن القصص، لولا العمل الصحفي لما حصلت عليها، ثم أنني من خلال العمل الصحفي تعلمت أن أضع اللغة في مستويات عدة، فلغة المقال، تختلف عن لغة التقرير، والتحقيق، ولغة الصحافة تختلف عن لغة الأدب، لكل منها مستوى لغوي لا يصح استخدامه في غير موضعه، كما أنه أضاف لي سعادة لا تتخيلينها عند صدور الأعداد، وعند الحصول على معلومات غريبة، وغير معروفة لإكمال التقرير الواجب إعداده، البحث المضني عن معلومات عن الضيف في الحوارات، والوصول إلى أسئلة لم تُسأل له بعد، كلها تعلمتها في العمل الصحفي.
** كيف هو تفاعلك الثقافي على مستوى الكتابة والفن التشكيلي في هولندا، وهل تشعرين بالاغتراب هناك والحنين إلى الوطن؟
– في هولندا، يحدث أن تطغى اللوحة على النص، بسبب اللغة بالطبع، لكنني في الحقيقة لا أشعر بالاغتراب، فالعدل في الغربة وطن، كنت أشعر بالغربة في وطني عندما أرى أن القانون فضفاض جداً، بوسعه أن يصبح مرناً وملوناً عندما يكون المواطن مسئولا، أو صاحب مال يستطيع أن يشتري القانون ويشكله كما يريد، ولذلك سبق وأن أعلنت في لقاء سابق في الكويت عام ٢٠٠٩ إنني سألحق بركب الماغوط وأخون وطني.
عندما رفع أحد المسئولين بشكل غير قانوني، ومخالف، غرفة في بيته الأرضي لتصبح كاشفة لصالة جاره، وتمنع الشمس والهواء عنها، ولم يستطع الأخير فعل أي شيء، وقد اقتحمت خصوصيته شعرت بالغربة، فالوطن لا يظلم أبناءه، وعندما دخلت إلى البلدية لاستكمال أوراقي في هولندا، وأخذت رقماً، وانتظرت دوري، رغم الازدحام لم يعتدِ أحد على دوري، ولم أرشُ الموظف الذي استقبلني بابتسامة، وساعدني، وقدم لي كل ما يستطيع من نصائح لأتجنب الخطأ في إكمال معاملتي.
شعرت أن هذا لا بد أن يكون وطني، وعندما اتصلت بي البلدية في هولندا لإخباري ببعض حقوقي التي لم أكن أعرفها، وحثتني على الحصول عليهاـ تأكدت أن هذا وطني، وعندما وجدت كرامتي مصانة، تأكدت أكثر، الوطن هو المكان الذي تصان فيه كرامتك، أما سورية- مسقط رأسي، ووجعي- فهي في القلب، الوطن المصاب المدمى، والذي يرزح تحت كل أنواع الدمار إضافة إلى الاستعمار، سورية تدمي قلبي كلما شاهدتها وقد سكنها الخراب، هي تسكنني حد الوجع، لكن ربما من حسن حظي أنني لم أعد أسكنها.
ما تقييمك لحال الثقافة في سوريا خاصة بعد الصراعات الطاحنة التي مرت بها؟
– كوني لا أسكن سورية، ولا أعرف ما الذي يجري على أرض الواقع، لا أستطيع تقييم ما الذي يحدث، لكنني أتابع بعض النشاطات، والصالونات الأدبية هناك، ويبدو لي أن مثقفي سوريا يحاولون النهوض بالمشهد الثقافي ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، لا تساعدهم في ذلك الأوضاع المتردية التي طالت كل شيء، من هبوط العملة إلى الحضيض، إلى ندرة الماء، والكهرباء، والغلاء، وصعوبة المعيشة، وانعدام الأمن، مما يجعلهم مشغولين بتفاصيل يومهم المتعب، لذلك فإن محاولاتهم للنهوض بالمشهد الثقافي بأقلامهم الحرة تدعو للاحترام، وكما يقال: أرفع لهم القبعة.
** هناك من يرفض أن تكرس الكاتبة نصوصها للدفاع عن قضايا المرأة أو لتكشف التمييز الذي تتعرض له أو لنقل قصص وحكايا واقعية عنها. ما رأيك في ذلك؟
– إرضاء الناس غاية لا تدرك، لكن إرضاء الضمير غاية نبيلة، ويمكن إدراكها، لذلك فطالما أن الكاتبة تعرف ما الذي تريده، ولديها من المبادئ ما تود الدفاع عنه، عليها أن تقفل أذنيها عن النقد الهدام الذي يستهدف الحط من قدرها، وقدر قضيتها، وأن تصغي فقط إلى النقد البناء الذي من شأنه أن يقوم مسيرتها، وأداءها بشكل موضوعي يخدم تلك المسيرة، هذا أمر تتعلمينه وأنت تسيرين في الحياة، علينا أن نختار معاركنا، أنت لا تستطيعين أن تحاربي على كل الجبهات التي تواجهك في الحياة، هناك أمور سطحية لا قيمة لها، باستطاعتنا دائما أن ننسحب منها، ونهدي للآخر فرحة الانتصار بها، لنستطيع أن نكثف جهودنا في المعارك الحقيقية التي تستحق فعلاً ما نبذله للفوز بها.