"سليقة القمح" من الحقل إلى المائدة
- غسان علي
- 22 تمّوز 2008
القنيطرة
«مازالت قرانا وأريافنا تحتفظ بعادة "سلق القمح" التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، الذين جهدوا لتأمين مؤونة الشتاء منذ أيام الصيف، لتوفير البرغل بأنواعه لإعداد الأطعمة التي يدخل فيها القمح».
بحسب كلام السيد "سلمان علي" في لقاء مع موقع eQunaytra (يوم الجمعة 18/7/2008) مضيفاً:
بعد انتهاء موسم الحصاد والبيادر وجمع الموسم، تقوم النسوة بتحضير قسم من محصول القمح "للسليقة"، وعن طريقة تحضير "السليقة" يقول: تقوم النساء بتنظيف القمح المعد لذلك من الشوائب مثل الحصا الصغيرة والأتربة، بعدها يتم غسل القمح بالماء النظيف لعدة مرات حتى ينظف تماماً وتسمى عملية الغسل هذه "الصويل"، ومن ثم تأتي عملية سلق القمح بواسطة "الحلًة" الكبيرة وهي وعاء من النحاس أو الحديد يوضع القمح فيها ويضاف إليه كمية من الماء، ويوقد تحتها الحطب، وتحرك فترة الغليان حتى لا يلتصق القمح بالحلة، وتستمر عملية الغلي حتى درجة النضج، عندها يحضر الشباب والصبايا لنقل القمح المسلوق إلى أسطح البيوت، ويترك فترة حتى ينشف ويجف من الماء ويبرد، لتأتي مرحلة توزيع القمح وتعريضه لأشعة الشمس لأطول مدة زمنية ممكنة، فيفرش طبقة رقيقة ويحرك بين الفينة والأخرى إلى أن يجف تماماً ويصل مرحلة اليباس، ليصار إلى نقله لاحقاً إلى "المطحنة أو الجاروشة" حيث يتم جرشه.
سلمان علي
السيدة "أم علي" تقول: من عادة النساء في القرية "سلق القمح" لتأمين طعام العائلة في الأيام القادمة، وتضيف: اعتدنا على تحضير "البرغل والسميد وبرغل الكبة" من قمح حقولنا، بعد عملية جرش القمح نقوم بعملية فرز القمح المجروش إلى أنواع مختلفة مثل: "البرغل- السميد- برغل الكبة- برغل الطعام" بواسطة "الغربال" الخاص بكل نوع من البرغل، ولا أتذكر يوماً أنني اشتريت البرغل من السوق، صحيح أن العملية تأخذ وقتاً ويلزمها التفرغ والتعب، إلا أنني أجد في ذلك متعة وراحة.
بدورها وصفت السيدة "مشايخ" عملية "سلق القمح" بالطقس القروي والريفي الخاص، واهم ما يميز ذلك الأجواء العائلية التي تسود العمل، حيث تجتمع الصبايا والشباب لنقل القمح إلى سطح المنزل، ويساعد الجيران بعضهم بعضاً، ويفضل الكثير من الكبار والأولاد تناول "سليقة القمح" مباشرة بعد الاستواء، لأنها تمتاز بالكثير من اللذة ولها نكهة خاصة ومميزة، ويفضل الأولاد إضافة القليل من السكر فوقها ما يعطيها الطعم الحلو الذي يفضله الصغار. وتلتم الحارة بأكملها من اجل حجز الدور لسلق القمح لاحقاً، حيث تبقى "الحلة" في نفس الحارة حتى ينتهي الجميع من سلق محصولهم، بعدها تنقل إلى حارة أخرى من حارات القرية، ليتسنى للجميع سلق محصولهم من القمح.
ام علي ومشايخ
وتضيف السيدة "بسمة": إن التعب الذي يلزم لتحضير مؤونة البيت من البرغل والسيمد، ليس قليلاً ومع ذلك له متعة خاصة، لأن تأمين غذاء العائلة من أهم أعمال المرأة في القرية، التي تقف دوما إلى جانب الرجل في تأمين قوت البيت والأولاد.
**************************************============ ============**************************
سليقة القمح لتحضير البرغل.. عادة خريفية لا تزال قائمة في ريف قامشلي
10-10-2020
جل آغا بريف قامشلي- ربة منزل تتأكد من تنقية حبوب القمح قبل سلقها لتحضير البرغل- نورث برسجل آغا – نورث برس
بلهجتها المحلية ، تنادي منفية الحسن (60 عاماً)، وهي ربّة منزل من سكان بلدة جل آغا (الجوادية) في شمال وشرقي سوريا جارتها، لتطمئنها بأنّها استطاعت تأمين حلّة (وعاء) لسلق الحنطة.
وتجتمع النسوة كلَّ خريف لمساعدة بعضهن البعض لسلق الحنطة وتحضيرها لتخزين مؤونة عائلاتهن من البرغل.
وحجزت “الحسن” لها دوراً على القدر الكبير الذي يُسلق فيه القمح، وتقول لنورث برس إن تسميتها “الحلّة” تعود لمدينة الحلّة العراقية التي اشتهرت بصناعة الأواني الكبيرة لتحضير السليقة والمربيات والولائم.
وتتناوب العائلات على استعارة الحلّة من صاحبها ودياً كما كانت العادة قديماً في الأرياف أو بدفع الأجرة لصاحبها كما هو الحال الآن.
وتقول ربات بيوت في جل آغا إن الخريف يعطي البرغل لونه الطبيعي الذي سيفقد رونقه إن تأخرت عملية السلق.
وتنشغل “الحسن”، هذه الأيام، بإعداد السليقة لها ولجيرانها؛ لتستكمل مؤونتها الشتوية التي لا تُعدها كاملةً إلاّ بعد جرش القمح المسلوق وتحضير البرغل.
“يختلف نوع القمح المستخدم للبرغل والطحين؛ فلكلٍّ منهما نوع خاص يميزه عن الأخر.”
فالقمح “القاسي” الذي يتميّز بحبته الكبيرة ولونه الذهبي يستخدم للبرغل، بينما يحتاج الطحين لنوع القمح الطري “المكسيكي” والذي يتميّز بحبته الصغيرة الناعمة، حسب ما أوضحته “الحسن.”
وتقول ربّة المنزل: “تقوم راعية البيت بتنظيف قمحها بالماء قبل وضعه في الحلّة لسلقه حتى ينضج.”
وما إن تتصاعد النار ويتعالى الدخان حتّى يغلي الماء وتبدأ الحنطة بالنضوج على نارٍ هادئة بينما تقوم القائمات على سلقها بتقليبها داخل الحلّة.
ويجتمع الأطفال مع صحونهم الفارغة لينالوا حصتهم من السليقة التي يتناولونها مع الملح أو السمن البلدي، “وحتى الدجاجات قد تحصل على ما تبقى في الصحون”، بحسب “الحسن”.
“ويجتمع شباب البلدة الذين لا يتوانون عن مساعدة الفتيات في رفع القمح ونشله من الحلّة إلى سطوح المنازل أو نشره في فسحات البيوت.”
بهذا الطقس الريفي يتم نشر القمح؛ ليبدأ دور صاحبة البيت من جديد في فرشه لطبقاتٍ رقيقة وتقليبه حتى يجف.
وترى ربّة المنزل الستينية أن ” تدهور الظروف المعيشية دفع الناس للعودة إلى الاعتماد على مواسمهم لتأمين بعض احتياجاتهم في ظل غلاء الأسعار.”
بينما رأت خلفة الموسى (74 عاماً)، وهي ربة بيت من ريف جل آغا، أن هذه العادة تراجعت، “لكنّها لم تختفِ.”
وأضافت أن “إنتاج المنزل مكفول وهو أفضل من البرغل المتواجد في الأسواق هذه الأيام.”
إعداد: سلام الأحمد – تحرير: حكيم أحمد