“هيشون” صاحب التجربة الشخصية الغنية في التشكيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • “هيشون” صاحب التجربة الشخصية الغنية في التشكيل

    هيشون… فنان سوري عانق العالمية وترك خلفه مدرسةً بالفنون التشكيلية

    “هيشون” هو اسم لا يمكن للاذقية أن تمحوه من ذاكرتها فهو إله الكائنات البرية وإله البحر في اللغات القديمة، هو الفنان العالمي الذي عرف بضحكته التي لطالما رافقت وجهه وبخربشاته التي زينت جدران اللاذقية، وصف خلال مسيرته الفنية بأنه خلية عمل وفكر متجسدة في فنان مبدع حكايته الفنية والإبداعية لاتنتهي.

    ولد الكاتب والفنان التشكيلي العالمي في اللاذقية عام /1954/ وسماه والده “عيسى بعجانو” وهو الاسم الذي لم يرافقه طويلاً حيث أنه ما إن أبصر النور جيداً حتى لقب نفسه “هيشون” وهو اللقب الذي صحبه طوال مسيرته الذاخرة بالمحطات الإبداعية الهامة.

    عاش “هيشون” طفولته في بيت ترابي وفي حي ترابي، وفي محيط من الطين وصفه في مذكراته بأنه لا يحترم أي شكل من أشكال اللياقة أو النظافة، وقال:«منزل من جدران أربعة يعيش فيه ثمانية أفراد وأبٌ وأمٌ لا يتجاوز راتبهما “200” ليرة سورية، في هذه المرحلة كنت مستاءً من الشاعر وشعره حين يقول “اعصفي يارياح واشتد يامطر … سقف بيتي حديد ركن بيتي حجر”».

    انتسب صاحب الضحكة الدائمة إلى مركز الفنون التشكيلية في اللاذقية حين كان في الصف الأول الثانوي لكنه لم يكمل دراسته للفن التشكيلي وانعطف نحو دراسة الرياضيات نظراً لحاجته إلى تأمين قوت الحياة.
    استغل الفنان العالمي وجوده في الجامعة لاطلاع من هم حوله على مالديه من ابداع فني، وقد وثق هذه المرحلة وكتب عنها قائلاً:« في الجامعة عدت إلى الهوايات التي كنت أمارسها في المرحلة الثانوبة ، وهي الكتابة والرسم ، فقدمت في الجامعة وخارجها في تلك المرحلة مجموعة من المعارض التي شجعني عليها الأصدقاء والمدرسون، كانت تلك المعارض مجموعة من الأفكار المتناثرة من هنا وهناك معظمها عن الحياة الجامعية، وبعضها قد يكون من عناوين سياسية ( فنحن أبناء تلك المرحلة عشنا حرب حزيران ، وانتصارات تشرين وبعض الانقلابات، والحركات على الدولة ومؤسساتها، وحضور الصحافة بيننا، كنا مجمعات ليست قليلة ، تتقارب، وتتباعد حول الأحداث ، والأدب ، القصة القصيرة نشطت ، والكتابات عن الشعر والشعراء ربما وصل أوجه في تلك المرحلة ، كانت النشاطات في كل مكان في مدرجات الجامعة، والمراكز الثقافية ، محلية ومن مختلف أنحاء القطر، وكان يتبع هذه النشاطات حوارات هامة جدا كان الجميع يستفيد منها، فقد كانت جدية وعالية المستوى، ثم تمشي هذه الحوارات بيننا على الدروب وتجلس في المقاهي ، وتنشر في الصحف ونحن نتتبعها يوميا».

    في الجامعة حصد “هيشون” أولى جوائزه وقد كانت في القصة القصيرة كان ذلك في العام /1974/ وتبعها بجوائز عدة مهدت له الطريق حتى يتولى مهمة “رئيس تحرير مجلة صدى الجامعة” وهي صحيفة تعنى بالنشاط الجامعي في جامعة تشرين ( النشاط الإداري ، والعلمي ، والإعلامي ، والثقافي) حيث استمر رئيساً لتحريرها حتى أنهى دراسته الجامعية في العام /1979/.

    في العام /1980/ أسس مع صديقه ورفيق دربه الفنان التشكيلي “محمد أسعد سموقان” مجموعة أوغاريت التشكيلية، وقد وصف الراحل هيشون هذه المرحلة في كتاباته قائلاً:« كان العمل في هذه المجموعة على وحدة الموضوع ( دراسة الأدب ،والفنون البصرية من المعطى الأوغاريتي، ثم رفع الجهد لتكون الثقافة الأوغاريتية حاضرة في حالتها المعاصرة ، ومنجز الحداثة في الفن التشكيلي / محاولة للحوار التشكيلي بين التاريخي ( الثقافة الأوغاريتية ) وبين الحداثة في الفن.

    وقد كتب عن تلك التجربة الكثير وأذكر هنا ما كتبه الباحث “جبرائيل سعادة” ( أن هذا النشاط يعتبر الأول من نوعه ، ومن أهميته عن الأدب الأوغاريتي ، والفنون التشكيلية في أوغاريت)، وقد كانت هذه المجموعة بنشاطاتها المتعددة وفي مختلف المحافظات ( في اللاذقية ، ودمشق ، وحمص ، و طرطوس ، وحلب ، وحماة ، مع ندوات ، ومحاضرات عن الأدب الأوغاريتي ، والثقافة البصرية في العصر الأوغاريتي ، وبلاد الرافدين)، أدى ذلك لتجميع الفنانين والمستويات الواعدة في اللاذقية ، وإقامة معارض فناني اللاذقية على ثلاثة محاور كل عام في المركز الثقافي العربي ، وفي جامعة تشرين ، ومع نقابة المعلمين في اللاذقية على مدى خمس سنوات، مثلها نشاطات أدبية مع فريق آخر في الجامعة ، والمركز الثقافي العربي في جبلة ، وفي الحفة على مدى سنوات عدة، تنظيم تلك النشاطات والمهرجانات كانت قبل إحداث فرعي اتحاد الكتاب ، ونقابة الفنون الجميلة في اللاذقية».

    يعتبر الفنان ” عيسى بعجانو” صاحب تجربة فنية فريدة خصوصاً في التشكيل حيث ارتبطت لوحاته كثيراً بالقوارب والحيوانات والنباتات البرية، وقد ربط نفسه بفنه ارتباطاً وثيقاً من خلال الاسم الذي أحبه وارتبط به طوال حياته الابداعية “هيشون”، و”هيشون” هو اسم القرية التي ينتمي إليها “بعجانو”، وهو اسم ورد في الأساطير القديمة ويعني الكائنات التي تنمو دون تربية من نباتات وحيوانات، وقد ميزه هذا الاسم عن شقيقه النحات “محمد بعجانو” الذي تحدث عن شقيقه الراحل “هيشون” قائلاً:«منذ طفولتي عرفته فناناً، علمني أن الفنان يجب أن يكون متكاملاً، وأن الفنان يجب أن يكون مدرساً في الفن يعلم من هم حوله كيف يرسمون وكيف يحضرون لإقامة معرض، وقد كرس في حياته ما علمني إياه وكان شخصية جامعة التف حوله الكثيرون.

    التشكيل الخاص به عميق جداً فهو يدخل إلى عمق اللوحة حتى يبدعها كما هي في الطبيعة، فهو إنسان عميق دخل إلى روح المخلوقات (الحيوانات النباتات) وحولها الى قصاصة أدبية ولوحة فنية..

    عمل في روسيا لمدة 5 سنوات وهناك قدم أفضل أعماله التي ارتبطت بروح الحالة وقد قيل له انه يرسم قصة أدبية في لوحة، ولكل لوحة أطروحة كاملة هي فلسفة هيشون.

    في القصة القصيرة قدم أدباً خاصاً جداً فهي تصل قصة وقصيدة نثرية وتعتبر دراسة للوحة وانطلاقا لمشروعها، وقبل وفاته كان يحضر كتاب ذاكرة الأشياء وهو المشروع الذي لم ينتهي.

    “أوغاريت” كانت مرحلة بالنسبة له فهو اعتبر نفسه إنسانا عاش في أوغاريت ومازال يعيش حتى الآن لكن مع تطور الحياة».

    رحل ابن اللاذقية المبدع باكرا تاركاً خلفه جيلاً من الفنانين الجدد الذين تتلمذوا على يده من جهة وأسرةً حزينة ترى فيه حديث الذاكرة، وتقول شقيقته “كوثر بعجانو”:«إنه هيشون حديث الذاكرة، حديث التراب، لم أجرؤ من قبل ان أتحدث عن أخي “عيسى” (هيشون)، لقد فقدنا كنزاً من المعرفة وخسرنا ينبوعاً من المحبة، بغيابه أصبحنا في زلزال، كان نقطة الارتكاز لنا فهو الإنسان السوري الحقيقي ، والأقرب إلى المثالي بالنسبة لكل من عرفه وتعامل معه فكان صديقاً وفيّاً وأخاً و أباً يساعد ويشجع كل من يجد لديه هواية في الفن التشكيلي أو الأدبي ويتفانى أمامهم.



    هو” هيشون “أنت تراه من خلال شفافية لوحاته أو كتاباته القصصية وأبحاثه التي تتعلق بتاريخ اللاذقية وتراثها.

    أحب الفن بشغف وكان دائم البحث عن رؤياه الخاصة لمكونات الحياة التي نعيشها ليترجمها إبداعاً فنيّاً أو أدبياً، وهو من أوائل الفنّانين الذين أقاموا معارضاً فنية لأعمالهم وبعضها أعمال نحتية.

    حقاً ان له من اسمه نصيب “عيسى” اسم المسيح ابن الله على الأرض، يسوع قد فدا نفسه لأجل الإنسان المؤمن، يسوع المسامح الكريم الذي تحمّل المعاناة لأجل البشرية، و”هيشون” بابتسامته الدائمة علمنا الصبر في حياة أطعمتنا العلقم».

    “هيشون” صاحب التجربة الشخصية الغنية في التشكيل مازال موجوداً في قلب وعقل من عرفوه واطلعوا على فنه خصوصاً أولئك الذين رافقوه في مسيرته كالفنان “محمد أسعد سموقان” الذي تحدث عن صديقه وتجربته قائلاً:«”هيشون” مبدع مجدد بامتياز دائماً لديه مايقدمه سواءً كفكرة أو كأسلوب فني، فلوحته لها خصوصية التشكيل السوري لكونه درس التشكيل والأساطير السورية والرموز التي ترتبط بتاريخ هذه المنطقة فكانت لوحته البسيطة كبساطته هي التي تشكل خصائص التشكيل السوري.

    مسيرته كلها مشاريع فنية خاصة، رسم مخططاتها من بناة أفكاره، حتى أن مشاريعه التي لم تكتمل أكثر من المشاريع التي أنجزها، فهو رحل وفي جعبته الكثير لم يقدمه بعد.

    تميز بأنه اعتبر اللوحة ليست مقدسة وآمن بامكانية العمل عليها بشكل دائم، وقد كنا جميعاً نستفيد منه ونتناقش معه ونضع مفاهيم لتعريف اللوحة مثلاً “هي نافذة في جدار ” مثلا هي “فرض رؤية”.

    لقد كان “هيشون” أشبه بالراهب والقديس وكثر أولئك الذين أطلقوا عليه هذه الصفة ممن عرفوه حتى أن بعضهم كانوا يقولون له “السلام عليك يا عيسى”».

    من وجهة نظر الكثيرين يعتبر “هيشون” ابن بيئته وقد تأثر بها كثيراً، ويقول الفنان “عصام حسن”:« “هيشون” ابن بيئته الممتدة إلى التاريخ فقد تمثل في فنه ثقافة المنطقة وقدمها من خلال موهبة الرسم، دائماً ترى في أعماله ملامح لها علاقة بالثقافة الضاربة والتاريخ، لها علاقة بالأدوات بالأسطورة، كان له تجربة كبيرة مع القوارب في معرض قوارب “هيشون” التي لم يقدمها عن عبث بل لأنها تتصل بالثقافة التاريخية وقضية الفينيقيين مع “القوارب”، لقد تعامل بإبداع منقطع النظير مع الرموز الأسطورية من خلال معارضه التي ارتبطت بالحيوان.

    هذا المبدع كنت كلما رأيته أشعر وكأنني كل يوم ألاقيه، ومن خلال معرفتي به أستطيع القول أنني عرفت شخصاً يسكن الفن روحه، لقد عرفته ملتصقاً بمواضيعه الفنية، عمل على الأسطورة والمكان والحالة الاجتماعية بشكل جميل، كان صادقاً لدرجة تشعرك بأنه جزء من الحالة التي يتحدث عنه.

    شخصية حقيقية مثل شخصية هيشون يجب أن تقدم إلى العالم لكي تكون قدوة، ولكي يبقى “هيشون” حكاية لا تنتهي».

    استطاع ابن اللاذقية أن يشكل هوية فنية خاصة خلال مسيرته الإبداعية، وقد تحدث رئيس اتحاد الفنانين التشكيلين باللاذقية ” فريد رسلان” عن هذه الهوية قائلاً:« قلةٌ هم الفنانون الذي يستطيعون تشكيل هوية فنية خلال مسيرتهم، لكن “هيشون”استطاع ذلك وكان وسيبقى رمزاً من رموز الحركة التشكيلية السورية، رمزٌ يشكل حاجة لمتلقي الفن ومشاهديه لكي يستذكروا تجربته وأعماله المميزة الأشكال، فرموز “هيشون” المحببة “الطيور وأنواع الحيوانات الخاصة به” هي التي شكلت هوية مميزة لأعماله التي أينما شاهدت عملا ً منها عرفت أنه له حتى قبل أن تقرأ اسمه».

    يذكر أن الفنان “عيسى بعجان” (هيشون) فارق الحياة في /30/12/2011/، وهو فنان تشكيلي يكتب القصة القصيرة ، وأعماله منشورة في العديد من الصحف العربية ، قدم مجموعة محاضرات حول قضايا الفن التشكيلي , ودراسات حول الأدب الأغاريتي والرافدي ، خاصة ملحمة جلجامش / وموضوعة حوارية حول مفهوم الذاكرة والشكل قدمها في أكثر من محاضرة وندوة في المراكز الثقافية والمدارس والجامعات.

    في العام 1976 قدم معرضه الفردي الأول بعنوان ” العين حرية “/جامعة تشرين، ومن عام /1976/حتى /2007/ عرض في معظم المدن السورية ، وفي خارج سورية “موسكو، بطرسبرغ ، بخارى ، باريس، وبيروت” ومن عناوين هذه المعارض ” أهل القرى، قوارب هيشون ، حيوانات هيشون ، الآلهة السورية ، الشرق الأحمر ، الصيادون والرعاة وحركة الأبيض ” ثم المعرض المعنون “الأصفر “، طبعاً أعماله موجودة في هذه البلدان وغيرها.

    من عام 1980 / حتى 1990/: أسس مجموعة أوغاريت / مع الفنان محمد أسعد سموقان، و قدمت هذه المجموعة عدة نشاطات ثقافية وأكثر من ” 16 ” معرضاً عن حضارة أوغاريت، و العديد من الندوات والمحاضرات عن الأدب الأوغاريتي في اللاذقية ، دمشق ، حلب ،حمص ، طرطوس ، والسقيلبية .

    وفي العام1989 أسس مجموعة الأبابيل التشكيلية التي اعتمدت على حق الاختلاف وعرضت أكثر من /10/ معارض في اللاذقية ، و دمشق ، و حلب ، وبيروت و باريس ، و موسكو.. و كان مهرجان الأبابيل / نشاط ثقافي كبير في بانياس.

    في العام 2008 ملتقى الرقة الأول للفن التشكيلي، وفي 2009 ملتقى التصوير الزيتي الأول / وزارة الثقافة في منتجع حكايا/ اللاذقية

    كما أنه مشارك في المعارض التشكيلية التي تقيمها وزارة الثقافة / المعرض السنوي للفنانين السوريين.

    له ثلاثة كتب مطبوعة :” شلالو .. لا قبر له ” / قصص : ط1/ 1984 مجلة الثقافة، ط2 / 2000. دار الشموس .

    طائرة هيشون ” قصص /ط1999 دار الشموس.

    ” حديث التراب .. ” شعر ط 2007 دار الشموس .
    استغل الفنان العالمي وجوده في الجامعة لاطلاع من هم حوله على مالديه من ابداع فني، وقد وثق هذه المرحلة وكتب عنها قائلاً:« في الجامعة عدت إلى الهوايات التي كنت أمارسها في المرحلة الثانوبة ، وهي الكتابة والرسم ، فقدمت في الجامعة وخارجها في تلك المرحلة مجموعة من المعارض التي شجعني عليها الأصدقاء والمدرسون، كانت تلك المعارض مجموعة من الأفكار المتناثرة من هنا وهناك معظمها عن الحياة الجامعية، وبعضها قد يكون من عناوين سياسية ( فنحن أبناء تلك المرحلة عشنا حرب حزيران ، وانتصارات تشرين وبعض الانقلابات، والحركات على الدولة ومؤسساتها، وحضور الصحافة بيننا، كنا مجمعات ليست قليلة ، تتقارب، وتتباعد حول الأحداث ، والأدب ، القصة القصيرة نشطت ، والكتابات عن الشعر والشعراء ربما وصل أوجه في تلك المرحلة ، كانت النشاطات في كل مكان في مدرجات الجامعة، والمراكز الثقافية ، محلية ومن مختلف أنحاء القطر، وكان يتبع هذه النشاطات حوارات هامة جدا كان الجميع يستفيد منها، فقد كانت جدية وعالية المستوى، ثم تمشي هذه الحوارات بيننا على الدروب وتجلس في المقاهي ، وتنشر في الصحف ونحن نتتبعها يوميا».

    في الجامعة حصد “هيشون” أولى جوائزه وقد كانت في القصة القصيرة كان ذلك في العام /1974/ وتبعها بجوائز عدة مهدت له الطريق حتى يتولى مهمة “رئيس تحرير مجلة صدى الجامعة” وهي صحيفة تعنى بالنشاط الجامعي في جامعة تشرين ( النشاط الإداري ، والعلمي ، والإعلامي ، والثقافي) حيث استمر رئيساً لتحريرها حتى أنهى دراسته الجامعية في العام /1979/.

    في العام /1980/ أسس مع صديقه ورفيق دربه الفنان التشكيلي “محمد أسعد سموقان” مجموعة أوغاريت التشكيلية، وقد وصف الراحل هيشون هذه المرحلة في كتاباته قائلاً:« كان العمل في هذه المجموعة على وحدة الموضوع ( دراسة الأدب ،والفنون البصرية من المعطى الأوغاريتي، ثم رفع الجهد لتكون الثقافة الأوغاريتية حاضرة في حالتها المعاصرة ، ومنجز الحداثة في الفن التشكيلي / محاولة للحوار التشكيلي بين التاريخي ( الثقافة الأوغاريتية ) وبين الحداثة في الفن.

    وقد كتب عن تلك التجربة الكثير وأذكر هنا ما كتبه الباحث “جبرائيل سعادة” ( أن هذا النشاط يعتبر الأول من نوعه ، ومن أهميته عن الأدب الأوغاريتي ، والفنون التشكيلية في أوغاريت)، وقد كانت هذه المجموعة بنشاطاتها المتعددة وفي مختلف المحافظات ( في اللاذقية ، ودمشق ، وحمص ، و طرطوس ، وحلب ، وحماة ، مع ندوات ، ومحاضرات عن الأدب الأوغاريتي ، والثقافة البصرية في العصر الأوغاريتي ، وبلاد الرافدين)، أدى ذلك لتجميع الفنانين والمستويات الواعدة في اللاذقية ، وإقامة معارض فناني اللاذقية على ثلاثة محاور كل عام في المركز الثقافي العربي ، وفي جامعة تشرين ، ومع نقابة المعلمين في اللاذقية على مدى خمس سنوات، مثلها نشاطات أدبية مع فريق آخر في الجامعة ، والمركز الثقافي العربي في جبلة ، وفي الحفة على مدى سنوات عدة، تنظيم تلك النشاطات والمهرجانات كانت قبل إحداث فرعي اتحاد الكتاب ، ونقابة الفنون الجميلة في اللاذقية».

    يعتبر الفنان ” عيسى بعجانو” صاحب تجربة فنية فريدة خصوصاً في التشكيل حيث ارتبطت لوحاته كثيراً بالقوارب والحيوانات والنباتات البرية، وقد ربط نفسه بفنه ارتباطاً وثيقاً من خلال الاسم الذي أحبه وارتبط به طوال حياته الابداعية “هيشون”، و”هيشون” هو اسم القرية التي ينتمي إليها “بعجانو”، وهو اسم ورد في الأساطير القديمة ويعني الكائنات التي تنمو دون تربية من نباتات وحيوانات، وقد ميزه هذا الاسم عن شقيقه النحات “محمد بعجانو” الذي تحدث عن شقيقه الراحل “هيشون” قائلاً:«منذ طفولتي عرفته فناناً، علمني أن الفنان يجب أن يكون متكاملاً، وأن الفنان يجب أن يكون مدرساً في الفن يعلم من هم حوله كيف يرسمون وكيف يحضرون لإقامة معرض، وقد كرس في حياته ما علمني إياه وكان شخصية جامعة التف حوله الكثيرون.

    التشكيل الخاص به عميق جداً فهو يدخل إلى عمق اللوحة حتى يبدعها كما هي في الطبيعة، فهو إنسان عميق دخل إلى روح المخلوقات (الحيوانات النباتات) وحولها الى قصاصة أدبية ولوحة فنية..

    عمل في روسيا لمدة 5 سنوات وهناك قدم أفضل أعماله التي ارتبطت بروح الحالة وقد قيل له انه يرسم قصة أدبية في لوحة، ولكل لوحة أطروحة كاملة هي فلسفة هيشون.

    في القصة القصيرة قدم أدباً خاصاً جداً فهي تصل قصة وقصيدة نثرية وتعتبر دراسة للوحة وانطلاقا لمشروعها، وقبل وفاته كان يحضر كتاب ذاكرة الأشياء وهو المشروع الذي لم ينتهي.

    “أوغاريت” كانت مرحلة بالنسبة له فهو اعتبر نفسه إنسانا عاش في أوغاريت ومازال يعيش حتى الآن لكن مع تطور الحياة».

    رحل ابن اللاذقية المبدع باكرا تاركاً خلفه جيلاً من الفنانين الجدد الذين تتلمذوا على يده من جهة وأسرةً حزينة ترى فيه حديث الذاكرة، وتقول شقيقته “كوثر بعجانو”:«إنه هيشون حديث الذاكرة، حديث التراب، لم أجرؤ من قبل ان أتحدث عن أخي “عيسى” (هيشون)، لقد فقدنا كنزاً من المعرفة وخسرنا ينبوعاً من المحبة، بغيابه أصبحنا في زلزال، كان نقطة الارتكاز لنا فهو الإنسان السوري الحقيقي ، والأقرب إلى المثالي بالنسبة لكل من عرفه وتعامل معه فكان صديقاً وفيّاً وأخاً و أباً يساعد ويشجع كل من يجد لديه هواية في الفن التشكيلي أو الأدبي ويتفانى أمامهم.



    هو” هيشون “أنت تراه من خلال شفافية لوحاته أو كتاباته القصصية وأبحاثه التي تتعلق بتاريخ اللاذقية وتراثها.

    أحب الفن بشغف وكان دائم البحث عن رؤياه الخاصة لمكونات الحياة التي نعيشها ليترجمها إبداعاً فنيّاً أو أدبياً، وهو من أوائل الفنّانين الذين أقاموا معارضاً فنية لأعمالهم وبعضها أعمال نحتية.

    حقاً ان له من اسمه نصيب “عيسى” اسم المسيح ابن الله على الأرض، يسوع قد فدا نفسه لأجل الإنسان المؤمن، يسوع المسامح الكريم الذي تحمّل المعاناة لأجل البشرية، و”هيشون” بابتسامته الدائمة علمنا الصبر في حياة أطعمتنا العلقم».

    “هيشون” صاحب التجربة الشخصية الغنية في التشكيل مازال موجوداً في قلب وعقل من عرفوه واطلعوا على فنه خصوصاً أولئك الذين رافقوه في مسيرته كالفنان “محمد أسعد سموقان” الذي تحدث عن صديقه وتجربته قائلاً:«”هيشون” مبدع مجدد بامتياز دائماً لديه مايقدمه سواءً كفكرة أو كأسلوب فني، فلوحته لها خصوصية التشكيل السوري لكونه درس التشكيل والأساطير السورية والرموز التي ترتبط بتاريخ هذه المنطقة فكانت لوحته البسيطة كبساطته هي التي تشكل خصائص التشكيل السوري.

    مسيرته كلها مشاريع فنية خاصة، رسم مخططاتها من بناة أفكاره، حتى أن مشاريعه التي لم تكتمل أكثر من المشاريع التي أنجزها، فهو رحل وفي جعبته الكثير لم يقدمه بعد.

    تميز بأنه اعتبر اللوحة ليست مقدسة وآمن بامكانية العمل عليها بشكل دائم، وقد كنا جميعاً نستفيد منه ونتناقش معه ونضع مفاهيم لتعريف اللوحة مثلاً “هي نافذة في جدار ” مثلا هي “فرض رؤية”.

    لقد كان “هيشون” أشبه بالراهب والقديس وكثر أولئك الذين أطلقوا عليه هذه الصفة ممن عرفوه حتى أن بعضهم كانوا يقولون له “السلام عليك يا عيسى”».

    من وجهة نظر الكثيرين يعتبر “هيشون” ابن بيئته وقد تأثر بها كثيراً، ويقول الفنان “عصام حسن”:« “هيشون” ابن بيئته الممتدة إلى التاريخ فقد تمثل في فنه ثقافة المنطقة وقدمها من خلال موهبة الرسم، دائماً ترى في أعماله ملامح لها علاقة بالثقافة الضاربة والتاريخ، لها علاقة بالأدوات بالأسطورة، كان له تجربة كبيرة مع القوارب في معرض قوارب “هيشون” التي لم يقدمها عن عبث بل لأنها تتصل بالثقافة التاريخية وقضية الفينيقيين مع “القوارب”، لقد تعامل بإبداع منقطع النظير مع الرموز الأسطورية من خلال معارضه التي ارتبطت بالحيوان.

    هذا المبدع كنت كلما رأيته أشعر وكأنني كل يوم ألاقيه، ومن خلال معرفتي به أستطيع القول أنني عرفت شخصاً يسكن الفن روحه، لقد عرفته ملتصقاً بمواضيعه الفنية، عمل على الأسطورة والمكان والحالة الاجتماعية بشكل جميل، كان صادقاً لدرجة تشعرك بأنه جزء من الحالة التي يتحدث عنه.

    شخصية حقيقية مثل شخصية هيشون يجب أن تقدم إلى العالم لكي تكون قدوة، ولكي يبقى “هيشون” حكاية لا تنتهي».

    استطاع ابن اللاذقية أن يشكل هوية فنية خاصة خلال مسيرته الإبداعية، وقد تحدث رئيس اتحاد الفنانين التشكيلين باللاذقية ” فريد رسلان” عن هذه الهوية قائلاً:« قلةٌ هم الفنانون الذي يستطيعون تشكيل هوية فنية خلال مسيرتهم، لكن “هيشون”استطاع ذلك وكان وسيبقى رمزاً من رموز الحركة التشكيلية السورية، رمزٌ يشكل حاجة لمتلقي الفن ومشاهديه لكي يستذكروا تجربته وأعماله المميزة الأشكال، فرموز “هيشون” المحببة “الطيور وأنواع الحيوانات الخاصة به” هي التي شكلت هوية مميزة لأعماله التي أينما شاهدت عملا ً منها عرفت أنه له حتى قبل أن تقرأ اسمه».

    يذكر أن الفنان “عيسى بعجان” (هيشون) فارق الحياة في /30/12/2011/، وهو فنان تشكيلي يكتب القصة القصيرة ، وأعماله منشورة في العديد من الصحف العربية ، قدم مجموعة محاضرات حول قضايا الفن التشكيلي , ودراسات حول الأدب الأغاريتي والرافدي ، خاصة ملحمة جلجامش / وموضوعة حوارية حول مفهوم الذاكرة والشكل قدمها في أكثر من محاضرة وندوة في المراكز الثقافية والمدارس والجامعات.

    في العام 1976 قدم معرضه الفردي الأول بعنوان ” العين حرية “/جامعة تشرين، ومن عام /1976/حتى /2007/ عرض في معظم المدن السورية ، وفي خارج سورية “موسكو، بطرسبرغ ، بخارى ، باريس، وبيروت” ومن عناوين هذه المعارض ” أهل القرى، قوارب هيشون ، حيوانات هيشون ، الآلهة السورية ، الشرق الأحمر ، الصيادون والرعاة وحركة الأبيض ” ثم المعرض المعنون “الأصفر “، طبعاً أعماله موجودة في هذه البلدان وغيرها.

    من عام 1980 / حتى 1990/: أسس مجموعة أوغاريت / مع الفنان محمد أسعد سموقان، و قدمت هذه المجموعة عدة نشاطات ثقافية وأكثر من ” 16 ” معرضاً عن حضارة أوغاريت، و العديد من الندوات والمحاضرات عن الأدب الأوغاريتي في اللاذقية ، دمشق ، حلب ،حمص ، طرطوس ، والسقيلبية .

    وفي العام1989 أسس مجموعة الأبابيل التشكيلية التي اعتمدت على حق الاختلاف وعرضت أكثر من /10/ معارض في اللاذقية ، و دمشق ، و حلب ، وبيروت و باريس ، و موسكو.. و كان مهرجان الأبابيل / نشاط ثقافي كبير في بانياس.

    في العام 2008 ملتقى الرقة الأول للفن التشكيلي، وفي 2009 ملتقى التصوير الزيتي الأول / وزارة الثقافة في منتجع حكايا/ اللاذقية

    كما أنه مشارك في المعارض التشكيلية التي تقيمها وزارة الثقافة / المعرض السنوي للفنانين السوريين.

    له ثلاثة كتب مطبوعة :” شلالو .. لا قبر له ” / قصص : ط1/ 1984 مجلة الثقافة، ط2 / 2000. دار الشموس .

    طائرة هيشون ” قصص /ط1999 دار الشموس.

    ” حديث التراب .. ” شعر ط 2007 دار الشموس .
يعمل...
X