هادي ياسين في كتابه
(سيرة الجمال .. افكار في جماليات فن الرسم) ...
مادّيّةُ اللوحةِ..
وأوهامُ (النقدِ) التشكيليِّ
خالد خضير الصالحي
يقسّم هادي ياسين كتابه (سيرة الجمال .. افكار في جماليات فن الرسم) الصادر عن دار تموز 2011، الى ابواب تبدو متصلةً ومنفصلةً في الوقت ذاته، كما تبدو وكأنها مقالات مستقلة اجتمعت لتؤلف كتابه هذا الذي يأتي في وقت تفتقر الثقافة العراقية فيه الى منشورات عن الفن التشكيلي ذات طابع تنظيري منذ وفاة الراحل شاكر حسن ال سعيد وحتى يومنا هذا (2012)، وسوف نستعرض كل عنوان من عناوين الكتاب، وهي كلها موضوعات تتميز بأمرين هما: اولا، معالجة اللوحة باعتبارها واقعة شيئية يسميها المؤلف (ملموسة)، وثانيهما، ان نتاج الفنانين، على اختلاف العصور، مثّل علامات متتالية يمكن ان تشكّل رؤيةً تُنقل على الورق لتكون علامات تاريخية في تحولات الرسم العالمي..
منذ الاسطر الاولى لكتابه يؤكد هادي ياسين على الصلة بين المجالين اللذين يبدع فيهما شخصيا وهما: الرسم والشعر فيؤكد ترابطهما وافتراقهما في الوقت عينه؛ متوصلا الى ان اللوحة في النهاية ليست الا واقعة (ملموسة) بينما هما يلتقيان بصفتهما وسيلتي (تعبير) متتبعا في موضوعه الاول (العلاقة المؤجلة بين الشعر والرسم) التحوّلَ الاهم الذي حدث في فن الرسم في اواسط القرن التاسع عشر من المحاكاة الى ملامسة الواقع مسّا ثم الابتعاد عنه، ويبدو ان الرسم كان بطيئا في تحولاته فلم يقدر على التساوق مع سرعة تحولات الشعر.. وينتهي هادي ياسين الى مقارنة ترى ان القصيدة الكلاسيكية تقابلها اللوحة الكلاسيكية ويقابل الشعر الخر اللوحة الانطباعية، بينما تقابل قصيدة النثر الرسم التجريدى..
وفي موضوع (التخطيط ومكانته في فن الرسم) اعاد الاعتبار الى فن التخطيط باعتباره "عملا فنيا متكاملا قائما بذاته" وفي موضوع (مونيه عمود الضوء) يخلص الى ان مونيه، على خلاف الانطباعيين الآخرين قد ادخل عامل الزمن في سلسلة من اللوحات التي صور فيها تاثير الضوء على الموجودات في اوقات متفرقة من النهار فقطع علاقته بالمرسم باعتبارها ارباكا للاحساس المتغير للرسام بتغيّر الزمان..
عندما يتحدث المؤلف عن (سيزان مؤسس الفن الحديث) فهو يقدّر "قوة التاثير" التي تمتع بها هذا الرسام في تطوير الرسم الحديث.. باعتباره "حدا فاصلا بين تاريخين للفن" فحاول المؤلف قراءة هذا الرسام ليس فقط بمعزل عن الانطباعيين وانما قراءة الانطباعيين من خلاله متتبعا التاثير الكبير له في اعادة النظر بـ: كلاسيكيات اللوحة والموضوع في الرسم الكلاسيكي، فقد كانت موضوعاته عادية جدا وليست اكثر من مناسبة للرسم؛ فكانت قيمة سيزان بالطريقة التي نظر بها الى هذه الموضوعات مطورا اساليب منظورية مختلفة تحقق له تجاوز (النظرة الانطباعية العابرة) باتجاه نظرة مركبة تتداخل فيها زوايا النظر..
وبحث المؤلف (الهوة بين الجمهور والفن الحديث) مؤرخا بداية الهوة في معرض المرفوضات، متسائلا عن مكمن الخلل بين طرفي هذه العلاقة: الفن، والجمهور محذرا من التجارب الخاوية التي تعمق هذه الهوة مقررا حاجة الجمهور الى "الارتقاء الى مستوى الفن الحديث" مخطّئا الايديولوجيات التي كرست دعاوى (الفن للناس) في محاولة لكسب هؤلاء الناس الى مصالحها على حساب الفن، مرجحا ان جذور المشكلة تكمن في التربية الفنية الهزيلة التي يتلقاها الناس والتي لا تؤهلهم لتلقّي الفن الحديث وطرح احكام مقبولة عنه..
يعتبر المؤلفُ (الشخصيةَ الفنية في الرسم) بأنها تحوير لقضيتي (الشكل والمضمون) و(الاسلوب)، ويعني المؤلف بالشخصية (البصمة الشخصية) في العمل الفني وهو ما يعنينا على تمييز اعمال الفنانين المختلفين من اساليبهم، ويقرر المؤلف ان (الطابع الشخصي) للرسام يكمن في اعماله وليس في تصريحاته، وفي قدرته على استيعاب كل التحولات التي يمر بها وهي لا تحَدّد بعدد محدود من الاعمال وانما بمنجز الفنان كله..
وفي قسم (تشكيل اللوحة) نجد عدة موضوعات منها: موضوعا عن (الاطار من الوظيفة الى جماليات الافكار) بحث المؤلف فيه عمل (الاطار) الذي يؤطر اللوحة، والذي اغرى العديد من الرسامين الى النظر اليه خارج الاطر التي حصرته بالوظيفة الديكورية او الهندسية العازلة، ليصبح ذا وظيفة جمالية تشكّل امتدادا لجمالية اللوحة.
وفي موضوع خطير هو (عنوان اللوحة هل يدل عليها ام على الفنان) يقدم مفهومه عن العنوان كمصطلح عام اولا باعتباره خلاصةً وصفةً مكثفة للعمل ومن صميمه وليس ملصقا عنوة بالعمل، ويقرر ان الاعمال التقليدية لا تتسع سوى لعناوين مباشرة تعريفية وليست ايحائية، اما في الرسم الحديث فهي تقدم فرصة للرسام للتحايل على المشاهد بوضع عناوين لا صلة جوهرية لها بالعمل، وان بعضها لا يدل على فكرة مثل: (حالة)، (تكوين...)، (موضوع رقم...) "وذلك اعطى لكثير من كَتَبَةِ ما يدعى جزافا بـ(النقد) فرصة لتاويل اعمال لا تتحمل التاويل مما اوقع هؤلاء (النقاد) في فخ"، وحول (اللون) تحدث عنه باعتباره (مادة)، وبحث عن زمر الالوان الاساسية والثانوية معتبرا اللون القضية الاهم في الرسم باعتبار "ان اللون هو الرسام"، واعتبر الالوان الزيتية لم تعد الان قادرة على تلبية حاجة الفنان فتحول نحو الاكريليك الذي اعتبره سيد الالوان الان لسرعته في الجفاف واعتبر اللون انعكاسا للطبيعة الاجتماعية والثقافية للمتعامل به واصفا اياه بأنه (شكل من اشكال الحضارة).
قسّم المؤلف (الفراغ في اللوحة) الى نوعين: فراغ بالمساحة وآخر باللون وكلاهما يحتاج الى وعي فني عال، وعن (حوار الافكار في العمل الفني) فيصف الافكار بأنها خميرة النقد اللاحق ويستعرض تعريفات (النقد) وان الناقد يُقبل على العمل الفني مستندا الى ارثه الثقافي وحواره مع الاعمال وحساسيته ويتخذ المؤلف موقفا يقبل النقد على انه افكار تضيء التجارب الفنية وهو في النهاية لذّة ابداعية.. واخيرا يتناول المؤلف (نقد الفن بين الصنعة الادبية وبين الوهم) منتقدا (الثرثرة) التي توصف بـ(النقد) وهي (نقد ادبي) يُحمَّل على اللوحة كناتج لوهم يقع فيه كتّاب يعتقدون انفسهم (نقادا) وهم اما يمتلكون قدرة ادبية فيزجون انفسهم في هذا الحقل الذي لا يفقهون منه شيئا، او انهم فاشلون في أجناس الكتابة الاخرى فوجدوا الكتابة عن التشكيل (سهلة) من وجهة نظرهم..
لقد وجدنا قدرا لا يستهان به من الموضوعات الواجب اثارتها الان في ميدان الكتابة عن الرسم التشكيلي في الثقافة العربية والعراقية وقد خاضها الكاتب هادي ياسين بافكار ولغة بسيطة وواضحة..
(سيرة الجمال .. افكار في جماليات فن الرسم) ...
مادّيّةُ اللوحةِ..
وأوهامُ (النقدِ) التشكيليِّ
خالد خضير الصالحي
يقسّم هادي ياسين كتابه (سيرة الجمال .. افكار في جماليات فن الرسم) الصادر عن دار تموز 2011، الى ابواب تبدو متصلةً ومنفصلةً في الوقت ذاته، كما تبدو وكأنها مقالات مستقلة اجتمعت لتؤلف كتابه هذا الذي يأتي في وقت تفتقر الثقافة العراقية فيه الى منشورات عن الفن التشكيلي ذات طابع تنظيري منذ وفاة الراحل شاكر حسن ال سعيد وحتى يومنا هذا (2012)، وسوف نستعرض كل عنوان من عناوين الكتاب، وهي كلها موضوعات تتميز بأمرين هما: اولا، معالجة اللوحة باعتبارها واقعة شيئية يسميها المؤلف (ملموسة)، وثانيهما، ان نتاج الفنانين، على اختلاف العصور، مثّل علامات متتالية يمكن ان تشكّل رؤيةً تُنقل على الورق لتكون علامات تاريخية في تحولات الرسم العالمي..
منذ الاسطر الاولى لكتابه يؤكد هادي ياسين على الصلة بين المجالين اللذين يبدع فيهما شخصيا وهما: الرسم والشعر فيؤكد ترابطهما وافتراقهما في الوقت عينه؛ متوصلا الى ان اللوحة في النهاية ليست الا واقعة (ملموسة) بينما هما يلتقيان بصفتهما وسيلتي (تعبير) متتبعا في موضوعه الاول (العلاقة المؤجلة بين الشعر والرسم) التحوّلَ الاهم الذي حدث في فن الرسم في اواسط القرن التاسع عشر من المحاكاة الى ملامسة الواقع مسّا ثم الابتعاد عنه، ويبدو ان الرسم كان بطيئا في تحولاته فلم يقدر على التساوق مع سرعة تحولات الشعر.. وينتهي هادي ياسين الى مقارنة ترى ان القصيدة الكلاسيكية تقابلها اللوحة الكلاسيكية ويقابل الشعر الخر اللوحة الانطباعية، بينما تقابل قصيدة النثر الرسم التجريدى..
وفي موضوع (التخطيط ومكانته في فن الرسم) اعاد الاعتبار الى فن التخطيط باعتباره "عملا فنيا متكاملا قائما بذاته" وفي موضوع (مونيه عمود الضوء) يخلص الى ان مونيه، على خلاف الانطباعيين الآخرين قد ادخل عامل الزمن في سلسلة من اللوحات التي صور فيها تاثير الضوء على الموجودات في اوقات متفرقة من النهار فقطع علاقته بالمرسم باعتبارها ارباكا للاحساس المتغير للرسام بتغيّر الزمان..
عندما يتحدث المؤلف عن (سيزان مؤسس الفن الحديث) فهو يقدّر "قوة التاثير" التي تمتع بها هذا الرسام في تطوير الرسم الحديث.. باعتباره "حدا فاصلا بين تاريخين للفن" فحاول المؤلف قراءة هذا الرسام ليس فقط بمعزل عن الانطباعيين وانما قراءة الانطباعيين من خلاله متتبعا التاثير الكبير له في اعادة النظر بـ: كلاسيكيات اللوحة والموضوع في الرسم الكلاسيكي، فقد كانت موضوعاته عادية جدا وليست اكثر من مناسبة للرسم؛ فكانت قيمة سيزان بالطريقة التي نظر بها الى هذه الموضوعات مطورا اساليب منظورية مختلفة تحقق له تجاوز (النظرة الانطباعية العابرة) باتجاه نظرة مركبة تتداخل فيها زوايا النظر..
وبحث المؤلف (الهوة بين الجمهور والفن الحديث) مؤرخا بداية الهوة في معرض المرفوضات، متسائلا عن مكمن الخلل بين طرفي هذه العلاقة: الفن، والجمهور محذرا من التجارب الخاوية التي تعمق هذه الهوة مقررا حاجة الجمهور الى "الارتقاء الى مستوى الفن الحديث" مخطّئا الايديولوجيات التي كرست دعاوى (الفن للناس) في محاولة لكسب هؤلاء الناس الى مصالحها على حساب الفن، مرجحا ان جذور المشكلة تكمن في التربية الفنية الهزيلة التي يتلقاها الناس والتي لا تؤهلهم لتلقّي الفن الحديث وطرح احكام مقبولة عنه..
يعتبر المؤلفُ (الشخصيةَ الفنية في الرسم) بأنها تحوير لقضيتي (الشكل والمضمون) و(الاسلوب)، ويعني المؤلف بالشخصية (البصمة الشخصية) في العمل الفني وهو ما يعنينا على تمييز اعمال الفنانين المختلفين من اساليبهم، ويقرر المؤلف ان (الطابع الشخصي) للرسام يكمن في اعماله وليس في تصريحاته، وفي قدرته على استيعاب كل التحولات التي يمر بها وهي لا تحَدّد بعدد محدود من الاعمال وانما بمنجز الفنان كله..
وفي قسم (تشكيل اللوحة) نجد عدة موضوعات منها: موضوعا عن (الاطار من الوظيفة الى جماليات الافكار) بحث المؤلف فيه عمل (الاطار) الذي يؤطر اللوحة، والذي اغرى العديد من الرسامين الى النظر اليه خارج الاطر التي حصرته بالوظيفة الديكورية او الهندسية العازلة، ليصبح ذا وظيفة جمالية تشكّل امتدادا لجمالية اللوحة.
وفي موضوع خطير هو (عنوان اللوحة هل يدل عليها ام على الفنان) يقدم مفهومه عن العنوان كمصطلح عام اولا باعتباره خلاصةً وصفةً مكثفة للعمل ومن صميمه وليس ملصقا عنوة بالعمل، ويقرر ان الاعمال التقليدية لا تتسع سوى لعناوين مباشرة تعريفية وليست ايحائية، اما في الرسم الحديث فهي تقدم فرصة للرسام للتحايل على المشاهد بوضع عناوين لا صلة جوهرية لها بالعمل، وان بعضها لا يدل على فكرة مثل: (حالة)، (تكوين...)، (موضوع رقم...) "وذلك اعطى لكثير من كَتَبَةِ ما يدعى جزافا بـ(النقد) فرصة لتاويل اعمال لا تتحمل التاويل مما اوقع هؤلاء (النقاد) في فخ"، وحول (اللون) تحدث عنه باعتباره (مادة)، وبحث عن زمر الالوان الاساسية والثانوية معتبرا اللون القضية الاهم في الرسم باعتبار "ان اللون هو الرسام"، واعتبر الالوان الزيتية لم تعد الان قادرة على تلبية حاجة الفنان فتحول نحو الاكريليك الذي اعتبره سيد الالوان الان لسرعته في الجفاف واعتبر اللون انعكاسا للطبيعة الاجتماعية والثقافية للمتعامل به واصفا اياه بأنه (شكل من اشكال الحضارة).
قسّم المؤلف (الفراغ في اللوحة) الى نوعين: فراغ بالمساحة وآخر باللون وكلاهما يحتاج الى وعي فني عال، وعن (حوار الافكار في العمل الفني) فيصف الافكار بأنها خميرة النقد اللاحق ويستعرض تعريفات (النقد) وان الناقد يُقبل على العمل الفني مستندا الى ارثه الثقافي وحواره مع الاعمال وحساسيته ويتخذ المؤلف موقفا يقبل النقد على انه افكار تضيء التجارب الفنية وهو في النهاية لذّة ابداعية.. واخيرا يتناول المؤلف (نقد الفن بين الصنعة الادبية وبين الوهم) منتقدا (الثرثرة) التي توصف بـ(النقد) وهي (نقد ادبي) يُحمَّل على اللوحة كناتج لوهم يقع فيه كتّاب يعتقدون انفسهم (نقادا) وهم اما يمتلكون قدرة ادبية فيزجون انفسهم في هذا الحقل الذي لا يفقهون منه شيئا، او انهم فاشلون في أجناس الكتابة الاخرى فوجدوا الكتابة عن التشكيل (سهلة) من وجهة نظرهم..
لقد وجدنا قدرا لا يستهان به من الموضوعات الواجب اثارتها الان في ميدان الكتابة عن الرسم التشكيلي في الثقافة العربية والعراقية وقد خاضها الكاتب هادي ياسين بافكار ولغة بسيطة وواضحة..