Mohammed Dunia
مقالات مترجمة
الاضطرابات العصبية الإبصارية عند الطفل
تختبئ خلف الصعوبات المدرسية، لنسبة تتراوح بين 3 و 5% من الأطفال دون سن 5 سنوات، اضطراباتٌ تسمى عصبية إبصارية، لم تلق بعد ما تستحق من اهتمام. ليس للأمر علاقة هنا بالرؤية، بل باضطرابات ناجمة عن أذيات دماغية.
تعلم القراءة والكتابة متعةٌ للكثيرين من الأطفال...ومحنة أليمة لكثيرين آخرين! هنالك نسبة هامة من الأطفال يتركون المدرسة الابتدائية دون أن يكونوا قد اكتسبوا قواعد القراءة والكتابة بشكل صحيح. في الواقع، يبدو صعباً على المناهج التعليمية التقليدية تعليم هذه القواعد لعدد من الأطفال. لماذا؟ " لأن قسماً لا يستهان به من هؤلاء يعاني من اضطرابات لم تنل بعد ما تستحق من اهتمام الوسط الطبي والمدرسي، أي الاضطرابات العصبية الإبصارية neurovisuels "، وفقاً لتقدير " سيلفيا شوكرون " S. Shokron ، مديرة أبحاث في " المركز الوطني للأبحاث العلمية " في باريس. إذاً، المسألة ليست مسألة بصر ورؤية، بل مسألة دماغ.
لا حِدّة بصر غير ملائمة، ولا تأخر عقلي
تعيق الأذيات الدماغية، الواقعة في الباحات الإبصارية المخية، هؤلاء الأطفال من أن يحللوا بشكل صحيح المعلومات التي ترسلها العينان. مثلاً، لا يدرك بعضهم سوى جزء من ساحة النظر؛ أو أنه تفوتهم بعض تفاصيل الواقع، وكأنها ممحوة. مع ذلك، ليس للأمر علاقة بحدة البصر، ولا بتأخر عقلي أياً كان، في معظم الحالات. إلا أن من شأن إعادة تأهيل الإدراك، والانتباه، والتحليل، والذاكرة الإبصارية أن يتيح غالباً، وبشكل ممتاز، تحجيم الصعوبات المتولدة عن هذه الاضطرابات! تشير دراسات عالمية عديدة إلى أن نحو 3 إلى 5% من الأطفال دون سن 5 سنوات يمكن أن يكونوا مصابين بها. يحتاج تقصّيها والكشف عنها إلى دقة، نظراً لصعوبة تمييزها بوضوح، " لأنها تعبر عن نفسها على نحو متباين جداً، وفقاً للحالات "، تؤكد " شوكرون ". ذلك لأن دماغنا يستند في تحليل العالم المعقد المحيط به إلى باحات إبصارية متخصصة حسب نوع الصور المدرَكة. يذكر بهذا الصدد مثال الأطفال المصابين بأذيات في سبيل إبصاري ( magnocellulaire ) متخصص في نقل صور سريعة وقليلة التضادات. عندما يسعون إلى قراءة نص، تستمر الصور في دماغهم وقتاً أطول من المعتاد. النتيجة، تتداخل خطوط النص فيما بينها، فيجدون أنفسهم تائهين في ضباب إبصاري حقيقي. والغريب في الأمر أن هؤلاء الأطفال يرون العالم مثل الآخرين في غالبية الأوضاع. " بالنتيجة، ونظراً لعدم وجود كشف عن هذه الاضطرابات، غالباً ما ينتهي الأمر بأن توجَّه للطفل تهمة التهرب أو التصنّع، أو يصنَّف وضعه على أنه مشكلة سلوكية "، تقول الباحثة، التي تضيف: " في غالبية الحالات، تظهر الأذيات الدماغية لدى هؤلاء الأطفال لحظة ولادتهم، أو بعدها بقليل ". وحسب رأيها، يمكن أن يكون السبب المحتمل ناجماً عن سوء أكسجة الدماغ خلال الوضع، إبان فترات انقطاع نَفَس apnée الرضيع، أو أيضاً حين وجود مشكلة قلبية تنفسية بعد عملية تخدير. وإذْ كانت هذه الحوادث وجيزة جداً، فإنها تمر بسهولة دون أن تلاحَظ أو أن الأطباء يرون أنها بلا عقابيل. إلا أن نقص الأكسجين، مهما كان قصيراً، مرتبط بخطر موت خلايا عصبية، وبالتالي ظهور أذيات، خصوصاً في هذه الأدمغة الحساسة جداً، أي أدمغة حديثي الولادة والرضع. " بما أن الباحات الإبصارية تتوزع على أكثر من ربع الدماغ، وتستهلك قدراً ضخماً من الأكسجين، والأولى في الارتواء الدموي بين الباحات الدماغية، فإنها غالباً ما تكون من الناحية الإحصائية ضحية هذا النقص في الأكسجين "، تقول " سيلفيا شوكرون ".
تختلف عن خلل القراءة
يخلط الأطفال المصابون بخلل القراءة dyslexie ( اضطراب نوعي ومستمر يؤذي تعيين وفهم الكلمات المكتوبة ) بين بعض الحروف المتقاربة في الشكل أو في الصوت ( " م " و " ن " أو " ش " و " ف " )، فيعكسون ترتيب الأصوات عندما يقرؤون، و" يأكلون " بعضها أو يضيفون أخرى. وخلافاً للأطفال المصابين باضطرابات إبصارية فقط، يصادف المصابون بخلل القراءة صعوبات نموذجية على علاقة بالأصوات التي تشكِّل الكلماتِ. مع ذلك، يمكن أن يكون بعضهم مصاباً باضطرابات عصبية إبصارية، مما يفاقم التعلم لديهم قليلاً. وعلى العكس، يمكن أن يتم، بشكل خاطئ، تشخيص الأطفال المصابين باضطرابات إبصارية على أنهم مصابون بخلل قراءة. هنالك نظريات مختلفة حول الأسباب الممكنة لخلل القراء: نقص تيقّظ أو انتباه، واضطرابات نفسية عاطفية.. . وظهرت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي نظرية تفيد بأن السبب هو عصبي، وأثبتت أن خلل القراءة لدى أطفال كثيرين ناشئ عن نقص نضج الدماغ خلال النمو، يشمل المناطق الضالعة بمعالجة اللغة الكتابية بشكل خاص. أُشيرَ أيضاً إلى وجود عوامل وراثية، إذ أنه ليس نادراً أن نقع على " أُسر " تعاني من خلل قراءة.
إعادة التأهيل بفضل مرونة الدماغ:
في المداواة وإعادة التأهيل، يمكن الاعتماد على صفة بيولوجية معروفة جداً: مرونة الدماغ. يتمتع الدماغ البشري بقدرة فائقة في إعادة تنظيم الوصلات بين الخلايا العصبية، إلى درجة أنه يمكن " التعويض " عن حالات خلل تصيب منطقة ما متأذية. " في حالة ساحة النظر غير الكاملة، يتعلم الأطفال البحث عن معلومات في المنطقة غير المشمولة. يمكن أيضاً تنظيم جلسات تمرين تقوم على توجيه نظرهم، عبر حركات عينية متقطعة، نحو هدف يقع في القسم الممحو من ساحة النظر. وشيئاً فشيئاً، يتحوَّر دماغُهم ويستعيد إمكان التحليل العملي لجميع الصور التي تدركها العينان "، على حد عبارة الباحث "مارك فيلايفون " M. Vilayphon ، معاون " شوكرون " والمتخصص في كشف هذه الاضطرابات عند الطفل. وفيما يتعلق باضطراب الانتباه الإبصاري، تقوم التمارين على مسْح منتظم للحيز الإبصاري، من اليمين إلى اليسار، ومن الأعلى إلى الأسفل. ستتيح هذه التمارين للطفل أن ينطلق من جديد في تعلم الكتابة والقراءة مع " أسلحة " جديدة. بالنتيجة، يتحسن مستوى، بل أيضاً سلوك الطفل المدرسيان. تقوم هذه التمارين عادة بإشراف اختصاصيين في علم النفس العصبي.
ترجمة محمد الدنيا
عن " العلم والحياة " الفرنسية
.
* لكل أذية اضطرابها: من بين الأذيات الأكثر انتشاراً تذكر تلك التي تصيب المنطقة الجدارية pariétale من المخ، التي تسبب إهمالاً حيّزياً وحيد الجانب: قسم من حيّز ساحة النظر غير موجود بالنسبة للمريض. أما في الأذية الصدغية temporale، فإنه يمكن أن يحدث استنساخ للأشياء دون أن يفهم المريض معناها. وبالنسبة للأذية القذالية occipitale، إذا ركز المريض نظره على وسط الصورة، فلا يرى سوى نصفها الأيمن أو الأيسر، وفقاً لجانب الدماغ المتأذي.
*************************
عبد الحكيم مرزوق