كيف يحمي هذا المواطن الفلسطيني واحدة من أقدم أشجارِ الزيتون في العالم
يقضي (صلاح أبو علي) معظم لياليه نائمًا تحت شجرته القديمة.
لدى (صلاح أبو علي) ثلاثة أولاد ويشير إلى شجرة (البدوي) بأنها ولده الرابع، تشبه هذه الشجرة أشجار البلوط أكثر مما تشبه الزيتون بشمراخها العضلي وجذعها الكهفي. يمشي (علي) نحو الشجرة بارتباك، ليركع تحت أغصانها ويلامس بلطف شتلة صغيرة نبتت بالقرب من قاعدتها، يقول إنه وجدها في اليوم الذي ولد فيه ابنه الأخير.
يستيقظ (أبو علي) كل صباحٍ للعناية ببستان عائلته الموجود في قرية (الولجة) الفلسطينية، وهي قريٌة هادئةٌ تقع على مشارف بيت لحم. يدخل من فناءِ أحد الجيرانِ مهرولاً في ممراتِ البستانِ الضيقة بطريقة تتناقض مع عمره، يعبر برشاقةٍ عبر المدرجات الخضراء، الواحدة تلوَ الآخر حتى يصلَ إلى حافةِ البستانِ حيث يقضي معظم يومه في ضخِّ المياه من النبع الموجود أعلاه، أو في الاعتناء بالتربة. يقضي (أبو علي) الليل هناك في بعض الأحيان، وهنا يستضيف حجّاج الأرض المقدسة. حيث يأتي الكثير منهم لرؤية تلك الشجرة، وهي شجرةُ زيتونٍ يعتقدُ البعض أنها الأقدم في العالم.
شجرة (البدوي) هي واحدة من أشجارٍ الزيتون المعدودة والموجودة شرق البحر الأبيض المتوسط التي يزيد عمرها على 2000 عام. قام فريقان أحدهما من إيطاليا والآخر من اليابان في عام 2010 بتقدير عمر الشجرة، وخلصوا الى أنه يتراوح بين 3000 و5500 عام. ذلك يجعل من شجرة (البدوي) بالفعل أقدم شجرة زيتون في العالم، لكن التيقّن من ذلك قد يبقى أمرا مستحيل.
بغضّ النظر عن أهمية الشجرة الدينية والتاريخية والثقافية لأهل القرية وأولئك الذين يأتون من الخارج لزيارتها. يقول (علي): “يأتي إلى هنا الأشخاص الذين يعرفونها” مضيفًا أن الشجرة كانت ذات يوم مكانًا يحج إليه الصوفيون. يُقال إن الشجرة استمدت اسمها من الشيخ (أحمد البدوي) وهو رجل دين صوفي مصري قضى معظم وقته تحت أغصانها. ونحن نعرف كم تكرّر ذِكرُ شجرة الزيتون في الكتاب المقدس وأصبحت أغصانُها رمزًا عالميًا للسلام.
أصبحت شجرة الزيتون الموجودة في (الولجة) تعني شيئًا آخر لسكانها. فهي الآن رمزٌ للمقاومة. لقد قلَّ عدد سكان القرية كثيرًا عما كان عليه في السابق. فقد أُجبِر معظمهم على الفرار من منازلهم وسط قتالٍ عنيفٍ خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948. يقول (أبو علي): ”لجأنا في عام 1948 إلى هنا ونمنا تحت الأشجار“ بينما كان أفراد الجيش الإسرائيلي يهتفون أثناء التدريبات في الوادي أدناه. ثمَّ بعد أن توقف القتال ورسمت الخطوط الفاصلة، فقدت (الولجة) حوالي 70 في المئة من أراضيها.
قلّت أراضي البلدة أكثر بعد أن استولت إسرائيل على الضفة الغربية خلال حرب الستة أيام عام 1967. ثم عمدت إسرائيل بعد ذلك الى توسيع بلدية القدس، وضمت حوالي نصف ما تبقى من القرية.
هدد الجدار العازل الإسرائيلي مؤخرا بتقسيمِ القرية إلى قسمين وعزلِ شجرة البدوي مرة أخرى. لكن السكان ربحوا معركة قضائية أدت إلى إبعاد الجدار عن القرية. وهو الآن مَبنيٌّ أسفل بستانِ عائلة (أبو علي) مباشرةً، حيث يفصل القرية الجديدة عن القديمة عبر الوادي الضيق.
على الرغم من الفوز في القضية، إلا إن عشرات المنازل هُدمت لإفساح المجال أمام بلدية القدس. لا تزال (الولجة) معزولة ومحاصرة من معظم جوانبها بجدار الفصل الإسرائيلي ولم يعد أهلها قادرين على الوصول إلى تلك الحقول غير المزروعة أو إلى العديد من ينابيع القرية الشهيرة.
من الصعب أن نتخيل ما قد يحدث لـ (أبو علي) إذا تم إبعادهُ عن الشجرة. فهو يَعتبر أن جلَّ عمله في الحياة هو حمايتها. ويقول أنّ أبناءه يساعدونه وغالبًا ما ينامون تحت الشجرة كما كان يفعل هو أحيانًا وكذلك والده من قبل. تدفع السلطة الفلسطينية لـ(أبو علي) مبلغًا شهريًا بسيطًا لحراستها، فهي قلقةٌ بشأن تقارير عن قيام مستوطنين وجنود اسرائيليين بحرق وقطع أشجار الزيتون القديمة في أجزاء أخرى من الضفة الغربية. وفقًا للأمم المتحدة يحتوي حوالي 45 بالمئة من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية وقطاع غزة على أشجار الزيتون، مما يوفر الدخل لحوالي 100,000 أسرة. يقول (أبو علي): ”الفلسطينيين مرتبطون بشجرة الزيتون، فهي جزءٌ من مقاومتنا وجزءٌ من ديننا، بها نحيا وبدونها نموت.“
تتمتع أشجار الزيتون بالقدرة على البقاء بخلاف غيرها من الأشجار، حيث تتشبث بالأراضي الصخرية القاحلة في بلاد الشام، ولا تتطلب سوى القليل من الماء والرعاية. اعتمد الناس هنا لقرون على شجر الزيتون لتأمين الطعام والزيت وربما يعود ذلك إلى 8,000 عام. على أية حال فإن شجرة كبيرة مثل شجرة (البدوي) تتطلب اهتمامًا خاصًا ومزيدًا من الماء فهي تتعافى الآن من الجفاف الذي حصل مؤخرًا.
يقول (أبو علي) إن السنوات الخمس الماضية كانت الأكثر صعوبة، حيث توجب عليه فحص الخرطوم الذي يستخدمه لضخ المياه من نبعٍ ضحلٍ موجود في الأعلى بشكل دائم لتوفير المياه للشجرة التي مر عام ولم تنتج شيئًا. أما في العام الماضي فقد تمكن بفضل الأمطار من حصاد 400 كيلوغرام من الزيتون. يقول (أبو علي): ”قبل 20 عام، كان هطول الأمطار أكثر غزارةً وكانت الشجرة تنتج 600 كيلوغرام سنويًا“.
يعتقد (أبو علي) أن الشجرة ستدوم ويقول: “إنها أفضل من الناس”. على الرغم من أن الأرض التي تقوم عليها كانت موضع نزاعٍ منذ زمنٍ بعيد، إلا أن النّاس ظلَّوا يعتنون بها عبر مرور الأديان، اليهودية والمسيحية والإسلام. يقول (علي) أنه لو لم تتولى عائلته رعاية شجرة (البدوي) لكان من المؤكد أن شخصًا آخر سيتولى المهمة.