- يتطلب النقد جرأة كبيرة، وقلّتٌ من النسوة اللواتي نهلن من بحوره، ما سبب توجهك بهذا الاتجاه؟
ومنذ أن حصلت على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي القديم تولدت لدي رغبة جامحة في السير في طريق نقدي لم يسر فيه أحد قبلي، وقد قال أندريه جيد: لا يزال النقد إلى أيامنا هذه يسير في الأرض السهلة، فرغبت في السير في الأرض الوعرة، وشققت لنفسي مساراً بحثياً خاصاً، أرى النقد فناً، وأرى الناقد فناناً، فإن كنت ناقدة موهوبة فآخر شيء أفكر فيه هو أن أرسم لوحة رسمها أحد قبلي، القدرة على الإنجاز تبدأ من داخلي وحدي.
- تنوعت اهتماماتك في مجال الآداب، وكان منها الخطاب ثلاثي الأبعاد، وهي دراسة في الأدب المعاصر، فما الأسس التي بنيت عليها دراستك؟
يشير المعنى اللغوي للبعد إلى المكان، والمسافة، ويفيد البعد في الدلالة الاصطلاحية تمثيل العلاقات المكانية بين العناصر؛ إذ يشير مصطلح ثلاثي الأبعاد "" Three dimensional إلى الفراغ الذي يملك ثلاثة مقاييس: العمق أو الارتفاع، والعرض، والطول، ويُعرف مصطلح البعد في علم الهندسة الفراغية، فيبحث في خصائص الأشكال، والمجسمات في الفراغ مثل الكرة، والهرم.
ويُقصَد بالبعد أيضاً البعد الفيزيائي بمعنى المسافة، وبذلك يلتقي المعنى اللغوي. والبعد Dimension جمعه أبعاد، وهو عدد درجات الحرية الممكنة للحركة ضمن فضاء ما.
لكنّ الأبعاد وحواريتها تجعل النص الأدبي منطوياً على دهشة في وعي المتلقي، فيمكن الخروج من الأطر المرسومة سلفاً للنوع الأدبي، وتحدث الدهشة حين نتلقى القصة القصيرة جداً؛ لاشتمالها على أبعاد مختلفة تثريها، ونفاجأ بالومضة؛ لمغايرتها القصيدة المعهودة؛ ذلك أنها أيضاً تشتمل على أبعاد شكلت هوية خاصة بها، ومائزة لها من جنس الشعر من جهة، وشكل القصيدة ومعماريتها وركائزها من جهة ثانية، ولولا وجود الأبعاد لما تمت الدهشة لدى المتلقي، فإذا كان أدب الخيال العلمي والقصة القصيرة جداً وقصيدة الومضة من الأدب الخطيّ الذي يقدَّم بوسيط طباعي من الحبر والورق، ويتشكل من توالي جمل لها بداية ونهاية فإننا نجد أن هذه الخطية تغتني بوجود الأبعاد التي تجعل النص وكأنه لوحة ثلاثية الأبعاد تحتاج إلى نظارة خاصة لرؤية هذه الأبعاد الثلاثية، فتنفتح القصة القصيرة جداً على الفن التشكيلي، وتستخدم الومضةُ علامات الترقيم والبياض النصي، فتولّد صوراً متخيلة في الذهن.
أما في الأدب الرقمي فإن الوسيط يتغير، والخطية تختفي، ويصبح الحاسوب المرتبط بالشبكة العنكبوتية جزءاً مهماً من تكوين النص الرقمي.
وتناولت في هذا الكتاب الأدب الرقمي، وأدب الخيال العلمي، والقصة القصيرة جداً، وقصيدة الومضة.
- تناولت في إحدى دراساتك أدب الخيال العلمي، هل يمكن أن نعرف رؤيتك لهذا النوع من الأدب؟ وكيف تطرقت له في دراستك؟
فما أوسع حضرة الخيال، وفيه يظهر وجود المحال
بل لا يظهر فيها على التحقيق إلا وجود الخيال
وجدت أن العالم يفكر بالمجاز، وأن كل ابتكار علمي مسبوق بالخيال، ويصل العلم والأدب إلى حقائق يرفدها الخيال، والحديث عن علاقة العلم بالخيال اعتراف ضمني بعلاقة العلم بالأدب.
وفي أدب الخيال العلمي روافد علمية، وروافد أدبية تكاملت، وتقوم شعرية أدب الخيال العلمي على العجائبية والغرائبية، وتداخل السياسي بالاستعاري والرمزي، ويوجِد الجمع بين الخطابين العلمي والأدبي مسافة توتر هي شرط لحصول الشعرية في أدب الخيال العلمي.
- نلاحظ شغفك بالأدب العربي القديم من خلال تناوله في دراسات متعددة، والشعر العربي القديم بحر مترامي الأطراف، من أي زاوية غرفت مضمون كتبك؟
- حصلت على العديد من الجوائز في مجال الدراسات النقدية، ما وقع الجائزة على المبدع من وجهة نظرك، هل تشكل دفعاً للعطاء؟
- تعدّين حالياً مشروعاً بحثياً مهماً عن فيزياء الشعر، تتناولين علاقة الشعر بالعلم، مستقبلاً، ويسلط الضوء على الأعمال الإبداعية. هل يمكن أن نسلط الضوء بشكل مختصر على مضمونه؟
فكرة العدم عند المعري على سبيل المثال: يقول المعري إن العدم شيء، ويؤكد بعض الفلاسفة أن العدم شيء، يقول:
في العُدْمِ كنا وحكم الله أوجدنا ثم اتفقنا على ثان من العَدَمِ
يرى الفيلسوف شوبنهاور أن في كل فرد منا حوضاً من الألم لا محيص عنه، وحتى إذا فرضنا أن هذا الألم له نهاية فإنه سوف يحل محله فوراً عناء آخر، وهذا البيت تجسيد لقانون لافوازيه الفيزيائي في حفظ الطاقة الذي يقول إن الطاقة لا تفنى ولكنها تتحول من شكل إلى آخر، والعدم عند المعري شيء يتحول من شكل إلى آخر.
وقد انطلقت من فكرة إمكان الجمع بين عالمين مختلفين، فيتعامل الفيزيائيون مع واقع كمومي لا يناسب الظواهر اليومية، ولا ترتبط الأشياء في العالم المادي بعالم الكم. إلا أن هنالك عالماً واحداً فقط، وله مظاهر وأبعاد ومستويات كثيرة. وإذ يتعامل الشاعر والفيزيائي مع مختلف مظاهر الواقع، يستكشف الفيزيائي مستويات المادة، ويستكشف الشاعر مستويات العقل، فيما تقع المستويات كلها وراء الإدراك الحسي، فيصل الشاعر والفيزيائي إلى مستويات غير عادية في الإدراك، كل على طريقته. ففي حين يعبّر الشاعر عن مستوى روحي عاطفي يعبّر الفيزيائي عن مستوى مادي، لكنّ ثمة انسجاماً عميقاً بين تلك المفاهيم. ومن هذه الفرضية انطلقت، فالعلوم كلها موضوع للنظر العقلي.
بطاقة:
عميدة كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة البعث ، عضو اتحاد الكتاب العرب سورية، وعضو اتحاد كتاب الانترنت العرب..
حازت جائزة الدولة السورية التشجيعية وجوائز أخرى، لها عدد من المؤلفات النقدية المتعلقة بالأدب العربي القديم والحديث والمعاصر، لها عشرات الأبحاث المنشورة في المجلات المحكّمة السورية والعربية والدولية، لها مشاركات في ندوات ومحاضرات ومؤتمرات في سورية وخارجها، من مؤلفاتها: الخطاب ثلاثي الأبعاد، و الثنائيات الضدية، مجاز العلم دراسات في أدب الخيال العلمي، النص العابر، التشكيل الفني في الشعر العربي القديم شعر صدر الإسلام أنموذج، ليلى الأخيلية، سلسلة أعلام الناشئة، الثنائيات الضدية دراسات في الشعر العربي القديم، في أدب صدر الإسلام تحليل، المرايا المتوازية ،الإيقاع الثنائي.