لوحات كاظم نوير .. تجاوز السائد والمحاكاتية
د. حنين السلطاني
يقف تاريخ الفن العراقي على اتهام قار بأنّه فن استنساخي، ليس بإمكانه بناء بدايات للانعتاق من أسر تاريخه السومري.. هاته نظرة، وجدت مناخاً للنمو والتعمّد بصياغات وأساليب لم تعد تعطي لنا شيئاً أكثر مما استدلنا عليه الفن الوافد.. وكانت محاولات الانفلات والبحث في مفاصل الأسلوب لا تعدو غير تصنيفات في العلامات المحلَّية أو العودة بالصورة إلى حكائيتها.. ولم يكن الفن العربي في المغرب والمشرق غنَّياً بأشكاله وتنويعاته.. إّلا في السعي لبناء خصائص ليست جوهريَّة.
وبالعودة إلى الأدبَّيات التي رافقت معارض الفن التشكيلي على مستوى التعريف أو التحليل والنقد والمتابعة للفن وأساليبه - وهي لا ترقى بالطبع إلى مستوى القراءة العميقة – لكنَّها تمدّنا بارتسامات واضحة بأنَّ الفنانين العرب غير قادرين إلى
الآن على تعرية حقيقّية لجسد الفن ومفاصله العميقة.. قد يكون هذا الحكم قاسّياً، لكنّه حقيقة البنية العميقة التي تشكلت ومازالت.
وفي تراكم أدبيات وبيبلوغرافيا المعارض التشكيلَّية أصبح من الضرورات العمل على فحص كِّل مفصل مغاير يساعد المهتمين
بالثقافة البصريَّة، ويمكنهم من تتبع الانتاج التصويري والحامل المسندي الأكثر ممارسة.
لهذا كانت كفاءة البعض من فناني العراق تدفعهم الى منطقة الحيرة بين نزوعهم الشخصي الموهوب وبين سلطة نصوص التحديث والتلقي والتداول العام.. احتَّل النزوع الأول مكانة منزوية وخجلة، وما كان له إّلا أن يموت بعد فترة غير طويلة.
فالتجارب المغايرة -وهي قليلة- لم يدوّن لها سجل يُعمّم على مستوى العالمَّية، وأن مراجعة لتاريخنا الفني تؤشر ذلك.
تجربة الفنان كاظم نوير متقدمة عربَّياً، ففيها لا نقع على اختراقات مهمّة إّلا في التواصل البحثي، بتأثير حركَّية الحياة العراقَّية ذاتها، وربما تؤشر إلى منهج آخر يعتمد على الذاتي في الجانب التقني ويتكئ على بحث مغاير.
وهذا ما دعاني للكتابة عنها والتأشير بأنّها وصلتنا هي، فذهبنا إليه. إنّها تجاوز المحاكاتّية البسيطة والسائد في السوق الضيقة، وشرك التكرار، تجربة جديدة غير مألوفة في استعمالات الخط وانكساراته المفاجئة، والاشكال التي لا تشابه شيئاً، حتى الرسم نفسه.
فنّه يتطوّر في الهامش.. انسحاب تام من السوق بكيفَّية منفردة.. يلتفت إلى نفسه أكثر مما يلتفت إلى العالم الخارجي باتجاهات غير متوقعة. أليس هاته زحزحة للمعايير القائمة؟
يبدو أنَّ هذا الفنان لا همَّ له وشغفه الوحيد انتاج تشكيل كما يفهمه هو.. بحث خالص عن علامات وأشكال ومواد، فوضعنا في تجربة تخترق توقعاتنا من دون أن يطلب منا تفكيك رسائله، بل توريطنا في بنية غائبة لا حدود لها.
إنَّ الأمر يتعلق بأشكال سهلة إّلا أنّها لا تستسلم إلى غلقها.
يرى نوير أنَّ الأسلوب هو طريقة في التفكير والرؤية والعيش، هو الإنسان كما هو، هو الذات كما يمكن أن تشعر وتحسّ وتتفاعل مع ما حولها، من ذلك فالأسلوب تحصيل حاصل للثقافة والمعتقد والتجارب والخبرات التي يحصل عليها الفنان، بناءً على ذلك، فالفهم الخاص للفن والجمال ودوره وقوة رنين خطابه في الآخر هو ما يدفع الذات الإنسانَّية أن تجد أسلوبها الخاص، عند ذلك لا يكون الأسلوب هو الهمُّ الأساس عند الفنان، لأنَّه سيتشكل مع نمو التجربة الفنَّية، فتجربة نوير الفنَّية التي امتدّت لعقود تشكل أسلوبا خاصا بها، لأنَّه يفهم الفن بطريقته ورؤيته للحياة، أو كما يعتقد للفن أن يكون.
من ذلك تأثر أسلوبه بدراساته الأولى للفن، ومن حواراته الثقافَّية واطلاعاته على التجربة الفنّية العالمّية والإنسانّية.
واختلف أسلوبه في كل مرحلة مرَّ بها، من التجربة الأكاديمَّية الأولى وتلمس الطريق، وفهم التقنيات والمعالجات للفنانين، وطرائق معالجة الموضوعات، إلى مرحلة حاول أن ينفض غبار التجارب الأخرى من جلباب الدراسة والتأثر والعمل
بحرية على وفق فهمه للأمور والحياة الخاصة للعمل الفني، فالعمل الفني هو لحظة التقاء نقَّية بين النفس أو الروح والمادة، ومنها تفترض هذه الحياة اشتراطات مختلفة ومن دون أدنى معوقات للعب الحر والتنويع المفاهيمي والبنائي للشكل وطرائق
تأثيره على الذات.
لا يتشكل الأسلوب إّلا بخصوصَّية عالية وفهم لتلك الخصوصَّية، من هنا كانت التجارب المتتابعة ملاحقة لتلك الخصوصَّية ومسك خيوطها وطاقاتها، فالعمل والمثابرة والحوار ينتجان الميسم الطويل لأعمال مقترحة تتحرك بحركة الزمان، فالفنان نتاج زماني متحول من خلال المادة وبها.
د. حنين السلطاني
يقف تاريخ الفن العراقي على اتهام قار بأنّه فن استنساخي، ليس بإمكانه بناء بدايات للانعتاق من أسر تاريخه السومري.. هاته نظرة، وجدت مناخاً للنمو والتعمّد بصياغات وأساليب لم تعد تعطي لنا شيئاً أكثر مما استدلنا عليه الفن الوافد.. وكانت محاولات الانفلات والبحث في مفاصل الأسلوب لا تعدو غير تصنيفات في العلامات المحلَّية أو العودة بالصورة إلى حكائيتها.. ولم يكن الفن العربي في المغرب والمشرق غنَّياً بأشكاله وتنويعاته.. إّلا في السعي لبناء خصائص ليست جوهريَّة.
وبالعودة إلى الأدبَّيات التي رافقت معارض الفن التشكيلي على مستوى التعريف أو التحليل والنقد والمتابعة للفن وأساليبه - وهي لا ترقى بالطبع إلى مستوى القراءة العميقة – لكنَّها تمدّنا بارتسامات واضحة بأنَّ الفنانين العرب غير قادرين إلى
الآن على تعرية حقيقّية لجسد الفن ومفاصله العميقة.. قد يكون هذا الحكم قاسّياً، لكنّه حقيقة البنية العميقة التي تشكلت ومازالت.
وفي تراكم أدبيات وبيبلوغرافيا المعارض التشكيلَّية أصبح من الضرورات العمل على فحص كِّل مفصل مغاير يساعد المهتمين
بالثقافة البصريَّة، ويمكنهم من تتبع الانتاج التصويري والحامل المسندي الأكثر ممارسة.
لهذا كانت كفاءة البعض من فناني العراق تدفعهم الى منطقة الحيرة بين نزوعهم الشخصي الموهوب وبين سلطة نصوص التحديث والتلقي والتداول العام.. احتَّل النزوع الأول مكانة منزوية وخجلة، وما كان له إّلا أن يموت بعد فترة غير طويلة.
فالتجارب المغايرة -وهي قليلة- لم يدوّن لها سجل يُعمّم على مستوى العالمَّية، وأن مراجعة لتاريخنا الفني تؤشر ذلك.
تجربة الفنان كاظم نوير متقدمة عربَّياً، ففيها لا نقع على اختراقات مهمّة إّلا في التواصل البحثي، بتأثير حركَّية الحياة العراقَّية ذاتها، وربما تؤشر إلى منهج آخر يعتمد على الذاتي في الجانب التقني ويتكئ على بحث مغاير.
وهذا ما دعاني للكتابة عنها والتأشير بأنّها وصلتنا هي، فذهبنا إليه. إنّها تجاوز المحاكاتّية البسيطة والسائد في السوق الضيقة، وشرك التكرار، تجربة جديدة غير مألوفة في استعمالات الخط وانكساراته المفاجئة، والاشكال التي لا تشابه شيئاً، حتى الرسم نفسه.
فنّه يتطوّر في الهامش.. انسحاب تام من السوق بكيفَّية منفردة.. يلتفت إلى نفسه أكثر مما يلتفت إلى العالم الخارجي باتجاهات غير متوقعة. أليس هاته زحزحة للمعايير القائمة؟
يبدو أنَّ هذا الفنان لا همَّ له وشغفه الوحيد انتاج تشكيل كما يفهمه هو.. بحث خالص عن علامات وأشكال ومواد، فوضعنا في تجربة تخترق توقعاتنا من دون أن يطلب منا تفكيك رسائله، بل توريطنا في بنية غائبة لا حدود لها.
إنَّ الأمر يتعلق بأشكال سهلة إّلا أنّها لا تستسلم إلى غلقها.
يرى نوير أنَّ الأسلوب هو طريقة في التفكير والرؤية والعيش، هو الإنسان كما هو، هو الذات كما يمكن أن تشعر وتحسّ وتتفاعل مع ما حولها، من ذلك فالأسلوب تحصيل حاصل للثقافة والمعتقد والتجارب والخبرات التي يحصل عليها الفنان، بناءً على ذلك، فالفهم الخاص للفن والجمال ودوره وقوة رنين خطابه في الآخر هو ما يدفع الذات الإنسانَّية أن تجد أسلوبها الخاص، عند ذلك لا يكون الأسلوب هو الهمُّ الأساس عند الفنان، لأنَّه سيتشكل مع نمو التجربة الفنَّية، فتجربة نوير الفنَّية التي امتدّت لعقود تشكل أسلوبا خاصا بها، لأنَّه يفهم الفن بطريقته ورؤيته للحياة، أو كما يعتقد للفن أن يكون.
من ذلك تأثر أسلوبه بدراساته الأولى للفن، ومن حواراته الثقافَّية واطلاعاته على التجربة الفنّية العالمّية والإنسانّية.
واختلف أسلوبه في كل مرحلة مرَّ بها، من التجربة الأكاديمَّية الأولى وتلمس الطريق، وفهم التقنيات والمعالجات للفنانين، وطرائق معالجة الموضوعات، إلى مرحلة حاول أن ينفض غبار التجارب الأخرى من جلباب الدراسة والتأثر والعمل
بحرية على وفق فهمه للأمور والحياة الخاصة للعمل الفني، فالعمل الفني هو لحظة التقاء نقَّية بين النفس أو الروح والمادة، ومنها تفترض هذه الحياة اشتراطات مختلفة ومن دون أدنى معوقات للعب الحر والتنويع المفاهيمي والبنائي للشكل وطرائق
تأثيره على الذات.
لا يتشكل الأسلوب إّلا بخصوصَّية عالية وفهم لتلك الخصوصَّية، من هنا كانت التجارب المتتابعة ملاحقة لتلك الخصوصَّية ومسك خيوطها وطاقاتها، فالعمل والمثابرة والحوار ينتجان الميسم الطويل لأعمال مقترحة تتحرك بحركة الزمان، فالفنان نتاج زماني متحول من خلال المادة وبها.