معرض الرّياض للكتاب يحتفي بالأدب الروائيّ... وتونس ضيفة الشّرف
أحمد المدني
من المعرض
A+A-
أيام حافلة بآلاف الزوّار وعشرات اللقاءات والندوات الأدبية والفنية والثقافية، يشهدها معرض الرياض الدولي للكتاب (من 29 أيلول/ سبتمبر حتى الثامن من الجاري).
من الخطوة الأولى داخل المعرض، لا بدّ أن ينبهر الزائر برحابة المكان واتساعه. وكانت "هيئة الأدب والنشر والترجمة" التابعة لوزارة الثقافة - الجهة الرسمية المنظمة - قد اختارت أرض "واجهة الرياض"، طامحةً لأن يكون المعرض "علامة فارقة في خريطة معارض الكتاب الدولية، ووجهة محفزة ودائمة لكل دور النشر، وخلق تجربة نوعية ومميزة لدور النشر".
قد لا يتوفر رقم دقيق عن مساحة المعرض الشاسعة، لكنّ عدد العارضين يقترب من ألفين، يتوزعون بين دور نشر عريقة من لبنان ومصر والمغرب، وأخرى حديثة من أقطار عربية مختلفة، وعدد كبير من دور ناشئة ومهتمة بقضابا معرفية وفنية مستجدة، بجانب أروقة المؤسسات الثقافية السعودية الرسمية، والعربية وبعض الأجانب.
بين التّراث والحداثة
قد ينتبه الزائر لأنّ نسبة الكتب التراثية محدودة نسبيًا مقارنةً بالإنتاج المعرفي والإبداعي الحديث العهد، الذي تظن إزاء تفوّقه أنّ هناك منافسة مضمرة بين دور النشر للفوز في إصداره وتنويعه وعرضه، نقول هذا عن الكم خصوصًا ولا يخلو منها النوع.
وتتمثل الملاحظة الثانية في اقتحام ميدان النشر لدور غير مسبوقة ويقودها شباب طموح بمفهوم متطوّر، مثل دار "تشكيل"، وتريد إعطاء أسبقية للقيمة والمحتوى والإخراج قبل الربح الذي يعدّ مطلب كل المهن.
ثمّة ظهور لافت لعدد مهم من دور النشر السعودية (أصلية) أو برأس مال سعودي، تتنوع اهتماماتها بين الأدبي والفكري والثقافة العامة، يمكن التنبؤ من الآن أنها هي ونظائر لها في الخليج العربي ستهيمن علـى سوق الكتاب في المنطقة، لا سيما مع تزايد لافت لعدد القراء، والنساء في طليعتهم، بحيث انتبه الناشرون إلى مدى إقبالهن على اقتناء الكتب بشغف واعتبارهنّ بأنهنّ "جمهور مُعتمَد" ويعرف فعلاً ماذا يريد.
روايات... وجمهور
يتنوع هذا الجمهور بين رجالٍ ونساءٍ، وأطفالٍ وفتيان، ولهذه الفئة العمرية تحديدًا حصة اهتمام ملحوظة في المعرض، سواء أكان عبر عبر الإنتاجات أو النشاطات. يبدو العارضون جميعًا كأنهم يتنافسون على كسب هؤلاء الأطفال والفتيان بغية جذب انتباههم إلى إصداراتهم. نـؤكد هذا على مستوى تصاميم وإخراج الكتب، وكيفية عرضها لجذب الزوّار، وهذه صورة مستحسنة للكتاب العربي كانت مطلوبة.
يبقى الأشد إثارة للانتباه هو العدد المتكاثر من النشر الروائي، العربي والأجنبي، وهو يقدّم دليلًا إضافيًا لازدهار هذا النوع الأدبي عندنا نحن العرب. كأنّ للجميع حكاية يريد أن يرويها، والأغلبية صارت تدفع لإعلانها على الناس.
سنقول مع المثل الصيني "دع ألف زهرة تتفتح"، لكن إلى حين، ربما وصل إلى غربلة الكمّ الوفير، وخصوصًا في ما يخص الروايات الأجنبية المترجمة من كل البلدان، لكتّاب مرموقين وآخرين مغمورين، وإن باستثاءاتٍ محدودة جدًا.
لا أحد يضمن لك أدبية هذه الترجمات، خلا قلة عارضين يشرحون لفتيات متلهفات محتوى هذه القصة أو مصير بطلتها العاطفي والحزين، وهن مشدوداتإلى حكواتي لطيف يغري ببضاعته، بينما آخرون كثر باعة ورق لا غير لا يفقهون شيئًا مما يبيعون!
لا عجب، إذًا، إن اختار منظمو المعرض "الرواية العربية"، من بين الأجناس الأدبية، كموضوع رئيس لأهمّ وأغلب فقرات الأنشطة الثقافية الموازية التي شهدها معرض الرياض الدولي للكتاب. وهذا العام، تبرز في حضورها تونس، وهي ضيف الشرف الرسمي للمعرض في موسمه الحالي.
ومن بين عناوين الندوات، نذكر على سبيل المثل لا الحصر، ندوة بعنوان:
تسلط المكان على الرواية العربية، كيف يؤثر على الكاتب والقارئ؟"، بمشاركة منسور الصويم، وشكري المبخوت، وأخرى بعنوان "سيادة الرواية" (محمد فطومي سونيا بوماد، وحنان جنان).
وندوة حوارية فنية بعنوان: "عائلة الفيل الأزرق: من الورق إلى الشاشة"، شارك فيها كاتب الرواية أحمد مراد ومخرج الفيلم مروان حامد وأبطال المسلسل هند صبري ونيللي كريم وكريم عبد العزيز.
نذكر أيضًا، ندوة "حول قضايا الرواية العربية"، بمشاركة شيرين أبو النجا، عبد الله إبراهيم، علوية صبح، ياسين عدنان، وأحمد المديني.
لا يفوتنا أن نضيف مواضيع بالغة الأهمية نوقشت في القاعات المرفهة للمعرض أبرزها: الندوة الحوارية حول سلسلة "عيون الشعر" التي يصدرها مركز أبو ظبي للغة العربية الهادفة لاستعادة العربي المعاصر علاقته بإرثه الثري، شارك فيها السادة علي بن تميم، سعيد الطنيجي، سعد الشمراني.
وندوة تطرح سؤالًا مهمًا: "هل الأدب العربي أدب عالمي؟"، بمشاركة جوخة الحارثي، بياتريس غروندلر ، سعد البازعي وسعيد يقطين. وأيضًا: "مستقبل الفيلم السعودي" شاركت فيها الممثلة ميلا الزهراني، المخرجة هناء العمير، وعبد الجليل الناصر.
تأتي هذه الندوات وغيرها بموازاة عروض فنية ومسرحية وقراءات شعرية ومواضيع أدبية وفنية وسوسيولوجية وإعلامية، شارك فيها متخصصون وباحثون وباحثات ومبدعات من السعودية وبقية الدول العربية، وبمشاركة شخصيات أجنبية مرموقة أعطت للمعرض بعده الدولي المبتغـي تمثيلًا لا شعارًا، وقبلها أسماء عربية راسخة من روائيات وروائيين، وأكاديميين ونقاد أدب وفنانين وإعلاميين، تحولت الرياض بوجودهم في أيام معرضها السنوي إلى قبلة لقاء بينهم ومحفل تعارف مع كتاب وأدباء المملكة العربية السعودية الذين تميزوا بحضور وتمثيل مشرفين، سواء في تواصلهم الأنيس مع ضيوفهم أو بروزهم في منصة التوقيع الأنيقة التي خصصت لأعمالهم طيلة أيام العرس البهيج للكتاب في العاصمة الرياض.
لابد من القول في ختام هذه الإطلالة إن كل معرض كتاب عربي هو سلفًا مكسب للثقافةالعربية والأدباء والمفكرين ولنشر المعرفة وتوسيع سوق القراءة في عالم عربي ساعللنمو والتقدم والتجديد.