خلاصة ما سبق ..​تاريخ العصر المملوكي- (12) ..جواهر​

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خلاصة ما سبق ..​تاريخ العصر المملوكي- (12) ..جواهر​


    التاريخ

    تاريخ العصر المملوكي .. (12)
    #جواهر_Mamluk_Dynasties
    ------------------------------------------------------------
    خلاصة ما سبق :
    نتج عن سقوط بغداد في ايدي التتار وانتهاء الخلافة العباسية أن الوحدة السياسية للمسلمين اصبحت من الأمور التي يستحيل تحقيقها .
    ومنيت الثقافة الإسلامية على أيدى التـار بخسارة كبيرة حين أتلف المغول آلافا مـن الكتب القيمة والمخطوطات النادرة ، وقتلوا كثيرا من العلماء والأدباء ، وشتتوا شمل من بقي منهم في مختلف البقاع الاسلامية .
    وجذبت مصر عددا كبيرا من هؤلاء العلماء، مما أدى إلى انتقال مركز الزعامة الفكرية الى القاهرة التي اضحت بحكم وضعها الجغرافي اقرب من بغداد الى أوروبا ، مما ساعد على اقتراب العالم الغربي من الحضارة الشرقية .
    كما استقبلت مصر أهل الحرف والصناعات وغيرهم من أهالي بلاد المشرق الإسلامي ، الفارين من النير المغولي ، فجلبوا معهم أسالیب بلادهـم الفنية ،وتأثر المعمار المصري بالفنون الفارسية والعراقية .
    وبعد أن كان العالم الإسلامي يقود الحضارة متمثلا في حاضرته الممتدة من سمرقند وبخارى شرقا إلى أشبيلية مرورا ببغداد و دمشق والقاهرة و العديد من عواصم العلم الإسلامية التي تتعاون فيما بينها و تتبادل كل جديد ؛ فإن سقوط بغداد وقيام دولة إيلخانات فارس على عهد هولاكو ، قد فصل أراضي شرق دجلة عن غربه ، و انفصلت ثقافة شرق العالم الإسلامي عن غربه ؛ وكان ذلك من عوامل انهيار الحضارة .
    أتم قطز استعداداته و تعبئة جيشه في وقت قصير ؛ و خرج في ( رمضان 658 هـ / أغسطس 1260م ) من مصر على رأس الجيوش المصرية ومن انضم اليه من الشام وغيرهم ، وأمر بيبرس البندقداري أن يتقدمه بفرقة من الجيش فتمكن من ان يلحق بطلائع المغول هزيمة ساحقة في غزة وأخذ يببرس يناوش العدو ويراوغه ليخفى عنه تحركات الجيش الرئيسي بقيادة قطز .
    ثم تقدم قطز عن طريق الساحل ، فعرج أولا نحو عكا لكي
    يتبين نيات الفرنج ، بينما تقدمه بيبرس إلى سهل عين جالوت ؛ ولحق به قطز ببقية الجيش و عملا على إخفاء أغلبية القوات بين التلال و الأشجار المحيطة بالسهل تمويها على التتار .
    وفي صباح يوم الجمعة الموافق (3 سبتمبر سنة 1260 م / 26 رمضان سنة 658 هـ ) ألتقى الجمعان المغولي والمملوكي في معركة عامة عند عين جالوت .
    واستدرج بيبرس بفرقته التتار إلى قلب السهل حسب الخطة الموضوعة ؛ و بلحظة معينة دقت الطبول دقات معلومة فنزلت بقية الجيش من التلال و أحاطت بالتتار من جميع الإتجاهات ؛ و دارت مقتلة عظيمة و قتل قائدهم كتبغا نوين و أسر ابنه ، و بجهد كبير شق التتار جانبا من الحصار وولوا مدبرين .
    ثم عاد المغول وانتظموا ثانية عند بیسان فاشتبك معهم المصريون في معركة ثانية ، واشتدت وطأة القتال ، وعاد السلطان قطز يصيح صيحة عظيمة سمعها معظم العسكر وهو يقول « واإسلاماه » ثلاث مرات ، « يا الله !! انصر عبدلك قطز على التتار » .
    عند ذلك مالت كفة النصر الى جانب الجيوش المصرية ، وانتهى أمر هذه الواقعة الدامية ؛ ولم يسلم من التتر من يرد الخبر إلى هلاوون (هولاكو) ، ولكن قتل الجميع ولم يرد خبرهم الا من كان مقيما بدمشق او حلب كما يقول صارم الدين أزبك
    كانت وقعة عين جالوت الحلقة الأولى في سلسلة الوقائع بين التتار ودولة المماليك ، كما أنها تعتبر تجربة حربية خطيرة بين أسلوبين وفنين من فنون الحرب في العصور الوسطى .
    ومن الواضح أن هـذه الواقعة التي انتهت بهزيمة المغول لأول مرة في تاريخهم ، بددت عقدة المناعة الحربية التي كانت سر انتصاراتهم منذ أيام جنگیز خان ، فانقشعت عن العالم خرافة الإعتقاد بأن المغول قوم لا ينهزمون • (*1)
    ---------------‐----------------------------------------------------
    أخذ قطز يعمل على إعادة الأمن إلى نصابه في جميع المدن الشامية ، ومن سخرية الحوادث انه أخذ يعيد بعض امراء البيت الأيوبي الى ممالكهم الصغيرة في الشام مثل الملك المنصور صاحب حماة ، والملك الاشرف موسى
    صاحب حمص ، بعد أن أخذ عليهم المواثيق بالولاء ، ويدفع الجزية (*2) .
    كما أنه أنعم على أعوانه أمراء المماليك ، فأقطع الأمراء الصالحية والمعزية إقطاعات جليلة بالشام (*3) ، ورتب الأمير شمس الدين قوش البرلي العزيزي أميرا بالساحل وغزة ومعه عدة من المماليك العزيزية .
    ..........
    *لفظ البرلي محرف من برونلو التركي ومعناه ذو الأنف الكبير أو الأحمر .( المقريزي - السلوك ـ ج 1 ، حاشية ص ٤٢٣)
    *المماليك العزيزية هم مماليك الملك العزيز محمد صاحب حلب ، وقد انتقلوا بعد وفاته إلى خدمة ابنه الملك الناصر
    يوسف، وفي اثناء واقعة العباسة التي دارت بين الناصر وأيبك في فبراير سنة (١٢٥٤م /رجب ٦٤٨ هـ) تآمر البرلي
    وجماعة من العزيزية على ابن استاذهم وصاروا مع أيبك . ثم أنهم قصدوا بعد ذلك إغتيال أيبك ، وعلم بهم ، فقبض على بعضهم ، وهرب البعض الآخر . وكان البرلى من جملة من سلم وهرب إلى الشام ، فلما وصل إلى الملك الناصر اعتقله بقلعة مجلون . وعندما اجتاح التتار الشام ، اطلـق الناصر سراحه قبل فراره من دمشق . فالتجأ البرلي واصحابه الى مصر
    واشترك في واقعة عين جالوت و كافأه قطز بعد انتصاره فولاء الساحل وغزة وصار مقره نابلس .
    (انظر ، ابو الفداء - المختصر في اخبار البشر - ج۳، ص ٢١٥ )
    .........
    وأقام قطر الأمير علم الدين سنجر نائبا له في دمشق . أما مدينة حلب التي أضحى صاحبها الملك الناصر الأيوبي أسيرا عند التتار ، فقد منح قطز نيابتها إلى الملك السعيد علاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ الذي فضل أن يترك بلاده ـ الموصل ـ عن الإعتراف بسيادة هولاكو ..(*4) .
    وكان هدف قطز من تلك المنحة ، أن يصبح الملك السعيد وسيلة لتتبع حركات المغول وأخبارهم عن طريق مكاتباته مع أخيه الصالح بن لؤلؤ صاحب الموصل (*5) .
    على أذن تلك المنحة أدت الى هلاك قطز ، إذ أن الأمير بيبرس البندقداري ـ الذي ابدي شجاعة في عين جالوت لا تقل عن شجاعة السلطان نفسه - كان يطمع في نيابة حلب ، وطلبها فعلا من قطز ، فلما رفض السلطان أن يجيبه إلى طلبه ، تنكر له بيبرس ، واتفق مع جماعة من الأمراء على قتله وظل يترقب الفرصة لتنفيذ غرضه .
    ثم وانته الفرصة اثناء عودة السلطان إلى مصر وخروجه للصيد بالقرب من الصالحية ، ففي اثناء رجوعه من صيده يريد الدهليز السلطاني ، وثب عليه بيبرس في عدة من المماليك ، وقتلوه بسيوفهم في ٢٢ اكتوبر سنة ١٢٦٠ م / ١٥ ذي القعدة سنة ٦٥٨ هـ ) (*6) .
    واتفق الأمراء بعد ذلك على بيبرس فاقاموه سلطانا ولقب
    بالملك الظاهر . ثم سار السلطان الجديد في الجيوش حتى دخل مدينة القاهرة بلا مقاومة وجلس في إيوان القلعة بدست المملكة في ٣٠ أكتوبر ( ١٩ ذي القعدة ) من نفس السنة (*7) .
    وهكذا اغتيل السلطان قطز ، صاحب الفضل في تدعيم الدولة
    المملوكية من الناحية الخارجية ، ولم تستقبله مملكته استقبال الفاتـح المنتصر ، فحرم بذلك من لذة التمتع بثمرة انتصاره . (*8)
    ويروى أبو المحاسن(*ابن تغري بردي) أن قطز « بقى ملقى بالعراء ، فدفنه بعض من كان في خدمته بالقصير ، وكان قبره يقصد للزيارة دائما ..... وكان كثير الترحم عليه والدعاء على من قتله ، فلما بلغ يبرس ذلك ، أمر بنبشه ، ونقله الى غير
    ذلك المكان* ، وعفى أثره ، ولم يعف خبره (*9)
    ........
    *يروي المقريزي ( السلوك ج١ ص ٤٣٥ ) – " وحمل قطر بعد ذلك إلى القاهرة ، فدفن بالقرب من زاوية الشيخ تقي الدين قبل أن تعمر ، ثم نقله الحاج قطر الظاهري الى القرافة ودفن قريبا من زاوية ابن عبود .
    ........
    أما أسباب مصرع قطز فلا شك أنها أعمق بكثير من قصة رفضه نيابة حلب لبيبرس ، وأن هذا الرفض لم يعد أن يكون سببا مباشرا لمقتله عند الحدود المصرية .
    والواقع أن تلك الأسباب قديمة ترجع إلى أيـام السلطان أيبك وتشريده معظم المماليك البحرية الصالحية ، وقتله زعيمهم
    أقطای ، اذ صار مماليك أيبك وهم المعزية ومنهم قطز ، أصحاب النفوذ والسلطان في مصر ، واستمر العداء بين المعزية والبحرية قائما حتى أغار المغول على مصر ، فاضطر المماليك جميعا إلى الاتحاد..
    بدليل قول العيني(*بدر الدين) أن المماليك البحرية إنحازوا إلى قطز المعزي « لما تعذر عليهم المقام بالشام وللتناصر على صيانة الاسلام ، لا لأنهم أخلصوا الولاء له » (*10)
    فلما انتصر المماليك على المغول في عين جالوت ، ولم تبق هناك ضرورة للإتحاد ، ظهر العداء القديم بين الطائفتين من جديد ، وكان من نتائج ذلك مقتل قطز المعزي على يد بيبرس الصالحي .
    وهذا هو المعنى الحقيقي آورده ابن ابی الفضائل تعقيبا على مقتل قطز حين قال « ۰۰۰۰۰ فلحق الناس خوف عظيم من عودة البحرية الى ما كانوا عليه من الفساد » (*11)
    وروى ابن إياس في هذا الصدد ـ « ولما تم أمر بيبرس في السلطنة ، بإحضار المماليك البحرية الذين كانوا منفيين في البلاد » (*12) .
    كما روى في موضع آخر وكذلك المقريزي ، أن المماليك المعزية حاولوا إغتيال بيبرس عقب عودته الى القاهرة ، فقتل بعضهم ، وسجن ونفى البعض الآخر (*13) •
    وهذه النصوص ان دلت على شيء فانما تدل على ان مقتل قطز كان نتيجة لعداء قديم مستحكم بين المماليك البحرية الصالحية والمماليك المعزية •
    وعن مقتل قطز يحدثنا الدكتور محمد سهيل طقوش فيقول :
    زال الخطر المغولي الذي أجبر المماليك جميعاً على الاتحاد،
    فتجددت النزاعات بين قطز ومماليكه المعزية من جهة وبين المماليك البحرية بقيادة الأمير بيبرس البندقداري من جهة أخرى. وكان الأمير بيبرس يتحين الفرصة للتخلص من قطز لسببين :
    ▪︎الأول : أنه أراد الانتقام لمقتل أقطاي الذي شارك قطز في قتله .
    ▪︎الثاني : أنه استاء من تراجع قطز عن وعده بمنحه نيابة حلب إذا انتصر على المغول .
    ومن جهته، فقد اشتد ارتياب الملك قطز في بيبرس، فاحترس منه، وكان يتجنبه ما استطاع، ويذكر العيني: «أن المماليك البحرية دفعت بيبرس للإقدام على اغتيال قطز» .
    والواقع أن الخلافات بين الزعماء المماليك ترجع إلى أسباب مادية تتمثل في الصراع على السلطة، وأن قطز أظهر قصر نظر في الحقل السياسي حين تجاهل مكانة بيبرس التي ارتفعت بعد معركة عين جالوت .
    وكان أن صمم بيبرس على الانتقام من قطز، فدبر مؤامرة مع أمراء البحرية لقتله في أول فرصة مناسبة.
    وقد تظاهر بيبرس برغبته في تقبيل يد الملك، وكانت إشارة لجماعة المتآمرين. فقبض بيبرس على يده ليمنعه من الحركة في حين انهال عليه بقية الأمراء بسيوفهم ورماحهم، وألقوه عن فرسه حتى أجهزوا عليه .
    عندئذ انطلقت جماعة المعارضة إلى المعسكر وأعلنت نبأ مقتل الملك قطز، وكان ذلك السبت في (١٥ ذي القعدة عام ٦٥٨ هـ/٢٢ تشرين الأول عام ١٢٦٠م)(*14) .
    إن قيمة المظفر قطز هو أنه صاحب الفضل في وقف الزحف المغولي الجارف على ما تبقى من العالم الإسلامي، كما يعتبر أول من أرسى دعائم حكم دولة المماليك البحرية في مصر وتأمين الحماية لها من الخطر الخارجي المتمثل بالمغول..
    كما شهد قطز أول دخول مملوكي رسمي إلى بلاد الشام مما سيكون له أثر في تدعيم الوحدة الإسلامية على يد خلفائه تمهيداً لاستمرار مقاومة المغول، ولطرد بقايا الإمارات الصليبية من الشرق .
    ---------------‐----------------------------------------------------
    نتائج معركة عين جالوت
    تعتبر معركة عين جالوت إحدى الوقائع التاريخية الهامة، وترتب عليها نتائج بالغة الأهمية، أهمها :
    ▪︎لقي المغول، لأول مرة في تاريخهم في الشرق، هزيمة حاسمة وتعرض جيشهم للدمار التام، وقضى المماليك على الخرافة القائلة بأن المغول قوم لا يغلبون.
    ورغم أن الهزيمة لم تلحق بشخص هولاكو، إلا أنها كانت، على أي حال، ضربة قاسية أنزلها المماليك بجيوش المغول.
    ويعتبر مقتل كتبغا صدمة أصابت هولاكو بدليل أن ما إن بلغه مقتل قائده حتى تأثر تأثراً شديداً، وصمم على الإنتقام . فأراد أن يرسل حملة جديدة إلى بلاد الشام ومصر من أجل هذه الغاية ، غير أن الظروف السياسية التي كان يمر بها والتي تمثلت بوفاة الخان الكبير منكو والتنازع الأسري حول خلافته لم تمكنه من ذلك .(*15)
    ▪︎سيطر المماليك، بعد عين جالوت، على بلاد الشام كلها حتى نهر الفرات (*16) ، وحققوا وحدة بلاد الشام ومصر بعد أن أدى ضعف أبناء صلاح الدين وتنازعهم إلى تمزيقها.
    والجدير بالذكر أن هذه الوحدة كانت ضرورية لمواجهة
    الأخطار التي جابهت المسلمين في الشرق الأدنى (*17)
    ▪︎الواقع أن ما أحرزه المماليك من انتصار في عين جالوت، أنقذ الإسلام والمسلمين من أشد ما تعرضوا له من أخطار. فلو قدر للمغول أن ينتصروا ويتوغلوا داخل مصر لما بقي للمسلمين في العالم دولة كبيرة شرقي بلاد المغرب .
    ومع أن المسلمين في آسيا كانوا من وفرة العدد ما يمنع من استئصال شأفتهم ، فإنهم لم يعودوا يؤلفون العنصر الحاكم. ولو انتصر كتبغا في المعركة لازداد التعاطف المغولي مع المسيحيين (*18)،
    ▪︎كما أنقذ المماليك أوروبا من خطر المغول . فبعد أن امتد
    النفوذ المغولي إلى أوروبا الشرقية تطلع المغول إلى احتلال مصر نظراً لموقعها الاستراتيجي في التمدد غرباً باتجاه شمالي أفريقيا وشمالاً باتجاه أوروبا.
    وكان هولاكو، وخلفاؤه من بعده، يفكرون في اجتياح أوروبا كلها بعد سيطرتهم على الشرق الأدنى (*19)
    ورأى المماليك بدورهم أن يعملوا على كسر شوكتهم ووقف تقدمهم الجارف والانتقام منهم دفاعاً عن العالم الإسلامي، لذلك استمر العداء مستحكماً بين المماليك وإيلخانات فارس خلال عهود خلفاء قطز .
    ▪︎أدى انتصار المماليك في عين جالوت إلى احتفاظ مصر بما لها من حضارة ومدنية، فلم تتعرض لما تعرضت له بغداد من الدمار والخراب، وأضحت القاهرة قبلة العلماء والأدباء يجدون فيها التشجيع والتكريم مما يحفزهم على التأليف والتدوين .
    ▪︎جعلت معركة عين جالوت سلطنة المماليك القوة الأساسية في الشرق الأدنى في القرنين التاليين إلى أن قامت دولة الخلافة العثمانية(*20) .
    ▪︎حققت دولة المماليك الناشئة الدعامة التي تعتمد عليها في البقاء في الحكم. والجدير بالذكر أن المماليك الذين استأثروا بحكم مصر في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، كانوا مغتصبين للسلطة من أصحابها الشرعيين، فضلا عن كونهم مجرحين بسبب أصلهم غير الحر، وكانوا عند تأسيس دولتهم بحاجة ما للقيام بعمل كبير يضفي عليهم نوعاً من التشريف، ويكسب حكمهم قسطاً من الأهمية والشرعية، ويجعله مقبولاً من عامة المسلمين، بعد قيام المعارضة من قبل أنصار الدولة الأيوبية في مصر والحكام الأيوبيين في الشام.
    من هنا، تبدو أهمية انتصارهم في عين جالوت، لأن هذا الانتصار حقق لهم أمانيهم، وأظهرهم بصورة الدرع الواقي، والسد المنيع للعالم الإسلامي، والقوة الوحيدة التي تتمكن من
    الوقوف في وجه المغول، وصدهم، بل كسر شوكتهم (*21) فانتهت الزعامة الأيوبية تماماً من بلاد الشام، واستطاع المماليك توحيد مصر وبلاد الشام في دولة واحدة .
    وأخذت الدول الإسلامية تنظر إليهم نظرة كلها إجلال وتقدير وعطف، وتعترف بالدور الكبير الذي قاموا به في الدفاع عن الإسلام . (*22)
    ▪︎بعث النصر في عين جالوت روحاً جديدة في المسلمين، خاصة مسلمي إيران الرازحين تحت الحكم المغولي، فقوي موقفهم، وتمكنوا من الصمود أمام تحديات المسيحيين، كما نافسوهم في تبوء الزعامة والصدارة في دولة المغول
    الإيلخانيين في إيران ..
    وقد شجعهم هذا النصر على دعوة المغول إلى الدين الإسلامي، حتى تكللت مساعيهم بالنجاح، وأضحى الإسلام ديناً رسمياً لدولةالمغول الإيلخانيين
    ▪︎لقد توطدت العلاقات بين الحكام المماليك وبين الحكام المسلمين من المغول في بلاد القبجاق ، وتحالف الفريقان ضد عدوهما المشترك المتمثل في أسرة هولاكو بإيران .
    ▪︎أدى انتصار المماليك في عين جالوت إلى فشل سياسة الصليبيين في الشرق الأدنى القاضية بالتحالف مع المغول ضد المسلمين، وإلى تعجيل زوال الإمارات الصليبية في بلاد الشام .
    ---------------‐----------------------------------------------------
    ركن الدين بيبرس البندقداري الصالحي النجمي
    658 - 676هـ/1260 ـ 1277م
    كان من الطبيعي أن تؤول السلطة، بعد مقتل قطز، إلى قاتله الأمير بيبرس البندقداري الذي أضحى أقـوى الأمراء البحرية من ناحية، فضلا عن مواقفه الشجاعة في مواجهة المغول من ناحية أخرى .
    ومن الأمور المألوفة في العصر المملوكي أن يحل القاتل محل القتيل في سدة الحكم ما دام قد أظهر الشجاعة والتفوق على زملائه الأمراء، لكن هذه الظاهرة لم تطبق بالضرورة في مختلف عهود الحكام المماليك(*23) كما سنرى في فصول قادمة .
    وقد اتفق الأمراء الذين اشتركوا في قتل قطز على سلطنة
    بيبرس فلما اتجهوا إلى الدهليز السلطاني (*24) قابلهم الأتابك الأمير أقطاي المستعرب ، فأخبروه بما فعلوا، وعندئذ سألهم: « من قتله منكم ؟ ».
    فقال بيبرس : «أنا قتلته». فرد عليه : «یا خوند(*25)، اجلس في مرتبة السلطنة مكانه، فجلس»
    ثم بايعه، وتبعه سائر الأمراء والجند، وهو كان لا يزال بالصالحية، وحلفوا له جميعاً أن لا يخونوا ولا يثبوا عليه(*26) .
    ويذكر ابن إياس، أنه لما قتل قطز، انطلق الأمراء الذين اشتركوا في اغتياله ، وهم شاهرون سيوفهم، إلى أن وصلوا إلى الدهليز السلطاني بالصالحية، «فجلس الأمير بيبرس على مرتبة السلطان قطز، وأخذ المملكة باليد»(*27).
    ومهما يكن من أمر، فقد فرض بيبرس نفسه على الساحة السياسية وتربع.على سدة الحكم، فاضطر الأمراء إلى مبايعته والاعتراف بسلطنته، خشية سطوته، ولم تبرز في وجهه أية معارضة من جانبهم .
    ولما كان تثبيت الحاكم الجديد لا يتم إلا بدخول السلطان المبايع له، إلى القلعة لإجراء مراسم التنصيب، فقد توجه بيبرس إلى القاهرة، ووصلها ليلة الاثنين (التاسع عشر من شهر ذي القعدة عام 658 هـ/ شهر تشرين الأول عام 1260م)،
    فاستقبله الأمير عز الدين أيدمر على مدخلها، فدخلها وجلس على سدة السلطنة وتلقب بـ «الملك القاهر» (*28) .
    وكانت القاهرة قد تزينت، واستعد سكانها لاستقبال المظفر قطز الذي يمثل رمز المقاومة ضد المغول، فإذا بالمنادي يطوف في شوارعها وهو يصيح : «ترحموا على الملك المظفر، وادعوا لسلطانكم الملك القاهر ركن الدين بيبرس»،
    فأصاب الناس غم شديد عندما سمعوا الخبر، لأن بشرى الانتصار على المغول جاءتهم مقرونة باسم الملك المظفر قطز، بالإضافة إلى أنهم لم ينسوا ظلم البحرية وعسفهم من قبل، فخشوا من عودتهم إلى السلطة»(*29) .
    وكان من بين من حضر مراسم التنصيب الصاحب الوزير زين الدين يعقوب ابن الزبير، فأشار على بيبرس أن يغير اللقب، لأنه ما تلقب به أحد فأفلح .
    استجاب بيبرس لنصيحته فأبدله بلقب «الملك الظاهر»، وأمر المنادي بأن يطوف في شوارع القاهرة ويدعو للملك الظاهر (*30) .
    اتصف بيبرس بالحزم، وعلو الهمة، والبأس الشديد، وبعد النظر، وحسن التدبير، واجتمعت فيه صفات العدل والفروسية والإقدام. فلم يكد يستقر في الحكم حتى اتخذ عدة إجراءات تنفيذية بهدف تثبيت أقدامه في السلطة، وتحصين الدولة الناشئة، وإعطائها صفة الاستمرارية، منها :
    ▪︎التقرب من الخاصة والعامة فبعد توليه السلطة، أخذ بیبرس يتقرب من الخاصة والعامة، ليستقطب الأمراء
    وليلتف الناس حوله ويدعموا حكمه. فأقدم أولاً على توزيع المناصب على الأمراء الذين يثق بهم .
    فعين الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب أتابكاً للعسكر، والأمير لاجين دواداراً كبيراً (*31) ، وبلبان الرشيدي دواداراً ثانياً، والأمير بهاء الدين يعقوب الشهرزوري أمير آخور كبير (*32)، والأمير أيبك الأفرم أمير جاندار"، .(*33) ، وغيرهم من الأمراء الـذيـن سـانـدوه في حركته الانقلابية.
    وبذلك يكون قد أرضى الأمراء واستقطبهم وحال بينهم وبين تدبير المؤامرات . وسانده هؤلاء في إدارة شؤون الدولة، فكانوا خير معين، وقد شكل ذلك عاملا من عوامل استقرار الدولةالداخلي
    ▪︎ وأقدم : بيبرس على تخفيف الضرائب عن السكان؛ فألغى ما كان قد أحدثه المظفر قطز من ضرائب بحجة محاربة المغول.
    ▪︎ كما عفا عن السجناء السياسيين وأفرج عنهم، وكان من بينهم الملك المنصور نور الدين علي وأمه وأخوه، إلا أنه
    نفاهم إلى بلاد البيزنطيين (*34)
    وكانت هذه الخطوة الثانية التي نفذها لتدعيم حكمه، ولم يشهد عهده أية حركة اجتماعية تذكر .
    ---------------‐----------------------------------------------------
    الهامش لم يستكمل بعد فنرجو عدم النسخ و تعريض صفحاتكم للبلاغات من طرفنا #جواهر_الأدب_والتاريخ
    --------------‐-----------------------------------------------------
    (*1) انظر د. أحمد مختار العبادي ، قيام دولة المماليك الأولى طبعة دار النهضة ١٩٨٦ القاهرة ، ص 155 - 170
    أو الفقرة السابقة تاريخ العصر المملوكي (11)
    (*2) راجع ...
    Lane-Poole A History of Egyptin in the middle ages p. 262
    (*3) المقريزي - السلوك - ج1 ، ص ٤٣٢
    (*4 ) انظر
    ( Ency, of Islam, Art : Kutus. ) ......
    (*5) أبو الفداء ـ ج ۳ ، ص ٢١٦ .
    (*6) المقريزي - السلوك - ج1 ، من ٤٣٥ .
    (*7) المقريزي - السلوك - ج1 ، ص ٤٣٧ .
    (*8) راجع ........ ( .644 .Camb, Med. Hist. IV, p )
    (*9) أبو المحاسن - النجوم الزاهرة – ج7 ص ٨٦ – ۸۷ ، راجع أيضا ( الكتبي -- نوات الوفيات - ج۲ ص ۱۳۳ ) .
    (*10)عقد الجمان ـ (الجزء الخاص بحوادث 656 - 673 هـ)
    (*11) ابن أبی الفضائل - النهج السديد ص ٤٠٩ – ٤١٠ ، انظر كذلك ( المقريزي - السلوك ـ ج1 ، ص ٤٣٧ ) .
    (*12) ابن إياس ـ بدائع الزهور ـ ج1 ، ص ۹۹ – ۱۰۰ ۰
    (*13) ابن إیاس ۔ بدائع الزهور - ج1 ، ص ۱۰۰ ، المقريزي -
    السلوك ـ ج1 ، ص ٤٤٧
    ------
    (*14) النويري: ج۲۹، ص ٤٧٧ ـ ٤٧٨. المقريزي : ج1، ص434 ـ 435. وقارن بابن عبد الظاهر :
    ص67 - 68 ، الذي يذكر أن الأمير بيبرس هو الذي ضرب الملك قطز وقتله .
    --------------
    (*15) رشيد الدي نخان : ص۳۱۷،فؤاد عبد المعطي الصياد : ص314.
    (*16) ابن كثير البداية : ج۱۳ ص۲۲۱. المقريزي السلوك : ج1، ص431.
    (*17) الصياد : ص315 - 316.
    (*18) رئسيمان: ج۳، ص٥٣٧ - ٥٣٨.
    Brown: Literary Hist. of persia, III p6. Camb Med Hist. vol VI pp28, 43-44 .
    (*19) رنسیمان: ج۳، ص۵۳۸.
    (*20) عاشور : العصر المماليكي، ص٣٦ - ۳۷.
    (*21) الصياد : ص۳۱۷ - ۳۱۸.
    ----------
    (*23)عاشور : العصر المماليكي، مرجع سابق، ص۳۹.
    (*24) الدهليز السلطاني هو المعسكر الذي يقيم فيه السلطان إذا خرج للحرب أو للصيد .
    (*25) خوند: كلمة تفيد معنى الاحترام .
    (*26) المنصوري، ص٤٥. النويري : ج۳۰، ص۱۳ - ١٤ ، المقريزي : السلوك، مصدر سابق : ج1 ، ص٤٣٦.
    (*27) ابن إياس: جا قسم۱ ص۳۰۷.
    (*28) المقريزي: ج۱، ص٤٣٧.
    (*29) المصدر نفسه .
    (*30) النويري : ج۳۰، ص١٤.
    (*31) الدوادار : لقب يطلق على الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير أو غيرها، ويتولى أمرها مع ما ينضمإلى ذلك من الأمور اللازمة لهذا المعنى من حكم وتنفيذ أمور وغير ذلك بحسب ما يقتضيه الحال .وهو مركب من لفظين: أحدهما عربي وهو الدواة، والمراد التي يكتب منها، والثاني فارسي وهودار، ومعناه ممسك كما تقدم، ويكون المعنى ممسك الدواة. القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، جه، ص٤٣٤.
    (*32) أمير آخور هو الذي يتحدث على اصطبل السلطان أو الأمير، ويتولى أمر ما فيه من الخيل والإبلوغيرهما مما هو داخل في حكم الاصطبلات، وهو مركب من لفظين أحدهما عربي وهو أمير ، والثاني فارسي وهو آخور ... ومعناه المعلف، والمعنى أمير المعلف لأنه المتولي لأمر الدواب وأهم أمورها المعلف . أما السر آخور فهو الذي يتحدث على علف الدواب من الخيل وغيرها. وهو مركب من لفظين فارسيين أحدهما سرا ومعناه الكبير، والثاني خور ومعناه العلف ويكون
    المعنى كبير العلف، والمراد كبير الجماعة الذين يتولون علف الدواب . القلقشندي : ج4 ص٤٣٣، جه، ص٤٢٢ ـ ٤٢٣.
    (*33) أمير جاندار وهو لقب يطلق على الذي يستأذن على الأمراء وغيرهم في أيام المواكب عند الجلوس بدار العدل. وهو مركب من ثلاثة ألفاظ : أحدهما عربي وهو أمير . . . والثاني جان ومعناه الروح بالفارسية والتركية، والثالث دار ومعناها ممسك . فيكون المعنى الأمير الممسك للروح . . . وهو الحافظ لدم السلطان، فلا يأذن عليه إلا لمن يأمن عاقبته . المصدر نفسه، ص433.
    (34) ابن تغري بردي : ج۷، ص۱۰۳. ابن إياس : ج1 ، قسم۱، ص۳۱۱.
    ☆ أحمد مختار العبادي ، قيام دولة المماليك ص 170 - 174
    ☆ محمد سهيل طقوش تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام والجزيرة ص 80 - 89



يعمل...
X