لماذا تُعتبر الطريقتان اليهودية والإسلامية في الذبح غير رحيمتين بنظر الغرب؟
صورة: Eric Lalmand/Agence France-Presse
في عالمنا الإسلامي، نشأ أغلبنا على طريقة واحدة لذبح الحيوانات، وهي الذبح الحلال، إذ وضعت الشريعة الإسلامية طريقة وقوانينًا محددة كي تكون الذبيحة صالحة أو محللة للأكل، وهذا ما يفسر وجود مصطلح «حلال» على معظم معلبات اللحوم.
لكن الإسلام لم يضع هذه الطريقة لصالح الإنسان فقط، إذ أن طريقة الذبح الحلال –وفق الشريعة الإسلامية– تراعي أيضًا تلك الحيوانات التي نتناولها في نهاية المطاف، إذ تتم مراعاة مشاعر الحيوان وتعريضه للذبح بطريقة سريعة، كما أن الدين الإسلامي لا يحلل لأتباعه تناول كافة أنواع لحوم الحيوانات.
لعل تلك معلومات معروفة لدى الجميع، لكن في الحقيقة، توجد لدى ثقافات العالم الأخرى طرق ذبح “حلال”، أو لنصطلح تسميتها بـ “الذبح الرحيم” للحيوان.
على شاكلة المسلمين، يوجد لدى اليهود أيضًا قوانينهم الغذائية التي تتماشى مع الأحكام اليهودية، فالطعام الكوشر هو الطعام الحلال، ولا تقتصر تلك القوانين على ما يجب أو لا يجب تناوله، بل تشمل أيضًا أحكام ذبح الطيور، وتُعرف بالعبرية بـ “شحيطه”.
يتشابه الإسلام واليهودية في معظم أشكال الطعام الحلال أو الكوشر، مع وجود بعض الاختلافات. لكن على أي حال، وإن كنت لا تعلم هذا الأمر، تُعتبر طريقتا ذبح الحيوانات الإسلامية واليهودية غير رحيمتين، وقضت عدة محاكم غربية، منها محاكم في بريطانيا وهولندا وبلجيكا، وخلال أزمنة مختلفة، بوجوب حظر هاتين الطريقتين في البلدان الخاصة بكل محكمة.
إذاً لماذا لا يقبل العالم الغربي مثلاً بهاتين الطريقتين؟ ولماذا لا يقبل المسلمون، أو اليهود، بذبح الحيوانات إلا وفق الطريقة الخاصة لكل ديانة؟ تلك أسئلة سنتعرف على إجاباتها اليوم.
الطريقة الإسلامية والطريقة اليهودية لذبح الحيوانات: أوجه التشابه والاختلاف
يتشابه اللحم الحلال والطعام الكوشر في كثيرٍ من أمور، على الرغم من بعض الاختلافات. صورة: Ran Biran
في البداية، علينا أن نوضح معلومة مهمة: صحيح أن أوجه التشابه بين الطعام الحلال والكوشر كبيرة، لكن هناك اختلافات أيضًا، فمثلاً، تسمح اليهودية بإضافة الكحول إلى الطعام بشروط خاصة، بينما لا يجب أن تحوي الأغذية على الكحول في العالم الإسلامي.
اختلاف آخر هو المحظورات من لحوم الحيوان، وهنا نجد أن القائمة تطول وفق الديانة اليهودية، إذ يجب أن تكون اللحوم لثدييات مجترة ذات حوافر مشقوقة، بينما يكفي أن يكون الحيوان آكلًا للعشب كي يكون لحمه حلالًا في الإسلام، ويشمل ذلك كافة أنواع الماشية والأغنام، بالتالي، يُعتبر لحم الجمل والأرنب والمحار حلالًا في الإسلام، لكنه محرم في اليهودية. بالمناسبة، تتشابه القوانين الإسلامية واليهودية بخصوص لحوم الطيور، إذ أن لحم كافة الطيور حلالٌ باستثناء الجارحة منها.
نأتي إلى طرق الذبح، وسنبدأ بالطريقة الإسلامية
بإمكان أي شخص مسلم عاقل –سواء كان رجل أو امرأة، أو حتى من أهل الكتاب– القيام بمهمة الذبح، ويبدأ المسؤول عن العملية بنطق اسم الله (أي التسمية على الذبيحة)، فيجلب آلة حادة ذات نصل حديدي تحقق موتًا سريعًا وغير مؤلم للذبيحة، ويتم ذبح الحيوان من الرقبة، ويجري قطع الحلق بحركة واحدة كي تتم العملية بسرعة وبدون ألم طويل، وذلك ما يسمح للدم بالانسياب خارج جسم الذبيحة، إذ لا يجب أن يبقى الدم داخل الحيوان وإلا لا يُعتبر ذبحًا حلالًا.
طريقة الذبح اليهودية
الأمر مشابه بعض الشيء، لكن بمزيد من القوانين. في البداية، يجب أيضًا ذكر اسم الله (يُقال تبارك الله قبل الذبح)، ويُشترط أيضًا أن يُسال دم الذبيحة بعد نحرها بسرعة وبدون ألم. هذا ما يجعل طعام الكوشر حلالًا على المسلمين أيضًا.
يُطلق على عملية ذبح الحيوان في اليهودية اسم “شحيطه”، وعلى عكس الإسلام، لا يقوم بعملية الذبح سوى حاخام مشرف على هذا الأمر تلقى تدريبًا على ذبح الحيوانات لمدة سنوات عديدة، ويُراعى في اليهودية والإسلام وضع الحيوان النفسي والصحي قبل ذبحه، إذ لا يجب في الإسلام تقييد الحيوان أو إجهاده أو تخويفه قبل الذبح (بل لا يجب حتى شحذ سكين الذبح أمام عيني الحيوان). وبعد الذبح، يُترك الحيوان معلقًا كي تُسال دمائه تماماً، وبذلك، تحاول اليهودية والإسلام مراعاة تطبيق طريقة رحيمة لذبح الحيوان، لكن هل كان هذا كافٍ بالنسبة للدول التي لا تتخذ من الشرائع الدينية قوانينًا لها؟
حقوق الحيوان مقابل الذبح الحلال والكوشر
قامت العديد من الدول بفرض ضرورة إغماء الحيوانات قبل ذبحها، ما قد يعني تخلي الجاليات اليهودية والمسلمة عن طرق الذبح التقليدية. صورة: Wikipedia
في عام 2020، أوردت وكالة «فرانس برس» أن محكمة العدل الأوروبية أوعزت للسلطات إمكانية صعق الحيوانات قبل ذبحها، وبالتالي أصبح ذبح الماشية قبل صعقها ممنوعًا في بعض المناطق، مثل الإقليم الفلمنكي في بلجيكا.
لم يأتِ هذا القرار إلا بعد إصرار جماعات الرفق بالحيوان والجماعات الأخرى المهتمة برعاية الحيوانات على أن طريقتي الذبح اليهودية والإسلامية عنيفتان ومؤذيتان، حيث وجدت تلك الأصوات أن فكرة ذبح الحيوان وهو على قيد الحياة، وفي وعيه الكامل، أمر قاسٍ لا ضرورة له.
بالطبع، أثار هذا القرار استياء اليهود والمسلمين في أوروبا على حد سواء، لدرجة أن إسرائيل نفسها اعترضت عليه مدعية أنه يتعارض مع حرية العبادة. على أي حال، هذا ليس أول قانونًا يثير الجدل حول تلك القضية، إذ أن قرار محكمة العدل الأوربية يعطي كل الدول الأوربية الأخرى حقها في فرض صعق الحيوانات قبل ذبحها، حيث اتبعت بولندا والدنمارك إجراءات بهدف منع الذبح الحلال بدون صعق الحيوانات أو إغمائها. من الدول الأخرى التي تمنع ذبح الحيوانات قبل إغمائها سويسرا والسويد وسلوفينيا والنرويج.
ما الحجج التي تدعو إلى إلغاء الذبح الحلال؟ وهل تُعتبر تلك الطريقة إساءة للحيوانات حقاً؟
في معظم الدول الغربية، تجري طريقة الذبح الحلال بعد إغماء الحيوان أو إفقاده وعيه، ففي بريطانيا مثلًا، ووفق وكالة المعايير الغذائية هناك، يتم إغماء 88% من الحيوانات التي تُذبح وفق الشريعة الإسلامية في بريطانيا قبل بدء عملية الذبح، وبطريقة مقبولة وفق الإسلام. في المقابل، لا يجوز، إطلاقًا، إغماء الحيوان قبل ذبحه وفق الطريقة اليهودية.
يقول الأطباء البيطريون أن فقدان الوعي لدى الماشية يتم بعد 20 ثانية، لكن قد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى دقيقتين كاملتين، وفق الطريقة المتبعة ومدى فعاليتها، بينما تفقد الدواجن وعيها بعد 7 أو 8 ثوانٍ، وتختلف المدة طبعًا حسب العملية ومدى كفاءتها. في المقابل، تحتاج الخراف إلى 6 أو 7 ثواني حتى تفقد وعيها، وقد تصل المدة إلى 20 ثانية.
لا تكمن المشكلة في إغماء الحيوان قبل ذبحه أم ذبحه على الطريقتين الإسلامية واليهودية بشكل سريع، بل اندلع الجدل حول الذبح الحلال بعد انتشار تقارير من فترات مختلفة، وفي بلدان أوروبية مختلفة أيضًا، عن الظروف السيئة التي تعيشها الحيوانات في المسالخ، خاصة أن بعض تلك الحيوانات تبقى واعية بعد ذبحها لمدة قصيرة، بالتالي فهي تتعرض لألمٍ مريع، ولو لفترة قصيرة نسبياً.
يتم إغماء الحيوانات إما بضربة على الرأس، أو صعقها كهربائياً، أو إفقادها الوعي باستخدام الغاز. في كندا مثلاً، لا يلزم القانون إغماء الحيوانات أثناء الذبح وفق الطريقتين الإسلامية واليهودية، استنادًا إلى ادعاءات أنصار هاتين الطريقتين، حيث من المفترض أن يفقد الحيوان وعيه على الفور بعد ذبحه، أو أن يشعر بمقدار ضئيل جدًا من الألم وخلال مدة قصيرة جداً.
لكن المدافعين عن حقوق الحيوانات في كندا لا يرون الموضوع من هذه الناحية، إذ يرون أن ذبح الحيوان عبر قص العنق سيؤدي إلى شعور الحيوان بالألم والخوف حتى يفقد مقدارًا معينًا من الدم، عندها يفقد وعيه، أي أن العملية ستؤدي حتماً إلى شعور الحيوان بالألم الفظيع، حتى لو استمر هذا الشعور ثوانٍ. بالتالي، يدعي هؤلاء أن إيقاف نشاط الدماغ، المتمثل بإغماء الحيوان وفق الطرق السابقة، هو أفضل خيار كي لا يشعر الحيوان بالألم أثناء ذبحه.
في الحقيقة، أثبتت الأدلة أن قطع رقبة الحيوان، وهو واعٍ، يسبب مقداراً مريعاً من الألم، والخوف أيضًا، إذ ما عليك سوى أن تتخيل حدوث هذا الأمر لحيوانك الأليف، أو حتى تخيّل أن تنتهي حياتك بهذه الطريقة المريعة.
الحريات الدينية مقابل حقوق الحيوانات
لا تكمن المشكلة في طرق الذبح الحلال، وهي ليست متعلقة بديانة الأفراد أو عرقهم أو حتى ثقافتهم، إذ قد تتعرض الحيوانات في المسالخ العادية إلى الألم حتى لو تم إفقادها الوعي، وذلك لأن آلاف الحيوانات تذبح يوميًا وفق خطوط ضمن تلك المسالخ، صُممت لتعليقها وذبحها، بالتالي حدوث الأخطاء أمرٌ واردٌ جدًا.
تكمن أهمية هذا النقاش حول الإنسانية والأخلاق بالدرجة الأولى، حيث ينادي أنصار الرفق بالحيوان بإلغاء طريقتي الذبح الحلال والطريقة اليهودية لأنهما قد يتسببان بألمٍ لا داعٍ له.
أظهر بحث لأحد المراكز في نيوزيلندا أن قطع العنق لدى الماشية يدفع مستقبلات الألم إلى إرسال إشارات إلى الدماغ، ويظهر نشاط الدماغ حينها أن الحيوان –الذي لم يتعرض لفقدان الوعي– يشعر بالألم، ولهذا السبب يجب إفقاد تلك الحيوانات وعيها قبل الذبح، وإلا ستشعر بالألم عند قطع أنسجة الرقبة والأوعية الدموية.
أُجريت دراسات عديدة حول المدة التي تفقد الحيوانات خلالها الوعي بعد قطع الرقبة، وتؤكد تلك الدراسات على الأرقام التي تحدثنا عنها سابقاً، بالتالي تشعر الحيوانات بالألم قبل أن تفقد الوعي، حتى لو كانت مدة هذا الألم ثانيتين أو أكثر.
طرق الذبح «الإنسانية» لا تعني فقط تخفيف مقدار الألم الذي تشعر به الحيوانات إلى أقل درجة ممكنة، بل تشمل أيضًا تجنب إحداث الألم من الأساس، أو الابتعاد عن الطرق التي تسببًا ألمًا لا داعٍ له.
ما هي الطرق الأخرى غير التقليدية لذبح الحيوانات؟
تعارض العديد من الدول الغربية طريقتا الذبح اليهودية والإسلامية، وظهرت عدة ادعاءات بأن الحيوانات تكون واعية حتى بعد ذبحها على الطريقتان الإسلامية واليهودية، ولو لمدة قصيرة جداً، ما يعني أنها تشعر حتماً بالألم أو الخوف الرهيبين. صورة: Eric Lalmand/Agence France-Presse
هناك عدة طرق تُطبق عالمياً لذبح الحيوانات بطرق رحيمة، ولجميع تلك الطرق مبادئ تقوم عليها لتحقيق الموت الرحيم، هذه المبادئ هي:
الموت الفوري: إما بإطلاق رصاصة على رأس الحيوان أو استخدام الصعق الكهربائي. الطريقة ليست مهمة بقدر أهمية تحقيق الموت الفوري للحيوان عبر تطبيقها بشكل صحيح.
إفقاد الوعي: إذ يجب أن يفقد الحيوان وعيه على الفور، ثم يتم ذبحه. فعندما يكون الحيوان فاقدًا الوعي، يصبح فاقدًا للإحساس وبالتالي لا يستطيع الشعور بالألم أو الخوف أو القلق. من الطرق المستخدمة لإفقاد الوعي المسدسات الخارقة للرأس أو الصعق بالكهرباء (تطبيق تيار كهربائي على صدر الحيوان مما يسبب سكتة قلبية). وهنا يجب التأكد من أن الحيوان لن يستعيد وعيه، أو القيام بذبح الحيوان فورًا كي لا يتمكن من استعادة وعيه بشكل أو بآخر.
يجب أن تكون عملية قتل الحيوان غير مكروهة أو غير وحشية:يهتم هذا المبدأ بالرفاه النفسي للحيوان، وأفضل مثالٍ على القتل الرحيم هو وضع الحيوان الحيوانات في جوّ قليل الأكسجين، ثم استبدال الأكسجين بغاز النتروجين، ما يفقد الحيوان وعيه، وبالتالي تجري عملية الذبح على الفور.
المسدس المستخدم لإغماء الحيوانات، حيث يتم توجيهه إلى جمجمة الحيوان فيتسبب بموته أو فقدانه الوعي فوراً. صورة: QC Supply
لا يهتم مناصرو حقوق الحيوان بصحة الحيوان النفسية أثناء عملية الذبح فقط، بل أيضًا أثناء تجميع الحيوانات ووصولها إلى المذبح.
فإذا أردنا تطبيق الصعق الكهربائي، علينا الابتعاد عن إحدى الطرق السائدة حالياً، وهي تقييد أرجل الحيوان (الدجاج بصورة رئيسة) وتعليقه من الأعلى على خطٍ متحرك بهدف تطبيق الصعق الكهربائي على عدد كبير من الحيوانات، فذلك يؤدي إلى إثارة قلق الحيوان. والأمر نفسه ينطبق على نظام الصعق بعد الغمر في الماء.
هناك نوعان للصعق بالكهرباء، إحداها يهدف إلى إفقاد الحيوان وعيه فقط، والثاني يهدف إلى قتل الحيوان على الفور (كتطبيق التيار الكهربائي على صدر الحيوان). إذا اختار القائمون على ذبح الحيوان الطريقة الأولى، فعليهم ذبح الحيوان على الفور وإسالة دمه كي لا يتمكن من استعادة وعيه، وكي يصبح لحم الحيوان قابلاً للأكل أيضاً.
أما تطبيق طريقة الغاز فلها شروط أيضًا، إذ يجب الابتعاد كليًا عن استخدام غاز ثنائي أكسيد الكربون، واستبداله بالنتروجين، فالأول يسبب شعورًا بالقلق والهلع الشديدين لمدة تتراوح بين 15 إلى 30 ثانية. وعلى أي حال، إن كان الهدف من الغاز إفقاد الوعي فقط، فيجب القيام بالذبح بسرعة أيضًا.
طريقة أخرى هي استخدام المسدسات المقيدة، وهي عبارة عن أداة تطلق رصاصة سريعة على رأس الحيوان. توقف هذه الطريقة عمل الدماغ على الفور، وهي عادة تُستخدم في المزارع الكبرى وأماكن إنتاج اللحوم لأنها تحتاج إلى دقة وخبرة، وقد تكون خطيرة على الإنسان أيضًا.
الطريقة الأخيرة هي النزف، وهي الطريقة التي تستخدمها الديانتان الإسلامية واليهودية عن طريق إحداث خسارة سريعة في كمية الدم، ومن ثم الموت. وهنا يجب أن يكون الوقت الفاصل بين فقدان وعي الحيوان ونزيفه قصيرًا قدر الإمكان، وإلا لن يُعتبر موتًا رحيماً.
صورة: Eric Lalmand/Agence France-Presse
في عالمنا الإسلامي، نشأ أغلبنا على طريقة واحدة لذبح الحيوانات، وهي الذبح الحلال، إذ وضعت الشريعة الإسلامية طريقة وقوانينًا محددة كي تكون الذبيحة صالحة أو محللة للأكل، وهذا ما يفسر وجود مصطلح «حلال» على معظم معلبات اللحوم.
لكن الإسلام لم يضع هذه الطريقة لصالح الإنسان فقط، إذ أن طريقة الذبح الحلال –وفق الشريعة الإسلامية– تراعي أيضًا تلك الحيوانات التي نتناولها في نهاية المطاف، إذ تتم مراعاة مشاعر الحيوان وتعريضه للذبح بطريقة سريعة، كما أن الدين الإسلامي لا يحلل لأتباعه تناول كافة أنواع لحوم الحيوانات.
لعل تلك معلومات معروفة لدى الجميع، لكن في الحقيقة، توجد لدى ثقافات العالم الأخرى طرق ذبح “حلال”، أو لنصطلح تسميتها بـ “الذبح الرحيم” للحيوان.
على شاكلة المسلمين، يوجد لدى اليهود أيضًا قوانينهم الغذائية التي تتماشى مع الأحكام اليهودية، فالطعام الكوشر هو الطعام الحلال، ولا تقتصر تلك القوانين على ما يجب أو لا يجب تناوله، بل تشمل أيضًا أحكام ذبح الطيور، وتُعرف بالعبرية بـ “شحيطه”.
يتشابه الإسلام واليهودية في معظم أشكال الطعام الحلال أو الكوشر، مع وجود بعض الاختلافات. لكن على أي حال، وإن كنت لا تعلم هذا الأمر، تُعتبر طريقتا ذبح الحيوانات الإسلامية واليهودية غير رحيمتين، وقضت عدة محاكم غربية، منها محاكم في بريطانيا وهولندا وبلجيكا، وخلال أزمنة مختلفة، بوجوب حظر هاتين الطريقتين في البلدان الخاصة بكل محكمة.
إذاً لماذا لا يقبل العالم الغربي مثلاً بهاتين الطريقتين؟ ولماذا لا يقبل المسلمون، أو اليهود، بذبح الحيوانات إلا وفق الطريقة الخاصة لكل ديانة؟ تلك أسئلة سنتعرف على إجاباتها اليوم.
الطريقة الإسلامية والطريقة اليهودية لذبح الحيوانات: أوجه التشابه والاختلاف
يتشابه اللحم الحلال والطعام الكوشر في كثيرٍ من أمور، على الرغم من بعض الاختلافات. صورة: Ran Biran
في البداية، علينا أن نوضح معلومة مهمة: صحيح أن أوجه التشابه بين الطعام الحلال والكوشر كبيرة، لكن هناك اختلافات أيضًا، فمثلاً، تسمح اليهودية بإضافة الكحول إلى الطعام بشروط خاصة، بينما لا يجب أن تحوي الأغذية على الكحول في العالم الإسلامي.
اختلاف آخر هو المحظورات من لحوم الحيوان، وهنا نجد أن القائمة تطول وفق الديانة اليهودية، إذ يجب أن تكون اللحوم لثدييات مجترة ذات حوافر مشقوقة، بينما يكفي أن يكون الحيوان آكلًا للعشب كي يكون لحمه حلالًا في الإسلام، ويشمل ذلك كافة أنواع الماشية والأغنام، بالتالي، يُعتبر لحم الجمل والأرنب والمحار حلالًا في الإسلام، لكنه محرم في اليهودية. بالمناسبة، تتشابه القوانين الإسلامية واليهودية بخصوص لحوم الطيور، إذ أن لحم كافة الطيور حلالٌ باستثناء الجارحة منها.
نأتي إلى طرق الذبح، وسنبدأ بالطريقة الإسلامية
بإمكان أي شخص مسلم عاقل –سواء كان رجل أو امرأة، أو حتى من أهل الكتاب– القيام بمهمة الذبح، ويبدأ المسؤول عن العملية بنطق اسم الله (أي التسمية على الذبيحة)، فيجلب آلة حادة ذات نصل حديدي تحقق موتًا سريعًا وغير مؤلم للذبيحة، ويتم ذبح الحيوان من الرقبة، ويجري قطع الحلق بحركة واحدة كي تتم العملية بسرعة وبدون ألم طويل، وذلك ما يسمح للدم بالانسياب خارج جسم الذبيحة، إذ لا يجب أن يبقى الدم داخل الحيوان وإلا لا يُعتبر ذبحًا حلالًا.
طريقة الذبح اليهودية
الأمر مشابه بعض الشيء، لكن بمزيد من القوانين. في البداية، يجب أيضًا ذكر اسم الله (يُقال تبارك الله قبل الذبح)، ويُشترط أيضًا أن يُسال دم الذبيحة بعد نحرها بسرعة وبدون ألم. هذا ما يجعل طعام الكوشر حلالًا على المسلمين أيضًا.
يُطلق على عملية ذبح الحيوان في اليهودية اسم “شحيطه”، وعلى عكس الإسلام، لا يقوم بعملية الذبح سوى حاخام مشرف على هذا الأمر تلقى تدريبًا على ذبح الحيوانات لمدة سنوات عديدة، ويُراعى في اليهودية والإسلام وضع الحيوان النفسي والصحي قبل ذبحه، إذ لا يجب في الإسلام تقييد الحيوان أو إجهاده أو تخويفه قبل الذبح (بل لا يجب حتى شحذ سكين الذبح أمام عيني الحيوان). وبعد الذبح، يُترك الحيوان معلقًا كي تُسال دمائه تماماً، وبذلك، تحاول اليهودية والإسلام مراعاة تطبيق طريقة رحيمة لذبح الحيوان، لكن هل كان هذا كافٍ بالنسبة للدول التي لا تتخذ من الشرائع الدينية قوانينًا لها؟
حقوق الحيوان مقابل الذبح الحلال والكوشر
قامت العديد من الدول بفرض ضرورة إغماء الحيوانات قبل ذبحها، ما قد يعني تخلي الجاليات اليهودية والمسلمة عن طرق الذبح التقليدية. صورة: Wikipedia
في عام 2020، أوردت وكالة «فرانس برس» أن محكمة العدل الأوروبية أوعزت للسلطات إمكانية صعق الحيوانات قبل ذبحها، وبالتالي أصبح ذبح الماشية قبل صعقها ممنوعًا في بعض المناطق، مثل الإقليم الفلمنكي في بلجيكا.
لم يأتِ هذا القرار إلا بعد إصرار جماعات الرفق بالحيوان والجماعات الأخرى المهتمة برعاية الحيوانات على أن طريقتي الذبح اليهودية والإسلامية عنيفتان ومؤذيتان، حيث وجدت تلك الأصوات أن فكرة ذبح الحيوان وهو على قيد الحياة، وفي وعيه الكامل، أمر قاسٍ لا ضرورة له.
بالطبع، أثار هذا القرار استياء اليهود والمسلمين في أوروبا على حد سواء، لدرجة أن إسرائيل نفسها اعترضت عليه مدعية أنه يتعارض مع حرية العبادة. على أي حال، هذا ليس أول قانونًا يثير الجدل حول تلك القضية، إذ أن قرار محكمة العدل الأوربية يعطي كل الدول الأوربية الأخرى حقها في فرض صعق الحيوانات قبل ذبحها، حيث اتبعت بولندا والدنمارك إجراءات بهدف منع الذبح الحلال بدون صعق الحيوانات أو إغمائها. من الدول الأخرى التي تمنع ذبح الحيوانات قبل إغمائها سويسرا والسويد وسلوفينيا والنرويج.
ما الحجج التي تدعو إلى إلغاء الذبح الحلال؟ وهل تُعتبر تلك الطريقة إساءة للحيوانات حقاً؟
في معظم الدول الغربية، تجري طريقة الذبح الحلال بعد إغماء الحيوان أو إفقاده وعيه، ففي بريطانيا مثلًا، ووفق وكالة المعايير الغذائية هناك، يتم إغماء 88% من الحيوانات التي تُذبح وفق الشريعة الإسلامية في بريطانيا قبل بدء عملية الذبح، وبطريقة مقبولة وفق الإسلام. في المقابل، لا يجوز، إطلاقًا، إغماء الحيوان قبل ذبحه وفق الطريقة اليهودية.
يقول الأطباء البيطريون أن فقدان الوعي لدى الماشية يتم بعد 20 ثانية، لكن قد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى دقيقتين كاملتين، وفق الطريقة المتبعة ومدى فعاليتها، بينما تفقد الدواجن وعيها بعد 7 أو 8 ثوانٍ، وتختلف المدة طبعًا حسب العملية ومدى كفاءتها. في المقابل، تحتاج الخراف إلى 6 أو 7 ثواني حتى تفقد وعيها، وقد تصل المدة إلى 20 ثانية.
لا تكمن المشكلة في إغماء الحيوان قبل ذبحه أم ذبحه على الطريقتين الإسلامية واليهودية بشكل سريع، بل اندلع الجدل حول الذبح الحلال بعد انتشار تقارير من فترات مختلفة، وفي بلدان أوروبية مختلفة أيضًا، عن الظروف السيئة التي تعيشها الحيوانات في المسالخ، خاصة أن بعض تلك الحيوانات تبقى واعية بعد ذبحها لمدة قصيرة، بالتالي فهي تتعرض لألمٍ مريع، ولو لفترة قصيرة نسبياً.
يتم إغماء الحيوانات إما بضربة على الرأس، أو صعقها كهربائياً، أو إفقادها الوعي باستخدام الغاز. في كندا مثلاً، لا يلزم القانون إغماء الحيوانات أثناء الذبح وفق الطريقتين الإسلامية واليهودية، استنادًا إلى ادعاءات أنصار هاتين الطريقتين، حيث من المفترض أن يفقد الحيوان وعيه على الفور بعد ذبحه، أو أن يشعر بمقدار ضئيل جدًا من الألم وخلال مدة قصيرة جداً.
لكن المدافعين عن حقوق الحيوانات في كندا لا يرون الموضوع من هذه الناحية، إذ يرون أن ذبح الحيوان عبر قص العنق سيؤدي إلى شعور الحيوان بالألم والخوف حتى يفقد مقدارًا معينًا من الدم، عندها يفقد وعيه، أي أن العملية ستؤدي حتماً إلى شعور الحيوان بالألم الفظيع، حتى لو استمر هذا الشعور ثوانٍ. بالتالي، يدعي هؤلاء أن إيقاف نشاط الدماغ، المتمثل بإغماء الحيوان وفق الطرق السابقة، هو أفضل خيار كي لا يشعر الحيوان بالألم أثناء ذبحه.
في الحقيقة، أثبتت الأدلة أن قطع رقبة الحيوان، وهو واعٍ، يسبب مقداراً مريعاً من الألم، والخوف أيضًا، إذ ما عليك سوى أن تتخيل حدوث هذا الأمر لحيوانك الأليف، أو حتى تخيّل أن تنتهي حياتك بهذه الطريقة المريعة.
الحريات الدينية مقابل حقوق الحيوانات
لا تكمن المشكلة في طرق الذبح الحلال، وهي ليست متعلقة بديانة الأفراد أو عرقهم أو حتى ثقافتهم، إذ قد تتعرض الحيوانات في المسالخ العادية إلى الألم حتى لو تم إفقادها الوعي، وذلك لأن آلاف الحيوانات تذبح يوميًا وفق خطوط ضمن تلك المسالخ، صُممت لتعليقها وذبحها، بالتالي حدوث الأخطاء أمرٌ واردٌ جدًا.
تكمن أهمية هذا النقاش حول الإنسانية والأخلاق بالدرجة الأولى، حيث ينادي أنصار الرفق بالحيوان بإلغاء طريقتي الذبح الحلال والطريقة اليهودية لأنهما قد يتسببان بألمٍ لا داعٍ له.
أظهر بحث لأحد المراكز في نيوزيلندا أن قطع العنق لدى الماشية يدفع مستقبلات الألم إلى إرسال إشارات إلى الدماغ، ويظهر نشاط الدماغ حينها أن الحيوان –الذي لم يتعرض لفقدان الوعي– يشعر بالألم، ولهذا السبب يجب إفقاد تلك الحيوانات وعيها قبل الذبح، وإلا ستشعر بالألم عند قطع أنسجة الرقبة والأوعية الدموية.
أُجريت دراسات عديدة حول المدة التي تفقد الحيوانات خلالها الوعي بعد قطع الرقبة، وتؤكد تلك الدراسات على الأرقام التي تحدثنا عنها سابقاً، بالتالي تشعر الحيوانات بالألم قبل أن تفقد الوعي، حتى لو كانت مدة هذا الألم ثانيتين أو أكثر.
طرق الذبح «الإنسانية» لا تعني فقط تخفيف مقدار الألم الذي تشعر به الحيوانات إلى أقل درجة ممكنة، بل تشمل أيضًا تجنب إحداث الألم من الأساس، أو الابتعاد عن الطرق التي تسببًا ألمًا لا داعٍ له.
ما هي الطرق الأخرى غير التقليدية لذبح الحيوانات؟
تعارض العديد من الدول الغربية طريقتا الذبح اليهودية والإسلامية، وظهرت عدة ادعاءات بأن الحيوانات تكون واعية حتى بعد ذبحها على الطريقتان الإسلامية واليهودية، ولو لمدة قصيرة جداً، ما يعني أنها تشعر حتماً بالألم أو الخوف الرهيبين. صورة: Eric Lalmand/Agence France-Presse
هناك عدة طرق تُطبق عالمياً لذبح الحيوانات بطرق رحيمة، ولجميع تلك الطرق مبادئ تقوم عليها لتحقيق الموت الرحيم، هذه المبادئ هي:
الموت الفوري: إما بإطلاق رصاصة على رأس الحيوان أو استخدام الصعق الكهربائي. الطريقة ليست مهمة بقدر أهمية تحقيق الموت الفوري للحيوان عبر تطبيقها بشكل صحيح.
إفقاد الوعي: إذ يجب أن يفقد الحيوان وعيه على الفور، ثم يتم ذبحه. فعندما يكون الحيوان فاقدًا الوعي، يصبح فاقدًا للإحساس وبالتالي لا يستطيع الشعور بالألم أو الخوف أو القلق. من الطرق المستخدمة لإفقاد الوعي المسدسات الخارقة للرأس أو الصعق بالكهرباء (تطبيق تيار كهربائي على صدر الحيوان مما يسبب سكتة قلبية). وهنا يجب التأكد من أن الحيوان لن يستعيد وعيه، أو القيام بذبح الحيوان فورًا كي لا يتمكن من استعادة وعيه بشكل أو بآخر.
يجب أن تكون عملية قتل الحيوان غير مكروهة أو غير وحشية:يهتم هذا المبدأ بالرفاه النفسي للحيوان، وأفضل مثالٍ على القتل الرحيم هو وضع الحيوان الحيوانات في جوّ قليل الأكسجين، ثم استبدال الأكسجين بغاز النتروجين، ما يفقد الحيوان وعيه، وبالتالي تجري عملية الذبح على الفور.
المسدس المستخدم لإغماء الحيوانات، حيث يتم توجيهه إلى جمجمة الحيوان فيتسبب بموته أو فقدانه الوعي فوراً. صورة: QC Supply
لا يهتم مناصرو حقوق الحيوان بصحة الحيوان النفسية أثناء عملية الذبح فقط، بل أيضًا أثناء تجميع الحيوانات ووصولها إلى المذبح.
فإذا أردنا تطبيق الصعق الكهربائي، علينا الابتعاد عن إحدى الطرق السائدة حالياً، وهي تقييد أرجل الحيوان (الدجاج بصورة رئيسة) وتعليقه من الأعلى على خطٍ متحرك بهدف تطبيق الصعق الكهربائي على عدد كبير من الحيوانات، فذلك يؤدي إلى إثارة قلق الحيوان. والأمر نفسه ينطبق على نظام الصعق بعد الغمر في الماء.
هناك نوعان للصعق بالكهرباء، إحداها يهدف إلى إفقاد الحيوان وعيه فقط، والثاني يهدف إلى قتل الحيوان على الفور (كتطبيق التيار الكهربائي على صدر الحيوان). إذا اختار القائمون على ذبح الحيوان الطريقة الأولى، فعليهم ذبح الحيوان على الفور وإسالة دمه كي لا يتمكن من استعادة وعيه، وكي يصبح لحم الحيوان قابلاً للأكل أيضاً.
أما تطبيق طريقة الغاز فلها شروط أيضًا، إذ يجب الابتعاد كليًا عن استخدام غاز ثنائي أكسيد الكربون، واستبداله بالنتروجين، فالأول يسبب شعورًا بالقلق والهلع الشديدين لمدة تتراوح بين 15 إلى 30 ثانية. وعلى أي حال، إن كان الهدف من الغاز إفقاد الوعي فقط، فيجب القيام بالذبح بسرعة أيضًا.
طريقة أخرى هي استخدام المسدسات المقيدة، وهي عبارة عن أداة تطلق رصاصة سريعة على رأس الحيوان. توقف هذه الطريقة عمل الدماغ على الفور، وهي عادة تُستخدم في المزارع الكبرى وأماكن إنتاج اللحوم لأنها تحتاج إلى دقة وخبرة، وقد تكون خطيرة على الإنسان أيضًا.
الطريقة الأخيرة هي النزف، وهي الطريقة التي تستخدمها الديانتان الإسلامية واليهودية عن طريق إحداث خسارة سريعة في كمية الدم، ومن ثم الموت. وهنا يجب أن يكون الوقت الفاصل بين فقدان وعي الحيوان ونزيفه قصيرًا قدر الإمكان، وإلا لن يُعتبر موتًا رحيماً.