٠ تعليق
نشط
اكتب تعليقًا...
نشطFareed Zaffour
10 س ·
تمت المشاركة مع العامة
Saad Alkassem
كفر جنة
من أشهر لوحات الفنان الراحل فاتح المدرس على صعيد الفن التشكيلي السوري لوحته الشهيرة (كفر جنة) التي شارك بها في المعرض السنوي الثالث في المتحف الوطني بدمشق (1952)، إلى جانب أعمال عدد من الفنانين السوريين الأوائل الذين دفعوا الحركة التشكيلية السورية إلى الأمام، بعد جيل الرواد الواقعين والانطباعيين، وعلى رأسهم غالب سالم ووهبي الحريري في حلب، وتوفيق طارق ورشاد قصيباتي وسعيد تحسين في دمشق. وكان الفنان الرائد وهبي الحريري الأستاذ الأول لفاتح المدرس وهو الذي دفعه إلى مواصلة طريقه وتحصيله في الفن التشكيلي.
رسم فاتح لوحة (كفر جنة) في بداية عام 1952 بقياس (70X50) سم بالألوان الزيتية على القماش. وقد حازت على الجائزة الأولى للمعرض، وأصبحت من مقتنيات المتحف الوطني بدمشق. تمثل اللوحة (وهي على اسم قرية صغيرة وجميلة من ريف مدينة حلب) تمثل منظرا ريفيا طبيعيا لما اختزنته ذاكرة الفنان فاتح المدرس في طفولته الأولى في قريته (حريتا) من ريف مدينة حلب التي ولد فيها وكانت لأسرته الإقطاعية (آل المدرس). اللوحة كمنظر تبدو عادية بألوانها وأشكالها. ولكن الذي ميزها ذلك الأسلوب الفني، والتقنية الجديدة، التي رسمها بها فاتح المدرس، والتي فتحت الباب على مصراعيه لولوج أساليب الفن الحديث في الذائقة البصرية السورية.
تتوسط اللوحة امرأة تحمل على رأسها طبقاً من القش وهي تتجه إلى عملها في الحقل. يتماهى شكلها مع مساحات الألوان الأخرى. هي شكل إنساني لا نكاد نرى فيه أي معالم للوجه والجسد اللذين امتزجا مع ضربات الريشة العريضة السريعة والنزقة، ومع تأثيرات ضوء الشمس خلالها. في الجانب الأيمن من اللوحة شجرة ضخمة باسقة ترتفع إلى عنان السماء بألوانها الخضراء، وقد اخذ شكلها الجميل أكبر مساحة من اللوحة، تنغرس جذورها تحت الأرض بثبات وتنطلق جذوعها بقوة إلى الفضاء لتتقارب مع ضوء الشمس في وحدة تلاحميه جميلة بينهما. في آخر خط الأفق البعيد عنها، وضمن ضربات ريشة سريعة ونزقة لتتماهى بدورها مع المساحات اللونية المحيطة. وفي نهاية اللوحة خيال امرأة ثانية مسرعة الخطى، وكأنها تلاحق المرأة الأولى التي توازي خط جذع الشجرة وتبدو منطلقة معها للأعلى. مساحة السماء الواسعة تتخللها خطوط لونية طولية من مشتقات اللون الأزرق الجميلة. تتصعد مع الشجرة والمرأة إلى الأعلى كمن يتحدى قوة الجاذبية الأرضية.
اللوحة اشتغلها فاتح المدرس بمفاهيم البيئة المحلية التي سادت وانتشرت في الفن السوري، وبأساليب وتقنيات المدرسة الواقعية التأثيرية (الانطباعية) ومزجها بجمالية توافقية خاصة مع مفاهيم المدرسة التجريدية الحديثة التي ظهرت في الفن العالمي في بداية الخمسينات من القرن العشرين. ضمن رؤيته الفكرية المعبّرة جدا بوضوح الفكرة مع الرؤية الجمالية الجديدة في الفن التشكيلي السوري. وهذا ما ظهر واضحا أيضا من خلال اللمسات اللونية الكثيفة التي تظهر في المساحات اللونية الكبيرة.
إن الحالة الانفعالية التي رسم بها الفنان فاتح المدرس هذه اللوحة الرائعة أكسبت اللوحة بتصميمها الكلي الحالة المأساوية التي تعيشها المرأة الريفية المقيدة بقيود اجتماعية وحياتية قاسية.
وبهذه اللوحة الجميلة بدأت الحركة التشكيلية السورية مرحلة جديدة في الحداثة الفنية، في مضمار الذائقة البصرية السورية ...
- محمود مكي - فنان وناقد تشكيلي
**********************
مصطفى رعدون