لغز الماسة الزرقاء والمجوهرات السعودية المسروقة: قصة عامل النظافة الذي ارتكب جريمة سرقة فتحوّلت إلى قضية دولية
في عام 1989 سرق (كريانجكراي تيتشامونج) مجوهرات بقيمة 20 مليون دولار من قصر الأمير السعودي فيصل، تسببت سرقة المجوهرات من داخل القصر السعودي بوقوع سلسلة من عمليات القتل والأزمات الدبلوماسية، التي لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا.
القصة من البداية كالتالي:
كان الأمير السعودي وزوجته في عطلة لمدة ثلاثة أشهر، وعندما علم اللص بهذه العطلة؛ تأكد أن هذه هي الفرصة المناسبة لسرقة القصر.
كان (كريانجكراي تيتشامونج) على وشك القيام بمخاطرة كبيرة يمكن أن يعاقب عليها ببتر يده في المملكة العربية السعودية، ولكنه لم يكن سارقاً عادياً، حيث وضع عينيه على عشرات من الأحجار الكريمة والمجوهرات التي يملكها الأمير فيصل، الابن الأكبر للملك فهد.
في عام 1989، سرق (كريانجكراي تيتشامونج) ما قيمته 20 مليون دولار من الألماس والمجوهرات من إحدى العائلات الملكية السعودية التي كان يعمل عندها. صورة: Panumas Sanguanwong/BBC Thai
كان (كريانجكراي) يعمل في القصر كعامل نظافة، وقد ساعدته هذه الوظيفة على التعرف على كل ركن من أركان قصر الأمير فيصل، كما لاحظ أن الخزائن التي تحتوي على هذه المجوهرات قد تُركت مفتوحة، أي أنها فرصة لا يمكن تفويتها وخاصةً بعد تراكم الديون عليه بسبب المقامرة مع عمال القصر، أي باختصار كانت هذه هي فرصته الذهبية الوحيدة وكان عليه اغتنامها.
في إحدى الليالي، تمكن (كريانجكراي) من البقاء داخل القصر وانتظر إلى أن غادر الموظفون الآخرون، ثم تسلل إلى داخل غرفة نوم الأمير وقام بسرقة بعض من المجوهرات وعلقها على جسده باستخدام شريط لاصق، ثم قام بإخفائها داخل معدات التنظيف وأكياس التفريغ.
في النهاية كان (كريانجكراي) قد سرق 30 كيلوغراما من المجوهرات بقيمة 20 مليون دولار، وقد صرح بعض المسؤولين السعوديين فيما بعد أنه من بين الأشياء المسروقة ساعة ذهبية وبعض الأحجار الكريمة الثمينة كالياقوت.
في تلك الليلة، خبأ (كريانجكراي) المجوهرات في أماكن كان قد علم أنه من المستحيل أن تُكشف، وبعد ذلك بدأ بعملية النقل التي دامت لأكثر من شهر، وخبأها داخل شحنات كبيرة كان يرسلها إلى تايلاندا.
تمكن (كريانجكراي) من تهريب جميع المسروقات إلى مسقط رأسه في تايلاند قبل اكتشاف فقدان هذه المجوهرات، ولكن كان التحدي الأكبر الذي واجهه هو تهريب البضائع المسوقة من الجمارك التايلاندية، حيث كان يتم فحص جميع البضائع المستوردة من الخارج عند دخولها البلاد، ولكنه يعلم أن المسؤولين التايلانديين يقبلون الرشاوي، لذلك قام (كريانجكراي) بوضع ملاحظة مع ظرف بداخله مبلغ من المال وكتب داخل الملاحظة أن شحنته تحتوي على مواد إباحية، وأنه يفضل عدم البحث بداخلها.
لحسن حظه، نجحت خطته، ولكنه لم يتمكن من الهروب من وجه العدالة لفترة طويلة، ففي شهر يناير من عام 1990 تم القبض عليه في منزله الكائن في مقاطعة لامبانج شمال تايلاند، بعد أن حذر السعوديون الشرطة التايلاندية من هذا الرجل.
الشرطة التايلندية تكشف جزءاً من المجوهرات المسروقة، و(كريانجكراي تيتشامونج) مكبلاً بالأصفاد على اليمين. صورة: Khaosod
تم استرداد بعضٍ من الأحجار الكريمة والمجوهرات المسروقة، أما البعض الآخر كان قد باعها، ولكن وقعت جريمة أخرى أثناء إعادة ما تبقى من البضائع المسروقة إلى الرياض، حيث صرح المسؤولون السعوديون أن حوالي 80٪ من المجوهرات قد فُقد، أما الباقي فكان مزيفاً. فيما بعد، ظهرت بعض الصور لزوجة أحد كبار المسؤولين التايلانديين وهي ترتدي قلادة تشبه إحدى المجوهرات المفقودة.
سيطر الذعر على السعوديين بشكل خاص عندما علموا باختفاء الماسة الزرقاء عيار 50 قيراط، وبحسب المدير التنفيذي للأحجار الكريمة في بريطانيا (آلان هارت)، توجد ماسة واحدة من بين 10 آلاف ماسة لها لون مميز، ومن أندر الألوان وأثمنها هو الماس الأزرق، حيث يتم تشكل هذا النوع من الألماس على عمق 600 كيلومتر تحت سطح الأرض، والتي تكتسب لونها الأزرق المميز من عنصر البورون بداخلها.
أغلب الألماس الأزرق يتم استخراجه من منجم كولينان الواقع بالقرب من بريتوريا في جنوب فريقيا، إلا أنه لا أحد يعلم مصدر الماسة الزرقاء السعودية.
أحداث دامية
ربما نعتقد أن القصة قد انتهت بعد أن تم الحكم على (كريانجكراي) بالسجن لمدة ثلاث سنوات، ولكن لم يُرض هذا الحكم السعوديين واتخذت القصة منعطفاً دموياً.
في بدايات شهر فبراير عام 1990، قُتل موظفان من مكتب التأشيرات للسفارة السعودية أثناء توجههما نحو المجمع في العاصمة التايلاندية، حيث تعرضت سيارتهما لهجوم من قبل رجال مسلحين على بعد نصف 800 متر من وجهتهما، وقٌتل كلا الرجلين، وفي الوقت ذاته قُتل زميلهم داخل شقته بعد أن هجم عليه رجل مسلح وأطلق النار عليه.
بعد مرور أسابيع على هاتين الجريمتين، بُعث رجل الأعمال السعودي محمد الرويلي إلى بانكوك للتحقيق في ملابسات القضية ولمعرفة ماذا حدث للكنز المفقود، ولكن تم اختطافه ولا أحد يعلم ما حدث له ولم يتم العثور على جثته.
ظهرت الكثير من النظريات حول جرائم القتل التي وقعت للسعوديين في تايلاند، ووفقاً لمذكرة دبلوماسية كتبها معاون رئيس البعثة في السفارة الأمريكية في بانكوك عام 2010 أن قتل الدبلوماسيين الثلاثة: ”كان جزءاً من النزاع السعودي مع حزبالا اللبناني“. ولكن كان أحد المسؤولين السعوديين واضحاً بشأن المسؤولين عن عمليات القتل.
الدبلوماسي السعودي محمد سعيد خوجة. صورة: Getty Images
بعد فترة وجيزة من وقوع السرقة، تم إرسال الدبلوماسي السعودي محمد سعيد خوجة للإشراف على التحقيق، حيث كان من المتوقع أن يبقى لمدة 3 أشهر في تايلاند إلا أن أقامته هناك قد استمرت لعدة سنوات.
خففت المملكة العربية السعودية علاقاتها مع تايلاند بعد وقوع جرائم القتل والسرقة، حيث انخفض عدد العمال التايلانديين في المملكة العربية السعودية من 200 ألف عامل إلى 15 ألف عامل فقط، ما انعكس سلباً على الاقتصاد التايلاندي الذي كان يعتمد بشكل كبير على الأموال التي يرسلها العمال إلى أقاربهم في تايلاند، ولا تزال العلاقات متوترة بين البلدين حتى هذا اليوم.
كان خوجة رجلاً قوياً، وكان يُجري المقابلات الصحفية وبندقية (سميث أن ويسون) موضوعة بجواره على المكتب مصرحاً أن الشرطة التايلندية تنتظره خارجاً لإلقاء القبض عليه، وقد احتلت مقابلاته الصفحات الأولى في الصحف التايلندية المحلية.
وقد وجه خوجة أصابع الاتهام نحو الشرطة التايلاندية بعمليات السرقة وقتل الدبلوماسيين السعوديين بعد اكتشافهم معلومات حساسة بخصوص السرقة، كما اتهم ضابط الشرطة المسؤول عن التحقيق باختفاء ومقتل محمد الرويلي ولكن تم إسقاط هذه التهم فيما بعد.
في سبتمبر عام 1994، صرح خوجة لصحيفة (نيويورك تايمز) قائلاً: ”الشرطة في تايلاند أكبر من الحكومة نفسها، أنا شخص مسلم وبقيت هنا لأنني شعرت وكأنني أحارب الشياطين“. كانت هذه المقابلة واحدة من بين العديد من المقابلات الصحفية التي أجراها خوجة في الشهر ذاته والتي تم إجرائها بعد مرور وقت قصير على وقوع جريمة قتل أخرى مرتبطة بالسرقة.
في هذه الأثناء، كانت الحكومة التايلاندية تعمل بجد لإيجاد حلٍّ لهذه القضية بسبب الضغط الذي مارسته المملكة العربية السعودية عليها، وعندها توصلت الحكومة التايلندية إلى تاجر الأحجار الكريمة التايلندي الذي تعامل معه (كريانجكراي) بعد عودته إلى تايلاند، وتم اتهامه ببيع المجوهرات المسروقة واستبدالها بمجوهرات مزيفة وانتهى به الأمر ليصبح الشاهد الرئيسي في القضية.
ولكن في شهر يوليو من عام 1994، تم العثور على جثة زوجته وابنه داخل سيارة مرسيدس خارج بانكوك، وبحسب تقرير الطب الشرعي، اتضح أنهما قد لاقا حتفهما بعد أن اصطدمت السيارة بشاحنة كبيرة، ولكن قال خوجة في إحدى المؤتمرات الصحفية: ”يعتقد الطبيب الشرعي أننا أغبياء، لم يكن موتهما حادثاً بل إنهم يريدون التستر عليه“.
كان خوجة على حق، حيث تبين لاحقاً أن الشرطة المكلفة بالعثور على المجوهرات المفقودة قد سرقت بعضاً من المجوهرات وألقت القبض على تاجر الأحجار الكريمة وقتلت زوجته وابنه، انتهى الأمر بالحكم على قائد الشرطة المسؤول عن التحقيق (شالور كردثيس) بالسجن لمدة 20 عاماً.
أثناء مقابلة أجرتها الـ BBC مع (كريانجكراي)، بعد مرور 28 عاماً على إطلاق سراحه و30 عاماً على عملية السرقة، تبيّن أنه يعيش الآن في شمال غرب تايلاند، وبعد أيام من البحث، تمكن فريق بي بي سي من تعقب مكان إقامته وزيارته في منزله المتواضع.
كان (كريانجكراي) خائفاً ومضطرباً وكان يسأل مراراً وتكراراً ما إذا كان المراسل ضابط شرطة، ثم قال أن عليه الخروج من منزله وإكمال المقابلة خارجاً وسط حقل أرز قريب، وكان يكرر جملة: ”ما حدث لي كان أشبه بكابوس“.
على مدار الأيام التالية وافق (كريانجكراي) على إجراء مقابلة حصرية كان قد قدم بها بعض المعلومات التفصيلية عن السرقة التي تسببت بموت ثلاث أشخاص على الأقل، وقد وضح (كريانجكراي) أنه حتى بعد كل هذا الوقت لا يزال يشعر بالخوف من أن يُقتل بسب ما اقترفه.
وصرّح قائلاً: ”في اللحظة التي أُلقي القبض عليّ شعرت أنني لست بوعيي، كنت أشعر بالذعر والهلع طوال الوقت، الشيء الوحيد الذي كنت أفكر به هو أنه من المستحيل ان أخرج حياً، فقد اعتقدت أن هناك الكثير من الأشخاص الذين أرادوا قتلي لدرجة أنني لم أستطع النوم لمدة أسبوع كامل“.
وقد أصر (كريانجكراي) على أنه لم يكن لديه أدنى فكرة عن أن الجريمة التي ارتكبها ستكون كبيرة وقال: ”عندما عثرت الشرطة عليّ اخترت ألا أقاتل واستسلمت، حتى أنني أعدت المجوهرات وساعدتهم في استعادة المجوهرات التي كنت قد بعتها، أي أن القضية كانت محلولة لولا تدخل بعض أصحاب النفوذ في تايلاند وتحويلها لقضية كبيرة“.
كريانجكراي أثناء تنصيبه راهباً.
حُوكم (كريانجكراي) بالسجن لمدة خمس سنوات، ثم تم تخفيض الحكم إلى عامين وسبعة أشهر فقط بعد إقراره بالذنب، وغير (كريانجكراي) كنيته كي لا يصبح مصدر إحراج لابنه. ولكن بقي الشعور بالذنب يرافقه، وقال أن حياته بعد خروجه من السجن مليئة بالأحداث المحزنة وخيبات الأمل، لذلك قرر في شهر مارس عام 2016 أن يصبح راهباً بوذياً.
في عام 1989 سرق (كريانجكراي تيتشامونج) مجوهرات بقيمة 20 مليون دولار من قصر الأمير السعودي فيصل، تسببت سرقة المجوهرات من داخل القصر السعودي بوقوع سلسلة من عمليات القتل والأزمات الدبلوماسية، التي لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا.
القصة من البداية كالتالي:
كان الأمير السعودي وزوجته في عطلة لمدة ثلاثة أشهر، وعندما علم اللص بهذه العطلة؛ تأكد أن هذه هي الفرصة المناسبة لسرقة القصر.
كان (كريانجكراي تيتشامونج) على وشك القيام بمخاطرة كبيرة يمكن أن يعاقب عليها ببتر يده في المملكة العربية السعودية، ولكنه لم يكن سارقاً عادياً، حيث وضع عينيه على عشرات من الأحجار الكريمة والمجوهرات التي يملكها الأمير فيصل، الابن الأكبر للملك فهد.
في عام 1989، سرق (كريانجكراي تيتشامونج) ما قيمته 20 مليون دولار من الألماس والمجوهرات من إحدى العائلات الملكية السعودية التي كان يعمل عندها. صورة: Panumas Sanguanwong/BBC Thai
كان (كريانجكراي) يعمل في القصر كعامل نظافة، وقد ساعدته هذه الوظيفة على التعرف على كل ركن من أركان قصر الأمير فيصل، كما لاحظ أن الخزائن التي تحتوي على هذه المجوهرات قد تُركت مفتوحة، أي أنها فرصة لا يمكن تفويتها وخاصةً بعد تراكم الديون عليه بسبب المقامرة مع عمال القصر، أي باختصار كانت هذه هي فرصته الذهبية الوحيدة وكان عليه اغتنامها.
في إحدى الليالي، تمكن (كريانجكراي) من البقاء داخل القصر وانتظر إلى أن غادر الموظفون الآخرون، ثم تسلل إلى داخل غرفة نوم الأمير وقام بسرقة بعض من المجوهرات وعلقها على جسده باستخدام شريط لاصق، ثم قام بإخفائها داخل معدات التنظيف وأكياس التفريغ.
في النهاية كان (كريانجكراي) قد سرق 30 كيلوغراما من المجوهرات بقيمة 20 مليون دولار، وقد صرح بعض المسؤولين السعوديين فيما بعد أنه من بين الأشياء المسروقة ساعة ذهبية وبعض الأحجار الكريمة الثمينة كالياقوت.
في تلك الليلة، خبأ (كريانجكراي) المجوهرات في أماكن كان قد علم أنه من المستحيل أن تُكشف، وبعد ذلك بدأ بعملية النقل التي دامت لأكثر من شهر، وخبأها داخل شحنات كبيرة كان يرسلها إلى تايلاندا.
تمكن (كريانجكراي) من تهريب جميع المسروقات إلى مسقط رأسه في تايلاند قبل اكتشاف فقدان هذه المجوهرات، ولكن كان التحدي الأكبر الذي واجهه هو تهريب البضائع المسوقة من الجمارك التايلاندية، حيث كان يتم فحص جميع البضائع المستوردة من الخارج عند دخولها البلاد، ولكنه يعلم أن المسؤولين التايلانديين يقبلون الرشاوي، لذلك قام (كريانجكراي) بوضع ملاحظة مع ظرف بداخله مبلغ من المال وكتب داخل الملاحظة أن شحنته تحتوي على مواد إباحية، وأنه يفضل عدم البحث بداخلها.
لحسن حظه، نجحت خطته، ولكنه لم يتمكن من الهروب من وجه العدالة لفترة طويلة، ففي شهر يناير من عام 1990 تم القبض عليه في منزله الكائن في مقاطعة لامبانج شمال تايلاند، بعد أن حذر السعوديون الشرطة التايلاندية من هذا الرجل.
الشرطة التايلندية تكشف جزءاً من المجوهرات المسروقة، و(كريانجكراي تيتشامونج) مكبلاً بالأصفاد على اليمين. صورة: Khaosod
تم استرداد بعضٍ من الأحجار الكريمة والمجوهرات المسروقة، أما البعض الآخر كان قد باعها، ولكن وقعت جريمة أخرى أثناء إعادة ما تبقى من البضائع المسروقة إلى الرياض، حيث صرح المسؤولون السعوديون أن حوالي 80٪ من المجوهرات قد فُقد، أما الباقي فكان مزيفاً. فيما بعد، ظهرت بعض الصور لزوجة أحد كبار المسؤولين التايلانديين وهي ترتدي قلادة تشبه إحدى المجوهرات المفقودة.
سيطر الذعر على السعوديين بشكل خاص عندما علموا باختفاء الماسة الزرقاء عيار 50 قيراط، وبحسب المدير التنفيذي للأحجار الكريمة في بريطانيا (آلان هارت)، توجد ماسة واحدة من بين 10 آلاف ماسة لها لون مميز، ومن أندر الألوان وأثمنها هو الماس الأزرق، حيث يتم تشكل هذا النوع من الألماس على عمق 600 كيلومتر تحت سطح الأرض، والتي تكتسب لونها الأزرق المميز من عنصر البورون بداخلها.
أغلب الألماس الأزرق يتم استخراجه من منجم كولينان الواقع بالقرب من بريتوريا في جنوب فريقيا، إلا أنه لا أحد يعلم مصدر الماسة الزرقاء السعودية.
أحداث دامية
ربما نعتقد أن القصة قد انتهت بعد أن تم الحكم على (كريانجكراي) بالسجن لمدة ثلاث سنوات، ولكن لم يُرض هذا الحكم السعوديين واتخذت القصة منعطفاً دموياً.
في بدايات شهر فبراير عام 1990، قُتل موظفان من مكتب التأشيرات للسفارة السعودية أثناء توجههما نحو المجمع في العاصمة التايلاندية، حيث تعرضت سيارتهما لهجوم من قبل رجال مسلحين على بعد نصف 800 متر من وجهتهما، وقٌتل كلا الرجلين، وفي الوقت ذاته قُتل زميلهم داخل شقته بعد أن هجم عليه رجل مسلح وأطلق النار عليه.
بعد مرور أسابيع على هاتين الجريمتين، بُعث رجل الأعمال السعودي محمد الرويلي إلى بانكوك للتحقيق في ملابسات القضية ولمعرفة ماذا حدث للكنز المفقود، ولكن تم اختطافه ولا أحد يعلم ما حدث له ولم يتم العثور على جثته.
ظهرت الكثير من النظريات حول جرائم القتل التي وقعت للسعوديين في تايلاند، ووفقاً لمذكرة دبلوماسية كتبها معاون رئيس البعثة في السفارة الأمريكية في بانكوك عام 2010 أن قتل الدبلوماسيين الثلاثة: ”كان جزءاً من النزاع السعودي مع حزبالا اللبناني“. ولكن كان أحد المسؤولين السعوديين واضحاً بشأن المسؤولين عن عمليات القتل.
الدبلوماسي السعودي محمد سعيد خوجة. صورة: Getty Images
بعد فترة وجيزة من وقوع السرقة، تم إرسال الدبلوماسي السعودي محمد سعيد خوجة للإشراف على التحقيق، حيث كان من المتوقع أن يبقى لمدة 3 أشهر في تايلاند إلا أن أقامته هناك قد استمرت لعدة سنوات.
خففت المملكة العربية السعودية علاقاتها مع تايلاند بعد وقوع جرائم القتل والسرقة، حيث انخفض عدد العمال التايلانديين في المملكة العربية السعودية من 200 ألف عامل إلى 15 ألف عامل فقط، ما انعكس سلباً على الاقتصاد التايلاندي الذي كان يعتمد بشكل كبير على الأموال التي يرسلها العمال إلى أقاربهم في تايلاند، ولا تزال العلاقات متوترة بين البلدين حتى هذا اليوم.
كان خوجة رجلاً قوياً، وكان يُجري المقابلات الصحفية وبندقية (سميث أن ويسون) موضوعة بجواره على المكتب مصرحاً أن الشرطة التايلندية تنتظره خارجاً لإلقاء القبض عليه، وقد احتلت مقابلاته الصفحات الأولى في الصحف التايلندية المحلية.
وقد وجه خوجة أصابع الاتهام نحو الشرطة التايلاندية بعمليات السرقة وقتل الدبلوماسيين السعوديين بعد اكتشافهم معلومات حساسة بخصوص السرقة، كما اتهم ضابط الشرطة المسؤول عن التحقيق باختفاء ومقتل محمد الرويلي ولكن تم إسقاط هذه التهم فيما بعد.
في سبتمبر عام 1994، صرح خوجة لصحيفة (نيويورك تايمز) قائلاً: ”الشرطة في تايلاند أكبر من الحكومة نفسها، أنا شخص مسلم وبقيت هنا لأنني شعرت وكأنني أحارب الشياطين“. كانت هذه المقابلة واحدة من بين العديد من المقابلات الصحفية التي أجراها خوجة في الشهر ذاته والتي تم إجرائها بعد مرور وقت قصير على وقوع جريمة قتل أخرى مرتبطة بالسرقة.
في هذه الأثناء، كانت الحكومة التايلاندية تعمل بجد لإيجاد حلٍّ لهذه القضية بسبب الضغط الذي مارسته المملكة العربية السعودية عليها، وعندها توصلت الحكومة التايلندية إلى تاجر الأحجار الكريمة التايلندي الذي تعامل معه (كريانجكراي) بعد عودته إلى تايلاند، وتم اتهامه ببيع المجوهرات المسروقة واستبدالها بمجوهرات مزيفة وانتهى به الأمر ليصبح الشاهد الرئيسي في القضية.
ولكن في شهر يوليو من عام 1994، تم العثور على جثة زوجته وابنه داخل سيارة مرسيدس خارج بانكوك، وبحسب تقرير الطب الشرعي، اتضح أنهما قد لاقا حتفهما بعد أن اصطدمت السيارة بشاحنة كبيرة، ولكن قال خوجة في إحدى المؤتمرات الصحفية: ”يعتقد الطبيب الشرعي أننا أغبياء، لم يكن موتهما حادثاً بل إنهم يريدون التستر عليه“.
كان خوجة على حق، حيث تبين لاحقاً أن الشرطة المكلفة بالعثور على المجوهرات المفقودة قد سرقت بعضاً من المجوهرات وألقت القبض على تاجر الأحجار الكريمة وقتلت زوجته وابنه، انتهى الأمر بالحكم على قائد الشرطة المسؤول عن التحقيق (شالور كردثيس) بالسجن لمدة 20 عاماً.
أثناء مقابلة أجرتها الـ BBC مع (كريانجكراي)، بعد مرور 28 عاماً على إطلاق سراحه و30 عاماً على عملية السرقة، تبيّن أنه يعيش الآن في شمال غرب تايلاند، وبعد أيام من البحث، تمكن فريق بي بي سي من تعقب مكان إقامته وزيارته في منزله المتواضع.
كان (كريانجكراي) خائفاً ومضطرباً وكان يسأل مراراً وتكراراً ما إذا كان المراسل ضابط شرطة، ثم قال أن عليه الخروج من منزله وإكمال المقابلة خارجاً وسط حقل أرز قريب، وكان يكرر جملة: ”ما حدث لي كان أشبه بكابوس“.
على مدار الأيام التالية وافق (كريانجكراي) على إجراء مقابلة حصرية كان قد قدم بها بعض المعلومات التفصيلية عن السرقة التي تسببت بموت ثلاث أشخاص على الأقل، وقد وضح (كريانجكراي) أنه حتى بعد كل هذا الوقت لا يزال يشعر بالخوف من أن يُقتل بسب ما اقترفه.
وصرّح قائلاً: ”في اللحظة التي أُلقي القبض عليّ شعرت أنني لست بوعيي، كنت أشعر بالذعر والهلع طوال الوقت، الشيء الوحيد الذي كنت أفكر به هو أنه من المستحيل ان أخرج حياً، فقد اعتقدت أن هناك الكثير من الأشخاص الذين أرادوا قتلي لدرجة أنني لم أستطع النوم لمدة أسبوع كامل“.
وقد أصر (كريانجكراي) على أنه لم يكن لديه أدنى فكرة عن أن الجريمة التي ارتكبها ستكون كبيرة وقال: ”عندما عثرت الشرطة عليّ اخترت ألا أقاتل واستسلمت، حتى أنني أعدت المجوهرات وساعدتهم في استعادة المجوهرات التي كنت قد بعتها، أي أن القضية كانت محلولة لولا تدخل بعض أصحاب النفوذ في تايلاند وتحويلها لقضية كبيرة“.
كريانجكراي أثناء تنصيبه راهباً.
حُوكم (كريانجكراي) بالسجن لمدة خمس سنوات، ثم تم تخفيض الحكم إلى عامين وسبعة أشهر فقط بعد إقراره بالذنب، وغير (كريانجكراي) كنيته كي لا يصبح مصدر إحراج لابنه. ولكن بقي الشعور بالذنب يرافقه، وقال أن حياته بعد خروجه من السجن مليئة بالأحداث المحزنة وخيبات الأمل، لذلك قرر في شهر مارس عام 2016 أن يصبح راهباً بوذياً.
تعليق