"لو".. سيدة مخابرات تصارع ابنها في جزيرة معزولة
طاهر علوان
الأحد 2022/10/09
دراما تكرس للشخصيات المضطربة
العزلة في الحياة كما على الشاشات تكتسب شكل الجغرافيا والحيز المكاني المغلق الذي تجد فيه الشخصيات ملاذا لها، وخلال ذلك تبحث لنفسها عن ملاذ بديل يخرجها من الدائرة اليومية شديدة القتامة التي تعيش فيها.
ينطبق ذلك على فيلم “لو” للمخرجة أنا فوريستر الذي يقدم لنا شخصيات تعيش في جزيرة هي أقرب إلى تلك المناطق الاستوائية، حيث كثافة الشجر وغزارة المطر، وبذلك يصبح هذان العنصران الطبيعيان مكملين لما يجري وشاهدين على مزيج من العزلة والجريمة.
لو (الممثلة أليسون جاني) وهي في خريف العمر تلاحقها كوابيس عملها السابق عميلة لدى المخابرات الأميركية إبان حكم الرئيس الأسبق رونالد ريغان، وهي التي شهدت احتجاز السلطات الإيرانية مدنيين أميركان إبان الثورة الإيرانية يكون من بينهم ابنها فيليب (الممثل لوكان غرين) يوم كان طفلا، وهي صور تتكرر مثل أشباح تلاحقها وتعود إلى حقبة قد مضت من حياتها وتوجت بمسيرة مهنية ناجحة ونيل أوسمة، لكنها إذ ربحت تلك الحياة المهنية فقد خسرت الابن.
ها هو الماضي يرتد على الأم لو، فابنها يعود إليها بقصد الانتقام وهو شاب سايكوباثي وعدواني وقاتل، تم تسريحه من الجيش لهذه الأسباب، وهو من ضمن أفراد فرق المهمات الخاصة للتفجيرات والاغتيالات، ولهذا فإنه لن يتردد عن قتل شاب عابر لمجرد أنه ساعد زوجته هانا (الممثلة جورني سموليت) ولن يتردد أيضا في زرع قنبلة في محرك سيارة أمه بغرض قتلها، لكنها تنجو من الموت بأعجوبة.
على أن التحول الجذري في هذه الدراما الفيلمية هو قيام فيليب بخطف ابنته بينما الزوجة هانا كل اعتقادها أنه قد قتل في انفجار، ولهذا تبدأ لو وهانا رحلة عبر الأحراش والغابات وتحت المطر الغزير في تعقب مسار فيليب ومعه الطفلة.
لا تفصح لو عن الكثير من طباعها وأفكارها وماضيها يمر مرورا خاطفا وعابرا، لكننا سوف نشاهدها وهي تحاول الانتحار لأكثر من مرة، لكنها لا تنجح، وخلال ذلك تسحب كل رصيدها المالي وما تملك لكي تتركه لشخص ما نجهله في البداية، لنكتشف لاحقا أن هانا هي ليست سوى زوجة فيليب وأن فيليب هو ابن لو وعدوها الذي لا يرحم.
ولإدراك عمق تلك الأزمة وقد بدأت بالتصاعد من جميع الجهات، بدا المكان الذي عاشت فيه الشخصيات منعزلة عن بعضها البعض وقد أخذنا إلى فضاء شائك تقتفي فيه الشخصيات بعضها بعضا، وتتصادم لو مع عصابة ينتمي إليها ابنها وتجهز عليهم جميعا، ثم تمضي في رحلة طويلة لاقتفاء أثر الابن الذي يحتفظ بالطفلة على أنها طعم سوف يجتذب الأم.
هذا المسار السردي الذي يفضي لا محالة إلى صراع دام ما يلبث أن يتشعب لجهة تدخل السلطات من أجل القضاء على عميلة سابقة للمخابرات متوارية عن الأنظار، وتحتفظ بوثائق تثبت تورط أجهزة المخابرات في قلاقل ضربت إيران وخاصة في الخمسينات.
أما على الجهة الأخرى فإن الابن يشكل هو الآخر خطرا بسبب تهوره وخروجه على الأوامر العسكرية واستخدام مهاراته التي تعلمها في المهمات الخاصة للقيام بجرائم وعمليات تفجير، وقد بدا بالفعل على أنه من نوع تلك الشخصيات الإشكالية السايكوباثية الخطيرة.
في المقابل وعلى جانب من تلك الجزيرة هنالك البرج الذي يشهق عاليا للعشرات من الأقدام ومثل فنار مطل على البحر، وهنا تقع المواجهة إذ يعمل فيليب على أخذ طفلته إلى أعلى البرج، لتقع المواجهة بين الأم والابن، بينما هنالك هانا وابنته في وسط تقاطع النيران.
لقد شهدنا من خلال هذه الدراما الفيلمية تكريسا معقدا للشخصيات المضطربة التي انتزع منها عملها الحربي والمخابراتي أي حس إنساني، فالأم مثلا لا تعرف معنى الحنان المرتبط بالأمومة، ولم تمنح مثل ذلك الحنان لابنها ولا لحفيدتها، والابن في المقابل لا يتورع عن ترويع زوجته وابنته بلا أدنى عاطفة ولا رأفة، فحتى في ذلك المشهد الفريد الذي كادت فيه أن تدهس الطفلة التي هي حفيدتها إلا أنها لم تبد رد فعل عاطفي يذكر وكأن الأمر لا يعنيها.
هذه الشخصيات المضطربة كانت توصلنا دائما إلى حافة الهاوية، فالأم توشك على الانتحار مرات عدة فهي قد فشلت كأم وخسرت ابنها، في مقابل الابن الذي كأنه يريد الانتقام من كل من هم من حوله لكي يبقى هو لوحده فضلا عما كان يبوج به مما يثبت كونه مضطربا وانفعاليا.
من جهة أخرى كان ذلك المكان المعزول امتدادا لعزلة الذات في أبشع صورها إذ كان هنالك تكامل ملفت للنظر بين الإنسان المأزوم والمكان الذي عزز تلك العزلة والأزمة التي تدرجت حتى وصلت إلى مرحلة المواجهة الحاسمة، خلال ذلك ربما بدا القسم الأول من الفيلم ذا إيقاع ثقيل، لكن المخرجة تمكنت من نقلنا الى واقع آخر من خلال عملية البحث واقتفاء الأثر في وسط الغابات ومشاهد قطع الأنفاس عند عبور ذلك الجسر الخشبي.
طاهر علوان
كاتب عراقي مقيم في لندن
كاتب عراقي مقيم في لندن