شارلوت كريبس - صحافية وكاتبة
السبت 15 أكتوبر 2022 م
من أين يبدأ المرء بقراءة كتب دانييل ستيل الكثيرة جدا؟
منذ عام 1973، كتبت المؤلفة الأميركية أكثر من 200 كتاب وباعت حوالى مليار نسخة منها. تستكشف شارلوت كريبس هنا سبب كل هذا الضجيج
كتبت ستيل أكثر من 200 كتاب (رويترز)
في يوم بارد ماطر، كنت أحاول العثور على نشاط أستثمر فيه وقتي، عندما قالت لي إحدى الصديقات: "لماذا لا تختلين بنفسك مع رواية من روايات دانييل ستيل؟" هل كانت هذه مزحة؟ ليس لأن ذوقي الأدبي متعجرف، لكن لأن رصيد المؤلفة يحتوي فقط على أكثر من 200 عنوان، فمن أين أبدأ بالضبط؟
تعد ستيل، البالغة من العمر 75 سنة، المؤلفة الأكثر مبيعاً في العالم التي ما زالت على قيد الحياة، وقد باعت نحو مليار كتاب. منذ عام 2015 فقط، أمضت كتبها ما مجموعه 181 أسبوعاً ضمن قائمة أفضل 10 كتب في صحيفة "صنداي تايمز".
تشتهر الكاتبة الأميركية بأخلاقيات العمل الصارمة. على ما يبدو، تمضي في العمل ما بين 20 و22 ساعة يومياً، حيث تبدأ الساعة 8:30 صباحاً، وتستخدم آلة كاتبة ضخمة من طراز أولمبيا تعود لعام 1946، تطلق عليها بتودد اسم "أولي"، وتنتج بغزارة، وتنشر ست روايات أو سبعاً سنوياً - أحدثها "النغمات العالية" The High Notes التي ستصدر الأسبوع المقبل.
على رغم أن كثيرين منا سمعوا عن دانييل ستيل، فكم منا يعرف من هي حقاً وما هي طبيعة كتبها؟ منذ روايتها الأولى "العودة إلى الوطن" Going Home الصادرة عام 1973، وضعت كتب ستيل في خانة الروايات التي تباع في المطارات. غالباً ما كنت ألاحظ وجود رواياتها في حمامات البيوت أو نسخ مهترئة الأغلفة في الفنادق من أعمالها التي تحمل عناوين مبتذلة مثل "أسرار" Secrets، "غدر" Betrayal و"الخيانة" The Affair. افترضت أن جميعها يدور حول أشخاص أثرياء يقيمون علاقات جنسية - لكنني لم أستكشف أبداً ما يتجاوز الغلاف. بدا التجرؤ على قراءتها فعلياً متعة محرمة.
سرعان ما أصبحت مفتونة بها وأحاول إجراء مقابلة معها منذ سنوات - لكنها نادراً ما تجري لقاءات صحافية. ما هي التعويذة التي ألقتها على قرائها؟ كيف يمكن لشخص واحد أن يكتب كثيراً من الكتب الأكثر مبيعاً؟ قررت أن أقرأ أحد أحدث كتبها. لكن أي واحد سأختار؟ تكتب ستيل روايات خيالية تاريخية، ومعاصرة وقصصاً مثيرة. هناك كثير من الرومانسية في أعمالها، وعندما تكتب عن الجنس، تأمل أن "يتعامل معه القراء بذوق".
في البيت، أحتفظ بمجموعة كبيرة من أحدث أعمالها لعام 2022. تبدو رواية "غير مرئية" Invisible، التي نشرت في يناير (كانون الثاني) رومانسية: إنها تدور حول امرأة شابة يقوم مخرج سينمائي بإقحامها في عالم الأضواء لأنه يريد جعلها نجمة – فهل ستقدر على أن تكون صادقة مع نفسها بينما تسعى لتحقيق أحلامها؟
"الرهانات العالية" The High Stakes الصادرة في مارس (آذار)، تحكي قصة مجموعة من النساء العاملات في وكالة للمواهب والفنون الأدبية في نيويورك يكتشفن الثمن الباهظ للنجاح، في حين أن إصدار أبريل (نيسان)، رواية “جميلة” Beautiful تدور حول عارضة أزياء تبلغ من العمر 22 سنة. تنهار حياتها بعد ثوان من هجوم إرهابي. مع تغير وجهها المعروف إلى الأبد، عليها أن تعيد تعريف معنى الجمال.
من ناحية أخرى، تتطرق رواية "التحدي" The Challenge التي صدرت في أغسطس (آب) إلى عملية إنقاذ مجموعة من المراهقين المفقودين على جبل في مونتانا - ويأس آبائهم للعثور عليهم. أو "النغمات العالية"، الصادرة هذا الشهر، عن امرأة شابة بصوت ملاك تناضل من أجل السعي وراء أحلامها بحرية.
أو هل يجب أن أنتظر صدور "عائلة وايتير" The Whittiers في نوفمبر (تشرين الثاني)، حول عائلة ثرية نشأ أطفالها الكبار المتميزون في قصر كبير في وسط مانهاتن، لكن يتعين عليهم الآن التعاضد لدعم بعضهم بعضاً بعد مأساة انهيار جليدي في رحلة تزلج في أوروبا.
في النهاية، قررت قراءة "مشتبه فيهم" Suspects التي أصدرتها ستيل في يوليو (تموز)، وتحكي قصة عميل لوكالة المخابرات المركزية يساعد سراً امرأة ثرية هي مؤسسة إمبراطورية تسوق عبر الإنترنت اسمها ثيو، تعرض زوجها وابنها للاختطاف.
يبدو الكتاب الذي يحمل غلافه كلمات "ثروة. خوف. انتقام. حب" مشوقاً حقاً. هل سيشغفني الكتاب بسرعة – إن فعل ذلك أساساً؟
في غضون 15 دقيقة، أجد نفسي قد قرأت جزءاً كبيراً من الكتاب ويمكنني فهم سر جاذبيته. إنه كتاب سهل القراءة ويمثل مهرباً إلى حياة أشخاص يتمتعون بثراء فاحش، مثل ثيو، التي كانت قادرة على دفع 100 مليون يورو فدية للخاطفين الروس المبتدئين، لكنها لم تفعل ذلك بناءً على نصيحة الشرطة. لكن "النتائج كانت مروعة" – لقد قتل زوجها وابنها.
الكتاب مليء أيضاً بالتفاصيل المادية والمثيرة، بدءاً من الأشياء الموجودة في صالة كبار الشخصيات في المطار إلى حقيقة أن الشخص الوسيم المتقلب الذي يعمل وسيطاً بين فاحشي الثراء - بيير دي فومون - "زئبقي إلى حد ما ويصعب تمييز التفضيلات الجنسية". أجواء الرواية بأكملها مثيرة للاهتمام ومبهرجة، لكنها عاطفية.
هل حقيقة أنها لا تحمل فكراً أمر سيئ؟ نحن نشاهد التلفزيون بنهم - فلماذا لا نفعل الشيء ذاته مع الكتب؟ بالتأكيد ليس من الضروري أن تشتمل قائمة الكتب التي أود قراءتها على رواية ماغي أوفاريل أو كورماك مكارثي الجديدة، أليس كذلك؟ هل يمكن أن تكون الأعمال التي سأقرأها في المستقبل لستيل وماريان كيز وجيلي كوبر وجاكي كولينز فقط، طوال اليوم وكل يوم؟ يصبح الأمر تكراراً نوعاً ما في بعض الأحيان. حتى أن ستيل تعيد ذكر بعض الحقائق حتى لا تضطر إلى تذكرها بنفسك – أم أن هذا ناجم عن سوء التحرير فقط؟
ماذا عن ستيل نفسها؟ إلى أي مدى تتحدث كتبها عنها؟ لم أشعر بذلك حتى قرأت عبارة ثيو في “مشتبه فيهم”: "من دون ابنها، لم يتبق لها شيء لتعيش من أجله. لقد خافت من السنوات الطويلة المقبلة من دونه"، عندما أحسست بغصة في حلقي. انتحر نجل ستيل، نيك تراينا، في عام 1997 عندما كان في التاسعة عشرة من عمره، بعد صراع مع اضطراب ثنائي القطب دام معظم حياته. كتبت ستيل كتاب “أضواؤه الساطعة” His Bright Lights في عام 1998 تكريماً له - وقد وصفته بأنه أكثر كتاب يعني لها شخصياً.
لكن على عكس ثيو في الرواية، التي "تضاءل" حماسها لعملها بعد المأساة، لم يتراجع شغف ستيل بكتابة الكتب. بدلاً من ذلك، ربما راحت نيرانها الإبداعية التي لا يمكن إيقافها تزداد توهجاً. الكتابة هي ملاذها الآمن - وطريقتها في الهروب أيضاً.
بعد فترة من قراءة “مشتبه فيهم” بدأت أشعر بالنزق من كل تلك الحفلات المبهرجة، وعدم القلق أبداً حيال أزمة غلاء المعيشة وتجول فرق حماية كبار الشخصيات أمام الباب. بدأت بتقليب صفحات فصول كاملة بسرعة، لكن ذلك لم يؤثر في القصة وكان لا يزال بإمكاني متابعة الحبكة.
عندها، قررت التحول إلى “جميلة” عن عارضة أزياء مجبرة على البحث عن الجمال بداخلها. هل ستكون أكثر عمقاً بقليل؟ أشعر أنني عديمة الحيلة، كأنني عالقة في حلقة من حلقات مسلسل “سلالة” Dynasty. لم أعد راغبة أبداً في الهروب إلى العالم الثري هذا.
نادراً ما تجري ستيل مقابلات، لكن انظروا إلى حسابها على "إنستغرام" ويمكنكم إدراك أنها تحب التواصل مع العالم الخارجي مع قرائها، وإعطائنا لمحة عن واقعها. هذا الأسبوع على سبيل المثال، التقطت صور لها مع مجموعة جديدة من الصحون ثمانية الأضلاع التي تبدو باهظة الثمن من متجرها المفضل لأدوات المائدة الفاخرة في باريس. هناك أيضاً بعض الصور العائلية بما في ذلك صورة لأصغر أبنائها، زارا، عندما كانت طفلة. كتبت ستيل: "إنها من أشد المعجبين بالأزياء الشبابية من علامة بالينسياغا". وهناك صورة محزنة لابنها الراحل نيك بعمر أربع سنوات، وهما يتعانقان فوق السرير، نُشرت في الذكرى السنوية الأخيرة لوفاته.
ربما تنتج ستيل الكتب بغزارة، لكنها أصبحت كاتبة بالصدفة. أرادت في البداية أن تكون راهبة ثم تدربت لتصبح مصممة أزياء.
السيدة المولودة في مدينة نيويورك عام 1947 لعائلة ثرية - كانت الطفلة الوحيدة لجون شولين ستيل، وريث عائلة لوينبراو الألمانية الشهيرة بصناعة الجعة، ونورما دا كامارا ستون دوس ريس، ابنة دبلوماسي برتغالي، التي انفصلت عن زوجها عندما كانت ستيل في الثامنة من عمرها. نشأت في فرنسا والولايات المتحدة. إنها طليقة باللغتين الفرنسية والإنجليزية، كما تتحدث الإسبانية والإيطالية.
كانت تمارس الكتابة من أجل المتعة منذ سن الخامسة عشرة – لكنها لم تفكر في تأليف كتاب إلا عندما عملت في وكالة "سوبرغيرلز" الإعلانية بمدينة نيويورك في عام 1968، حيث شجعها أحد العملاء على ذلك.
لم تكن رحلتها سهلة. أول وكيل أعمال توجهت إليه قام برفضها وقال لها أن تتخلى عن الكتابة. لكن ذلك لم يثبط من عزيمتها. نُشرت رواية ستيل الأولى “العودة إلى الوطن” في عام 1973. ورفض عديد من الكتب التي جاءت بعدها. لكنها لم تفكر في التراجع أبداً بعد رواية “الوعد” The Promise التي أصدرتها في عام 1978.
تقول على موقعها الإلكتروني: "لقد كان الطريق طويلاً وشاقاً، وكانت الأيام الأولى من عملي في الكتابة درساً في المثابرة".
السرعة التي تكتب بها أعمالها غير عادية لدرجة أن بعض المعجبين تساءلوا عمن يكتب كل كتبها. هل لديها اتفاقية تشغيل معهم، كما يفعل الفنان التشكيلي ديميان هيرست، لكن في عالم الأدب؟
تقول على موقعها الإلكتروني: "لقد ذهلت في المرة الأولى التي طرح علي هذا السؤال. من يكتب كتبي؟ هل هذه مزحة؟ أنا أكتبها. كل كلمة ... لقد صدمت من السؤال، حتى أنني استشرت وكيل أعمالي الذي أخبرني أن بعض المؤلفين المهمين جداً يقومون حالياً بتوظيف كتّاب لتأليف أعمالهم، ويقدم لهم المؤلفون الخطوط الرئيسة فقط. لا أستطيع حتى أن أتخيل ذلك، ويبدو بالنسبة إلي تساهلاً على مستوى كبير. أنا أكتب كل كلمة في كتبي، وأقوم بكل عمليات التحرير والتصحيح. لا أمتلك أقزاماً موهوبين ولا عفاريت ملهمين في القبو ولا في العلية. أقوم بكل العمل بنفسي !!!"
لم تكتب ستيل أي أجزاء تتمة لكتبها، وهو أمر غير مألوف بالنسبة إلى شخص غزير الإنتاج. إنها تشتاق لشخصياتها عندما تتوقف عن الكتابة، لكنها عندما تنهي كتاباً فإنها تنتقل إلى الشخصيات التالية. في كثير من الأحيان، تتعامل مع بضع شخصيات في الوقت نفسه. لكن عندما أمسكت بكتاب "جميلة" لأقرأه، أدركت أن هناك رسالة أمل خلف قصص ستيل المبتذلة.
مهما كانت المأساة أو الخسارة التي قد تتعرض لها، فالحب دائماً ينتظرك بصبر. كما تسمع عارضة الأزياء المشوهة فيرونيك في رواية “جميلة” تقول: "لا يتعلق الأمر برمته بالندوب، أو حتى بالوجه المثالي. إنه يتعلق بما في داخلك ومن أنت. أنت جميلة يا فيرونيك من كل النواحي المهمة. سواء كنت تحملين ندوباً أو كنت من دون ندوب، لا يهم ... لم أعرف أبداً أي شخص مثلك، ليس بسبب وجهك، ولكن بسبب قلبك". قد تكون قصصاً مبتذلة – لكنها على الأقل، تتمتع بنهايات سعيدة دائماً.
روايات "المشتبه فيهم" و"جميلة" و"النغمات العالية" متوفرة للقراءة حالياً.
© The Independent
************************