طبرقيني: قصة البحر الذي يجمعنا» فيلم عن الهجرة بين إيطاليا وتونس
تونس ـ «سينماتوغراف»
في إطار بحثه السينمائي المستمر في الذاكرة الجماعية، قدم المخرج التونسي الحبيب المستيري مؤخراً فيلمه الوثائقي الطويل “طبرقيني: قصة البحر الذي يجمعنا”، وهو فيلم عن جزء مهم من تاريخ مدينة طبرقة التونسية التي كانت في إحدى مراحلها التاريخية قبلة المهاجرين الإيطاليين فأثرت فيهم وتأثرت بهم ولا زالت بعض الآثار السلوكية والحياتية شاهدة على ذلك.
والفيلم مدته 70 دقيقة وتمّ تصويره في إيطاليا وإسبانيا وتونس، ويتضمن شهادات لباحثين من تونس وإيطاليا وإسبانيا عن عائلة “طبرقيني”.
وهو عمل سينمائي يجسد رحلة عائلة “لوميني طبرقيني” الإيطالية التي سافرت من جنوة الإيطالية إلى مدينة طبرقة التونسية سنة 1541 أين استقرت وعاشت بهذه المدينة بين القرنين السادس عشر والثامن عشر.
وقدم هذا الفيلم في عرضه المحلي الأول في نوفمبر الماضي، ثم قدم في عرض عالمي بمدينة جنوة الإيطالية احتفالا بعيد الاستقلال التونسي في مارس الماضي.
ويؤكد الباحثون في الفيلم أن “طبرقيني” هم سكان “سان بيترو” و”سانت أنتيوكو” وهما جزيرتان من أرخبيل “سولسيس” في جنوب سردينيا الإيطالية، وهم أحفاد سكان جنوة الإيطالية، وهاجروا حوالي سنة 1540 إلى مدينة طبرقة التونسية لصيد المرجان. وهناك أسسوا مجتمعا كاملا خاصا بهم استمر حتى أوائل القرن الثامن عشر ميلادي ثمّ غادروا المدينة فرارا من سلطة الباي.
يروي الفيلم عن السكان أنهم جاؤوا إلى طبرقة لصيد المرجان والتجارة ولم يأتوا محتليّن. ويتحدّث الباحثون عنهم بالقول إنهم استطاعوا التأقلم مع طبيعة الحياة في مدينة طبرقة التي أصبحت مركزا تجاريا مزدهرا، تحت قيادة عائلة “لوميليني” ووصل عددهم إلى حوالي 1800 شخص، وقد شاركوا في صيد المرجان والتجارة في المنتجات الإقليمية، بما في ذلك القمح الذي كان يتم تصديره إلى مدينة جنوة الإيطالية، حيث كانت تونس في تلك الفترة تلقب بـ”مطمورة روما” أي “مخزن روما” لما تنتجه وتمتلكه من مخزون من الحبوب جعلها تصدره إلى إيطاليا.
وقد أنشأت عائلة “طبرقيني” مجتمعا أصليا استعار من البيئة المحلية بعضا من أساليب حياتها وعناصر ثقافتها، لكنها أخذت من التونسيين ما أعجبها وتأثرت به، حتى أن لغتهم الأصلية أصبحت غنية بالكلمات والمفاهيم المستعارة من اللغة العربية ومن السكان الأصليين.
وقال عنهم الباحث الإيطالي فيورنزو توسو، وهو مختصّ في الألسنية، إن الطبرقيني هي لهجة يجب الحفاظ عليها وهي لغة سافرت عبر البحر في تونس. فالطبرقيني لطالما تحدّثوا لهجة جنوة، ثم استوعبوا الثقافة المحلية في تونس وصاغوا لغة جديدة لم تتوقف أبدا عن التطور.
يذكر أن الحبيب المستيري هو من مواليد مدينة الشابة في تونس سنة 1959، وهو أحد المخرجين التونسيين الذين ساهمت تجربة الأندية السينمائية في صقل مواهبه وجعلته يتشبّع بأرضيتها الثقافية. متحصّل على ديبلوم الإخراج السينمائي والتلفزيوني من فرنسا، وقد ساهم في تسيير المهرجان الدولي لفيلم الهواة بقليبية، كما اهتمّ بكتابة المقالات الثقافية قبل أن يتفرّغ للإخراج.
ويشتغل المستيري كثيرا على حفظ الذاكرة المشتركة، وهذا الوثائقي الطويل الرابع في رصيده ويندرج ضمن إعادة إحياء تاريخ مشترك بين تونس وإيطاليا، فهو يروي قصة من قصص الهجرة الإيطالية نحو تونس انطلاقا من حكاية عائلة طبرقيني التي عاشت 200 سنة في مدينة طبرقة التي كانت آنذاك جزيرة تابعة لملك إسبانيا، قبل أن يهاجر البعض من أفراد العائلة نحو إسبانيا فيما عاد آخرون إلى إيطاليا.
وأشار المخرج إلى أن سلالة هؤلاء المهاجرين، تشبه التونسيين كثيرا، حيث تتميز لغتهم بمزيج من الإيطالية والعربية كما يشاركون التونسيين جزءا من التراث الغذائي وبعضا من العادات والتقاليد. حتى أنهم سعوا إلى تسجيل هذه التجربة الإنسانية المشتركة كجزء من التراث الإنساني لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونيسكو”.
ويعتبر المخرج أن الفيلم صورة مصغرة عن التراث غير المادي لملحمة “طبرقين” أو “تاباركين”، الذي يتم تناقله من جيل إلى جيل، توضيح جيد لأفضل ما يمكن أن يقدمه البحر المتوسط من حيث التضامن والثقافة المشتركة، ولهذا السبب يأتي هذا الفيلم لدعم طلب إدراج هذا التراث في التراث الثقافي غير المادي لليونسكو