كيف قامت أمريكا بمحو هؤلاء الصينيين الستة الناجين من حادثة التايتانيك من صفحات التاريخ
في الـ15 من شهر أبريل سنة 1912، كان هناك ما يقارب 2224 شخصا على متن سفينة التايتانيك عندما غرقت في مياه شمال المحيط الأطلسي المتجمدة، ولم ينج منهم سوى 700 شخص، لكن الآن وبعد مائة عام تقريبا خرجت إلى النور قصة ستة مسافرين صينيين من هؤلاء الناجين الـ700، وظهرت معها أسباب محو قصتهم من صفحات التاريخ لقرابة مائة سنة كاملة.
وقد أعيد كشف الستار عن قصة هؤلاء الناجين الستة بفضل فيلم وثائقي جديد بعنوان The Six أو «الستّة» الذي من المقرر عرضه في نهاية العام الجاري 2018، والذي قد يمكن العالم أخيرا من معرفة قصة المواطنين الصينيين الستة الذين نجو من أشهر حادثة غرق في التاريخ، ولماذا لم ينالوا الاهتمام الذي استحقوه.
تذكرة الصعود على متن التايتانيك في الدرجة الثالثة التي تضمنت أسماء المسافرين الصينيين.
كان كل من (لي بينغ) و(فانغ لانغ) و(تشانغ تشيب) و(آه لام) و(تشونغ فو) و(لينغ هي) و(لي لينغ) و(لين لام) مسافرين على متن التايتانيك في الدرجة الثالثة، وكانوا جميعهم مسجلين في تذكرة واحدة عندما حجزوا للسفر على متن الرحلة العابرة للمحيط الأطلسي، وقد كانوا يعملون في شحن البضائع في السفن بين الصين وأوروبا، وتماما مثل جميع مسافري الطبقة الثالثة، قرروا بدء حياة جديدة في أمريكا، أرض الفرص.
يُعتقد أن يكون (لي لينغ) و(لين لام) قد غرقا مع حطام السفينة في قعر المحيط، لكن الستة الباقين الآخرين قد نجو من حادثة الغرق، وكان البعض قد نجا من خلال الصعود على متن آخر قوارب النجاة المتوفرة، وآخرون من خلال التشبث ببعض الحطام الطافي في المياه، ولأنهم كانوا صينيين لم يكن أي من هذا سهلا عليهم.
لا توجد هناك تفاصيل دقيقة حول نجاتهم، لكن وفقا لإحدى القصص فإن أحد الضباط المسؤولين على قوارب النجاة رفض السماح لأحد هؤلاء الرجال الصينيين بالصعود على متنه عندما سبح هذا الأخير باتجاهه، وتحجج قائلا: ”هناك آخرون يستحقون الإنقاذ أفضل من هذا الياباني!“، غير أن الناجين الآخرين في القارب تمكنوا من إقناعه بالسماح للرجل بالصعود على متنه.
صورة آخر قارب نجاة يبحر بعيدا عن سفينة التايتانيك الغارقة – صورة: ويكيميديا
بينما تداولت وسائل الإعلام التي قامت بتغطية حادثة التايتانيك الكثير من القصص الدرامية لكل من الناجين والغارقين على حد سواء بعد الكارثة، غير أنها اقتصرت في الذكر قصص المواطنين البريطانيين والأمريكيين فقط. بل في الواقع، عندما يتم ذكر الناجين الصينيين في وسائل الإعلام -هذا إن تم ذكرهم على الإطلاق- كانوا يُذمون ويُذكرون بالسوء كما يتهمون بالاختباء داخل قوارب النجاة حيث يُزعم أنهم عُثر عليهم تحت المقاعد، وهو الادعاء العنصري الذي لا توجد أية أدلة تدعمه، بل على العكس فقد ذكر الكثير من الناجين أنهم يتذكرون جيداً كيف كان هؤلاء الرجال الصينيون يجذفون بكل شجاعة على متن قوارب الإنقاذ ”دون كلل مثل الأبطال“.
عندما وصل الناجون الصينيون الستة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد حادثة غرق السفينة، لم يتلقوا طبعا نفس الاستقبال الحار الذي حظي به الناجون الآخرون من البريطانيين والأمريكيين، في الواقع تماما مثلما يصفها المؤرخ (ستيفن شوانكرت) الذي أشرف على إعداد وثائقي «الستّة» فإن: ”الرجال الصينيين الستة تمكنوا من النجاة من على متن التايتانيك، وبعد أربعة وعشرين ساعة فقط تم محوهم من صفحات التاريخ“.
قاربا نجاة يعجان بالناجين من حادثة التايتانيك يتوجهان نحو سفينة الإنقاذ.
لماذا حدث هذا يا ترى؟
إن للعنصرية ضد الصينيين جذور عميقة في التاريخ الأمريكي، لكنها تحولت إلى ذلك الموضوع الساخن فقط خلال العقود التي أحاطت بغرق سفينة التايتانيك.
بعد أن عبّر الكثير من الأمريكيين عن قلقهم من ارتفاع نسبة المهاجرين الصينيين إلى الولايات المتحدة وتزايد مخاوفهم من أن يؤثروا على السياسة الأمريكية والاقتصاد الأمريكي، قامت الحكومة بوضع العديد من القيود على هجرة الصينيين كما حددت أعداد المهاجرين المخول لهم بالتقدم بطلب تأشيرة الهجرة.
أصدرت بعدها الحكومة الأمريكية قانون إقصاء الصينيين Chinese Exclusion Act في سنة 1882 الذي علّق هجرة الصينيين إلى أمريكا لمدة عشرة سنوات كاملة، ثم تم تجديد نفس القانون مرة أخرى في سنة 1892، وأخيرا في سنة 1902 أصدرت الحكومة الأمريكية قانونا يمنع الصينيين من الهجرة إلى الولايات المتحدة نهائيا ويجعلها هجرة غير شرعية، وهو بذلك أول فعل ضد مجموعة عرقية تتخذها الولايات المتحدة في تاريخها.
وبقي الأمر على هذه الحال حتى سنة 1943 -عندما حاربت الصين إلى جانب قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية- حيث سمح للصينيين بالتقدم لطلب الهجرة إلى الولايات المتحدة مجددا.
بعد أن نجو من واحدة من أعظم الكوارث البحرية في التاريخ الحديث على الرغم من كون جميع الاحتمالات ضدهم، أُجبر الناجون الصينيون الستة على متن سفينة التايتانيك على مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال قرن كامل من الزمن بعد الحادثة لم يبد واضحا السبيل الذي اتخذوه في حياتهم، وبقي الغموض على تلك الحال إلى أن بدأ المؤرخون والموثّقون خلف الوثائقي «الستّة» بالبحث عن المعلومات المتعلقة بهم وتقفي أثرهم هنا وهناك.
ولم تكن تلك بالمهمة السهلة، ليس فقط بسبب المائة سنة التي مضت، بل مثلما شرحه المخرج (آرثر جونز): ”إن تعقب السلالات والأنساب الصينية أمر صعب للغاية، وبشكل أخص عندما تكون تبحث في الوثائق المكتوبة باللغة الإنجليزية مثل سجلات السفن حيث تتم غالبا كتابة أسماء المسافرين من خلال نقلها كما تُنطق بالصينية إلى الأحرف اللاتينية“.
لكن بفضل العمل الجاد والمضني الذي بذله الباحثون والمؤرخون والحملة الواسعة التي أطلقت في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن صناع وثائقي «الستّة» كانوا قادرين على تقفي خطى الناجين الصينيين بعد أن بدا وكأنهم اختفوا من التاريخ، وقادتهم الخيوط التي تتبعوها مجددا إلى الصين، وفي حالة واحدة عاد أحد هؤلاء الناجين إلى العيش في الولايات المتحدة الأمريكية، البلد الذي أقصاه، وطرده، ومسحه من التاريخ.
في الـ15 من شهر أبريل سنة 1912، كان هناك ما يقارب 2224 شخصا على متن سفينة التايتانيك عندما غرقت في مياه شمال المحيط الأطلسي المتجمدة، ولم ينج منهم سوى 700 شخص، لكن الآن وبعد مائة عام تقريبا خرجت إلى النور قصة ستة مسافرين صينيين من هؤلاء الناجين الـ700، وظهرت معها أسباب محو قصتهم من صفحات التاريخ لقرابة مائة سنة كاملة.
وقد أعيد كشف الستار عن قصة هؤلاء الناجين الستة بفضل فيلم وثائقي جديد بعنوان The Six أو «الستّة» الذي من المقرر عرضه في نهاية العام الجاري 2018، والذي قد يمكن العالم أخيرا من معرفة قصة المواطنين الصينيين الستة الذين نجو من أشهر حادثة غرق في التاريخ، ولماذا لم ينالوا الاهتمام الذي استحقوه.
تذكرة الصعود على متن التايتانيك في الدرجة الثالثة التي تضمنت أسماء المسافرين الصينيين.
كان كل من (لي بينغ) و(فانغ لانغ) و(تشانغ تشيب) و(آه لام) و(تشونغ فو) و(لينغ هي) و(لي لينغ) و(لين لام) مسافرين على متن التايتانيك في الدرجة الثالثة، وكانوا جميعهم مسجلين في تذكرة واحدة عندما حجزوا للسفر على متن الرحلة العابرة للمحيط الأطلسي، وقد كانوا يعملون في شحن البضائع في السفن بين الصين وأوروبا، وتماما مثل جميع مسافري الطبقة الثالثة، قرروا بدء حياة جديدة في أمريكا، أرض الفرص.
يُعتقد أن يكون (لي لينغ) و(لين لام) قد غرقا مع حطام السفينة في قعر المحيط، لكن الستة الباقين الآخرين قد نجو من حادثة الغرق، وكان البعض قد نجا من خلال الصعود على متن آخر قوارب النجاة المتوفرة، وآخرون من خلال التشبث ببعض الحطام الطافي في المياه، ولأنهم كانوا صينيين لم يكن أي من هذا سهلا عليهم.
لا توجد هناك تفاصيل دقيقة حول نجاتهم، لكن وفقا لإحدى القصص فإن أحد الضباط المسؤولين على قوارب النجاة رفض السماح لأحد هؤلاء الرجال الصينيين بالصعود على متنه عندما سبح هذا الأخير باتجاهه، وتحجج قائلا: ”هناك آخرون يستحقون الإنقاذ أفضل من هذا الياباني!“، غير أن الناجين الآخرين في القارب تمكنوا من إقناعه بالسماح للرجل بالصعود على متنه.
صورة آخر قارب نجاة يبحر بعيدا عن سفينة التايتانيك الغارقة – صورة: ويكيميديا
بينما تداولت وسائل الإعلام التي قامت بتغطية حادثة التايتانيك الكثير من القصص الدرامية لكل من الناجين والغارقين على حد سواء بعد الكارثة، غير أنها اقتصرت في الذكر قصص المواطنين البريطانيين والأمريكيين فقط. بل في الواقع، عندما يتم ذكر الناجين الصينيين في وسائل الإعلام -هذا إن تم ذكرهم على الإطلاق- كانوا يُذمون ويُذكرون بالسوء كما يتهمون بالاختباء داخل قوارب النجاة حيث يُزعم أنهم عُثر عليهم تحت المقاعد، وهو الادعاء العنصري الذي لا توجد أية أدلة تدعمه، بل على العكس فقد ذكر الكثير من الناجين أنهم يتذكرون جيداً كيف كان هؤلاء الرجال الصينيون يجذفون بكل شجاعة على متن قوارب الإنقاذ ”دون كلل مثل الأبطال“.
عندما وصل الناجون الصينيون الستة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد حادثة غرق السفينة، لم يتلقوا طبعا نفس الاستقبال الحار الذي حظي به الناجون الآخرون من البريطانيين والأمريكيين، في الواقع تماما مثلما يصفها المؤرخ (ستيفن شوانكرت) الذي أشرف على إعداد وثائقي «الستّة» فإن: ”الرجال الصينيين الستة تمكنوا من النجاة من على متن التايتانيك، وبعد أربعة وعشرين ساعة فقط تم محوهم من صفحات التاريخ“.
قاربا نجاة يعجان بالناجين من حادثة التايتانيك يتوجهان نحو سفينة الإنقاذ.
لماذا حدث هذا يا ترى؟
إن للعنصرية ضد الصينيين جذور عميقة في التاريخ الأمريكي، لكنها تحولت إلى ذلك الموضوع الساخن فقط خلال العقود التي أحاطت بغرق سفينة التايتانيك.
بعد أن عبّر الكثير من الأمريكيين عن قلقهم من ارتفاع نسبة المهاجرين الصينيين إلى الولايات المتحدة وتزايد مخاوفهم من أن يؤثروا على السياسة الأمريكية والاقتصاد الأمريكي، قامت الحكومة بوضع العديد من القيود على هجرة الصينيين كما حددت أعداد المهاجرين المخول لهم بالتقدم بطلب تأشيرة الهجرة.
أصدرت بعدها الحكومة الأمريكية قانون إقصاء الصينيين Chinese Exclusion Act في سنة 1882 الذي علّق هجرة الصينيين إلى أمريكا لمدة عشرة سنوات كاملة، ثم تم تجديد نفس القانون مرة أخرى في سنة 1892، وأخيرا في سنة 1902 أصدرت الحكومة الأمريكية قانونا يمنع الصينيين من الهجرة إلى الولايات المتحدة نهائيا ويجعلها هجرة غير شرعية، وهو بذلك أول فعل ضد مجموعة عرقية تتخذها الولايات المتحدة في تاريخها.
وبقي الأمر على هذه الحال حتى سنة 1943 -عندما حاربت الصين إلى جانب قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية- حيث سمح للصينيين بالتقدم لطلب الهجرة إلى الولايات المتحدة مجددا.
بعد أن نجو من واحدة من أعظم الكوارث البحرية في التاريخ الحديث على الرغم من كون جميع الاحتمالات ضدهم، أُجبر الناجون الصينيون الستة على متن سفينة التايتانيك على مغادرة الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال قرن كامل من الزمن بعد الحادثة لم يبد واضحا السبيل الذي اتخذوه في حياتهم، وبقي الغموض على تلك الحال إلى أن بدأ المؤرخون والموثّقون خلف الوثائقي «الستّة» بالبحث عن المعلومات المتعلقة بهم وتقفي أثرهم هنا وهناك.
ولم تكن تلك بالمهمة السهلة، ليس فقط بسبب المائة سنة التي مضت، بل مثلما شرحه المخرج (آرثر جونز): ”إن تعقب السلالات والأنساب الصينية أمر صعب للغاية، وبشكل أخص عندما تكون تبحث في الوثائق المكتوبة باللغة الإنجليزية مثل سجلات السفن حيث تتم غالبا كتابة أسماء المسافرين من خلال نقلها كما تُنطق بالصينية إلى الأحرف اللاتينية“.
لكن بفضل العمل الجاد والمضني الذي بذله الباحثون والمؤرخون والحملة الواسعة التي أطلقت في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن صناع وثائقي «الستّة» كانوا قادرين على تقفي خطى الناجين الصينيين بعد أن بدا وكأنهم اختفوا من التاريخ، وقادتهم الخيوط التي تتبعوها مجددا إلى الصين، وفي حالة واحدة عاد أحد هؤلاء الناجين إلى العيش في الولايات المتحدة الأمريكية، البلد الذي أقصاه، وطرده، ومسحه من التاريخ.