التشكيلي فريد شنكان تجربة تحاكي بالرمز الجمال
الرمز في الفنون التشكيلية، هو العنصر الذي يحرّك الذهن نحو المخيّلة حتى تغوص به وتبتعد مع حدوده الخارقة خاصة إذا ما كان هذا الرمز مرتكزا على التراث وخصوصياته المختلفة من زخرف وزينة وعلامات وألوان وحروف وأرقام، لذلك ومهما كان الأسلوب الفني المعتمد للإنجاز البصري، فإن الرمز يبقى أساس الفكرة ومُحرّك المفهوم فهو يقتفي آثار اللامرئي ويتّبع تلك الماورائيات لتصميم توليفاته الجمالية والحسيّة والفكرية، وهي الفلسفة البصرية التي تبناها ببساطة متقنة ومرح مبهج التشكيلي السوري فريد شنكان وهو يوظّف الرمزية التراثية وعلامة التاريخية والملامح والألوان والخطوط ويجادل حركاتها التعبيرية حسب مزاجه الحسي والفني والأسلوبي الغارق في انتمائه لها والمخلص لتفاصيلها والمجدّد لمفاهيمها بما يقترن وإحساسه بالواقع المعاش.
فهو الدمشقي الذي اختار الغوص في التراث كخبير ومختص في فنون الأرابيسك والفسيفساء والخط العربي ساعدته خبرته على تتبع أثر الجمال التراثي وعلاماته من خلال عمله في ترميم البيوت الشامية القديمة بمعالمها المتنوعة وهو ما ساعد توجهه البصري على السير نحو الجماليات الخالدة التي وظّفها في لوحاته التشكيلية ليثبت بصمته وهويته وخصوصيته.
فشنكان يعتبر الرسم حركة موسمية كالفصول الأربعة بألوانها وتنوعها وحدّتها التي تتناقض بين الهدوء والصخب بين النور والنار وبين القحط والخصب، إذ يعتمد على كل الألوان ويجادل بها الحكايات المنفلتة من ثقوب الذاكرة في كل ما رسخ منها وطفح عنها من تفاصيل اتكأ فيها على اللونين الأبيض والأسود حتى يسرد ثنائيات الحياة والموت أو الفرح والحزن، فقد وظّف تقنياته وتجادل مع أفكاره وأحاسيسه وانطلق أبعد بين الأكريليك والزيتي وبين الفحم والألوان المائية وبين القماش والورق.
فهو المنقاد مع خياله الذي استدرجه إلى مسطح اللوحة ومنها صنع رموزه التي استلهمها من الموروث التاريخي والارث الإنساني والتراث الشعبي.
تبدو هذه الرموز التي يقدّمها شنكان ذات خصوصيات بارزة استطاع من خلال مشواره الفني والجمالي معها أن يكتسبها ويصقلها على طريقته الفنية ويوازي بينها وبين ثقافته ليشكّلها بخصوصية ميّزت الثراء التعبيري في لوحته التي تعامل معها كمعلم أثري يحتاج إلى كل صنوف التميز الزخرفي الذي يختزل تاريخا حضاريا وثقافيا تجوّل بين أزمنته وعبر بين حكاياته منذ الحضور الأول للإنسان في أرضه.
يحيل التأمل في أعمال شنكان إلى تفرّع محوري وتبادل فكري بلغة اللون والزخرف والشكل والحضور فهو يجيد تصميم اللوحة وفق مزاجه الجمالي الذي يرشح صورا ومخزونا بالغ التأثير وعلامات ورموز غارقة في تاريخ سورية القديم والكلاسيكي ذي الخصوصية الشامية والدمشقية باختلاف الاتجاهات التي اهتم بتراثياتها مع الجمع بين الأسلوب التشكيلي وأسلوب التصميم والترتيب والترميم حاكى شخصياته الإنسانية والخيالية بملامحها المتفاعلة مع كل ركن صمّمه وأثّثه ليعالج انغماسه في حضوره على مسطح الواقع الذي اختاره فيه وهو يرمّم حالاته ويطابقها في حركة تجريبية على واقعه الحالي وكأنه يخبر المتلقي ضمنيا أن تلك الشخوص هي الأثر والآثار وهي المشاركة والمزخرفة وهي الشاهد والمراقب استدرج كل ذلك حتى يكسب العمل لمسات معاصرة من خلال تطبيق المفهوم تجريبيا ويقدّم تصوراته المتفرّدة برموزه التي تتماهى بين الهندسي والزخرفي بتكوينات متلاطفة ومتصادمة ومتجانسة مدروسة في علاقتها بفكرة العمل وإيقاعه الحسي.
فالتجانس الانفعالي والتفاعل الحسي خلق عنده محاورات جمالية جمعت بين المتلقي وبين موروثه بشكل حكيم وبمثيرات متوافقة معا خدمة للفكرة الفنية ودلالاتها، مكّنته من تنفيذ طقوسه الدمشقية.
بشرى بن فاطمة