الأثاث الدمشقي… فنٌ يُصدِّر هوية المدينة الثقافية
يعد تصميم الأثاث نموذجاً مصغراً عن التصميم المعماري بشكل عام. فكلاهما يحمل المفاهيم نفسها من زاوية ونطاق مختلفين، وكلاهما يشمل التعامل مع التفاعلات البشرية، فالأشخاص يتفاعلون مع المباني بالطريقة نفسها التي يتفاعلون فيها مع الأثاث، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف مستوى هذا التفاعل تبعاً للوظيفة.
ظهر الأثاث أولاً كحاجة وظيفية هامة مع انتقال المجتمعات الأولى إلى الاستقرار، ومرت صناعته بعدةِ أطوارٍ بدءاً من استخدام الطرق البدائية لصنع قطع “ثابتة”، من الطوب والحجر وصولاً إلى صنع أثاث “منفصل” قابل للتحريك والنقل، حيث كانت تُراعى في تصميمه النواحي العملية أكثر من الجمالية.
الأثاث الدمشقي
أبدع الدمشقيون في تصميم قطع الأثاث المختلفة كالكراسي والطاولات والمجالس والديوانيات (الأرائك)، المصنوعة معظمها من خشب الجوز، والمغطاة بقماش “الأغباني” المصنوع من خيوط الحرير الموشى بالذهب والفضة، والمتعددة الزخارف من مصدف وموزاييك وزخارف قيصرية والحفر والتنزيل الخشبي.
ويُعد بيت الصواف في “متحف البيت الدمشقي” نموذجاً مثالياً للأثاث الدمشقي، المؤلف من كراسٍ مفردة وكنبات وقلاطق (كراسي ذات مساند يدوية). فالكرسي المفرد مصدف ذو مقعد مغطى بقماش البروكار أو القماش المطرز، وقاعدته ذات زخارف في الجوانب الثلاثة، محمولة على قوائم مفتولة من الأمام ومضلعة من الخلف، وتتجلى زخرفة هذه الكراسي في المسند المزخرف بسرائد العاج، والأشكال الصدفية الدقيقة المتكررة المحدد بعضها بالخشب الأسود.
أما الخزائن فتتكرر الزخارف المصدفة على واجهاتها العالية وتيجانها، وتتميز بمراياها العالية التي تغطي بابي الخزانة، وتحتهما أدراج كبيرة وصغيرة مزخرفة بصدف مماثل. وتتألف زخارف المرايا من عناصر زخرفية لينة، لكنها مُفرغة في قواعدها وتيجانها العالية، بينما حفر الخشب على شكل غصن دائري ملتوٍ يحمل أوراقاً وينتهي في وسطه بأزهار كبيرة رصعت بقطع الصدف المنشور بأشكال صغيرة مختلفة، تأخذ محلها في أقسام هذا التشكيل الرائع الصعب.
الموزاييك الدمشقي
يقوم مبدأ الموزاييك على تطعيم الخشب بالخشب، وسمي بالموزاييك لأنه يشمل أنواعاً متعددة من الخشب الملون كخشب الورد الأحمر والليمون الأصفر والحور الأبيض والزيتون والكينا والجوز.
يُجهز بدايةً الهيكل الخشبي الأساسي وتصمم وتُرسم الأشكال بشكل متناظر على الخشب، ثم تصنع رواجع الموزاييك من خلال إعداد قضبان منتظمة من الخشب المتنوع الألوان ذات مقطع محدد (مثلث أو مربع)، لتُجمع وتُصف هذه القضبان بشكل هندسي يؤلف مجموعها فسيفساء، وذلك كله وفق الرسم المطلوب تنفيذه. ثم تقطع أفقياً إلى شرائح لنحصل على نسيج زخرفي فسيفسائي، يُلبس على المصنوعات الخشبية بلصقها بالغراء الطبيعي، وأخيراً تصقل لتصبح رقيقة ولامعة.
الجدير ذكره أن أول من ابتكر فن الموزاييك هو الحرفي الدمشقي جرجي بيطار، الذي بدأ باستخدام خشب الجوز والليمون في صناعته. ثم تطورت هذه الصناعة واستعملت فيها أنواع أخرى من الخشب الملون، لكن أعمال بيطار انتشرت بسرعة في البيوت الشامية والكنائس والأديرة، فصمم مكتباً كاملاً لقنصل النمسا في دمشق، و50 قطعة من خزائن ومكاتب وطقم كراسٍ كامل هدية من والي دمشق إلى السلطان العثماني عبد الحميد.
التطعيم بالصدف (التصديف)
يعد التصديف من الأساليب الزخرفية التي تعتمد على حفر الزخارف في حشوات الخشب ثم تنزيل قطع الصدف المعالج فيها، حيث يستخدم غالباً خشب الجوز سهل الحفر والذي يعيش لفترات طويلة نظراً لمتانة أليافه ومقاومته للتلف كونه لا يشكل بيئة حاضنة لدودة الخشب، وهو متوافر بكثرة في غوطة دمشق.
وتمر عملية إعداد الصدف قبل تنزيله بعدة مراحل، فيستخرج المحار أولاً من الأنهار (نهر الفرات)، ثم تبدأ عملية الصنفرة حتى يصبح الصدف ذو ملمس ناعم ثم يقطّع إلى شرائح رفيعة تسمى الواحدة منها “مبرزة”.
تبدأ عملية التصديف برسم شكل الزخرفة المراد حفره على ورق الكالك، ثم تُنقل الزخرفة على الخشب، قبل أن تُحفر وفق الرسم الموجود، ثم تُملأ هذه الزخارف المحفورة بقطع الصدف المعالج والمقطع بمقاييس محددة بحسب التصميم الذي يسعى المزخرف إلى تزيينه.
الاهتمام العالمي
في بداية القرن التاسع عشر، بدأ التجار والمهتمون بهذا النوع من الفنون باقتناء قطع أثاث وأبواب وجدران بعض البيوت السورية، وعُرضت في معارض ومتاحف عالمية. فنجد في متحف برلين للفن الإسلامي خشبيات غرفة حلبية نقلت من “بيت وكيل”، وهي تعرض لوحات زيتية عمرها نحو 400 عام، تصور موضوعات يهودية ومسيحية وإسلامية.
ويحتوي متحف “جاير أندرسون”، في القاهرة، غرفة نوم دمشقية كاملة يعود تاريخها إلى القرن 19 الميلادي، بما في ذلك جدرانها الخشبية وستائرها الحريرية، بينما يضم متحف “المتروبوليتان” في نيويورك قاعة دمشقية كاملة تعود إلى العام 1703، تحتوي سقفين خشبيين متصلين، الأول أشبه بسجادة مؤلفة من مستطيل مركزي يحتوي معينات مختلفة الأشكال والزخارف وتحيطه أربعة إطارات تنتهي بأفاريز تصل السقف والجدران. والثاني مؤلف من أعمدة عرضانية مزخرفة تتخللها خلفيات ذات زخارف مختلفة القياسات والأشكال. وفي أعلى الجدران الكلسية، تنفتح نوافذ من الزجاج المعشّق الملون وتغطى الجدران بكسوة خشبية مزخرفة تنفتح فيها أبواب الخزائن الجدارية والكتيبات، التي تزين بالأواني الخزفية والمصابيح الزجاجية أو الكتب.
وتنتشر صناعة المفروشات الشامية في ريف دمشق حيث يتوزع فيها عدد من المعامل التي تستفيد من توافر الأخشاب المحلية في تلك المناطق كأشجار الجوز والليمون، إضافة إلى خشب الورد المستورد والذي تُصنع منه المفروشات الثمينة. وتنتشر محلات بيع المصنوعات الدمشقية في أسواق دمشق الشهيرة كسوق الحميدية ومدحت باشا وباب شرقي.
الأثاث الإسلامي
يعتبر الطراز الأموي من أقدم طُرز الأثاث الإسلامي، ومن أهم سماته الحفر على الخشب لإضافة زخارف هندسية سداسية (خلية النحل)، وزخارف أخرى تتضمنها آيات قرآنية مثل آية الكرسي، حيث استخدم أسلوب الحفر الغائر والمجسم للوحدات الزخرفية الذي يُضفي عليها قرباً إلى الطبيعة.
وقد ازدهرت وتأصلت صناعة الأثاث عبر العصور وبخاصة في العصر الفاطمي، فتعددت المعالجات الزخرفية للأسطح واستُخدم أسلوب الحفر بمستويات مختلفة لتظهر تجسيداً للعناصر الزخرفية، كالحفر البارز بالخط الكوفي المورق مع الأشكال الهندسية النجمية. ثم تطور الأثاث في العصر المملوكي، وكانت دمشق مركز تطوير هذه الصناعة التي حملت اسمها “Damascening”.
يعد تصميم الأثاث نموذجاً مصغراً عن التصميم المعماري بشكل عام. فكلاهما يحمل المفاهيم نفسها من زاوية ونطاق مختلفين، وكلاهما يشمل التعامل مع التفاعلات البشرية، فالأشخاص يتفاعلون مع المباني بالطريقة نفسها التي يتفاعلون فيها مع الأثاث، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف مستوى هذا التفاعل تبعاً للوظيفة.
ظهر الأثاث أولاً كحاجة وظيفية هامة مع انتقال المجتمعات الأولى إلى الاستقرار، ومرت صناعته بعدةِ أطوارٍ بدءاً من استخدام الطرق البدائية لصنع قطع “ثابتة”، من الطوب والحجر وصولاً إلى صنع أثاث “منفصل” قابل للتحريك والنقل، حيث كانت تُراعى في تصميمه النواحي العملية أكثر من الجمالية.
الأثاث الدمشقي
أبدع الدمشقيون في تصميم قطع الأثاث المختلفة كالكراسي والطاولات والمجالس والديوانيات (الأرائك)، المصنوعة معظمها من خشب الجوز، والمغطاة بقماش “الأغباني” المصنوع من خيوط الحرير الموشى بالذهب والفضة، والمتعددة الزخارف من مصدف وموزاييك وزخارف قيصرية والحفر والتنزيل الخشبي.
ويُعد بيت الصواف في “متحف البيت الدمشقي” نموذجاً مثالياً للأثاث الدمشقي، المؤلف من كراسٍ مفردة وكنبات وقلاطق (كراسي ذات مساند يدوية). فالكرسي المفرد مصدف ذو مقعد مغطى بقماش البروكار أو القماش المطرز، وقاعدته ذات زخارف في الجوانب الثلاثة، محمولة على قوائم مفتولة من الأمام ومضلعة من الخلف، وتتجلى زخرفة هذه الكراسي في المسند المزخرف بسرائد العاج، والأشكال الصدفية الدقيقة المتكررة المحدد بعضها بالخشب الأسود.
أما الخزائن فتتكرر الزخارف المصدفة على واجهاتها العالية وتيجانها، وتتميز بمراياها العالية التي تغطي بابي الخزانة، وتحتهما أدراج كبيرة وصغيرة مزخرفة بصدف مماثل. وتتألف زخارف المرايا من عناصر زخرفية لينة، لكنها مُفرغة في قواعدها وتيجانها العالية، بينما حفر الخشب على شكل غصن دائري ملتوٍ يحمل أوراقاً وينتهي في وسطه بأزهار كبيرة رصعت بقطع الصدف المنشور بأشكال صغيرة مختلفة، تأخذ محلها في أقسام هذا التشكيل الرائع الصعب.
الموزاييك الدمشقي
يقوم مبدأ الموزاييك على تطعيم الخشب بالخشب، وسمي بالموزاييك لأنه يشمل أنواعاً متعددة من الخشب الملون كخشب الورد الأحمر والليمون الأصفر والحور الأبيض والزيتون والكينا والجوز.
يُجهز بدايةً الهيكل الخشبي الأساسي وتصمم وتُرسم الأشكال بشكل متناظر على الخشب، ثم تصنع رواجع الموزاييك من خلال إعداد قضبان منتظمة من الخشب المتنوع الألوان ذات مقطع محدد (مثلث أو مربع)، لتُجمع وتُصف هذه القضبان بشكل هندسي يؤلف مجموعها فسيفساء، وذلك كله وفق الرسم المطلوب تنفيذه. ثم تقطع أفقياً إلى شرائح لنحصل على نسيج زخرفي فسيفسائي، يُلبس على المصنوعات الخشبية بلصقها بالغراء الطبيعي، وأخيراً تصقل لتصبح رقيقة ولامعة.
الجدير ذكره أن أول من ابتكر فن الموزاييك هو الحرفي الدمشقي جرجي بيطار، الذي بدأ باستخدام خشب الجوز والليمون في صناعته. ثم تطورت هذه الصناعة واستعملت فيها أنواع أخرى من الخشب الملون، لكن أعمال بيطار انتشرت بسرعة في البيوت الشامية والكنائس والأديرة، فصمم مكتباً كاملاً لقنصل النمسا في دمشق، و50 قطعة من خزائن ومكاتب وطقم كراسٍ كامل هدية من والي دمشق إلى السلطان العثماني عبد الحميد.
التطعيم بالصدف (التصديف)
يعد التصديف من الأساليب الزخرفية التي تعتمد على حفر الزخارف في حشوات الخشب ثم تنزيل قطع الصدف المعالج فيها، حيث يستخدم غالباً خشب الجوز سهل الحفر والذي يعيش لفترات طويلة نظراً لمتانة أليافه ومقاومته للتلف كونه لا يشكل بيئة حاضنة لدودة الخشب، وهو متوافر بكثرة في غوطة دمشق.
وتمر عملية إعداد الصدف قبل تنزيله بعدة مراحل، فيستخرج المحار أولاً من الأنهار (نهر الفرات)، ثم تبدأ عملية الصنفرة حتى يصبح الصدف ذو ملمس ناعم ثم يقطّع إلى شرائح رفيعة تسمى الواحدة منها “مبرزة”.
تبدأ عملية التصديف برسم شكل الزخرفة المراد حفره على ورق الكالك، ثم تُنقل الزخرفة على الخشب، قبل أن تُحفر وفق الرسم الموجود، ثم تُملأ هذه الزخارف المحفورة بقطع الصدف المعالج والمقطع بمقاييس محددة بحسب التصميم الذي يسعى المزخرف إلى تزيينه.
الاهتمام العالمي
في بداية القرن التاسع عشر، بدأ التجار والمهتمون بهذا النوع من الفنون باقتناء قطع أثاث وأبواب وجدران بعض البيوت السورية، وعُرضت في معارض ومتاحف عالمية. فنجد في متحف برلين للفن الإسلامي خشبيات غرفة حلبية نقلت من “بيت وكيل”، وهي تعرض لوحات زيتية عمرها نحو 400 عام، تصور موضوعات يهودية ومسيحية وإسلامية.
ويحتوي متحف “جاير أندرسون”، في القاهرة، غرفة نوم دمشقية كاملة يعود تاريخها إلى القرن 19 الميلادي، بما في ذلك جدرانها الخشبية وستائرها الحريرية، بينما يضم متحف “المتروبوليتان” في نيويورك قاعة دمشقية كاملة تعود إلى العام 1703، تحتوي سقفين خشبيين متصلين، الأول أشبه بسجادة مؤلفة من مستطيل مركزي يحتوي معينات مختلفة الأشكال والزخارف وتحيطه أربعة إطارات تنتهي بأفاريز تصل السقف والجدران. والثاني مؤلف من أعمدة عرضانية مزخرفة تتخللها خلفيات ذات زخارف مختلفة القياسات والأشكال. وفي أعلى الجدران الكلسية، تنفتح نوافذ من الزجاج المعشّق الملون وتغطى الجدران بكسوة خشبية مزخرفة تنفتح فيها أبواب الخزائن الجدارية والكتيبات، التي تزين بالأواني الخزفية والمصابيح الزجاجية أو الكتب.
وتنتشر صناعة المفروشات الشامية في ريف دمشق حيث يتوزع فيها عدد من المعامل التي تستفيد من توافر الأخشاب المحلية في تلك المناطق كأشجار الجوز والليمون، إضافة إلى خشب الورد المستورد والذي تُصنع منه المفروشات الثمينة. وتنتشر محلات بيع المصنوعات الدمشقية في أسواق دمشق الشهيرة كسوق الحميدية ومدحت باشا وباب شرقي.
الأثاث الإسلامي
يعتبر الطراز الأموي من أقدم طُرز الأثاث الإسلامي، ومن أهم سماته الحفر على الخشب لإضافة زخارف هندسية سداسية (خلية النحل)، وزخارف أخرى تتضمنها آيات قرآنية مثل آية الكرسي، حيث استخدم أسلوب الحفر الغائر والمجسم للوحدات الزخرفية الذي يُضفي عليها قرباً إلى الطبيعة.
وقد ازدهرت وتأصلت صناعة الأثاث عبر العصور وبخاصة في العصر الفاطمي، فتعددت المعالجات الزخرفية للأسطح واستُخدم أسلوب الحفر بمستويات مختلفة لتظهر تجسيداً للعناصر الزخرفية، كالحفر البارز بالخط الكوفي المورق مع الأشكال الهندسية النجمية. ثم تطور الأثاث في العصر المملوكي، وكانت دمشق مركز تطوير هذه الصناعة التي حملت اسمها “Damascening”.