كيف عاش الصينيون القدماء حياتهم؟ عاداتهم، ممارساتهم، ومعتقداتهم
تعتبر الثقافة الصينية اليوم واحدة من أقدم ثقافات العالم. حيث بدأت في وادي النهر الأصفر منذ أكثر من 6000 عام ولا زالت العديد من العادات القديمة موجودة حتى الوقت الحاضر. لقد أقام الصينيون مجتمعًا قائمًا على احترام الأجداد وروح الأرض والآلهة وغيرهم من الناس. حيث كانوا يعتقدون أن الأرواح والآلهة تحكم العالم ولذا يجب أن يتصرف الناس كما لو كانت هذه الأرواح موجودة في جميع الأوقات.
وقد تغيرت الحياة اليومية في الصين عبر القرون، ولكنها ظلت تعكس أهمية الآلهة والأجداد في كل حقبة زمنية. فبعض القرى مثل (بانبو Banpo) دلَّت على وجود المجتمع الأمومي، حيث كان هناك طبقة كهنوتية تهيمن عليها النساء اللائي يحكمن ويشكلن السلطات الدينية.
في عصر ما قبل التاريخ (حوالي 5000 قبل الميلاد) عاش الناس في قرى صغيرة في وادي النهر الأصفر وسكنوا في منازل صغيرة مستديرة، حيث كانوا يرتدون جلود الحيوانات ويمارسون المعتقدات والأديان الإحيائية. نمت القرى الصغيرة مثل (بانبو) وتحولت إلى مجتمعات أكبر ثم إلى مدن. تعتبر أسرة (شيا Xia) التي استمرت بين عامي (2070-1600 قبل الميلاد) أول أشكال الحكومة في الصين حيث أنشأت مدنًا كبيرة. غالبًا ما كان يُعتقد أنها عائلة أسطورية حتى تم اكتشاف الأدلة الأثرية التي تثبت وجودها وفقًا لبعض العلماء (على الرغم من أن هذا لا يزال موضع نقاش). جاءت أسرة (شانغ Shang) بعد أسرة (شيا) واستمرت بين عامي (1600-1046 قبل الميلاد)، حيث اعتُمدت الكتابة وظهر أول دليل مكتوب يوثّق حياة الناس في الصين القديمة.
قرية بانبو، شيان، الصين. صورة: Ian Armstrong/(CC BY-SA)
الطبقات الاجتماعية والملابس والزينة
يُعتقد أن الحرير قد اختُرع عام 2696 قبل الميلاد، عندما كانت الإلهة (ليزو Leizu) زوجة الإله الأعلى (شانجتي Shangti)، تتناول الشاي حيث سقطت شرنقة في فنجانها ورأت خيطًا يخرج منها، مما دفعها لتزرع أشجار التوت كي تغزل ديدان القزّ شبكاتها وتصنع الحرير. لكن ارتداء الحرير كان حكرًا على النبلاء والملوك. فلم يكن مسموحًا بارتدائه لأُولئك الذين صنعوا منه الملابس أو حتى التجار الذين باعوه. كان معظم سكان الصين يرتدون ملابس مصنوعة من القنب.
ارتدت النساء سترات طويلة تصل إلى الكاحل مع ربطة حول الخصر؛ وكانت سترات الرجال أقصر لا تتجاوز الركبتين، وأحيانًا كانوا يرتدون السراويل والأحذية القماشية أو الصنادل. أما في المواسم الباردة فكانوا يرتدون سترة سميكة مصنوعة من القنب، وكانت مبطنة لتعطيهم المزيد من الدفء. خاطت النساء الصينيات صورة نمر على ملابس أطفالهن للحماية. كان يُعتقد أن النمر هو ملك الوحوش وأن صورته ستدفع الشر. أحيانًا تخيط الأمهات صور الضفادع أو الثعابين على الملابس جنبًا إلى جنب مع النمر لإضافة المزيد من الحماية ضد الخطر.
امتدت هذه العادة إلى الطبقات العليا حيث تم تطريز التنانين والنمور على العباءات الحريرية لنفس الغرض. لكن الإمبراطور في أسرة (سوي Sui) (589-618 م) أصدر مرسومًا يرفض التشابه الكبير الحاصل بين ملابس الفلاحين من جهة وملابس الطبقات العليا من جهة أخرى (على الرغم من أن النبلاء الأثرياء كانوا هم الوحيدون الذين يمكنهم ارتداء الحرير)، فأصدر قانونًا يلزم جميع الفلاحين بارتداء الملابس الزرقاء أو السوداء؛ ولم يُسمح بارتداء الألوان لغير الأثرياء.
تم تحديد الطبقة الاجتماعية للفرد بالنسل. فإذا كان الوالد فلاحًا فسيكون ابنه فلاحًا أيضًا. أدى اختراع الكتابة إلى تعمق الانقسام الاجتماعي بين الطبقة الحاكمة والنبلاء والتجار (أصحاب الأعمال) من جهة وبين فلاحي الطبقة العاملة من جهة أخرى. حيث انقسم الناس بين الطبقة العليا القادرة على القراءة وبين الفلاحين الأميين. شجعت أسرة (هان Han) (202 قبل الميلاد – 220 م) تعليم الذكور كجزء من القيم الكونفوشيوسية وبدأ الأخذ بفحوصات الوظيفة العامة كمعيار يسمح للطبقات الدنيا بالارتقاء. حينها أصبح من الممكن للفلاح المتعلم إذا نجح في الامتحان أن يشق طريقه إلى المستوى البيروقراطي.
كان يمكن لأي شخص ومنذ عهد أسرة (هان Han) أن يحسّن مكانته في الحياة من خلال اجتياز الامتحانات الإمبراطورية ومن ثم العمل في الحكومة. ولكنه كان من الصعب جدًا اجتياز هذه الاختبارات. فلم يكن شرطًا على المرء أن يكون متعلمًا وحسب، بل كان عليه أن يحفظ تسعة كتب تقريبًا معروفة باسم (The Five Classics and The Four Books الكلاسيكيات الخمسة والكتب الأربعة) ليتمكن من الإجابة على الأسئلة المتعلقة بها.
كان الأثرياء وذوي الطبقة الوسطى إما من النبلاء أو التجار أو السياسيين أو الموظفين الحكوميين بينما كان الفلاحون والعمال هم الفقراء. كانت الحانات أماكن تجمعٍ شهيرة للرجال من جميع الطبقات، لكن لكل طبقة نوعها الخاص من الحانات، فالطبقات العليا لن تذهب إلى حانات الطبقات الدنيا، ولم يُسمح للطبقات الدنيا بدخول حانات الطبقات العليا. كتب الباحث (تشارلز بين Charles Benn):
وعاء صيني قديم لشرب البيرة عمره 5000 عام
لبّت الحانات الحضرية احتياجات الطبقة الوسطى والريفية وحتى الدنيا منها. في مدينة (تشانجان) وخلال عهد أسرة (تانغ Tang) (618-907 م) كانت هناك منطقة في (نورث هاملت North Hamlet) تُعرف باسم «أحياء المرح» (Gay Quarters وكانت تخدم الأثرياء. يجب أن تُفهم كلمة “Gay” هنا على أنها “نور القلب”، وكانت الموظفات في مواقع العمل من مومسات النخبة والطبقة الراقية. كتب (بين Benn) ”لقد قدّرت قيمتهن بالنظر الى مواهبهن كفنّانات في الأعياد أكثر من خدماتهن الجنسية، لقد كنَّ يشبهن راقصات (الجيشا geishas) اليابانيات“.
لم تتمكن الطبقة الدنيا من دخول (أحياء المرح)، وحتى لو فعلوا ذلك، فإنهم لن يكونوا قادرين على تحمل تكلفة زيارة أي من المنازل فالدخول إليها كان مكلفًا. كانت النساء تدرن تلك الحانات في كثير من الأحيان، لكن (أحياء المرح) كان يديرها رجال مسؤولون أمام رئيس بلدية المدينة. كان هذا الترتيب موحدًا في جميع أنحاء الصين حيث عملت المحظيات تحت سيطرة الحكومة بشكل صارم.
شوهدت الفروق بين الطبقات في العصور القديمة أيضًا في تسريحات الشعر والتفاصيل الشخصية الأخرى. حيث كان الرجال والنساء من جميع الفئات يطولون شعرهم؛ لأنه كان يُعتقد أن شعر المرء يأتي من أسلافه، وقصه أمرًا غير محترم. في الحياة اليومية، كان المرء يسوّي شعره في شكل كعكة، لكن لم يكن من المفترض قصه أبدًا. كانت النساء الثريات يثبتن شعرهن بدبابيس متقنة مصنوعة من العاج أو الذهب أو الفضة بينما حافظت النساء الأفقر على شعرهن عن طريق عقده أو ربط الكعكة ببعض الخيوط.
كان يُعتقد أن الجسد تمامًا مثل الشعر هدية من أسلاف المرء ولا ينبغي إساءة استخدامه. لم يكن جسد المرء ملكه ليفعل به ما يحب؛ كان لا بد من معاملته باحترام. لهذا السبب نظر معظم الناس نظرةً دونية إلى أولئك الذين لديهم وشم، لأن تعليم الجسم بالحبر كان مرتبطًا بالعادات البربرية. تم استخدام الأوشام كعلامة للمجرمين، وكان على أولئك الذين يحملون العلامة أن يحملوها لبقية حياتهم. فالندبة ستبقى حتى لو احترقت العلامة الفعلية.
دبابيس الشعر الصينية. صورة: Trustees of the British Museum
ومع ذلك فقد سُجِّل عددٌ لا بأس به ممن اختاروا رسم الوشم كتعبير فني. كتب (تشارلز بين):
أنفق [أحد الرجال] 5000 قطعة نقدية ليقوم أحد الفنانين بوخز صدره وبطنه حتى يتمكن من التباهي بمنظر مليء بالأشجار القائمة في الجبال والأجنحة المرتفعة فوق الأنهار بالإضافة إلى الطيور والحيوانات “[أما شخص غيره]” فقد كان لديه في شبابه وشم ثعبان على جسده، وبدأت صورة الحية في يده اليمنى، حيث كان الفكين مرسومين على إبهامه وسبابته وهما مفتوحتين. ويلتف جسد الثعبان حول معصمه وذراعه وعنقه. ثم ينزلق إلى أسفل صدره وبطنه وفخذه وساقه حيث ينتهى بالذيل.
غالبًا ما كان يقتصر وضع الوشم على المحكوم عليهم أو أفراد العصابات. ويستشهد (بين) بمثال لعصابة شوارع حلقوا رؤوسهم ووضعوا الوشوم، كانوا يضربون الناس ويسرقونهم في سوق (تشانجان). لكن بعد إلقاء القبض عليهم، قام رئيس البلدية بضربهم علنًا حتى الموت في ساحة البلدة، لذلك قام العديد من الأشخاص في المدينة بالتخلص من وشومهم حتى لا يظهروا بحالة ارتباط مع العصابة.
إلى جانب الوشم، ارتبطت رائحة الجسم أيضًا بالبرابرة والمجرمين، وكان الصينيون شديدو الدقة في تعطير أنفسهم. كتب (بين):
كان الرجال والنساء يعطرون أنفسهم. حيث وضعت سيدات القصر الروائح ببذخ لدرجة أنهن عندما كُنّ يخرجن في رحلة، كانت تفوح رائحة موكبهن في الهواء لأميال.
كما كانوا يضعون مزيل العرق المصنوع من الجير واللبان والقرنفل والعلكة الحلوة ونبتة الولادة: و”كان التركيب معبأ في أكياس صغيرة يُوضع منها تحت الإبط. كما أوصت السلطات بغسل الإبطين بالبول في يوم رأس السنة الجديدة”. لقد كان يُعتقد أن الاستحمام كل يوم يدعو إلى المرض، ودرجت العادة على الاستحمام مرة واحدة فقط كل خمسة أيام. امتص الصينيون القرنفل للتخلص من رائحة الفم الكريهة وتم تكليف أي شخص يظهر في حضرة الإمبراطور بأن يفعل ذلك قبل التحدث إليه. وكانت رائحة القدم مصدر قلق آخر، حيث تم التحكم فيها من خلال العطور أو الكافور.
كانت أحذية الأثرياء ناعمة ومصنوعة من الحرير والأصابع فيها مقلوبة، بينما كانت أحذية طبقة الفلاحين خشنة أو عبارة عن صنادل مصنوعة من القش أو القنب أو الخشب. أما داخل المنزل فكان الجميع يرتدون النعال المصنوعة إما من القش أو خيوط القنب أو الحرير. لقد قام الرجال والنساء من الطبقات العليا على حد سواء بتطويل أظافرهم ليثبتوا أنهم ليسوا مضطرين إلى العمل. كان لديهم عبيد يفعلون كل شيء من أجلهم، حتى أنهم يطعمونهم لكي لا تتلف أظافرهم. وارتدت النساء الثريات المجوهرات مثل الأقراط والأساور والقلادات والتميمات والخواتم. وثبّتت بعض النساء أجنحة الخنفساء الخضراء على ملابسهن لجعلها أكثر جاذبية للرجال.
حذاء صيني من الحرير والنسيج. صورة: Trustees of the British Museum
خلال الفترة المعروفة باسم «الأسر الخمس والممالك العشر 907-960 م» بدأت عادة ربط القدم. ربما بدأ ذلك في وقت سابق لكنه أصبح عادة بعد عهد الإمبراطور (لي يو Li Yu) 937-978م الذي جعل زوجته (ييا نيانغ Yia Niang) تربط قدميها لتشبه هلال القمر وتؤدي رقصة خاصة للضيوف في أحد حفلاته. أقام (لي يو) تمثالًا ذهبيًا كبيرًا لزهرة لوتس في حديقته، وكانت رقصة (ييا نيانغ Yia Niang) تكريمًا لإزاحة الستار عنها. كانت رقصتها جميلة جدًا لدرجة جعلت النساء الأخريات هناك يرغبن في الحصول على أقدام صغيرة ورشيقة مثل (ييا نيانغ)، وسرعان ما تطورت فكرة أن المرأة الجميلة يجب أن يكون لها أقدامًا صغيرة.
كانت تُلف أقدام الفتيات الصغيرات منذ طفولتهن في ضمادات مُحكمة بحيث تُكسر أصابع أقدامهن وتُطوى تحت القدم. كان على الفتيات أن يتجولن ويَدُسن على أصابع أقدامهن، وكنَّ يعانين من ألم مستمر لسنوات حتى يعتدن على ذلك. على الرغم من أن هذه الممارسة بدأت بين الطبقات العليا، إلا أنها سرعان ما أصبحت شائعة لدى جميع النساء في الصين. هذا ما جعل العمل في حقول الأرز أو القيام بأي نوع من العمل اليدوي أمرًا صعبًا للغاية. تظهر النساء في اللوحات القديمة وهنّ يزحفن في حقول الأرز لعدم قدرتهن على المشي. استمر ربط القدمين لعدة قرون حتى تم حظره في عام 1911م. تمت مقابلة العديد من النساء في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين للحديث عن ربط القدمين وعن البكاء الذي سببه الألم لسنوات وكون ذلك الأمر لم يجعلهن يشعرن بمزيد من الجمال إطلاقًا.
تعتبر الثقافة الصينية اليوم واحدة من أقدم ثقافات العالم. حيث بدأت في وادي النهر الأصفر منذ أكثر من 6000 عام ولا زالت العديد من العادات القديمة موجودة حتى الوقت الحاضر. لقد أقام الصينيون مجتمعًا قائمًا على احترام الأجداد وروح الأرض والآلهة وغيرهم من الناس. حيث كانوا يعتقدون أن الأرواح والآلهة تحكم العالم ولذا يجب أن يتصرف الناس كما لو كانت هذه الأرواح موجودة في جميع الأوقات.
وقد تغيرت الحياة اليومية في الصين عبر القرون، ولكنها ظلت تعكس أهمية الآلهة والأجداد في كل حقبة زمنية. فبعض القرى مثل (بانبو Banpo) دلَّت على وجود المجتمع الأمومي، حيث كان هناك طبقة كهنوتية تهيمن عليها النساء اللائي يحكمن ويشكلن السلطات الدينية.
في عصر ما قبل التاريخ (حوالي 5000 قبل الميلاد) عاش الناس في قرى صغيرة في وادي النهر الأصفر وسكنوا في منازل صغيرة مستديرة، حيث كانوا يرتدون جلود الحيوانات ويمارسون المعتقدات والأديان الإحيائية. نمت القرى الصغيرة مثل (بانبو) وتحولت إلى مجتمعات أكبر ثم إلى مدن. تعتبر أسرة (شيا Xia) التي استمرت بين عامي (2070-1600 قبل الميلاد) أول أشكال الحكومة في الصين حيث أنشأت مدنًا كبيرة. غالبًا ما كان يُعتقد أنها عائلة أسطورية حتى تم اكتشاف الأدلة الأثرية التي تثبت وجودها وفقًا لبعض العلماء (على الرغم من أن هذا لا يزال موضع نقاش). جاءت أسرة (شانغ Shang) بعد أسرة (شيا) واستمرت بين عامي (1600-1046 قبل الميلاد)، حيث اعتُمدت الكتابة وظهر أول دليل مكتوب يوثّق حياة الناس في الصين القديمة.
قرية بانبو، شيان، الصين. صورة: Ian Armstrong/(CC BY-SA)
الطبقات الاجتماعية والملابس والزينة
يُعتقد أن الحرير قد اختُرع عام 2696 قبل الميلاد، عندما كانت الإلهة (ليزو Leizu) زوجة الإله الأعلى (شانجتي Shangti)، تتناول الشاي حيث سقطت شرنقة في فنجانها ورأت خيطًا يخرج منها، مما دفعها لتزرع أشجار التوت كي تغزل ديدان القزّ شبكاتها وتصنع الحرير. لكن ارتداء الحرير كان حكرًا على النبلاء والملوك. فلم يكن مسموحًا بارتدائه لأُولئك الذين صنعوا منه الملابس أو حتى التجار الذين باعوه. كان معظم سكان الصين يرتدون ملابس مصنوعة من القنب.
ارتدت النساء سترات طويلة تصل إلى الكاحل مع ربطة حول الخصر؛ وكانت سترات الرجال أقصر لا تتجاوز الركبتين، وأحيانًا كانوا يرتدون السراويل والأحذية القماشية أو الصنادل. أما في المواسم الباردة فكانوا يرتدون سترة سميكة مصنوعة من القنب، وكانت مبطنة لتعطيهم المزيد من الدفء. خاطت النساء الصينيات صورة نمر على ملابس أطفالهن للحماية. كان يُعتقد أن النمر هو ملك الوحوش وأن صورته ستدفع الشر. أحيانًا تخيط الأمهات صور الضفادع أو الثعابين على الملابس جنبًا إلى جنب مع النمر لإضافة المزيد من الحماية ضد الخطر.
امتدت هذه العادة إلى الطبقات العليا حيث تم تطريز التنانين والنمور على العباءات الحريرية لنفس الغرض. لكن الإمبراطور في أسرة (سوي Sui) (589-618 م) أصدر مرسومًا يرفض التشابه الكبير الحاصل بين ملابس الفلاحين من جهة وملابس الطبقات العليا من جهة أخرى (على الرغم من أن النبلاء الأثرياء كانوا هم الوحيدون الذين يمكنهم ارتداء الحرير)، فأصدر قانونًا يلزم جميع الفلاحين بارتداء الملابس الزرقاء أو السوداء؛ ولم يُسمح بارتداء الألوان لغير الأثرياء.
تم تحديد الطبقة الاجتماعية للفرد بالنسل. فإذا كان الوالد فلاحًا فسيكون ابنه فلاحًا أيضًا. أدى اختراع الكتابة إلى تعمق الانقسام الاجتماعي بين الطبقة الحاكمة والنبلاء والتجار (أصحاب الأعمال) من جهة وبين فلاحي الطبقة العاملة من جهة أخرى. حيث انقسم الناس بين الطبقة العليا القادرة على القراءة وبين الفلاحين الأميين. شجعت أسرة (هان Han) (202 قبل الميلاد – 220 م) تعليم الذكور كجزء من القيم الكونفوشيوسية وبدأ الأخذ بفحوصات الوظيفة العامة كمعيار يسمح للطبقات الدنيا بالارتقاء. حينها أصبح من الممكن للفلاح المتعلم إذا نجح في الامتحان أن يشق طريقه إلى المستوى البيروقراطي.
كان يمكن لأي شخص ومنذ عهد أسرة (هان Han) أن يحسّن مكانته في الحياة من خلال اجتياز الامتحانات الإمبراطورية ومن ثم العمل في الحكومة. ولكنه كان من الصعب جدًا اجتياز هذه الاختبارات. فلم يكن شرطًا على المرء أن يكون متعلمًا وحسب، بل كان عليه أن يحفظ تسعة كتب تقريبًا معروفة باسم (The Five Classics and The Four Books الكلاسيكيات الخمسة والكتب الأربعة) ليتمكن من الإجابة على الأسئلة المتعلقة بها.
كان الأثرياء وذوي الطبقة الوسطى إما من النبلاء أو التجار أو السياسيين أو الموظفين الحكوميين بينما كان الفلاحون والعمال هم الفقراء. كانت الحانات أماكن تجمعٍ شهيرة للرجال من جميع الطبقات، لكن لكل طبقة نوعها الخاص من الحانات، فالطبقات العليا لن تذهب إلى حانات الطبقات الدنيا، ولم يُسمح للطبقات الدنيا بدخول حانات الطبقات العليا. كتب الباحث (تشارلز بين Charles Benn):
كان السكان الغربيون يديرون الحانات التي يفضلها الشعراء في الغرف الموجودة على طول السور الجنوبي لمدينة (تشانجان Changan). لقد استخدموا نساء شقراوات ذوات بشرة بيضاء وعيون خضراء من آسيا الوسطى للغناء والرقص حتى ينفق الرعاة المزيد من المال على البيرة. بصرف النظر عن الحانات الموجودة داخل جدران (تشانجان). كان هناك حانات تبيع البيرة للمسافرين يشرف عليها القرويون الذين يعيشون على طول حوالي تسعة عشر ميلاً من الطريق الشرقي خارج المدينة.
وعاء صيني قديم لشرب البيرة عمره 5000 عام
لبّت الحانات الحضرية احتياجات الطبقة الوسطى والريفية وحتى الدنيا منها. في مدينة (تشانجان) وخلال عهد أسرة (تانغ Tang) (618-907 م) كانت هناك منطقة في (نورث هاملت North Hamlet) تُعرف باسم «أحياء المرح» (Gay Quarters وكانت تخدم الأثرياء. يجب أن تُفهم كلمة “Gay” هنا على أنها “نور القلب”، وكانت الموظفات في مواقع العمل من مومسات النخبة والطبقة الراقية. كتب (بين Benn) ”لقد قدّرت قيمتهن بالنظر الى مواهبهن كفنّانات في الأعياد أكثر من خدماتهن الجنسية، لقد كنَّ يشبهن راقصات (الجيشا geishas) اليابانيات“.
لم تتمكن الطبقة الدنيا من دخول (أحياء المرح)، وحتى لو فعلوا ذلك، فإنهم لن يكونوا قادرين على تحمل تكلفة زيارة أي من المنازل فالدخول إليها كان مكلفًا. كانت النساء تدرن تلك الحانات في كثير من الأحيان، لكن (أحياء المرح) كان يديرها رجال مسؤولون أمام رئيس بلدية المدينة. كان هذا الترتيب موحدًا في جميع أنحاء الصين حيث عملت المحظيات تحت سيطرة الحكومة بشكل صارم.
شوهدت الفروق بين الطبقات في العصور القديمة أيضًا في تسريحات الشعر والتفاصيل الشخصية الأخرى. حيث كان الرجال والنساء من جميع الفئات يطولون شعرهم؛ لأنه كان يُعتقد أن شعر المرء يأتي من أسلافه، وقصه أمرًا غير محترم. في الحياة اليومية، كان المرء يسوّي شعره في شكل كعكة، لكن لم يكن من المفترض قصه أبدًا. كانت النساء الثريات يثبتن شعرهن بدبابيس متقنة مصنوعة من العاج أو الذهب أو الفضة بينما حافظت النساء الأفقر على شعرهن عن طريق عقده أو ربط الكعكة ببعض الخيوط.
كان يُعتقد أن الجسد تمامًا مثل الشعر هدية من أسلاف المرء ولا ينبغي إساءة استخدامه. لم يكن جسد المرء ملكه ليفعل به ما يحب؛ كان لا بد من معاملته باحترام. لهذا السبب نظر معظم الناس نظرةً دونية إلى أولئك الذين لديهم وشم، لأن تعليم الجسم بالحبر كان مرتبطًا بالعادات البربرية. تم استخدام الأوشام كعلامة للمجرمين، وكان على أولئك الذين يحملون العلامة أن يحملوها لبقية حياتهم. فالندبة ستبقى حتى لو احترقت العلامة الفعلية.
دبابيس الشعر الصينية. صورة: Trustees of the British Museum
ومع ذلك فقد سُجِّل عددٌ لا بأس به ممن اختاروا رسم الوشم كتعبير فني. كتب (تشارلز بين):
أنفق [أحد الرجال] 5000 قطعة نقدية ليقوم أحد الفنانين بوخز صدره وبطنه حتى يتمكن من التباهي بمنظر مليء بالأشجار القائمة في الجبال والأجنحة المرتفعة فوق الأنهار بالإضافة إلى الطيور والحيوانات “[أما شخص غيره]” فقد كان لديه في شبابه وشم ثعبان على جسده، وبدأت صورة الحية في يده اليمنى، حيث كان الفكين مرسومين على إبهامه وسبابته وهما مفتوحتين. ويلتف جسد الثعبان حول معصمه وذراعه وعنقه. ثم ينزلق إلى أسفل صدره وبطنه وفخذه وساقه حيث ينتهى بالذيل.
غالبًا ما كان يقتصر وضع الوشم على المحكوم عليهم أو أفراد العصابات. ويستشهد (بين) بمثال لعصابة شوارع حلقوا رؤوسهم ووضعوا الوشوم، كانوا يضربون الناس ويسرقونهم في سوق (تشانجان). لكن بعد إلقاء القبض عليهم، قام رئيس البلدية بضربهم علنًا حتى الموت في ساحة البلدة، لذلك قام العديد من الأشخاص في المدينة بالتخلص من وشومهم حتى لا يظهروا بحالة ارتباط مع العصابة.
إلى جانب الوشم، ارتبطت رائحة الجسم أيضًا بالبرابرة والمجرمين، وكان الصينيون شديدو الدقة في تعطير أنفسهم. كتب (بين):
كان الرجال والنساء يعطرون أنفسهم. حيث وضعت سيدات القصر الروائح ببذخ لدرجة أنهن عندما كُنّ يخرجن في رحلة، كانت تفوح رائحة موكبهن في الهواء لأميال.
كما كانوا يضعون مزيل العرق المصنوع من الجير واللبان والقرنفل والعلكة الحلوة ونبتة الولادة: و”كان التركيب معبأ في أكياس صغيرة يُوضع منها تحت الإبط. كما أوصت السلطات بغسل الإبطين بالبول في يوم رأس السنة الجديدة”. لقد كان يُعتقد أن الاستحمام كل يوم يدعو إلى المرض، ودرجت العادة على الاستحمام مرة واحدة فقط كل خمسة أيام. امتص الصينيون القرنفل للتخلص من رائحة الفم الكريهة وتم تكليف أي شخص يظهر في حضرة الإمبراطور بأن يفعل ذلك قبل التحدث إليه. وكانت رائحة القدم مصدر قلق آخر، حيث تم التحكم فيها من خلال العطور أو الكافور.
كانت أحذية الأثرياء ناعمة ومصنوعة من الحرير والأصابع فيها مقلوبة، بينما كانت أحذية طبقة الفلاحين خشنة أو عبارة عن صنادل مصنوعة من القش أو القنب أو الخشب. أما داخل المنزل فكان الجميع يرتدون النعال المصنوعة إما من القش أو خيوط القنب أو الحرير. لقد قام الرجال والنساء من الطبقات العليا على حد سواء بتطويل أظافرهم ليثبتوا أنهم ليسوا مضطرين إلى العمل. كان لديهم عبيد يفعلون كل شيء من أجلهم، حتى أنهم يطعمونهم لكي لا تتلف أظافرهم. وارتدت النساء الثريات المجوهرات مثل الأقراط والأساور والقلادات والتميمات والخواتم. وثبّتت بعض النساء أجنحة الخنفساء الخضراء على ملابسهن لجعلها أكثر جاذبية للرجال.
حذاء صيني من الحرير والنسيج. صورة: Trustees of the British Museum
خلال الفترة المعروفة باسم «الأسر الخمس والممالك العشر 907-960 م» بدأت عادة ربط القدم. ربما بدأ ذلك في وقت سابق لكنه أصبح عادة بعد عهد الإمبراطور (لي يو Li Yu) 937-978م الذي جعل زوجته (ييا نيانغ Yia Niang) تربط قدميها لتشبه هلال القمر وتؤدي رقصة خاصة للضيوف في أحد حفلاته. أقام (لي يو) تمثالًا ذهبيًا كبيرًا لزهرة لوتس في حديقته، وكانت رقصة (ييا نيانغ Yia Niang) تكريمًا لإزاحة الستار عنها. كانت رقصتها جميلة جدًا لدرجة جعلت النساء الأخريات هناك يرغبن في الحصول على أقدام صغيرة ورشيقة مثل (ييا نيانغ)، وسرعان ما تطورت فكرة أن المرأة الجميلة يجب أن يكون لها أقدامًا صغيرة.
كانت تُلف أقدام الفتيات الصغيرات منذ طفولتهن في ضمادات مُحكمة بحيث تُكسر أصابع أقدامهن وتُطوى تحت القدم. كان على الفتيات أن يتجولن ويَدُسن على أصابع أقدامهن، وكنَّ يعانين من ألم مستمر لسنوات حتى يعتدن على ذلك. على الرغم من أن هذه الممارسة بدأت بين الطبقات العليا، إلا أنها سرعان ما أصبحت شائعة لدى جميع النساء في الصين. هذا ما جعل العمل في حقول الأرز أو القيام بأي نوع من العمل اليدوي أمرًا صعبًا للغاية. تظهر النساء في اللوحات القديمة وهنّ يزحفن في حقول الأرز لعدم قدرتهن على المشي. استمر ربط القدمين لعدة قرون حتى تم حظره في عام 1911م. تمت مقابلة العديد من النساء في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين للحديث عن ربط القدمين وعن البكاء الذي سببه الألم لسنوات وكون ذلك الأمر لم يجعلهن يشعرن بمزيد من الجمال إطلاقًا.
تعليق