الأديبة السورية لينا هويان الحسن ..يوم عاشت ذات مرّة بين الحيّات والضفادع والسلاحف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأديبة السورية لينا هويان الحسن ..يوم عاشت ذات مرّة بين الحيّات والضفادع والسلاحف







    لينا هويان الحسن
    عشتُ ذات مرّة بين الحيّات والضفادع والسلاحف.
    في حوران، كان أبي، يومذاك، برتبة مقدم واستلم كتيبة الهندسة، في منطقة الدلي. تمرّ من هناك ساقية الريّ القادمة من نبع السريّا والذاهبة صوب قرية الشيخ مسكين. سكنّا في منزل صغير بطابقين يتوسط مسمكة للجيش طبعًا! غربي المسمكة سدّ السحيلية، وتعبر ساقية الري الصاخبة بهديرها وثعابينها الملساء، وأفواهها الخالية من الأسنان، المزرعة التي تحيط بالمسمكة المشيدة بمزاج عسكري بحت! استراحات قرميدية تقطنها آلاف الضفادع، وأشجار سرو وكينا معمرة تضجُّ بأنواع الطيور، و مسابح لم نسبح فيها ولا مرّة بسبب سطوة الثعابين الناعمة. نتوزع في الصباح- قبل الذهاب إلى المدرسة لننتشل أفراخ العصافير التي تسقط من أعشاشها، على أمل إنقاذها من أفواه الحيّات الشرهة لتلك العصافير التي أفهمتنا باكرًا أنّ البقاء للأقوى! لم يكن عندنا جيران. فقط وادٍ يتحفنا بالسيول طوال مدة الشتاء وكانت الفرحة الغامرة عندما ينقطع الطريق ونُحاصر بالمياه ويغدو الذهاب إلى المدرسة ، في قرية الشيخ مسكين، شبه مستحيل، ولأنني أكره المدارس والأساتذة والقوانين والعلامات عشقت السيول، مع الوقت اهتدى أبي إلى الحل، سيارة زيل! تعبر هذه السيارات العسكرية العملاقة مياه السيول وأصل إلى مدرستي أنا وإخوتي وكلي أسف لأنّ هنالك في الوجود مدارس و امتحانات، وسيارات زيل!
    وسط السلاحف كنّا بالكاد نعثر على وقت لمشاهدة: افتح يا سمسم، فلونة، ساندي بل، ببيرو، حكايات عالمية جونكر، ساسوكي. . أي زمن أفلام الكرتون الذهبي.
    وقت لركوب الدراجة ووقت للتربص بالثعالب، ووقت لقطف العنبر المسكي من الشجر لتضيفه أمي للشاي، ووقت لجمع الزرازير التي تسقط بسبب طلقات جفت أبي، يا الله على حوران! أتعلمون أنّ رفّ الزرازير كان يحجب ضوء شمس المغيب بسبب وفرتها!؟
    نهاركم خير يا أصدقاء، انظروا إلى السماء كثيرًا، اشربوا زرقة الأعالي، أبعدوا عيونكم عن شاشات الموبايلات، وتنشقوا نسائم الخريف اللعوبة. . للهواء لغة، تمرّر بعض القادم، لمن ينتبه. .
    نعم، ذات يوم حصلتُ على شهادتي الابتدائية من قرية الشيخ مسكين، مع حكايات كثيرة من: نوى، إزرع، بصير، درعا، انتقل أبي إلى دمشق وعبرنا "من مفرق جاسم للصنمين" وبدأتُ الفصل الأوّل في حياتي مع المدنية المباشرة لعاصمة المدن: دمشق.
    #لينا_هويان_الحسن
    #نهاركم_سغيد
    Fareed Zaffour
يعمل...
X