هل خان فيلم "شقراء" سيرة مارلين مونرو أم رواية جويس كارول؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل خان فيلم "شقراء" سيرة مارلين مونرو أم رواية جويس كارول؟



    هل خان فيلم "شقراء" سيرة مارلين مونرو أم رواية جويس كارول؟

    شريف صالح من الفيلم







    A+A-
    كتبت الروائية جويس كارول أوتس روايتها "شقراء" عام 2000 في نحو سبعمئة صفحة، ونالت عنها جوائز مهمة، واعتُبرت ضمن أهم أعمالها، وهي مأخوذة عن سيرة مارلين مونرو. وبعد عام من نشر الرواية صدر مسلسل قصير مقتبس عنها.


    ثم بعد أكثر من عشرين عامًا، وتزامنًا مع الذكرى الستين للرحيل المأساوي لمونرو، قدّمت منصّة نتفليكس فيلمًا بعنوان الرواية ذاتها، ليكمل الوثائقي التي أنتجته نتفلكس أيضًا بعنوان "لغز مارلين مونرو: التسجيلات غير المسموعة".
    وإذا كان الوثائقي قد اتجه نحو إعادة "بناء" حياتها كما عاشتها، وركز على احتمالات موتها الغامض وهي في السادسة والثلاثين، فإن "شقراء" لم يهتم بالحقائق ولا الوقائع، بل استلهم حكايتها على نحو انتقائي. ما يطرح سؤالًا حول خيانة الفيلم للسيرة، وربما للرواية نفسها؟
    سحر الفوتوغرافيا
    توفر لفيلم "شقراء" عنصرَا جذب لا يُستهان بهما، أولهما أيقونية مارلين مونرو المؤثرة في العالم كلّه، وثانيهما رواية شهيرة لكاتبة مرموقة ومرشحة أبدية لجائزة نوبل.
    مع ذلك حدث انقسام هائل في تقييم الفيلم نقديًا وجماهيريًا، وتكفي نظرة سريعة على مواقع تقييم الأفلام، حيث لم يتجاوز الحكم عليه بأنه "متوسط"! فلماذا لم يحقق النجاح المتوقع؟
    لعلّ من أسباب ضعف تقييمه أن المخرج أندرو دومينيك لم يستطع تقديم قراءة بصرية لافتة للنص الروائي. وهو إن اعتمد على سحر الفوتوغرافيا - وهو ملمح مهم أيضًا في الوثائقي الذي أشرنا إليه - فكثير من المشاهد انطلقت من صور مارلين الشهيرة، بدءًا من الاستهلال بلقطتها الأيقونية فوق محطة المترو والهواء يطيّر فستانها الأبيض كاشفًا عن ساقيها. وهي لقطة استعيدت أكثر من مرة.

    تقليد مبتذل
    حرص المخرج على أن ترتدي الممثلة آنا دي أرماس الفساتين ذاتها، وتقف في التكوين الفوتوغرافي نفسه قبل أن يتحرك المشهد وتدب فيه الحياة.
    على المستوى التقني، هناك جهد واضح، يظهر كذلك في رسم ملامح الممثلة كي تطابق مارلين في الشكل، والحركة، والأزياء، وطبقة الصوت.
    لكنّ المطابقة "التقنية" ذهبت بنا إلى منطقة "التقليد"، وليس التقمّص. هناك أداء تنقصه روح ما، ويغلب عليه عدم التصديق. فبدت كأنها نسخة مبتذلة تتخللها مسحة من التكلّف والمبالغة في الماكياج تجعلها أحيانًا أقرب إلى عجوز أو امرأة قبيحة، عكس ما كانت عليه مارلين نفسها.

    تحطيم الأيقونة
    اكتملت أسطورة مارلين بموتها الغامض، فاكتسبت تعاطفًا أبديًا، وكان هناك إدراك أنها عانت منذ طفولتها، وتعرضت للاستغلال، مع ذلك كسبت حب الملايين، إضافة إلى كونها أيقونة الإغراء.
    تجاوزت الفقر والمرض واختفاء الأبوين والأسرة، ونجحت بتوظيف جسدها وذكائها وموهبتها (وإن اختلفنا في تقييمها) لتصبح أشهر أيقونات القرن العشرين. أي كان هناك إرادة وقصة نجاح، وراء المحن.
    أما الفيلم فقدّم صورة مهزوزة ومشوّهة، فتاة جميلة وفاترة، على حافة الضلالات والهذيان في معظم مراحل حياتها، ومجرد دمية جنسية يستغلها ذئاب ويتلاعبون بها بلا رحمة.
    ربما كان القصد إثارة التعاطف، وفضح منظومة صناعة النجومية في أميركا، لكنّ الانطباع الأوّلي للمتفرج ليس إيجابيًا، وهو يرى "شقراء خرقاء وساذجة ومهلوسة" تُقاد إلى فراش المشاهير مثلما تقاد الخراف إلى المذبح! "قطعة لحم" تثير التقزز، وتفتقد تلك الومضة والبراءة والشعور الإيجابي بجسدها، كما كانت مارلين في الحقيقة.
    أحسّ بعض الجمهور بخديعة ما، وابتذال في الصورة الفيلمية. وإذا كان الفيلم ينتقد استغلالها المروّع، أفلَم يقدم هو أيضًا استغلالًا فظيعًا لها؟!
    انقطاع الخطوط
    لا يقدم الشريط حبكة محكمة، فهو ليس قصة صعود فتاة يتيمة ووحيدة إلى سماء المجد، ولا يرصد بدقة علاقتها بالرجال، وإن تضمن عشرات المشاهد عن ذلك.
    هذا الإسهاب والامتداد والتفاصيل اتكاء على محطات حياتها المعروفة، افتقد التشويق والإيقاع وإحكام الحبكة. نحن أمام مقاطع وتفاصيل قابلة لأن تمتدّ إلى عشر ساعات بالرتابة ذاتها، وتستعيد ما يعرفه الجمهور إلى حد كبير.
    تجميع انتقائي، وحافل بالقفزات الزمنية، حتى مع التزامه نسبيًا بالتتابع المعروف لقصتها من الطفولة إلى الوفاة.
    ويمكن تقسيمه إلى خمسة مقاطع أساسية تستغرق قرابة 170 د: طفولة صعبة، علاقة غرام ثلاثية وماجنة مع شابين أحدهما نجل تشارلي شابلن، زواجها من لاعب البيسبول، ثم زواجها من الكاتب المسرحي آرثر ميلر، ثم فصل التدهور وعلاقتها بالرئيس كينيدي.
    ربما الخط الوحيد الجديد، والمأخوذ من الرواية غالبًا، كان علاقتها بأبيها المجهول، حيث ظلت تتخيل صوته وشكله وتسمعه وتخاطبه وتكتب إليه، وتتلقى منه رسائل بتوقيع "الأب الملتاع" قبل أن يتضح أن الرسائل كانت من عشيقها السابق كاس شابلن، وهي علاقة مختلقة على الأرجح.
    وكان من الممكن أن تؤسس الحبكة، وتنسج خيوطها، في قالب رحلة بحثها عن الأب المجهول والموهوم.

    الجنس المجاني
    لا أحد ينكر أن مارلين كانت مادة للجنس، وأيقونة له، وتعرضت لاستغلال، لكن الفيلم بالغ في هذا الجانب حد المجانية والابتذال، وأراد أيضًا لبطلته آنا دي أرماس، أن تستعرض عريها بجسدها النحيل الصبياني، يظهر الابتذال في مشاهدها في المقطع الثلاثي، وتعرّضها لما يشبه الاغتصاب المهين من أحد المنتجين، وفي الطريقة التي أخذت بها لـ"مداعبة" الرئيس في جناحها ووسط حرّاسه! حتى في مشهد الموت ظهرت عارية تمامًا.
    لو أخذنا الأمر بحسن نية كرسالة مضادة لتجارة الجنس داخل عاصمة السينما، إلا أنه لا يخلو من حس تسويقي للفيلم نفسه. وكأنه عاجز أن يقول شيئًا أكثر من كونها ممثلة متواضعة و"عاهرة" مرغوبة تبادلها ذئاب!
    حلم الأمومة
    إلى جانب خط علاقتها بأبيها، وهو أكثر ما يميّز الشريط، كان هناك حلم آخر مجهض يتعلق برغبتها أن تصبح أمًا، وللأسف تعرضت للإجهاض أكثر من مرة.
    أسهب الشريط في صور الأجنة، والحمل ومشاعر الأمومة، والإحباط، والإجهاض، والحوار بينها وبين طفلها الذي لم يولد.
    كان من الممكن أن تعتزل التمثيل والأضواء لو أنجبت طفلًا. عانت ذلك الشعور أنها لم تعش حياة حقيقية، لم تر أبًا حقيقيًا، ولا نالت حنانًا كافيًا من أمها المريضة نفسيًا.
    أرادت بشدة أن تنجب طفلًا وتصبح لديها أسرة مستقرة، لتمنح طفلها سعادة حُرمت منها.
    لكنها عانت في رحلتها المضطربة بين "مارلين" الشقراء المستعارة، والمستباحة ـ وهي مشهورة وثرية ـ وبين "نورما" الصبية الفقيرة اليتيمة والمستباحة أيضًا.
    توقعت أن يُنهي وجود طفل ازدواجيتها، وإحباطاتها، ويبادلها سعادة بسعادة... وللأسف هذا لم يتحقق. كأن المرأة التي نالت الشهرة والثراء والنفوذ وعاشت حياة البذخ والقصور، وفعلت كل شيء يمكن تصوره، حرمها القدر من حلمها الوحيد والحقيقي: أن تكون أمًا.
    ظلّت مجرد دمية بقناعين بائسين، تطاردها العدسات وفلاشات المصورين في مشاهد كثيرة، حتى وهي تسقط أرضًا وتتألم وتنزف، ما دفعها لتدمير نفسها ذاتيًا، للخروج من لعبتهم. فربما، عبر الموت، يسترد التعساء حرية ما... وسعادة ما.

يعمل...
X